الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / د حسام بدراوي يكتب في المصري اليوم: مع من يتكلم الله؟

د حسام بدراوي يكتب في المصري اليوم: مع من يتكلم الله؟

سقطت الطائره من علوها فى مطب هوائى عميق، استغرق ثانية أو اثنتين، فى عمر زمن الساعة، ويوما أو يومين فى عمر الإحساس.. فكيف تمر فى الذهن كل هذه الأحداث والذكريات فى ثانية واحدة.
صرخ الركاب، وبكى البعض ذعراً وخوفاً، وضحك البعض بعد الحادث ضحكاً هيستيرياً، وتمسكت كل أم بولدها.
انتهت اللحظة، وساد الصمت إلا من بعض الدعوات وحمد الله.
وإنتابنى أنا شعور غريب، فى اللحظة وما بعدها. وسألت نفسى مع من يتكلم الله الآن..
فى هذه الثانية.
وعندما طرحت السؤال تخيلت أن الله يتواصل معى مباشرة قائلا، أنا أقرب إليك من حبل الوريد، أنا أتواصل مع كل خلقى، إنسانا كان أم نباتا، حيوانا كان أو حشرة أو حتى جمادا.. ولأنه مد الإنسان بما لم يعط غيره، وهو الوعى بنفسه وبغيره، وبخالقه، ومده بالعقل والإرادة، فتواصله معه دائم ومستمر. أما الانسان فيفتح التواصل مع ربه عند الرغبه، عند الخوف والرهبة، عند المرض والشكوى، والأغلبية اختارت عدم الاستماع المباشر لله إلا من خلال وسيط حتى لو كان زمنه قد ولى من آلاف السنين.

وحتى الصلاة التى فرضها علينا، فهمها أغلبنا شكلاً وليس مضموناً. وأغلبهم يعتقدون أنها مجرد فريضة وعبادة ودليل طاعة، وهى فى الحقيقة تذكره بالتواصل معه عز وجل، فالخط مفتوح من ناحيته طول الوقت ونحن من نحتاج للتذكرة…
وسألت نفسى مره أخرى، وكيف يتكلم الله، ليسمعه الناس…. لقد كان إرسال الرسل والأنبياء ليتكلموا عنه ومعنا له زمانه، الذى انتهى، ولكن سار على نهجهم من بعدهم من ادعى هذه القدرات. ولكنى بعد تفكير. وتعمق، وبتحليل خبرتى الشخصية فى التواصل، وصلت إلى أن الله يتواصل معنا من خلال أحاسيسنا، وأفكارنا وخبراتنا فى الحياة وأخيرا بالكلمات.. فالكلمات محدودة بأحرف اللغة، أى لغة، ويمكن تفسيرها بأكثر من معنى، وبمواقف وظروف وزمن قولها، ولكن الإحساس هو لغة الروح والنفس.
كذلك يتواصل الله بالأفكار، ويعطينا أحيانا رسائله بما يخطر وما لا يخطر على البال إنها رسائل منه، بل يعطينا أحيانا رؤى المستقبل بالخيال وما أنعم به علينا من فضول المعرفة، وومضات الذكاء التى تجعلنا نستكشف الحياة والعلم والمعارف، الموجودة فعلاً قبل اكتشافها، ونرتقى لمعرفة الكون وخالقه أفضل وأعمق.
كذلك يتواصل الله معنا من خلال تجاربنا فى الحياة، فالتجربة هى مفتاح الخبرة، والخبرة طريق الحكمة، والحكمة تفتح أعيننا لقرب الله لنا، الذى قد لا نعلمه أو نحس به بالرغم من دوام تواصله معنا.
وتأتى الكلمات بعد الإحساس، والأفكار والخبرة، لأنها وسيلة يمكن إساءة فهمها، وإعادة تفسيرها، بل استخدامها لغير أهداف قولها بعد اقتطاعها من مضمون معان أشمل.
الكلمات قد تجعلنا أكثر فهمًا لشىء، ولكن الخبرة تجعلنا أكثر معرفة.
والغريب أننا بمرور الزمن جعلنا الكلمات فقط هى وسيلتنا للتواصل مع الله، ونردد كلمة الله، وكلام الله، ونتحدث بكلماتتا باسم الله بل نسمع القرآن، وهو كلام الله فعلا، وكأنه غناء بدون إنصات، أو حتى محاولة الفهم، ونتغاضى عن تجاربنا وإحساسنا وأفكارنا التى لا تحتاج لتفسير الكلام.
كتبت وقرأت ذلك لأسرتى بعد العودة، فقال لى ابنى:
«أحيانا تراودنا افكارا وقد تكون شرا،فكيف نفرق بينها وبين رسائل الله التى يبثها الله لنا وفينا».
فقلت له «إن رسائل الله لابد فيها البهجة والوضوح والحقيقه والمحبة والعدل. الشر هو انعدام الخير، والله لا يخلق سوى خيرا ولا يقول إلا خيرا».
فسألتنى ابنتى «وهل هناك أفراد بعينهم قادرون على التواصل دون غيرهم؟ هل هناك أوقات مخصوصة للتواصل؟»
فرددت قائلا:
«الكثيرون يعتقدون أن لله طرقا خاصه للتواصل مع البشر وان المميزين فقط هم من ينتقيهم.
سؤال يطرحه الناس بل يعتقدون بهذه الخصوصية، ولكنى أرى أن كل الناس وكل إنسان هو إنسان مميز، ولا يوجد وقت محدد لتواصله مع الله».
إن خصوصية تواصل الله مع أفراد بعينهم تبعد أغلبية البشر من مسؤوليه التواصل معه، والاستماع لرسائله، بل وتدفعهم لأخذ ما يقوله آخرون كبديل. فى هذه الحالى فقد استبدلنا نحن بإرادتنا السلبية، استبدلنا الله الذى لا يكف عن التواصل مع كل إنسان للاستماع لرسائله من خلال آخرين.. لقد قمنا باختراع بديل ووسيط لما هو متاح لنا مباشرة من خالقنا. لقد قررنا أن الاستماع إلى آخرين بدلا من الاستماع إلى الله نفسه، فقد أرسل لنا كتابه، ويتواصل مع كل واحد منا فى أفكاره، وتجاربه فى الحياة وأحاسيسه، ونعتقد أننا قد يسرنا الأمور على أنفسنا بالاعتماد على غيرنا فى الفهم والتواصل..

إنك عندما تصلى، بأى شكل من أشكال الصلاة، فهى طريق مزدوج، منك وإليك للتواصل، وليس طريقا فى اتجاه واحد يقصد به العبادة والطاعة وأداء الفريضة فقط، فقد تحتاج أنت كإنسان التذكرة للتواصل مع الله ولكن الله يتواصل معك طول الوقت، أنت فقط لا ترى أو تستمع..

إذا فهم كل إنسان أن الله يرسل له شخصياً رسائله فقد أصبحت مسؤولاً عن ترجمتها وفهمها. وهذا أكثر أماناً له فى تفسير ما يسمعه عن مجرد الانصياع لتفسير من عاشوا قبله بآلاف السنين.

كذلك فإن الله يغير وسائله ورسائله وإن احتفظت بجوهرها لأنه صانع الزمن، ويعلم كيف تتغير الأحوال بزيادة المعارف وعمق العلوم، لأنه فى النهاية مالك العلم والمعرفة، ولكنه يتيح منها ما نستطيع أن تتحمله عقولنا التى تتطور ومعارفنا التى تتسع. فإذا تمسكنا بتفسير من سبقونا فكأننا ننكر رسائل الله وتواصله المستمر معنا.

لحظة خوف، ولحظة رهبة، وثانية من عمر الزمن أمدتنى بالفكرة والإحساس والتجربة.

أشكرك يا رب على تنويرى

رابط المقالة: http://d1y99r0ynoudrd.cloudfront.net/news/details/1293431

التعليقات

التعليقات