الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / د بدراوي يكتب: متى وكيف تطبق الديمقراطية فى مصر؟

د بدراوي يكتب: متى وكيف تطبق الديمقراطية فى مصر؟

متى وكيف تطبق الديمقراطية فى مصر؟
حسام بدراوي

قال الشاب النابه: متى وكيف يمكن تطبيق الديمقراطية فى مصر؟

قلت: لا شك أن الانتخابات الحرة النزيهة هى جوهر الديمقراطية، وشرط ضرورى لها، إلا أنها قد تفرز حكومات معدومة الكفاءة قصيرة النظر، تهيمن عليها المصالح الخاصة سواء الأيديولوچية أو الاقتصادية، وقد تفرز حكومات غير قادرة على تبنى سياسات تنهض بالمجتمع.. ولكن ذلك كله قد يجعل منها حكومات غير كفء، ولا يجعلها غير ديمقراطية.

إذًا علينا أن ندرك مخاطر تطبيق الديمقراطية فى مناخ غير مستقر أو فى غياب القدرة على الاختيار، نتيجة للجهل أو الفقر والجهل فى آن واحد.

هنا يصبح سؤالك حول: متى وكيف، أكثر من مهم.

قالت زميلته: هل معنى ذلك أن تكون الديمقراطية للمتعلمين فقط؟!

قلت: بالطبع لا، وقد يكون مجلس تمثيل الشعب من غرفتين، أكثر أهمية فى مصر عما نظن، على أن تكون هناك وظائف محددة لكل منهما، يستفاد من الأول فى تمثيل الجميع، ويستفاد من الثانى فى تمثيل الحكمة والمعرفة ووضع ضوابط تشريعية تمنع تأرجح التشريعات أو الاندفاع نحو إرضاء العامة بغض النظر عن مصلحة البلاد ومستقبلها لمصلحة المستفيدين من بقاء الوضع كما هو عليه أو المصلحة الانتخابية فقط.

كذلك فإننا يجب أن ندرك أن ما يسبق الانتخابات من توجيه للرأى العام، خاصة إن لم يكن محصنًا بالعلم والمعرفة، وجذبه أو تخويفه أو تهديده، يؤثر على نتائج الانتخابات. ويضاف إليه قوة استخدام المال السياسى فى تحديد مسار الاختيارات فى مجتمع تصل نسبة الفقر فيه أكثر من ٣٠٪.

أما ما يلى صندوق الانتخابات من احترام المنتخب للحريات والدستور والقانون والتوازن بين السلطات والتعرض للمحاسبة، فهى أمور جوهرية فى تطبيق الديمقراطية، فالمسألة ليست فقط صندوق انتخابات.

ولعل تجربة انتخابات السيد محمد مرسى، ممثلًا لجماعة الإخوان رئيسًا لمصر، كانت تطبيقًا عمليًا لشكل ديمقراطى سبقه وتلاه كل ما ذكرته من ظروف تضرب الديمقراطية فى مقتل.

ولعلى، وأنا أذكر ذلك، أنبه إلى أن كل من يصل للسلطة فى بلاد غير معتادة على الديمقراطية، يهيأ له أن وجوده هو الضامن الوحيد لسلامة البلاد واستقرارها، ويعيش فى وهم أنه الوحيد الذى تتماسك الدولة بوجوده، وتتبارى أجهزة الدولة المحيطة به والإعلام الموجه لتعميق ذلك الشعور لديه ولدى قطاع كبير من الجماهير.

لقد رأيت ذلك وأنا شاب عندما توفى الرئيس جمال عبدالناصر، وعايشته عندما اغتيل الرئيس أنور السادات، وسمعته بأذنى فى حوارى مع الرئيس مبارك الذى قال لى إن خروجه من الحكم سيعنى إما حكم الإخوان أو تسلم الجيش كل السلطات. وللحقيقة أنا لا أشكك فى وطنية أيٍّ منهم، ولكن البقاء فى الحكم بدون أجل واضح يعمق هذه الفكرة ويثبتها فى الوجدان.

قال شاب آخر: وهل هذا وضع خاص لمصر فقط؟

قلت: لا، إنه وضع عام، وإنه فى هذه الحالة التى حدثت وممكنة تكرار الحدوث فى مصر وفى غيرها من الدول التى تنتقل حديثا إلى نظم ديمقراطية، طرح السؤال الأهم: أين يكمن الرادع الواقى الذى يضمن الصلاح والاستقرار والاستدامة للديمقراطية؟ وكيف يمكن التطبيق فى بلادنا؟.

فى الغرب، استقرت التقاليد عميقة الجذور فى حماية الاستقلال الذاتى للفرد وحقوقه وكرامته من إكراه، مهما كان مصدره، سواء من جانب الدولة أو الكنيسة أو حتى أغلبية المجتمع، فى إطار يحمى حقوق الأقليات والحريات، لأنه يستند إلى تزاوج بين الديمقراطية والحرية والنظام.

أما عندنا، فمازالت هذه البديهيات غير مستقرة فى إطار نظام تعليمى وثقافى لا ينمى هذا التوجه، ولا يجعلها مستقرة فى الوجدان المجتمعى..

عندنا لا يوجد إطار مؤسسى واضح يمنع من يجلس على كرسى الحكم حتى لو أتى بإرادة شعبية حرة ونزيهة أو أى حكومة تأتى فى إطار أغلبية برلمانية حقيقية من عبور الكوبرى باستخدام صندوق الانتخابات، ثم إلى البقاء فى الحكم، بدعوى المصلحة العامة والاستقرار، فى إطار نظرة أيديولوجية خاصة أو الخوف من الفوضى، أو تَجمّع مصالح محلية أو إقليمية أو دولية، أو إطار دينى يفرض على المجتمع ثقافة بعينها ويمنع التعددية والمواطنة.

وأذكّر الجميع بأن الدستور«أبو القوانين» وُجد لينظم الحياة فى الدولة، ويتعاظم دوره كمرجعية اتفق عليها المجتمع عندما يحدث الخلاف بين الفصائل. فى لحظات الخلاف والثورات التى يركب أثناءها الأكثر تنظيمًا والأقوى تمويلًا والأعلى صوتًا تكون المرجعية الدستورية أكبر وأكثر أهمية. إلا أننا تعودنا عندما نمر بهذه اللحظة أن نسقط المرجعية ونلغى الدستور ويصبح مصير الأمة فى يد مالك الأمور فى هذه اللقطة التاريخية.

عندما حاولت تحقيق ذلك فى ٢٠١١ بالمطالبة باحترام الدستور، وتحقيق مطالب الشعب فى إطار الشرعية الدستورية بتنازل الرئيس عن الحكم، وإجراء انتخابات حرة مبكرة لحكم جديد.. لم أنجح.. وكنت أظن ومازلت أن طريق الشرعية كان سيوفر على البلاد ثمنًا باهظًا دفعناه من الفوضى وانهيار المؤسسات وحكم الإخوان وهروب الاستثمار والبدء من جديد، وكأننا دولة ناشئة أو لا دولة.

ماذا نفعل لجعل دعوتنا للديمقراطية دعوة أيضا للحرية وحماية حقوق الأفراد وعدم انهيار المؤسسات لحظة التغيير؟.. وكيف نرشد آثار الانتخابات الحرة النزيهة إذا أتت بحكم ديكتاتورى جديد أو بفوضى عارمة تتنازع فيها المصالح- وهو ما نراه الآن للأسف على مستويات متعددة فى كل مجلس منتخب، بدءًا من مجالس العمارات أو الأحياء أو المجالس المحلية أو النقابات المهنية أو الأقسام فى الجامعات أو حتى البرلمان.. نموذج متكرر فى مصر يعطى مؤشرا واضحا وصريحا على المستوى الأعلى فى الدولة التى هى مجموع ما يحدث على المستويات الأقل؟!. الجميع فى صراع، وإحساس بالحقوق المهضومة، وعدم التسامح والجدال، وعدم القدرة على اتخاذ القرارات والفوضى، ثم ضياع الحقوق.

صحيح أن الحرية هى الضمانة، ولكن لا تمثلها الفوضى وإنما قدر من النظام. إن الحرية تحتاج إلى معالم إرشادية وأحيانا قيود.. إن الأمان الحقيقى للحرية يرتهن بقوة بعض الأسوار الحامية التى تقيها.. وهذا هو ما أفرز الديمقراطية الليبرالية الحديثة عبر تراكم السنين فى الغرب.. وهو الأمر الذى لا نملك أن ننتظره فى بلادنا طويلا.

إننا يجب أن نستعيد التوازن بين الديمقراطية والحرية والحاجة إلى النظام، حيث تحتاج المجتمعات الديمقراطية إلى معدات ومعالم إرشادية جديدة مصحوبة للتصدى للمشكلات وظروف العصر الحالى.

إن ذلك يبدأ، وبلا تردد، بالعدالة والتطبيق الحازم للقانون دون انتقائية، وأن نفكر فى القانون باعتباره القيود الحاكمة الحكيمة التى تجعل المواطنين أحرارًا فى إطار حرية المجتمع كله، انبثاقًا من دستور يحترمه فعلًا الحاكم والمحكوم.

قال الشاب: الوضع إذًا محير، فالديمقراطية بشكلها التقليدى ليس من الممكن أن تحقق الفائدة منها كما نظن.

قلت: بلادنا تحتاج إلى حكم قوى، وإلا انفرطت مؤسسات الدولة وتوقفت التنمية، وقد يكون النظام الرئاسى هو الأقرب لثقافة المجتمع المصرى ولاحتياجات مصر. نظام يعطى الرئيس سلطات واسعة لتحقيق أهداف حددها ويلتزم بها.

قالت الشابة المثقفة: وما الذى يضمن عدم وقوع الديكتاتورية إذا حدث هذا؟

قلت: شىء واحد ومهم، هو ضمان تداول السلطة سلميًّا. هذا ما يضمن استدامة التنمية وتراكم الخبرة.

وأعتقد فيما أرى أن هذا هو النموذج الذى يسعى إليه بوضوح الرئيس السيسى، وما أخشاه هو أن ذلك ليس هو ما سيسعى إليه بعض من يحظى بالسلطة بشكل غير مباشر لوجوده بجوار الرئيس. لذلك فإن تحركات الرئيس فى تغيير القيادات حوله هى منهج يدل على معرفته بالنفوس وفهمه السياسى المحترم..

قال الشاب: يبقى سؤال: متى؟

قلت: لكل لحظة تاريخية رجالها، وكما كان الرئيس بطلًا فى تخليص البلاد من حكم ديكتاتورى دينى كان من الممكن أن يستمر قرنًا من الزمان، فإن بطولته التى سيذكرها التاريخ فعلًا هى نقل البلاد تدريجيًّا بشكل مؤسسى مستدام لتداول السلطة بتعاون مدنى عسكرى يتيح التنمية ويمنع الفوضى، وهو ما سيجعل لإنجازاته بقاءً وتراكمًا ويحمى مستقبل مصر.

التعليقات

التعليقات