الثلاثاء , 3 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / د بدراوي يكتب في المصري اليوم: على مقهى «الحالمون بالغد»: العقاد شاعراً

د بدراوي يكتب في المصري اليوم: على مقهى «الحالمون بالغد»: العقاد شاعراً

د بدراوي يكتب في المصري اليوم: على مقهى «الحالمون بالغد»: العقاد شاعراً

قال الشاب المثقف: مَن الشخصية التى أثرت فى بناء وجدانك يا دكتور؟
قلت: فى كل مرحلة عمرية قد يتأثر الإنسان بشخصيات مختلفة، ففى مرحلة الشباب كان الأستاذ العقاد هو مَن أرنو إليه. القوة فى الحجة، والقدرة البلاغية فى الكتابة والشعر، وكنت مغرماً بالقراءة عن معاركه الأدبية.. وقبله كان غاندى، ورغم الاختلاف البيِّن بين العقاد وغاندى، فإننى قرأت كتاب «قصة حياتى» وأنا فى الثالثة عشرة من عمرى، ورأيت كيف كان هذا العملاق صغير الحجم قوياً بتحكمه فى ذاته قبل قيادته غيره.

فى مرحلة تالية من عمرى قرأت كتاب «علىّ إمام المتقين»، للأستاذ عبدالرحمن الشرقاوى، وكان ينشره فى حلقات فى واحدة من الصحف. بهرنى الإمام علىّ بعلمه وعدله ومعارفه وقوته فى الحق بلا تنازل، والتى كانت تفسر ضعفاً وما كان ضعيفاً.. فى سن قرب الثلاثين، كان قاضياً وهادياً وبليغاً ومرشحاً للخلافة.. لم أقرأ عن مثيل له سوى محمد، عليه الصلاة والسلام.

قالت الشابة الرومانسية: وهل كان العقاد شاعراً؟ إننا نعرف أن كتبه كانت صعبة القراءة معقدة الفهم، أما الشعر فلم أتصوره شاعراً..

قلت: يا ابنتى الأستاذ العقاد كان كاتباً ومفكراً وفيلسوفاً وشاعراً وصحفياً وسياسياً وعضواً فى البرلمان. لقد كتب الأستاذ عشرة دواوين شعر، وقد أعطاه الدكتور طه حسين إمارة الشعر، وقال عن قصيدته «ترجمة شيطان» إنه لم يقرأ مثلها لشاعر فى أوروبا الحديثة أو القديمة.. ثم قال فى نهاية خطابه: «ضعوا لواء الشعر فى يد العقاد، وقولوا للأدباء والشعراء: أسرعوا واستظلوا بهذا اللواء، فقد رفعه لكم صاحبه».

وفى الأغلب ما كان العقاد يستطيع كتابة هذه القصيدة اليوم عن حوار بين الشيطان والله عز وجل إلا وكان يُتهم بازدراء الأديان، فالحرية فى هذا الوقت كانت أوسع، ومساحة العقل كانت أرحب للأسف.

قال شاب آخر: متى كُتبت هذه القصيدة؟

قلت: عام 1930.

قالت الفتاة الشاعرة: هل هناك آخرون غير الدكتور طه حسين يرون فى العقاد هذا؟

قلت: يقول الدكتور جابر عصفور عن شعر العقاد: «فهو لم يكن من شعراء الوجدان الذين يؤمنون بأن الشعر تدفق تلقائى للانفعالات.. بل هو واحد من الأدباء الذين يفكرون فيما يكتبون، وقبل أن يكتبوه، ولذلك كانت كتاباته الأدبية (فيض العقول).. وكانت قصائده عملاً عقلانياً صارماً فى بنائها الذى يكبح الوجدان ولا يطلق سراحه ليفيض على اللغة بلا ضابط أو إحكام، وكانت صفة الفيلسوف فيه ممتزجة بصفة الشاعر، فهو مبدع يفكر حين ينفعل، ويجعل انفعاله موضوعاً لفكره، وهو يشعر بفكره ويجعل من شعره ميداناً للتأمل والتفكير فى الحياة والأحياء».

ويقول الدكتور زكى نجيب محمود فى وصف شعر العقاد: «إن شعر العقاد هو البصر الموحى إلى البصيرة، والحس المحرك لقوة الخيال، والمحدود الذى ينتهى إلى اللا محدود، هذا هو شعر العقاد وهو الشعر العظيم كائناً مَن كان كاتبه.. من حيث الشكل، شعر العقاد أقرب شىء إلى فن العمارة والنحت، فالقصيدة الكبرى من قصائده أقرب إلى هرم الجيزة أو معبد الكرنك منها إلى الزهرة أو جدول الماء، وتلك صفة الفن المصرى الخالدة، فلو عرفتَ أن مصر قد تميزت فى عالم الفن طوال عصور التاريخ بالنحت والعمارة عرفتَ أن فى شعر العقاد الصلب القوى المتين جانباً يتصل اتصالاً مباشراً بجذور الفن الأصيل فى مصر».

قال شاب ثان: شوّقتنا يا دكتور، أعطنا أمثلة مما تحفظ من شعر العقاد.

قلت: أحفظ القليل ويتبقى فى ذهنى بعض الأبيات..

لا تحسدنَّ غنياً فى تنعّمه ** قد يكثر المال مقروناً به الكدَر

تصفو العيون إذا قلّت مواردُها ** والماء عند ازدياد النيل يعتكرُ

ويقول:

يا سائلى أين السعادة؟ أين صفو العيش أين؟

إن السعادة لن تراها فى الحياة بمقلتين

خلقت لِأربعِ أعين تخلو بها ولمهجتين

فأعذر بها أو.. لا.. فلا تغنيك عنها ألف عين

لك مُقلتان ومهجة أترى السعادة شطرتين؟

وهو القائل:

ظلموا الوحش وهو والله أحرى منك بالأمن أيها الإنسان

إن للوحش جوعتين وأنتم جوعكم فى حياتكم ألوان

وهو القائل:

إذا صاحت الأطماع فاصبر فإنها

تنام إذا طال الصياح على النهم

وقهر الفتى آلامَه فيه لذة

وفى طاعة اللذات شىء من الألم

قال الشاب الأول: وماذا عن «العبقريات» وكتب الفلسفة؟ وماذا عن «إمام المتقين»؟

قلت: فى حوارنا القادم نزيد ونتوسع.

التعليقات

التعليقات