الخميس , 19 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / د بدراوي يكتب في المصرى اليوم نبذ العنف وخطاب الكراهية من مدخل التعليم

د بدراوي يكتب في المصرى اليوم نبذ العنف وخطاب الكراهية من مدخل التعليم

د بدراوي يكتب في المصرى اليوم
نبذ العنف وخطاب الكراهية من مدخل التعليم
قال الشاب النابه: كيف يمكن أن نطرح أسس مفاهيم حقوق الإنسان فى التعليم يا دكتور؟

قلت: لا يوجد مكان يتجمع فيه كل المواطنين لمدة 14 سنة متتالية مثل المنزل والمدرسة والجامعة، أى 18 سنة فى إطار له جدران، محدد الزمان والمكان، نمتلك فيه كدولة حق خلق جزء كبير من قناعاته وبناء وجدانه، مع تأثير الإعلام، خصوصا التليفزيون، عليهم.

وللأسف بعد انتهاء هذا الزمن يتخرج لنا المتطرفون وغير القابلين للتعددية وغير المؤمنين بالمواطنة، فلابد أننا نفعل شيئا خطأ.

يقول د. طه حسين فى كتاب «مستقبل الثقافة فى مصر» إن محو الأمية ليس هو محو أمية القراءة والكتابة، ولكنها أمية القراءة والكتابة والفهم، لأننا لو محونا أمية القراءة والكتابة بدون فهم أصبح من يقرأ ولا يفهم عُرضة لأن يتحكم فيه من يفكر له. فالمسألة ليست قراءة وكتابة لكنها مسألة تتضمن عمق فهم، وقدرة على الاختيار واتخاذ القرار، والتمييز بين الخطأ والصواب.

القضية يا أبنائى هى القدرة على اختيار الصواب بعد تراكم المعرفة عبر السنين، والتعود على ممارسات يراها الشاب عادية، وأحيانا بطولة، وهى مليئة بانتهاكات لحقوق الإنسان والحيوان، التى كان الإسلام أول الأديان التى نادت بالحفاظ عليها.

عاد الشاب سائلا: وما الجديد فى التعليم فى هذا الشأن؟

قلت: إن التعليم عابر للحدود، فلا يوجد شىء اسمه تعليم مصرى أو عربى أو أجنبى أو تعليم مدنى وتعليم دينى، فالتعليم يقوم على أسس واحدة، والتطور يسير فيه على نهج علمى، وفى آخر عشر سنوات أصبحت التكنولوجيا فرضا رئيسيا فى التعليم فى العالم كله، والأكثر تأثيرا فى وسائله وطرقه لتوصيل المعرفة للطلاب. إن المعرفة متاحة للجميع وبدون تكلفة.. فتغيّرَ دور التعليم من مجرد نقل المعرفة لأذهان الطلاب إلى معايشة الطلاب فى المدرسة والجامعة، بما يعنى أن القضية أصبحت ليست منهجا جديدا للتعليم ولكنه نموذج للمعايشة داخل إطار مؤسسة التعليم.

إننا نتكلم عن مهارات القرن الواحد والعشرين وصياغة الوجدان وخلق المناخ الذى تنمو فيه الشخصية السوية. ولكن قبل ذلك علينا أن نتفق ما الشخصية السوية التى نسعى إليها. ما الهوية التى نبغاها، ما القيم التى علينا أن نرسخها؟

ولماذا قصدت هذا المدخل؟.. لأن هذا المدخل يقول إنه يمكن أن نطور التعليم ونستخدم وسائل التطور وننجح بشكل فائق، لكن قد يخرج من مؤسساتنا أيضا المبتكر والعالم والمبدع والعبقرى، ولكنه فى نفس الوقت المتطرف فى الفكر والعنيف والقاتل. إذاً المسألة ليست فى إدخال منهج حقوق الإنسان لمنع التطرف، ولكنها طريقة حياة داخل المؤسسة التعليمية التى يخرج منها هذا الشاب أو هذه الشابة قادرا على التمييز بين الحق والباطل، وأن يعيش فى إطار يحترم حقوق الآخرين بدون منهجية العنف الزائد الموجود فى المجتمعات الحديثة. إن صُنع الوجدان يتم فى مؤسسات التعليم، فى الأسرة، من الإعلام، فى مناخ الثقافة العامة والفنون. والتعليم الآن نتفق كلنا على أنه ليس تلقينا ولا منهجا وإنما تتداخل فيه أمور جديدة، مثل اللعب والإلكترونيات واستخدام الإنترنت والوصول للمعارف غير المحدودة واليوتيوب وغيرها.

كل هذه التكنولوجيا متاحة للشباب بدون أى قدرة تحكم من جانبنا، ومن يحاول الوقوف أمام استخدامها فسوف يفشل بالتأكيد. ولكن فى الواقع يجب علينا التفكير فى كيفية استخدام أدوات العصر لخلق الوجدان الذى يسمح بالتسامح وقبول التعددية وقبول الآخر والسلام مع النفس ومع الآخرين..

إذاً فالهدف ليس الحصول على شهادة ولا مجرد تلقى العلم أو حتى الحصول على المعرفة، لأنها أصبحت متاحة لمن يريد، ولكن أصبح الهدف هو بناء شخصية متكاملة للمواطن.

إن المسؤولين عن التعليم مثل المسؤولين عن الخطاب الدينى، هم جزء من المجتمع، فمن وجهة نظرى لا يجب تكليفهم وحدهم بتغيير أو وضع حقوق جديدة أو إحداث تغيير جوهرى فى نظرتهم، لأنهم قد لا يستطيعون الخروج من دائرة قناعتهم والمفاهيم المتأصلة عبر الزمن فى وجدانهم.

نحن نحتاج إلى نظرة من خارج مؤسساتهم، ولا أتحدث هنا عن حوار دينى ولا إعلام فقط، بل شجاعة فى الطرح، ومعايير يجب أن يشارك المجتمع كله فى تغييرها.

قال شاب آخر:

وماذا تقول الحكمة والخبرة؟

قلت: أولا: إنه لا يوجد نظام تعليمى يرتقى فوق مستوى معلميه، فلو أننا نتكلم عن منهج يُدرَّس وعن إدراك للحقوق يتم تدريسه للأجيال الحديثة وصناعة مستقبل وصناعة شخصية، فيجب تركيز هدفنا على القائمين على العملية التعليمية من معلمين ومديرين، لأنهم الميسرون لحصول الطالب على المعرفة فى المؤسسة التعليمية، فيجب أن نحدد هدفنا بالارتقاء بمستوى المعلم ومستوى التعليم معا.

الحكمة الثانية تقول: إنه لتحسين مستوى التعليم يجب تهيئة المناخ للمتعلم، فإذا كان مناخ التعليم قبيحاً وليس به جمال فلا تنتظر من المتعلم أن يحب الجمال أو أن يصفو.. وأيضا لو كان المناخ مليئا بالكذب وانعدام الأمانة فيجب ألا ننتظر من التعليم أن يرتقى لمستوى أعلى نظنه سيتواجد وحده.

الحكمة الثالثة تذكّرنا بالذى يفرق الإنسان عن سائر المخلوقات، وما الذى أودعه الله فى الإنسان يميزه عنها.. والإجابة هى الخيال والحلم وتراكم المعرفة.

فلو سألنا أنفسنا: من أكثر الناس الذين يملكون الخيال فى المجتمع؟ نجد أنهم الأطفال، ففى مرحلة الطفولة، السنوات الأربع الأولى هى الأهم فى سنوات الدراسة، بل أقول إن التسعة أشهر الأولى فى رحم الأم قد يكون لها تأثير، وذلك يدفعنى للتساؤل: إلى أين يتوجه خيال أطفالنا؟

لو تأملنا فيما نقدمه لأطفالنا لوجدنا أن العنف يملؤه، فأغلب الألعاب مليئة بالعنف، وأغلب الأفلام السينمائية مليئة بالعنف، حتى أفلام الرسوم المتحركة مليئة بالعنف، فمن الصعب جدا تغيير هذا الوجدان بدون رؤية ثقافية.

فمثلا، التعليم الدينى يقضى فيه الطالب أربع عشرة سنة من الدراسة فى المدارس، ثم أربعة أعوام فى الجامعة، ولم يجلس بجانبه مسيحى ولم تجلس بجانبه فتاة.. هل يتقبل أن يكون هؤلاء مواطنين معه لهم نفس الحقوق؟!.

إذا كانت هناك سياسات فيجب تطبيقها على الجميع، لأنه ينبغى ألا يكون لدىّ مسار يسمح بأحادية الفكر، ومسار آخر يسمح بتعددية الفكر، فالرسالة لابد لها أن تتغير، فأنا لم أصادف إلى الآن رسالة تجمع بين التوجهين. نحن نريد إبداعا أكثر فى إدخال آليات تعمل على تقزيم التطرف وتقبُّل المختلف.

من السهل جدا أن نقول، ولكن من الصعب جدا التطبيق، وأن يتعلم ملايين المدرسين ذلك فى مؤسساتهم ويطبقوه. يجب أن نظهر جدية حقيقية فى التعامل مع هذا الأمر. فبدون أن نُفعِّل هذه المفاهيم الجديدة وندمجها فى وسائل التكنولوجيا الجديدة، فمن الصعب جدا أن نتوقع جيلا جديدا أكثر إبداعا وأكثر عبقرية وأقل تطرفا.

التعليقات

التعليقات