د حسام بدراوى يكتب في المصرى اليوم: المرأة المصرية تقود المجتمع
قال الشاب المثقف: إننا نعلم أنك مساند لقضايا المرأة والشباب طول عمرك، ولنا بعض الأسئلة حول موقفك هذا.
قلت: هات ما عندك.
قال: هل توافق على إعطاء المرأة حقوقا استثنائية بتحديد كوتة لها فى البرلمان والمحليات؟
قلت: أوافق على ما سماه العالم التمييز الإيجابى، ولدورة واحدة أو اثنتين حتى تأخذ المرأة مكانها الطبيعى بعد قرون من التمييز السلبى ضدها. لا نستطيع فى سباق عادل أن تبدأ المرأة من نقطة متأخرة عن الرجل بفعل ثقافة امتدت عبر أجيال ونتصور أنها ستنافس بعدالة.. التمييز الإيجابى واجب ولكن لفترة محددة من الزمان.
قالت شابة أخرى: هل لم تكن للمرأة تاريخيًا مكانة يا دكتور فى المجتمع المصرى؟
قلت: غير حقيقى، فى كل حدث تاريخى كانت للمرأة المصرية مكانة، ولكن لا تقاس الأمور على حساب اللحظة أو الاستثناءات التى أظهرت معدن المرأة المصرية. مثلا شيئان يعلقان فى ذهنى من تاريخ ثورة ١٩ فى مصر كطفل، يمكن من تاريخ تدريس الثورة ويمكن الأفلام السينمائية، ولكن الصورة هى تزاوج الهلال والصليب واشتراك المرأة المصرية بالصوت والصورة والتأثير.
وصورتان تعلقان فى ذهنى فى ٣٠/٦، هما اشتراك المرأة المصرية وصوتها يعلو على صوت الرجال وتعانق الهلال والصليب.
المرأة المصرية عظيمة وغير عادية كفلاحه وكعامله، ولما أتيح لها التعليم تفوقت وأجادت، وعندما ترأست البلاد فى تاريخنا الفرعونى ألهمت وقادت. وعندما تزوجت من الأنبياء إبراهيم ومحمد أنجبت جد العرب إسماعيل ومحمد رحمة الله عليه وهو صبى صغير. وعندما قررت وصانت، حمت موسى من القتل، وما كان لليهود تواجد لولا امرأة فرعون التى احتضنت وربّت. المرأة المصرية چينات حضارة وقدرات لابد من تحريرها من قيود متخلفة فرضت عليها الانزواء وراء الرجل..
قال شاب آخر: وماذا عن رأى الدين؟
قلت: الذى يفهم الدين يعلم أنه لا يفرق بين البشر وأن للكل نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات.
قالت شابة أخرى: ولكننا نرث نصف الرجل، أليس هذا تمييزا سلبيا ضدها؟
قلت: ترث المرأة نصف الرجل، فتستطيع أن تدخره كله لنفسها ولا تنفق منه شيئا، ويظل الرجل مسؤولا عن الإنفاق كله وإلا فلا قوامة له، أى أن حقوق الرجل تجاه أهل بيته وأسرته مرهونة بالإنفاق، تدور معه وجودا وعدماً -«فالرجال قوامون على النساء بما أنفقوا»- وإذا نظرنا للأمر من وجهة نظر الفكر الغربى لكان لزاما أن يرث الرجل كل شىء طالما أنه سيظل مسؤولا عن كل الإنفاق، ومن يستطيع أن يتصور أن أى رجل أعمال يعرض عليه شراكة يكون له فيها النصف بلا أى مسؤولية إنفاق ولشريكه الضعف على أن يتحمل الآخر كل المسؤولية. يا ابنتى، إذا أخذ الرجال الحق ولم يتحملوا المسؤولية فلا قوامة لهم ولا حق.
ومن فهمى، فإن القرآن لم يهبط بمنزلة المرأة فى أى جانب من جوانب حياتها العامة أو حياتها المنزلية التى وجدت عليها ولكنه ارتفع بها من الدرك الذى هبطت إليه فى الحضارات السابقة وعقائد الأمم التى تأثرت بتلك الحضارات قبل ظهور الإسلام، وكلها لم تكن مرضية للمرأة ولا تحمل لها احتراما نهائيا. فقد كانت المرأة فى الحضارة الرومانية تابعا لها حقوق القاصر وليست لها حقوق مستقلة على الإطلاق. وكانت فى الحضارة الهندية عائقا للخلاص من الحياة الجسدية وكان حقها فى الحياة منتهيا بانتهاء أجل الزوج تحرق بعد وفاته ولا تعيش بعده وإلا حاقت بها اللعنة. وكان للمرأة فى الحضارة المصرية القديمة حظ من الكرامة يجيز لها الجلوس على العرش ولكن نفس الحضارة شاعت فيها عقيدة الخطيئة بعد الميلاد وشاع فيها أن المرأة هى علة هذه الخطيئة وخليفة الشيطان ولا نجاة للروح إلا بالنجاة منها.
وكانت معيشة البداوة فى الجاهلية العربية تمنح المرأة بعض الحرية، لأنها كانت تسقى وترعى وتستخرج الطعام ولكن نفس المعيشة كانت ترغب الآباء فى ذرية البنين وتزهدهم فلا ذرية البنات، وشاع قتل البنات بعد ولادتهم إشفاقا من العار.
وكانت المرأة فى عصور الظلام الأوروبى مخلوقا من الدرجة الثانية، ضائعة حقوقها وتابعة للرجل تعامل معاملة سيئة وأحيانا وحشية.
ويأتى القرآن الكريم ليقول عز وجل فى سورة البقرة: «ولهن مثل الذى عليهم بالمعروف».
المسألة أن الحياة تتحرك، وعلينا أن نعتبر متغيرات الزمن لنصل إلى عدالة طرحها الدين منذ أكثر من ألف عام كمبدأ.
المقصود من كلامى أن كل حق أمامه مسؤولية وإذا لم يتحمل الإنسان مسؤولياته، فلا حق له رجلا كان أم امرأة.
قال شاب آخر: إذًا، هى مزاحمة بين النساء والرجال فيما هو متاح من أرزاق.
قلت: بل هو تكامل بين البشر لخلق أرزاق جديدة، وقوة للمجتمع ليستخدم طاقاته كاملة وليس نصفها فقط.
قالت شابة: لكن ما الذى يحمى المرأة فى هذا الزمن من الطغيان الذكورى؟
قلت: العلم العلم العلم، والمعرفة. على كل أسرة أن تسلح بناتها بالعلم والمعرفة، فلا سبيل لحماية الحقوق إلا بذلك.