الخميس , 19 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / د. حسام بدراوى يكتب في المصري اليوم: الاقتصاد والتنمية

د. حسام بدراوى يكتب في المصري اليوم: الاقتصاد والتنمية

اجتمع الشباب حولى وطلبوا وجهة نظرى فى نمو الاقتصاد المصرى من باب خبرتى السياسية.

قال الشاب الواعد: ما هو الإجراء الأهم الواجب حدوثه فى الاقتصاد المصرى.

قلت: إجراء تغيير هيكلى فى الاقتصاد المصرى بهدف تحفيز النمو، واستدامته وتوازنه مع خلق فرص التشغيل، هو الهم الأكبر الواجب لأى حكومة، فلا يمكن للتنمية الإنسانية الوصول إلى أهدافها بدون أن يتوازى مع برامجها برامج اقتصادية، تزيد من الثروة، وتفتح مجالات العمل للمواطنين..

قالت الشابة التى تدرس فى كلية الاقتصاد: وكيف يتحقق التوازن.

قلت: إن تحقيق النمو المتوازن والمستدام المقترن بزيادة فرص التشغيل يجب أن يقترن بإعطاء بعض الأولوية للفئات المحرومة من السكان دون التأثير على توازن موازنة الدولة، وذلك للإسراع بتحقيق معدل اقتصادى يبلغ من ٧ % إلى ٨% فى المتوسط سنويا على مدى خمسة عشر عاما متتالية. وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا باستدامة السياسات، وإقناع الشعب بها، واحترام فلسفتها، دون تراجع أو خروج عنها بهدف جماهيرى سياسى قصير المدى.

إن نمو الاقتصاد بشكل متوازن بهذا الشكل وهذه النسبة من جانب آخر أمر لا يمكن تحقيقه أيضا، بدون اكتمال واتساع البنية الأساسية والمرافق العامة حتى يمكن أن تستوعب هذا النمو خاصة الطرق والمواصلات والموانئ والمطارات، والعدالة فى تطبيق حازم للقانون، وقبل كل شىء تنمية الإنسان القادر على حمل عبء وفرصة التنمية والخارج من نظام تعليمى فعال يخدم هذه التنمية..

قالت: إذن فأنت تؤيد مسار الدولة فى بناء البنية التحتية رغم الانتقادات الموجهة للحكومة فى الإسراف.

قلت: نعم أنا أساند التوجه، لأن على قدر اتساع البنية التحتية والمرافق وكفاءه تشغيلها فلا يمكن استيعاب نمو اقتصادى يحقق التنمية الواجبة.

قال شاب آخر: وما هى القطاعات التى يجب أن تقود التنمية يا دكتور؟

قلت: من دراساتى فى المجلس الوطنى للتنافسية، وقراءاتى لتقارير التنمية البشرية وعملى السياسى فإن القطاعات التى يجب أن تقود مسارات التنمية، يجب أن تكون خليطا من أنشطة تقليدية وأخرى حديثة، بعضها ينتج خدمات قابلة للتداول عالميا، وأخرى تنتج سلعا وخدمات محلية، وقد تكون الست قاطرات القادرة على خلق فرص العمل من وجهه نظرى هى:

أولا: تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والصادرات الخدمية المرتبطة بها.

ثانيها: هى الصادرات الصناعية كثيفة العمالة والمهارات.

ثالثها: التصنيع الزراعى غير التقليدى والحاصلات البستانية.

رابعها: السياحة بكل ما يحيط بها من أعمال لوجيستية وفندقية وثقافية.

خامسها: قطاع الأعمال الصغيرة والمتوسطة عموماً.

وأخيرا الإسكان والتشييد الذى يستوعب حوالى مائة مهنة ترتبط بتشغيل واسع للعمالة وعائد اقتصادى واجتماعى كبير.

قالت الدارسة فى الاقتصاد: وماذا يكون دور الدولة فى هذا؟

قلت: من المهم تخفيف سيطرة الدولة على الاقتصاد، وعدم تدخلها المباشر كمنافس فى الأسواق، بل تعظيم قيمتها كمنظم وراع للعدالة وتكافؤ الفرص، وهى مسألة تحتاج إلى التأكيد. فبالرغم من أن القطاع الخاص يستوعب ٧٠٪ من العمالة حاليا، ومسؤول فعلا عن أكثر من ذلك من الدخل القومى فما زلت أرى رغبة البعض فى العودة إلى تدخل الدولة المباشر فى ملكية قطاعات الإنتاج بدلا من الاستثمار فى البنية الأساسية، والقطاعات التى تحفز التنمية مثل التعليم، والصحة، والمواصلات العامة والطرق والصرف الصحى وغيرها من الخدمات التى قد لا يبادر القطاع الخاص إلى الاستثمار فيها فى بداية حركة التنمية وهو ما تقوم به الدولة الآن وأنا أرحب به وأدعمه. أما ملكية وإدارة الشركات والمصانع بحجة الحفاظ على منتج أقل سعرا، فهو وهم جربناه وعايشناه ليس فقط فى مصر، ولكن فى كثير من الدول التى انتهجت تاريخياً هذا النهج. لقد أثبتت التجربة فشل الحكومات حتى وإن ظهر غير ذلك فى المدى القصير، فى إدارة الاستثمار باسم الشعب، لقد أدت تجاربنا وتجارب غيرنا إلى خسارة الشعب كله من جراء استمرار توزيع أرباح وهمية على العمالة والموظفين.. وكأننا ندعم فئة من المجتمع على حساب المجتمع كله لإثبات نجاح النظرية بغض النظر عن النتائج.

قال الشاب الذى بدأ الحوار: يعنى الدولة تيسر أى توجهات من وجهة نظرك.

قلت: هناك ثلاثة توجهات، على الدولة أن تيسر النمو فيهم بشكل جاد. التصدير، وجذب الاستثمارات الخارجية وتوطين التكنولوجيا الرقمية.

قالت شابة أخرى: ولماذا تريد استثمارات خارجية ونسمح باحتلال اقتصادى لمقدراتنا، ألا يكفينا الاستثمارات المحلية والعربية.

قلت: إن جذب الاستثمارات الخارجية هو أمر حيوى لزيادة معدلات النمو وتحقيق التنمية والتقدم الاقتصادى الذى ننشده وخلق فرص التشغيل، لأن قدراتنا على الاستثمار المحلى لن تستطيع خلق عدد فرص العمل الذى تحتاجه البلاد…

قالت: وهل تقوم الحكومة بالجهد الكافى لجذب الاستثمار الخارجى؟

قلت: الحقيقة أن الحكومة المصرية قد اتخذت بالفعل خطوات جيدة وأصدرت العديد من التشريعات على مدار الأعوام الماضية لتحسين مناخ الاستثمار..

ولكن قضيتى هى أننا أحيانا نكلم أنفسنا ونلوم الآخرين على عدم فهمنا بدلا من التكلم بلغتهم.

لا يكفى أن نقول إننا أنجزنا، بدون مؤشرات قياس لتحقيق الأهداف. والهدف هنا واضح، وهو زيادة معدلات الاستثمار الأجنبى والمصرى لخلق فرص عمل. إن هدفنا يجب أن يكون خلق مليون فرصة عمل جديده سنويا فى العقد القادم، ومن الهدف ينبع الاستهداف الاستثمارى الذى يجب أن يصل إلى أكثر من خمسين مليار دولار سنويا.!.

إن المنافسة على كعكة الاستثمار العالمى تستدعى رفع قدرتنا التنافسية حتى تختار المؤسسات الراغبة فى الاستثمار، مصر، بدلا من بلاد أخرى. ولا سبيل لاستيعاب البطالة والخريجين الجدد بدون جذب هذا الاستثمار.

ولكى ننافس فعلينا أن نحقق معادلة تنافسية معروفة واضحة، وهى أن نتعامل مع المستثمرين لتحقيق أعلى معدل إنتاج فى أقصر وقت بأعلى جودة، فى الوقت المناسب، تحقيق أرباح وسداد ضرائب فى إطار محدد ومعروف اليوم وغدا لا يتغير بين يوم وليلة.

قال الشاب مره أخرى: وماذا تقترح يا دكتور؟

قلت: إن قراءتى للتقارير الدولية وتجربتى المباشرة فى الاستثمار فى مصر تقول، إنه لزيادة جذب الاستثمارات الأجنبية عموما، فإن علينا:

١- التخلص من بطء إجراءات تسوية المنازعات حيث قد يستغرق الأمر حوالى ثلاث إلى خمس سنوات للفصل فى قضية ما. العدالة البطيئة أو الانتقائية ظلم، بالإضافة إلى أن بعض الشركات تجد صعوبة فى تحصيل مستحقاتها المالية من الحكومة عند الحكم بمنح تسوية نقدية..

٢- أن نفعل قانون الإفلاس الجديد، الذى صدر مؤخرا ليسمح بالخروج الآمن العادل من السوق، فلا تزال الإجراءات والأوراق المطلوبة معقدة ومُطوَلة. إن بدء النشاط أسهل بكثير من إنهائه.

٣- معالجة البيروقراطية المفرطة وتعقد الأجهزة التنظيمية وتعددها وتداخل أدوارها. وقد تكون خلافات مؤسسات الدولة مع بعضها سببا فى هروب المستثمرين الذين يقع على أكتافهم نتيجة ذلك الخلاف.

٤- مواجهة أسباب الفساد الذى يشكل عقبة أمام الاستثمار الأجنبى المباشر. حيث تعانى أغلب الشركات من طلبات الحصول على رشاوى لتسهيل الحصول على الموافقات أو التراخيص الحكومية المطلوبة، وكذا التلاعب بالوثائق الرسمية. إن المعاناة من وجود نظام مزدوج للدفع مقابل الخدمات، كبيرة، ولا يمكن تبريرها لأصحاب الأسهم…

٥- مواجهة حقيقة عدم توافق مهارات العمال مع متطلبات سوق العمل..

٦- الاعتداد بالوثائق والفواتير ومواجهة بطء وتعقيد الإجراءات الجمركية وتعدد العوائق غير الجمركية..

٧- توفير الحماية الكافية لحقوق الملكية الفكرية..

٨- العمل على جعل الشفافية منطلقا حقيقيا لإدارة البلاد مما يتيح المعلومات الموثقة، وهو أمر لو عرفتم قد أصبح صعبا.

يا أولادى إن استدامه القوانين والقواعد الضريبية والجمركية، واحترام تحقيق الأرباح والتشغيل من الأمور التى تحقق الثروة للبلاد وتتيح انتعاش السوق المصرية وانتقالها إلى مستوى جديد نسعى إليه.

 

التعليقات

التعليقات