الجمعة , 21 فبراير 2025
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / د بدراوي يكتب في المصري اليوم: المتهم مذنب إلى أن تثبت براءته

د بدراوي يكتب في المصري اليوم: المتهم مذنب إلى أن تثبت براءته

المتهم مذنب إلى أن تثبت براءته
حسام بدراوي

قال الشاب النابه: لماذا يقف المتهمون فى المحاكمات العلنية فى مصر فى قفص، سميناه قفص الاتهام، ولا نرى هذه الظاهرة فى البلاد المتقدمة؟

قلت: حسب فهمى أن القانون لا يلزم القاضى بذلك إلا لحماية المتهم من طرف آخر أو من جمهور أدانه قبل المحاكمة، وقد أكون خاطئا فى فهمى.

قال: ولكن هذا أصبح معتادا وأفهمه فى بلاد لا توجد فيها وسائل حماية للمحاكمات، ولكننا بلدٌ الأمنُ يمسك فيه بزمام الأمور.

قال شاب آخر: وما معنى وقوف رئيسين للجمهورية فى قفص الاتهام الذى تفننا فى أن نجعله زجاجيا، والآن غير قابل لنقل الصوت إلا من خلال أجهزة وتقنيات، وهم متهمون ولم تثبت إدانتهم. أليس هذا إهانة للمنصب الرفيع؟

قالت الشابة المتحمسة: أعتقد أن ذلك هدفه إعطاء رسالة للشعب بأنه لا أحد فوق القانون.

وقال آخر: يستاهلوا بعد كل ما فعلوه فى الوطن.

قلت: يعنى إنت خلاص حكمت عليهم بدون تدقيق، ومنطقك يقول إنه لا داعى للمحاكمات، وتعالوا ندين المتهمين من خلال استفتاءات أو استطلاعات رأى، ونضع جهاز العدالة كله على الرف. اسمعونى وتعالوا نفكر معا.. هل المتهم برىء إلى أن تثبت إدانته، أم أن المتهم مدان إلى أن تثبت براءته؟ ميزان العدل يقول إن جهة الاتهام هى النيابة، ومَن جمع الأدلة الأولية لاتهام شخص ما هو أجهزة الشرطة.. والجهتان أعتبرهما سلطة تنفيذية، أما مؤسسة العدالة فهى سلطة مستقلة لا تأتمر بأمر حاكم أو وزير، وهى الجهة التى تتوافر لها وأمامها كل وثائق الاتهام ودلائل البراءة، وهى التى تحكم باسم الشعب إن كان المتهم بريئا أم مذنبا. فى هذه المرحلة كيف يجب أن نتعامل مع المتهم.. ولنفترض أن مدة المحاكمة طالت، وأن المتهم برىء فى النهاية، هل يسكن السجون وتُنتهك حريته أم علينا الانتظار قبل فرض العقوبة؟

ولماذا إن كان المتهم ليس مسجونا تحت ذمة التحقيق يتم إدخاله القفص أثناء المحاكمة، إلا إن كان المقصود إهانته وتثبيت الانطباع فى وجدان المجتمع والإعلام بأنه مجرم؟!

أعتقد أننى أحيانا أشك أن مجرد الاتهام أصبح عقوبة، خصوصا فى العمل الاقتصادى والسياسى، وأن العدالة الانتقائية أشد وطأة على حرية المواطنين من انعدام العدالة.

وحتى فى عقوبة السجن، فالهدف منها إصلاح وتهذيب وتعليم كما كنا نسمع، وتكبيل حرية المذنب لا يعنى معاملته معاملة سيئة، أو نومه فى مكان غير مناسب، أو تكديره. العقوبة هى حجب الحرية وليست عقوبة بدنية.. وللأسف فإن الكثيرين من المتطرفين تطرفوا داخل السجون وليس خارجها.

لقد كنت عضوا نشيطا داخل المجلس الأعلى لحقوق الإنسان لمدة ٧ سنوات، تعلمت فيها وقرأت ودرست وفهمت الكثير الذى غيّر بعض مفاهيمى السياسية فى التعامل والتفرقة بين الحقوق والخدمات، والتفرقة بين فلسفة العقوبة ووسيلة تطبيقها. ولاحظت كثيرا التزيد فى إهانة المواطن أثناء محاكمته وخلال زمن عقوبته.

العدالة هى أهم محور من محاور تطبيق الديمقراطية، وبدون تطبيق ناجز لها واستقلالها عن السلطة التنفيذية والتشريعية يصبح انتهاك حقوق المواطنين حتميا.. الميزان يكمن فى فلسفة فعل كل شىء والهدف المراد منه. ولن تقوم لبلادنا قومة اقتصادية أو سياسية بدون ثورة إصلاحية فى مؤسسة العدالة.

وهنا أدخل عامل الزمن، لأن العدالة التى تأتى متأخرة تفتقر لكثيرٍ من قيمتها، ولأن القاضى الذى يحتاج التمسح بالسلطة التنفيذية لزيادة موارده يضرب استقلالية القضاء فى مقتل.

وكما أقول فى التعليم وأنادى، أقول هنا، العلم والتعلم والمعرفة والتواصل الإلكترونى، والرقمية، والتدريب، ومراجعة النفس، ودراسة الأخطاء ومنع تكرارها.. هى وسائل الأمم الناهضة والحريصة على مستقبلها.

رجال القضاء يجب أن يتوافر لهم المناخ والموارد التى تجعلهم بدون احتياج أبدا، فهُم محور تطبيق الديمقراطية، وهم أساس الحريات.

وعليهم أن يرتفعوا إلى مستوى ظنوننا العالية بهم، فلا ينساقون وراء عادة، ولا يتأثرون بضغوط سلطة، ولا انطباعات مجتمعية وإعلامية.. وهم أملنا فى ذلك.

التعليقات

التعليقات

عن د. حسام بدراوي

د. حسام بدراوي
عن دكتور حسام سياسي ومفكر وطبيب بارز فهو رئيس قسم أمراض النساء والتوليد الأسبق في كلية الطب جامعة القاهرة، تلقي الدراسات العليا أعوام 1979 إلى 1981 في الولايات المتحدة الأمريكية، انتخب عضو في البرلمان المصري ورئيساً للجنة التعليم والبحث العلمي في بالبرلمان منذ عام 2000 حتى 2005، السياسي حسام بدراوي عرف بمواقفه المستقلة ومن القلائل الذين اتفق على نزاهته الجميع من كافة التيارات السياسية، ففي عصر الرئيس الأسبق مبارك كان يلقب بالعاقل داخل صفوف الحزب الوطني، حيث كانت نداءاته وطلباته السياسية تتفق بقدر كبير مع النداءات الداعية للانفتاح السياسي والديمقراطي في مصر، فكان ضد تمديد حالة الطواري، واعترض على انفراد الحزب الوطني بالتعديلات الدستورية، خلال ثورة 25 يناير 2011 ، لعب دوراً سياسياً هاما، حيث عبر منذ اللحظة الأولى على حق المتظاهرين في مطالبهم، ودعا الحكومة إلى الاستماع والاستجابة لهم، ما جعل مبارك مع تصاعد الاحداث لما له من شعبية بتعيينه أمينا عاما للحزب خلفا لأعضاء هيئة المكتب وخلال تلك الفترة عبر عن رأيه السياسي لمبارك بضرورة التنحي، وهو ما دفعه للاستقالة من الحزب بعد 5 أيام من تعيينه يوم 10 فبراير معلنا اختلافه السياسي مع القيادة السياسية في طريقة التعامل مع المتظاهرين ومطالبهم في حكم الإخوان فظلت مواقفه واضحة منذ اللحظة الأولى برفضه الدولة الدينية التي اعتبرها تريد تلويين الشعب بلون واحد، واعتبر قرار الرئيس المعزول مرسي بعودة مجلس الشعب ترسيخ للديكتاتورية المؤيدة من الولايات المتحدة، وكان من أوائل المنددين بتوغل سلطة مرسي على سلطة القضاء، مستنكرا محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل مليشيات الإخوان أيد د حسام بدراوي حركة تمرد مع بدايتها، وأعلن أن إسقاط حكم الإخوان أصبح ضرورة ومخاطرة لابد منها قبل أشهر من ثورة 30 يونيو، مؤكدا أن الجيش سيقف بجانب الشرعية المستمدة من الشعب.. في ٢٠١٦ تم اختياره رئيسا للجنة الاستشارية لمشروع التعليم أولا ورئيسا للجنة وضع رؤية مصر ٢٠٣٠ في التعليم وفي ٢٠٢٢ تم اختياره مستشارا للحوار الوطني لرؤية مصر ٢٠٣٠