الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / د بدراوى يكتب في المصري اليوم: حول الزواج

د بدراوى يكتب في المصري اليوم: حول الزواج

قالت لى الشابة الرقيقة:

أغلب صديقاتى وأصدقائى الذين كانوا يحبون بعضهم البعض أثناء الجامعة وتزوجوا لم يوفقوا وحدث الطلاق بينهم.

قلت لها: يا بنيتى الظروف المحيطة بالشباب أثناء الدراسة بلا مسؤولية سوى الاستذكار والتمتع بالحياة بدون مسؤوليات تختلف عن واقع الحياة العملية بعد التخرج.

ولا بد للعلاقات الإنسانية أن تتوافق مع واقع جديد نعيشه ومسؤوليات تستجد، ونجاحات وإخفاقات تحدث لكل واحد وتتغير التوازنات المحيطة وتتغير المشاعر. لذلك لا بد من التريث فى قرار الزواج بعد التخرج والعمل.

قال شاب آخر:

يعنى حضرتك تنصح بالزواج المتأخر فى سن أكبر؟

قلت، لكل علاقة ظروفها ولا يمكننى تحديد سن معينة ولكنى أنصحكم بالتريث وعدم الاندفاع وراء المشاعر فقط فى ظروف معينة، فقد تتغير الظروف فتتغير المشاعر.

قالت فتاة فيلسوفة من الحالمات: مثل أصدقاء المصيف وأصدقاء الرحلات؛ بانتهاء المصيف والرحلة قد لا تستمر الصداقة بنفس الشكل لتغير ظروف الحياة.

قلت: فعلا

قالت أخرى وبماذا تنصحنا فى الزواج؟

قلت:

يقول جبران خليل جبران فى الزواج كلاما أردده منذ قرأت كتابه العظيم «النبى». يقول بتصرف منى:

فى الزواج أنتما معا لبناء حياة. ومع ذلك، فليكن بينكما فسحات. وليعط كل منكم الآخر من رغيفه ولكن لا تشتركا فى رغيف واحد. فإن أعمدة المعبد تقوم على انفصال.

وأوتار القيثارة تشدو، وإن شدت على افتراق.

ويقول العلم والكوانتم فيزياء: إن البنية الاساسية لكل الكون شىء أصغر من كل شىء اسمه الكوارك، وهى شعيرات تتراقص وتتذبذب بطرق مختلفة فتتكون المادة. وإن الله فى ذهنى هو المايسترو الذى يجعل كل مجموعة كواركات تتذبذب بشكل مختلف فتتكون المادة التى هى تعبير من الطاقة حسب نوع الذبذبات. وكأن الحياة كلها قطعة موسيقى والكون هو نغم إلهى.

كذلك حياتنا وارتباطنا بشركاء العمر، زوجا كان أو صديقا، هى منظومة تحتاج للتوافق والتناغم كقطعة الموسيقى أو سيمفونية الحياة. يكتبها اثنان، ويعزفانها سويا. يتجنبان النشاز ويسعيان للرقى بها لبناء عائلة جميلة سوية.

قال الشاب الواقعى:

أليس الزواج صفقة مثل كل الصفقات نحقق من ورائها هدفا؟.

قلت:

الزواج ليس عقدا ولا صفقة. الزواج التزام أخلاقى بين رجل وامرأة يسعيان لإسعاد بعضهما وبناء أسرة. الزواج هو إعلان بين الناس بالتزام بين اثنين بينهما حب واحترام.

إذا دخل إنسان إلى الزواج بهدف الربح وتحقيق أهداف فهو زواج نهايته محتومة.

قالت شابة أخرى:

وماذا عن الانفصال والطلاق؟

قلت:

إذا سعى أحد الطرفين للطلاق بدون محاولة جادة للصلاح فهو مخطئ. لا تقدما على زواج إلا وبينكما حب وصداقة ومودة واحترام. أركان أربعة إذا تداعى أحدها يسقط الالتزام ويختفى. وإذا قررتما عدم إكمال الالتزام، لفشلكما فى خلق حياة مشتركة فلتنفصلا بدون ضغينة وبدون كره. مرة أخرى الزواج ليس مجرد عقد وصفقة نحقق منها ربحا. فلنلتق بحب وننفصل بمودة.

قالت شابة تسافر كثيرا:

أنا لما أتزوج سأعقد قرانى فى إنجلترا حيث يعطينى القانون الحق فى نصف ثروة زوجى عند الطلاق.

قلت: إذن أنت لم تسمعينى، إذا كان هدف الزواج هو الحصول على المنفعة فستكون نهايته إلحاق الضرر بكل منكما، لأن فى طلب المنفعة عند الانفصال فأنت تعطين الطرف الآخر حق إلحاق الضرر بك، وحتى فى العالم الغربى المادى فالمنافع تعود على مكاتب المحاماة وليس على الزوجين. فلتتزوجا بالمعروف وتنفصلا بالمعروف.

قال شاب مثقف: عند الاختلاف تصبح الأمور معقدة يا دكتور وتختفى هذه القيم.

قلت: تأكدوا يا أولادى أن الحق ليس فى قانون غربى ولا محلى، الحق يظل حقا فى كل الأحوال. ومعادن الناس تظهر ساعة الاختلاف فلا تندفعوا لإلحاق الضرر بل اسعوا إلى تحقيق المنفعة برقى أخلاق وسعة صدر وتسامح. وإذا لم يكن بينكما أولاد فليكن انفصالكما بلا ضرر ولا منافع.

قالت شابة حديثة الطلاق:

لقد عذبنى طليقى وجعلنى أتنازل عن كل حقوقى ومعى طفل منه لكى أحصل على الطلاق، فهل هذا يرضى الله أم لأنى فقط أعيش فى مصر؟.

قلت لها: لا، إذا تزوجتما على سنة الله ورسوله فلا يرضى الله عدم حصولك على نفقة أولادك ورعايتهم، فى مصر أو فى غيرها، ولا يرضى الله أيضا سلب الزوجة نصف أملاك طليقها إذا كنت فى بلاد الغرب كما تقول زميلتك.

قال شاب عاقل: نصيحة أخيرة يا دكتور حول السعادة فى الحياة لننهى حديثنا بشكل إيجابى كما عودتنا:

قلت:

السعادة قرار إيجابى، ولها مقومات، إن لم نسع إليها قد لا نجدها. صحيح أن بعض الناس، وأنا منهم، چيناتهم مستعدة للبهجة، ويرون فى الناس أفضل ما فيهم، وفِى الأحداث حولهم، أجمل ما فيها. ولكن إن لم يكن الإنسان ساعيا للبهجة، وطالبا للسعادة، فقد تمر الأيام، ولا يراها لأنه لا يبحث عنها.

والعقل الجمعى للأسرة وللمجتمع، قد يخلق طاقة إيجابية والعكس. هذا العقل الجمعى تحركه ثقافة المجتمع وقادة المجتمع وإعلامه وفنونه. والاستعداد الوجدانى له يبدأ من الصغر، فى المنزل والمدرسة والجامعة، فى النادى والساحة، فى بيوت الصلاة.. جوامع وكنائس ومعابد.

الحياة نعمة من الخالق، والبهجة بها شكر لله، وعلينا أن نتوق إليها ونتذوقها، فهى حق من حقوق كل واحد فيكم، فلتسعوا إليها واجعلوها هدفا فى ارتباطكم، وانقلوا طاقتها الإيجابية لأولادكم.

التعليقات

التعليقات