الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / رؤية مستقبل التعليم مرة ثانية وثالثة وتكرارًا.. حسام بدراوي

رؤية مستقبل التعليم مرة ثانية وثالثة وتكرارًا.. حسام بدراوي

لا شك أنه عند الحديث عن التعليم فى مصر فإننا لا نملك إلا خيارا واحدًا فقط يحدد توجهنا، وهو أن الشعب المصرى يستحق إنجازا حقيقيا وملموسا فى مجال التعليم والتنمية الإنسانية والبشرية. ومن منطلق إيماننا بأن قوة مصر تكمن فى قوة شعبها، وقوة شعبها لا تتحقق إلا بالعمل المستمر على وضع إطار عام للتنمية وزيادة الوعى ورفع مستوى المعارف والمهارات لهذا الشعب، وأن السبيل الوحيد لتحقيق ذلك لا يكون إلا من مدخل التعليم والثقافة والإعلام الهادف. إن التعليم كان ومازال وسيظل اهم محاور التنمية فى جميع أنحاء العالم. من هنا جاء إيماننا بأهمية وجود رؤية مصر 2030 فى التعليم كوسيلة لاستدامة استراتيجيات البحث والتطوير والإبداع والابتكار المستمر تلبية لآمال الشعب المصرى مع الأخذ فى الاعتبار أن الرؤية لا قيمة لها إلا بقناعة المجتمع وبالتزام الحكومات المتعاقبة بتطبيقها والتعامل مع محاورها باعتبارها دستور التعليم فى مصر.

لم يأت إعداد هذه الرؤية بعمل فردى، إنما جاء نتاجًا لجهد فريق مكون من سبعين من الخبراء والسياسيين والمهنيين كلٌ فى مجاله، وبدعوة من وزارة التخطيط وبتنسيق مميز منها واجتمعت هذه اللجنة عبر 14 شهرا فى أكثر من 23 اجتماعا موثقا، وتم استطلاع رأى أكثر من نصف مليون مواطن على شبكات التواصل الاجتماعى لتأتى الرؤية ممثلة لآمال وتطلعات الجميع. لقد تم وضعها بصيغة احترافية يسهل تطبيقها ومتابعة تنفيذها، هذا وقد جمعت اللجنة المسؤولة كل ما تم من أعمال سابقة فى هذا الشأن والسياسات والاستراتيجيات التى تم وضعها عبر السنين، وناقشت أفضل ما فيها وراجعت أسباب عدم تحقيقها فى محاولة لان يكون للجهد المبذول هذه المرة أثرًا ملموسًا فى المجتمع.

وبما أن الرؤية يجب أن تستدام، فقد وضعت اللجنة إطارا عاما لمراجعتها كل فترة زمنية (خمس سنوات) وذلك لضمان شمول استراتيجيات تنفيذها على ما يستجد فى العالم من معارف من ناحية، وما يواجه التطبيق من تحديات ومعوقات من ناحية أخرى. وعلى الرغم من كل هذا لم تلتزم بها الحكومات التى تعاقبت خلال السنوات الخمس الماضية التزاما كاملا، على الرغم من أنه يتم الإشارة إلى هذه الرؤية كعناوين فى تقارير تلك الحكومات وفى الموازنات المقدمة منها إلى البرلمان.

ونظرا لإيماننا الثابت بأهمية دور المجتمع المدنى الذى تم تمثيله بالفعل فى صياغة الرؤية ومحاورها فلقد طرحنا على وزارة التخطيط رغبتنا فى مساندة الدولة فى مراجعة مدى تحقيق رؤيتها، وذلك بإنشاء مرصد للتعليم لمتابعة التنفيذ آخذين فى الاعتبار الأهداف الرئيسة والفرعية للرؤية ومؤشرات قياس تطبيقها ومدى فاعليتها.

إن ضعف القدرات البشرية نقيض للتنمية، فهو أشد وطأة وأكثر تأثيرًا فى كل مناحى الحياة، لأنه يحد من قدرات المواطنين والمجتمع ككل على الاستخدام الأفضل لمواردهم الإنسانية والمادية على حد سواء، حتى تستطيع مصر النهوض بمواردها البشرية لتحقيق التنمية الشاملة.

إن إيماننا بأولوية التعليم لا يأتى لأن التعليم من أهم الخدمات التى تتعهد أى حكومة فى أى مجتمع بتقديمها للمواطنين، ولكن كحق من حقوق كل طفل وشاب، كل أسرة ومجتمع صغير وكل مواطن مصرى، رجلا كان أو امرأة فى كل الأعمار وفى كل الأوقات.

إن التعليم يجب أن ينظر إليه من خلال مفهوم تنموى يربط مستقبل هذه الأمة ارتباطا جوهريا بتنمية الإنسان المصرى ليكون بانيا للحضارة ومنميا للثقافة. إن هذه الأولوية هى نتاج الدراسات والبحوث العلمية والتاريخية التى تؤكد أن مصر هبة المصريين، وأن تنمية الإنسان وقدراته لها بوابة رئيسية هى التعليم.

رؤية مصر 2030 فى التعليم

ودعونى أذكركم للمرة العاشرة أن الالتزام باستراتيچية معروفة وواضحة وشاملة فى غاية الأهمية. وأن البناء لا يمكن أن يحقق هدفا إذا بدأنا من جديد مع كل حكومة.

إن الرؤية هى أن يكون التعليم متاحا للجميع دون تمييز، بجودة عالية فى إطار نظام مؤسسى كفء، عادل، مستدام، ومرن يرتكز على المتعلم والمعلم الممكنين تكنولوجيا ورقميا، ويساهم فى بناء الشخصية المتكاملة فى جميع جوانبها، وإطلاق امكاناتها إلى أقصى مدى ليصبح مواطنا معتزا بذاته، مستنيرا، مبدعا، مسؤولا، قابلا للتعددية، يحترم الاختلاف، فخورا بتاريخ بلاده، شغوفا ببناء المستقبل، وقادرا على التنافسية مع الكيانات الإقليمية والعالمية.

وصياغة هذه الرؤية بشكلها النهائى ساعدت فى أن يتم تقسيمها إلى 5 ركائز رئيسية هى:

المحور الأول: تعليم متاح للجميع، عالى الجودة، دون تمييز.

المحور الثانى: وجود إطار مؤسسى كفء وعادل ومستدام لإدارة وحوكمة عملية التعليم والبحث والتطوير على المستوى المركز نزولا إلى المستوى اللامركزى فى المحافظات، وصولا إلى إدارة المدارس.

المحور الثالث: التمكين التكنولوجى والرقمى للتلميذ والطالب والمعلم وهيئات التدريس فى المدرسة والجامعة وتطوير وسائل وطرق التدريس والبحث والتقويم.

المحور الرابع: بناء الشخصية المتكاملة للتلميذ والطالب فى جميع جوانبها ليصبح مواطنا سوى، معتزا بذاته، مستنيرا، مبدعا، فخورا ببلاده وتاريخها، شغوفا ببناء مستقبلها، قادرا على الاختلاف وقابلا للتعددية.علما بأن ذلك لا يتم بدون الثقافة والفن والموسيقى وممارسة الرياضة.

المحور الخامس: أن يكون الخريج مبادرا لديه القدرة على التكيف مع المتغيرات من حوله، خالقا لفرص عمل جديده، قادرا على التنافسية مع أقرانه على المستوى المحلى، الإقليمى، والعالمى.

ولعل الفلسفة من تقسيم الرؤية إلى خمسة محاور تأتى لعدة أسباب منطقية، أهمها أن تصبح الرؤية مفهومة وواضحة للمجتمع بشكل أكبر، كما أنه يسهل متابعتها ورصد التنفيذ باستخدام مؤشرات قياس متفق عليها.

إن كل محور ينقسم إلى عدة أهداف فرعية وكل هدف فرعى يندرج وينبثق منه مجموعة من مؤشرات الأداء ولعل هذا التعمق فى التفاصيل من قبل مجموعة الخبراء الذين قاموا بصياغة رؤية مصر 2030 فى محور التعليم لكى تصبح بمثابة خارطة طريق، واضحة المعالم ومحددة الأطر إنما تحتاج فقط من الحكومات المتعاقبة مجرد صياغة خطة إجرائية تنفيذية لكل محور بأهدافه ومؤشراته تشمل الإطار الزمنى للتنفيذ ومحدد بها الميزانيات والتكلفة اللازمة لذلك، وأيضًا مسؤولية التنفيذ من جهاز الوزارة بل الأهم من ذلك كله صياغة مؤشرات نجاح تكون بمثابة الدليل الواضح على مدى التقدم الذى يتم إحرازه لكل مؤشر وكل هدف للمحور الواحد حتى يستطيع المتابع والمهتم أن يصدر حكما شفافا على أداء الجهاز التنفيذى للحكومة فى تحقيق الرؤية، ونسهل عمل جميع الجهات التى تقوم بإجراءات الرصد والمتابعة، وذلك كما هو معمولًا به فى جميع المؤسسات الناجحة فى العالم، فى إطار من الشفافية والنزاهة.

هذا ويندرج تحت هذه المحاور أو المرتكزات السابق ذكرها أهداف فرعية ثم مؤشرات قياس كما قلت، ثم المدة الزمنية المتوقعة للتنفيذ حسب ما ورد فى الوثيقة ثم نتائج الرصد، وجاء هذا التقسيم حتى يمكننا تبسيط المتابعة وجعلها مفهومة للمجتمع، ورصد التنفيذ باستخدام مؤشرات قياس متفق عليها.

وبدون رصد وتحليل واستعدال المسار تصبح الرؤية والأهداف المعلنة لتطوير التعليم حبرا على ورق، ويجب:

■ رصد جهود أجهزة الدولة فى تنفيذ رؤية مصر 2030 فى محور التعليم والبحث والتطوير وإصــدار تقرير نصف سنوى فى يونــيو، وتقرير سنوى فى ديسمبر من كل عام حتى عام 2030 يتم نشره للمهتمين.

■ استعراض ما تم تنفيذه فى محور التعليم كل ٥ سنوات، فى ضوء أهداف وغايات رؤية مصر 2030 لوضع نقاط وبداية جديدة إذا لزم الأمر.

■ رصد الفجوات بين خطط الوزارات المعنية والاستراتيجية المعلنة، وبين أهداف رؤية مصر 2030 فى التنمية.

■ رصد أسباب عدم تحقيق الأهداف فى إطارها الزمنى.

■ المشاركة فى مراجعة الرؤية والاستراتيجيات النابعة منها كل فترة زمنية حتى يمكن تطويرها إن كان لذلك لزوم فى ضوء ما يجد فى العالم من تطوير.

ألا ترون معى أن ذلك واضح وممكن التنفيذ!!.

إن جهة المتابعة يجب أن تكون مستقلة عن الوزارة، لذلك أناشد وزارة التخطيط والجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء والدولة مساندتنا كمجتمع مدنى فى تفعيل مرصد متابعة خطة تنمية الدولة ومتابعة تنفيذها.

التعليقات

التعليقات