الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / د حسام بدراوي يكتب في المصري اليوم: تكامل/ تعدد نظم التعليم المختلفة

د حسام بدراوي يكتب في المصري اليوم: تكامل/ تعدد نظم التعليم المختلفة

قال الشاب النابه: لقد أوضحت لنا أن بناء الشخصية ركيزة أساسية من ركائز رؤية التعليم ٢٠٣٠ فهل يوجد منهجية واضحة لدى الدولة فى هذا الأمر

قلت: إن بناء الشخصية الفردية هو أساس بناء الأمة كلها. لذلك فإننى أؤمن بأنه لابد من الحرص على ألا تترك عملية تنشئة وتكوين وتربية الشخصية المصرية من خلال التعليم للصدفة أو التلقائية من غير تخطيط منهجى مدروس. إن فلسفة التعليم فى أى مجتمع يجب أن تهدف وتعمل على إبراز كل من الهوية والعناصر الأساسية لثقافة المجتمع ومواصلة تحديثها، بشكل إيجابى وبنظرة متكاملة طويلة المدى.

قالت شابة أخرى: وهل الهوية المصرية مرتبطة باللغة العربية؟.

قلت: إن الهوية ليست مفهوماً عاطفيا مجرداً. ولكن تمثل اللغة العربية أهم أدوات التواصل والتفاعل بين فئات المجتمع وثقافته. ولقد أثبتت الفلسفة التحليلية المعاصرة أن اللغة ليست مجرد أداة للتواصل كصيحات وإشارات الحيوان ولا هى وعاء للمعنى فقط ولكنها جزء من نسيج التفكير وخامة من خامات الوعى، وقد تكون أهم العوامل فى تشكيل الشخصية والهوية الوطنية. وإذا كانت هذه هى وظيفة اللغة بالنسبة للفرد، فإنها كذلك بالنسبة للجماعة والمجتمع. كذلك فإن ارتباط الفرد والمجموعة بتاريخ وحاضر الوطن مكون أساسى فى تكوين الهوية. هويتنا المصرية مرتبطة بتاريخنا وجغرافيتنا ونيلنا وتنوير مثقفينا وأغنيتنا وموسيقانا مع لهجتنا وتركيبتنا اللغوية.

قال شاب آخر: وهل لتعدد نظم التعليم اثر سالب على المجتمع المصرى؟

قلت: هناك توجهان مختلفان فى هذا الأمر، أحدهما يمثله عدد من علماء النفس والاجتماع يشيرون إلى أن هوية التعليم تعتبر نتاجا طبيعيا لهوية الوطن فى مرحلة زمنية معينة، وليس العكس، وأن التعليم لا يصنع الهوية ولكنه يعكس فقط الهوية ويؤكدها ويدعمها. ومن ثم فإن تعدد النظم التعليمية فى أى مجتمع يعكس بالضرورة تعدد الهويات، وأن الأفراد يختارون من بين أنظمة التعليم المتعددة على حسب عدد من المؤشرات المختلفة لديهم والتى من بينها انتماءاتهم الطبقية والعرقية ومستواهم الاقتصادى والاجتماعى وقيمهم والفرص المتاحة أمامهم من أجل الحصول على مهنة أو عمل كنتيجة للالتحاق بنظم التعليم، إلى غير ذلك من الأسباب التى قد تؤثر على قراراتهم فى الالتحاق بنظام تعليم معين وتفضيله عن غيره من النظم الأخرى المتاحة فى المجتمع.

ويعرض التوجه الثانى الذى أؤمن به، وجوب أن يكون هناك إطار منهجى لا يجعل التعليم انعكاسا للمجتمع فقط ولكن أيضاً يؤكد أهمية التعليم فى صنع الهوية من خلال رؤية وسياسات تحلل الواقع وتستشرف المستقبل. لذلك فإننى أدرك أهمية النقاش حول تكامل النظم التعليمية فى مصر، حيث أفرزت حركة التاريخ الاقتصادى والسياسى والاجتماعى مسارات متعددة فى التعليم المصرى. وهذه المسارات هى التى يطلق عليها مصطلح «الازدواجية فى التعليم» أو التعددية فى نظم التعليم ويشير المصطلح إلى حالات أربع هى:

1. الازدواجية بين نظام التعليم العام ونظام التعليم الدينى الأزهرى على مستوى المدارس والجامعات.

2. الازدواجية بين التعليم الحكومى المجانى والتعليم الحكومى بمصروفات سواء بالمدارس أو الجامعات.

3. الازدواجية بين التعليم العام والتعليم الفنى.

4. الازدواجية بين التعليم الوطنى والتعليم الأجنبى من ناحية لغة التعليم ومحتوى المناهج.

والسؤال المطروح هنا: هل من الأفضل أن يتميز التعليم فى مصر بسمات وطابع وقالب واحد؟، أم أن هوية التعليم فى مصر تتحقق بتميزه، من خلال وجود أكثر من طابع يتيح للراغبين فى التعلم أن يختاروا ما يناسبهم من بين النماذج المتعددة؟.

يخشى البعض من أن تعدد نظم التعليم وشدة التنافس بينها قد يؤدى إلى الانكماش أو الاتساع فى أنماط معينة على حساب نماذج ونظم تعليم أخرى، وهو تخوف نابع من تدنى مستوى نظامنا التعليمى.

ويستند الرأى الآخر إلى أن تعدد النماذج يعتبر أمرا مفيدا وينتج عنه تعدد وتنوع فى الخبرات التى يمكن أن يتعرض لها الإنسان فى نشأته من خلال نظم التعليم، والتى تؤثر فى صياغة شخصيته من خلال مخرجات وأشكال متعددة يمكن من خلالها تحقيق مناطق للإبداع، تظهر من تعدد وتوافر أنظمة التعليم المختلفة.

إننى أرى أن التعددية فى نظم التعليم لا يجب بأى حال أن تؤثر سلبا فى الهوية الوطنية بل عليها أن تثريها وتدعمها، إن الهوية يجب النظر إليها على أنها ليست شيئًا ثابتًا بل متغيرًا، وأن مصر وعلى فترات تاريخها مرت بمراحل تاريخية أثرت على هويتها، ومن بينها الفرعونية والقبطية واليونانية والرومانية والإسلامية، ثم الحقبة الحالية التى تلعب فيها العولمة دورا كبيرا نتيجة لثورة المعرفة ووسائل انتقالها، وانفتاح المجتمعات على ثقافات الأمم الأخرى بطريقة قد يستحيل منعها إلا بكبت الحريات أو إغلاق منافذ الاتصال بالعالم وهو ما لا يمكن حدوثه الآن.

إن ما يقدم من تعليم للأطفال والشباب يجب أن يكون ملبيا لمعايير محددة. فإذا كانت هذه المعايير، المعلنة والمتفق عليها واضحة، وضامنة لهوية المواطن ومعززة لثقافته، ومؤكدة على اللغة العربية وتاريخ مصر، وداعمة للتوجه نحو العلوم والبحث العلمى والرياضيات، والتكنولوجيا ومثبتة بقيم الجودة والإتقان واحترام الرأى الآخر. فإن التعامل مع الاختلاف فى طرق التعليم والتدريس، والابتكار والإبداع فيها يصبح إضافة وتكاملا وليس ازدواجية وتشتتا.

وينطبق نفس الأمر على التعليم الدينى على مستوياته كافة، والذى يجب أيضا أن تتحدد فى مؤسساته معايير جودته، والمنتظر من مخرجاته وأن يحدد الخبراء فيه، وأهل العلم من أساتذته وأئمته هذه المعايير، والمؤشرات الواجب استخدامها لمتابعة تعليمه وتقويم أداء مؤسساته بنفس المنهج العلمى وصولا لتحقيق أهدافه وتحديد الأمل فى مخرجاته.

قالت الشابة العملية: السؤال يطرح نفسه الآن.. ماذا يجب أن نفعل؟.. قلت: مهما كان ما سنفعله فإنه بالتأكيد ليس ترك الأمور للصدفة، لا بد أن يعكس التعليم المصرى بمناهجه وتدريسه وأسلوب إدارته بأنواعه كافة (التعليم العام، الخاص، الأزهرى، والأجنبى) مبادئ عامة مشتركة من خلال معايير ملزمة لكل المؤسسات التعليمية يتم اعتمادها عن طريق هيئة ضمان الجودة والاعتماد فى التعليم، تحقق التكامل الذى ننشده فى الشخصية، على أن تحتوى هذه القواعد على منظومة القيم المستوحاة من قيم الأديان واللغة والتاريخ وبذلك تحقق التنوع والتسامح وقبول الآخر والديمقراطية وترسى أخلاق التفكير العلمى والنقدى وتنمى قدرات الإبداع والتنوير العقلى المتواصل. ويجب أن تتكامل المؤسسات التى تهتم بتكوين الرأى بهذه المنظومة من المعايير.

إن التخوف المشروع من ضياع الهوية بتعدد نظم التعليم لا يجب مواجهته بمحاربة النظم المختلفة، أو إغلاق المنافذ أمام التعددية ولكن بالتأكيد على احتواء كل النظم أيًّا كانت على الأساسيات التى تحددها الدولة المصرية فى اللغة العربية، والتاريخ، والتربية الوطنية والجغرافيا.. فى كل مرحلة تعليمية من عمر التلاميذ.

إن أيسر الأمور هو الدعوة للهدم وإغلاق المنافذ الجديدة، بدلا من البناء على فرصة متابعة التجارب العالمية على أرض مصر، والعمل الإيجابى لأن تتضمن هذه النظم أساسيات الهوية الوطنية، كما نحددها نحن.

التعليقات

التعليقات