الأحد , 30 مارس 2025
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / د بدراوى يكتب في المصري اليوم مصر التي نحلم جميعا بها

د بدراوى يكتب في المصري اليوم مصر التي نحلم جميعا بها

د بدراوى يكتب في المصري اليوم
مصر التي نحلم جميعا بها
د. أسامة حمدى، الأستاذ بجامعة هارفارد، هو العالم المشهود له عالميا فى بحوث وعلاج مرض السكر ويدير واحدا من أفضل مراكز البحث والتطوير فى علاج هذا المرض العضال فى العالم بالولايات المتحدة، ونشترك سويا بالميلاد فى المنصورة والذوبان حبا فى بلادنا حالمين بالغد وعاملين له. دارت بيننا مناقشة حول مصر التى نحلم بها، وتاريخها المرتبط بقادتها، ولأننا نرى فى الناس أفضل ما فيهم، ونقدر بإيجابية ما نراه حسنا وننقد ما نراه خطأ، فقد كانت المناقشة حول زعماء مصر فى العصر الحديث بدأها د. أسامة قائلا:

مر على مصر سبعة حكام فى الثمانين عامًا الماضية كل منهم حاول قدر الإمكان خدمة هذا البلد من موقع القيادة، فأجاد وأخطأ، وقد تتحمس لواحد منهم فترى فقط إنجازاته و«تقرقش الظلط» لإخفاقاته فتراه ملاكًا ولكنك ربما تنسى أن الحاكم ما هو إلا خادم للشعب وليس سيده ونجاحه وإخفاقه يكون بمقياس رضاء الناس عنه وقت حكمه وكلمة التاريخ بعد رحيله. وللأسف فقد انتهى عصر معظمهم بغير ما تمنوه.

قلت: لو كان تداول السلطة يحدث مدنيا بدون وفاة أو انقلاب أو اغتيال لكننا نرى بناء فوق بناء، وتراكما لإيجابية كل عهد، وإصلاحا لأخطائه، وما كنّا نرى كل رئيس يهدم فعل من قبله أو أحيانا يزيل اسمه من التاريخ ويتهم زمنه بالفساد والفشل.

قال: معك حق، بنظرة حيادية على هذه العصور لزعمائنا فإن لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، فهم بشر يصيبون ويخطئون، وكل منهم عاش فى عصره بمناخه الذى يختلف عما نعيش فيه الآن.

قلت: تعالى نأخذهم واحدا بعد الآخر ونرى وجهات النظر فيما أنجزوا وأخفقوا فيه.

قال: سأبدأ بالملك فاروق، عصر الباشاوات والحفاة، كان وطنيا يحب بلاده ويحترم النظام الدستورى الديمقراطى والانتخابات الحرة ويكره الاستعمار الإنجليزى.

قلت: وماذا عليه؟

قال: الاستهتار الشخصى وهوس القمار والعبث فى السياسة بتغيير الوزارات وإهمال الريف وتركه فريسة للجهل والفقر والمرض ودخوله حرب ٤٨ بدون استعداد أدى لهزيمة لكل العرب.

قلت: ونهاية عصره كانت الخلع من السلطة بثوره الجيش.

وأضفت: وماذا عن محمد نجيب الذى تم محو وجوده من التاريخ طوال حياة عبدالناصر وانتهى زمنه بالخلع والإقامة الجبرية.

قال: انتهت فى عهده الملكية والاستعمار وإعلان الجمهورية، ولكنه ارتمى فى أحضان الإخوان المسلمين والأحزاب المنحلة ولم يكن القائد الحقيقى للثورة.

قلت: عهد عبدالناصر سيشهد خلافا بينى وبينك بحكم معرفتى بك.

قال د. أسامة: عبدالناصر كان عصره هو عصر النهضة الصناعية والعدالة الاجتماعية، آمال الوحدة والانفتاح على أفريقيا، تأميم القناة، بناء السد العالى، النهضة الثقافية والأدبية والفنية، تنامى البعد الاشتراكى ومحاولة تحقيق مجتمع الكفاية، قوانين اجتماعية لحماية الطبقة المتوسطة والعمال والفلاحين، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، ثم حرب الاستنزاف بعد الهزيمة.

وأكمل: أما ما عليه، فكان الاعتماد على أهل الثقة، إخفاق مشروع الوحدة، التورط فى حرب اليمن، نكسة ٦٧ التى مازلنا نعانى من آثارها، النظام الشمولى وغياب الديمقراطية، السيطرة على الإعلام، والقمع الأمنى.

قلت: لقد كنت محايدا فى وصفك ولكن ما آخذه على عهد ناصر هو ضياع الفرصة، فقد كان بما له من شعبية فى العالم العربى قادرا أن ينقل البلاد إلى عهد ديمقراطى مستدام، لكنه ارتضى الديكتاتورية واستسهل الاستفتاءات وضيع فرصة قد لا تعاد فى تاريخ العالم العربى.

قال: وماذا عن أنور السادات؟

قلت: عصر الانتصار وبداية السلام، واستعادة سيناء والتحول الديمقراطى وبناء المدن الصناعية والخروج من فلك المعسكر الشيوعى الروسى برؤية مسبقة لاحتمالات سقوطه.

قال: وما عليه كان كثيرا أيضا، الانفتاح الاقتصادى المتهور واتساع الفوارق بين الطبقات، المقاطعة العربية، إعادة الإسلام السياسى إلى الساحة، والارتماء فى فلك المعسكر الغربى الأمريكى، وهدم كل ما كان يمثله عهد ناصر من عدالة اجتماعية. وانتهى عصره نهاية مأساوية بالاغتيال (الاستشهاد) وسط جنوده بيد من أخرجهم وعفا عنهم.

قلت: عصر حسنى مبارك تميز بالاستقرار، واستكمال تحرير الأرض، عودة العلاقات العربية، وعدم التورط فى صراعات فى المنطقة، اتساع الاستثمار الخارجى، وارتفاع الدخل العام للبلاد.

قال: نعم ولكن ذلك لم ينعكس على المواطن من الطبقة المتوسطة والفقيرة مع تجريف اجتماعى وركود سياسى، وإخفاق فى التعليم والصحة، واتساع الفوارق بين الطبقات، والانفجار السكانى الرهيب وظهور العشوائيات، والإفراط الأمنى، والانهيار الأخلاقى للمجتمع.

قلت: الحقيقة أنه أيضا كان لديه الفرصة لتأكيد الديمقراطية وتداول السلطة كما كان يقول فى بداية حكمه لكنه لم يفعل وانتهى حكمه بالتنحى مجبرًا عن السلطة بشكل غير دستورى وتسليم السلطة للقوات المسلحة بدلا من إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وفق الدستور.

قال: أما محمد مرسى فكان عصر صعود الإسلام السياسى والسقوط السريع والمريع نتيجة الغرور والغباء السياسى والاستحواذ على كل السلطات وتلوين المجتمع بلون الإخوان، ولكن علينا أن نذكر محاولته الاهتمام بالبعد الاجتماعى، وحقيقة حرية الإعلام الذى كان أحد أسباب سقوط حكمه.

قلت: كذلك تمكين الإخوان من كل مفاصل الدولة، تدمير مؤسسات الدولة وإنشاء مؤسسات موازية كالميليشيات المسلحة، فتح الباب للمتطرفين وحمايتهم، وفتح الباب للتدخل الخارجى التركى والقطرى والأمريكى فى شؤون البلاد ومستقبلها والانهيار الاقتصادى، وانهار

عصره بالعزل من السلطة بثورة شعبية وتأييد ومعاونة من الجيش.

قال، وأنا أبتسم: هل نكمل الحديث عن عبدالفتاح السيسى (حتى الآن) أم أن ذلك غير مسموح به.

قلت: أعتقد أن التخويف من صراحة الحديث السياسى ليس مصدره مؤسسة الرئاسة لكنه انطباع يزداد يوما بعد يوم.

قال د. أسامة: لو كانت مصر أخذت بأفضل ما فى حكامها وبنت على إنجازاتهم وأصلحت أخطاء كل عصر بدلا من هدم كل شىء والبداية من جديد لكننا فى مكانة أخرى.

قلت وأنا وهو نستكمل جمل بعض: لو جمعنا معًا مزايا كل منهم لتحققت الدولة المصرية المدنية العصرية الحديثة التى نحلم جميعًا بها «نظام دستورى ديمقراطى مستقر وانتخابات حرة، وتداول سلمى للسلطة، وفصل تام بين الدين والسياسة، نهضة صناعية كبرى، تعليم عالى المستوى ورعاية صحية بمعايير عالمية، ومواصلات عامه تحترم آدميه المواطنين، عدالة اجتماعية مبنية على فلسفة واضحة، تكافؤ للفرص، نهضة ثقافية وأدبية وفنية، تنامى، حماية الطبقة المتوسطة، واتساع الاستثمار الخارجى داخل البلاد، مع حرية الإعلام. استكمال المشاريع الكبرى والبنية التحتية واستدامة الإصلاح الاقتصادى، مع تحسن ورفع كفاءة الأداء الأمنى. علاقات عربية ودولية متوازنة، والقضاء على العشوائيات وإعادة التخطيط العمرانى، جذب الاستثمار وتنمية السياحة».

أليست هذه مصر التى نحلم جميعًا بها.

قلت: التنمية الإنسانية يا صديقى والتداول السلمى للسلطة هو أساس البناء التراكمى والتعلم من أخطائنا وألا نعيد فعل نفس الشىء فى انتظار نتائج مختلفة.

قال: بعيدًا عن معسول الكلام وبمنتهى الصدق والإخلاص أقولها لزعماء مصر الحاليين والقادمين هذا هو كل ما نتمناه منكم لمصرنا الحبيبة ليتذكركم التاريخ بالخير.

 

التعليقات

التعليقات

عن د. حسام بدراوي

د. حسام بدراوي
عن دكتور حسام سياسي ومفكر وطبيب بارز فهو رئيس قسم أمراض النساء والتوليد الأسبق في كلية الطب جامعة القاهرة، تلقي الدراسات العليا أعوام 1979 إلى 1981 في الولايات المتحدة الأمريكية، انتخب عضو في البرلمان المصري ورئيساً للجنة التعليم والبحث العلمي في بالبرلمان منذ عام 2000 حتى 2005، السياسي حسام بدراوي عرف بمواقفه المستقلة ومن القلائل الذين اتفق على نزاهته الجميع من كافة التيارات السياسية، ففي عصر الرئيس الأسبق مبارك كان يلقب بالعاقل داخل صفوف الحزب الوطني، حيث كانت نداءاته وطلباته السياسية تتفق بقدر كبير مع النداءات الداعية للانفتاح السياسي والديمقراطي في مصر، فكان ضد تمديد حالة الطواري، واعترض على انفراد الحزب الوطني بالتعديلات الدستورية، خلال ثورة 25 يناير 2011 ، لعب دوراً سياسياً هاما، حيث عبر منذ اللحظة الأولى على حق المتظاهرين في مطالبهم، ودعا الحكومة إلى الاستماع والاستجابة لهم، ما جعل مبارك مع تصاعد الاحداث لما له من شعبية بتعيينه أمينا عاما للحزب خلفا لأعضاء هيئة المكتب وخلال تلك الفترة عبر عن رأيه السياسي لمبارك بضرورة التنحي، وهو ما دفعه للاستقالة من الحزب بعد 5 أيام من تعيينه يوم 10 فبراير معلنا اختلافه السياسي مع القيادة السياسية في طريقة التعامل مع المتظاهرين ومطالبهم في حكم الإخوان فظلت مواقفه واضحة منذ اللحظة الأولى برفضه الدولة الدينية التي اعتبرها تريد تلويين الشعب بلون واحد، واعتبر قرار الرئيس المعزول مرسي بعودة مجلس الشعب ترسيخ للديكتاتورية المؤيدة من الولايات المتحدة، وكان من أوائل المنددين بتوغل سلطة مرسي على سلطة القضاء، مستنكرا محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل مليشيات الإخوان أيد د حسام بدراوي حركة تمرد مع بدايتها، وأعلن أن إسقاط حكم الإخوان أصبح ضرورة ومخاطرة لابد منها قبل أشهر من ثورة 30 يونيو، مؤكدا أن الجيش سيقف بجانب الشرعية المستمدة من الشعب.. في ٢٠١٦ تم اختياره رئيسا للجنة الاستشارية لمشروع التعليم أولا ورئيسا للجنة وضع رؤية مصر ٢٠٣٠ في التعليم وفي ٢٠٢٢ تم اختياره مستشارا للحوار الوطني لرؤية مصر ٢٠٣٠