الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / د.بدراوي يكتب المصري اليوم: هل يمكن تكوين حزب سياسى يحظى بأغلبية فى الانتخابات القادمة؟

د.بدراوي يكتب المصري اليوم: هل يمكن تكوين حزب سياسى يحظى بأغلبية فى الانتخابات القادمة؟

خلال الشهور الأخيرة، قمت بإجراء تجربة حية فى الشارع المصرى، مستخدما حزب الاتحاد الذى كنت قد أسسته بعد ثورة يناير مباشرة، وكان الحزب قد حصل على أربعة كراسى فى برلمان ٢٠١٢، مما سمح لى بمعرفة ما يجرى من أحداث وقتها داخل المجلس، وكذلك أتاح لى أن أحضر اجتماعات المجلس العسكرى مع الأحزاب السياسية الممثلة فى البرلمان شاملة التيار الدينى بأجنحته المختلفة من إخوان ووسط وسلفيين أو متخفين فى زى مدنى.

فى انتخابات البرلمان الأخيرة ٢٠١٥ قررنا عدم خوض السباق الانتخابى وتحليل الواقع السياسى بعدها ثم ساندت بشكل مباشر الأستاذ محمد الشورى، دائرة طلخا، ليمثل الحزب فى البرلمان ونجحنا فى ذلك. ورغم أن عندى حوالى ثمانية وثلاثين مستقلا يرغبون فى الانضمام إلى الحزب فى حال تنشيطه فإننى والهيئة العليا ندرس الأمور ونزنها هادفين إلى مصلحة البلاد أولا.

إلا أننى قد استخدمت بإذن الهيئة العليا للحزب الإطار الحزبى لتفعيل النشاط بهدف الانتخابات المحلية مما يعطينى الفرصة للتواصل مع القواعد الشعبية فى كافة المحافظات وبحث تكوين جبهة شعبية يمكنها خوض الانتخابات المحلية ثم البرلمانية التالية، واضعا فى الاعتبار ما يطلبه السيد رئيس الجمهورية وتساؤله حول ذلك.. وحيث إننى أحظى والحمد لله بجانب كبير من الاحترام السياسى فقد توافد لمقابلتى العديد من القيادات النقابية العمالية والفلاحين والعديد من القيادات السياسية على مستوى المراكز والقرى من كافة الطوائف وعدد من نواب البرلمان المستقلين وحتى من الأحزاب الممثلة فى المجلس، وذلك لاستكشاف الجديد. ولقد خرجت بعد تجربة الأربعة أشهر الماضية بالنتائج التالية التى أوجزها لأنها ستعطينا تصورا للخطوات السياسية القادمة التى قد تحمى البلاد وتديم الاستقرار السياسى إن شاء الله.

١- القوة الأولى سياسيا هى ومازالت ثقافة أغلب المجتمع السياسى الحزبى بالسعى للاقتراب والتظلل بالسلطة التنفيذية. ولقد كان السؤال المباشر لى، ودائما بشكل شخصى، هل هذا التجمع والتفعيل يعنى موافقة الرئيس ورعايته، وهو الأمر الذى كان لا يمكننى الإجابة عليه، ولكننى كنت أردد أن الحزب مؤيد للرئيس السيسى لفترة رئاسية جديدة ولكنه سيطرح أفكارا ورؤى سياسية مختلفة للحكومة فى الفترة الرئاسية الثانية. ولقد لاحظت وبوضوح أن رغبة هذا المجتمع السياسى تدور فى فلك الخوف من اعتبارها معادية للأجهزة الأمنية.

إن هذه الأغلبية تحتاج إلى الاطمئنان أنها مع تيار الدولة وأجهزتها (كما يسمونها) ويرحبون بالشخصيات السياسية المحترمة ولكن فى هذا الإطار.

٢- القوة السياسية التالية هى قوة المال والتمويل. لقد لاحظت أن تأثير ذلك كبير ولكنه لا يغنى عن الأولى ولا مانع وياحبذا لو كان التمويل متواكبا مع القوة الأولى. ولكن وبوضوح فإن تأثير التمويل المالى المباشر للأشخاص السياسيين على المستوى الشعبى يزداد أثناء الانتخابات، وسيكون فى المرتبة الثانية تأثيرا بعد القوة الأولى. إن عدم تواجد القوة الأولى سيتيح توسع تأثير القوة الثانية.

٣- القوة الثالثة هى الأيديولوجية الثورية والمعارضة بشكل عام لكل شىء، والتى تقدم هدما لأى واقع بلا بدائل إيجابية. قليل ممن قابلتهم من هذه النوعية، وصوتهم عال وصراخهم شديد وتأثيرهم سيكون فقط فى التظاهر والاعتصام أو المقاطعة وإيجاد صورة ذهنية إعلامية فى الداخل والخارج أن مصر غير مستقرة وتستخدم كل الوسائل لتعظيم الأخطاء وتعميمها. أنا لا أرى لهم قيمة انتخابية فى اتجاه معاكس ولكنى أرى تأثيرهم فى خلق واستدامة طاقة سلبية فى المجتمع مما يزيد حنق مجموعات من الشعب فى المنطقة السياسية الرمادية ويميل إلى استنزاف المجتمع.

٤- القوة الرابعة هى التيار السياسى اليسارى ذو الصوت العالى إعلاميا ولكنه عبر التاريخ الحديث لم يحصل مرة واحد على أغلبية برلمانية، ويميل أن يستغل القوة الثانية والثالثة عندما تتاح له الفرصة. هذا التيار قد يكون وراء تحريك الاعتصامات والإضرابات بين الموظفين والنقابات، ولكنه فى أغلبه سينضم إلى القوة الأولى فى حال ظهورها.

٥- القوى الدينية والتى أخشى�� لعدم شعبيتها الواضح الآن، تغلغلها بين أوساط القوى الأخرى لركوب موجات الغضب وقت اللزوم والعمل المستمر لتوسيع الشقة بين الطموحات والواقع والتركيز على أخطاء الإدارة الحكومية فى التعامل مع المجتمع. ولكن فى هذا الوقت هى قوى لا تستطيع الفوز فى الانتخابات إلا متوارية مع مجموعة ما أو حزب ما. ولا ننسى أن الإخوان قد تحالفوا مع حزب الوفد مرتين، وهو الحزب الليبرالى التاريخى، مرة عام 1984 ومرة أخرى عام ٢٠١٢.

إننى أرى أن كتلة الإخوان الانتخابية التى قد تصل إلى ٣ ملايين ناخب ستظل تمثل جذبا للانتهازية السياسية فى الحصول على الأصوات بأى شكل وستظل تجربة الوفد مرتين أمامى واضحة.

لذلك أرى أن إيجاد طريق سياسى جديد يتيح التواصل مع الشعب فى إطار الوضع السياسى الحالى سيكون من خلال حزب سياسى مماثل على الأقل للحزب الوطنى أو الاتحاد الاشتراكى، وهى النماذج الواجب تجنب ظن الناس بالعودة إليها، ولا أظن أنها مناسبة للفترة التالية من الحكم، لأنها، أردنا أو لم نرد، مرتبطة أيضا ببقاء الحاكم فى منصبة مهما تعددت مدد الحكم.. إنه نموذج إذا كررناه فنحن نسعى لنفس النتائج التى أفرزت هزيمة ٦٧، واغتيال الرئيس السادات، والثورة على مبارك، والرفض الشعبى لحكم الإخوان.

إن كتلتى دعم مصر وفى حب مصر وغيرهما من الكتل البرلمانية والرغبة فى تحويلها إلى أحزاب سياسية مثال واضح لما أقول، وأعلم حسن النية للجميع، ولكنى أحذر من الفشل الحتمى للعمل السياسى بهذه الطريقة.

تلخيصا لدراستى للواقع السياسى فإن تكوين ظهير حزبى سياسى قوى يحظى بالأغلبية لن تقوم له قائمة بدون الرئيس، أى رئيس، واستخدام شعبيته، وستظل البدائل السياسية بين القوى الأخرى كلها غير مستحبة، بل ستحاربها أجهزة الأمن إلا لو كانت تسير متوافقة معها، مما يجعل أثرها السياسى منعدما. ولذلك يجب التفكير فى النماذج السياسية الأخرى المتاحة عالميا أو ابتكار النموذج الذى يتيح استمرار واستقرار البلاد، ليس فقط فى فترة حكم الرئيس السيسى، ولكن بعد ذلك أيضا بانتهاء حكمه عام ٢٠٢٢.

حقيقة الأمر أن الرئيس السيسى يملك فرصة تاريخية فى القدرة على تفعيل الحياة السياسية بصفة أنه الرئيس فى فترة حكم ثانية، ولن تكون له فرصة فترة حكم ثالثة لأن الدستور يمنع ذلك.

فرصة الرئيس السيسى أنه لا يحتاج إلى قمع العمل السياسى للبقاء فى الحكم. إذن فإن إعلانه الواضح بعدم سعيه لفترة حكم ثالثة سيتيح له حرية فتح المجال للعمل الحزبى الحر.. فالأحزاب تحتاج إلى التواصل الجماهيرى، وإلى تمويل نشاطها بشفافية، وإلى تنفيذ برامجها وعرضها كبديل لما تقوم به الحكومة، وقد تتوافق وتختلف مع الحكومة الحالية وهى كلها أمور تقع فى المنطقة الرمادية بين اعتبارها تقوم بعمل سياسى أو اتهامها بالعمل على هدم الدولة، لمجرد الاختلاف مع السلطة الحاكمة أو برؤية نشاطها بريبة وتشكك.

إننى أرى كيف تتعامل الدولة مع تمويل مؤسسات المجتمع المدنى المحترمة والتى تعمل فى التنمية ولها تاريخ اجتماعى غير سياسى. إن أى تمويل حتى لمشروعات تنموية لا يسمح به إلا بشق الأنفس، وفى بعض الأحيان لا تأتى الموافقة إلا بعد سحب التمويل لمرور الشهور التى تأخذها موافقة الأجهزة عليه.

فما بالنا إذا كان التمويل لعمل سياسى حزبى.. حتى لو كان من المواطنين أنفسهم. بدون تمويل الأحزاب ستعتمد على التمويل الفردى من مؤسس الحزب، مما يجعل وجود الحزب غير مستدام، بل يفقد شرعيته لتضارب المصالح الذى سيأتى، إن عاجلا أو آجلا.

الرئيس يملك الفرصة التاريخية ليكون الأب الروحى للجميع، ولا مانع من أن يعلن اختيار عدد من الأحزاب التى لها تمثيل برلمانى فى الانتخابات القادمة، ويعقد معهم لقاءات عامة وخاصة، ويوجه أجهزة الدولة بتيسير عملهم العام طالما يتم بشفافية وإعلان حتى لو كانوا معارضين له.

وأنا متأكد أن خطوات مثل هذه من الرئيس ستحيى العمل السياسى، لأن فى الضمير الغائب لكل الأجهزة والعقل الباطن لأغلب المسؤولين، مع ثقافة تراكمت على عدم التصديق أنه سيتم تعديل الدستور واستمرار الرئيس فى الحكم رغم أنه يقول غير ذلك. ومعنى ذلك البقاء فى سجن الحزب الواحد الذى يعتمد على القرب من رئيس الدولة وأجهزتها لينجح فى الانتخابات أو يمكنها من تقديم الخدمات.

لقد شاهدت الرئيس الأسبق مبارك عشرات المرات ينفى توريث الحكم، ولكن توطد فى نفوس الأجهزة والإعلام أن الحكم سيورث، وذلك لأن الانطباع يصبح حقيقة، وقد لا يحتاج إلى برهان بتكرار بعض الأفعال.. لذلك فإننى أضع المسؤولية على أكتاف الرئيس بالعمل الفعلى مع الأحزاب الجادة الممثلة فى البرلمان الحالى والقادم مهما كانت توجهاتها، وتأكيد عدم سعيه لفترة رئاسية ثالثة، بأى حجة، مما سيجعله حرا فى تأييد العمل الحزبى بوضوح وشفافية.

التعليقات

التعليقات