الأربعاء , 13 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / سيكولوجية المواجهة بين الشعوب بقلم حسام بدراوي

سيكولوجية المواجهة بين الشعوب بقلم حسام بدراوي

علي مقهي الحالمون بالغد
سيكولوجية المواجهة بين الشعوب
بقلم
حسام بدراوي
‏ ‏
اجتمع مجموعة من الشباب معي في حوار مثير بادَرت فيه، الشابة المغامرة النشيطة، بمشاركة الحاضرين في ‏تجربة مرت بها منذ أيام في إيطاليا، حيث كانت وصديقتها في رحلة ثقافية سياحية مع مجموعة من الشباب من ‏أماكن متفرقة من العالم لحضور حفل موسيقي لواحدة من أشهر الفرق الموسيقية التي يحبها الشباب
‏ قالت: ‏
لقد مررت بتجربة إنسانية نفسية، وأنا وصديقتي نحب أن نشارككم فيها.‏
ذهبنا إلى مكتب استقبال الفندق الذي كنا ننزل فيه؛ لنحجز سيارة بسائق، ليأخذنا إلى الحفل الموسيقي، وينتظرنا ‏ليعود بنا؛ خوفًا من عدم توافر سيارات تاكسي إذا ما تأخر موعد انتهاء الحفل.‏
كان هناك شاب وصديقته من مجموعة السياح معنا، وهما من ألطف من قابلناهم في هذه الرحلة . ‏
قال الشاب: نحن نقوم بالإجراء نفسه، فما رأيكم أن نحجز سيارة واحدة، ونوفر في التكاليف؟
رددنا قائلين: ولِمَ لا؟
وسلم بعضنا على بعض، وعرّفت نفسي: أنا ليلي.. ‏
فقالت الفتاة وهي تبتسم: مش معقول! أنا كمان اسمي ليلي! ‏
وصرخنا معًا: أنتم منين؟.‏
إحنا من مصر.. ‏
فصرخت ليلي الأخرى وصديقها: مش ممكن هذه الصدفة! نحن أيضًا أصولنا من مصر! ‏
آباؤنا كانوا مصريين يعيشون في الإسكندرية، ثم هاجروا من مصر في بداية الخمسينيات إلى فرنسا، ومنها إلى ‏إسرائيل، حيث عاشوا وأنجبونا هناك. ‏
حكت الشابة قائلة: إحنا وكأن صاعقةً أصابتنا! ‏
‏-‏ يعني أنتما إسرائيليان؟!‏
‏- واضح أنه ظهر على وجهينا وجوم وتردد، فقال الشاب بعد لحظات صمت: يا جماعة، جمال الموسيقى يؤدي ‏الي ذوبان الفروق بين البشر، فالفن يجمع أجمل ما في الإنسان. ‏
‏- وجّهت ليلي الكلام إلى المجموعة قائلة: أنا لم أملك ساعتها الشجاعة لأعبر عن نفسي وغضبي وأقول: لا، لا، ‏لا، لن أشارك إسرائيليًّا سيارة واحدة أبدًا.‏
‏- لم يكن لديَّ شيء ضدهما، ولكن في وجوم انسحبنا من المناقشة، وتعمدنا عدم الوجود معهما في مكان واحد ‏حتى نهاية الرحلة في اليوم التالي. ‏
‏- قالت الشابة للمجموعة: ممكن يكونوا ناس كويسة، ولكننا لم نستطع ركوب سيارة واحدة معهما، ودار في ذهننا ‏كل القتل والقمع والظلم الواقع على الشعب الفلسطيني، وكأن أورلاندو وليلي الإسرائيليين كانا مسؤولين عنه. ‏
‏- أنا صح ولا غلط؟!!‏
وأضافت قائلة : لقد فكرت وأنا أراجع نفسي هو إيه ذنب الأفراد في خطايا حكامهم، وجيوشهم، والسياسيين الذي ‏يأخذون هذه القرارات؟
‏- لم أستطع -وأنا المتفتحة والمتعلمة والدارسة لعلم النفس- الفصل بين الشخصي والجمعيّ، ومسؤولية الفرد عن ‏الكل ومسؤولية الكل عن الفرد. ‏
‏- رد شاب من الحاضرين وقال: أنا تجربتي عكسية؛ حيث جمعني مع شابين فلسطينيين لقاء عند واحد من ‏الأصدقاء المشتركين، وانتقل تعاطفي وألمي ممّا يحدث للشعب الفلسطيني إليهما، وفتحت لهما صدري إلى أن ‏اكتشفت أنهما من كبار مؤيدي حركة حماس -بعنف- بل يرون موقف حماس المتطرف والمعادي لمصر على أنه ‏الحق، وتحميل بلدي كل سلبيات كل ما يحدث في فلسطين بعد اتفاق مصر علي استرجاع سيناء بدون حل شامل ‏للقضية الفلسطينية . ‏
‏- قال الشاب : زال من داخلي كل تعاطف وأسى، وتجنبت استمرار الكلام معهما؛ تفاديًا لتصاعد الحدة في منزل ‏مَن يستضيفنا. ‏
تدخل في الحوار صديق لي يعيش في بلچيكا منذ سنوات ، وقال : لقد واجهت موقفاً مختلفاً مع حفيدتي التي ‏كانت ضمن فريق مدرستها للكرة الطائرة ، وكانوا في منافسة دولية رياضية في بروكسل . حفيدتي وزميله لها ، ‏في السادسة عشر من عمرهن كانتا المصريتان الوحيدتان ضمن الفريق الذي يضم جنسيات مختلفة وكلهن ‏أصدقاء. ‏
جاءت المباراة قبل النهائية في بطولة المدارس مع مدرسة اسرائيلية وإذا بحفيدتي وصديقتها يقرران عدم اللعب ‏مع الفريق حتي لا يضطران للسلام علي الاسرائيليات وداخلهن غضب شديد وألم . لم أكن أتصور حجم معاناة ‏الشباب مما يحدث في فلسطين والخطيئة الغبية التي إرتكبتها إسرائيل بخلق كراهية أجيال جديدة من الشباب ‏المصري والعربي والعالمي، وكانوا قبل الأحداث لا يكترثون بالقضية. ‏
تناقشنا كعائلتين بتقدير لشعور أطفالنا واتفقنا أن لا ينسحبا من المواجهة بل يلعبان المباراه ويتجنبان السلام ‏اليدوي فقط..‏
المهم أن شعور الانتصار في المباراة كان أكبر لديهن من مجرد مباراة رياضية وعبرتا عن ذلك وكأنهن ‏إنتصرتا علي عدو رغم أنها مجرد مباراة. ‏
قال صديقي: إن تأثير ما يحدث في فلسطين يفوق ويتعدي لقطة في التاريخ وسيرسم أثره في وجدان أجيال ‏قادمة..‏
‏- قالت الشابة الأولي : أنا وكثير ممن أعرفهم نرى ما تفعله الحكومات الغربية، بدءًا من وعد بلفور بإنشاء وطن ‏لليهود في فلسطين، إلى ما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية حاضرًا من تمكين إسرائيل من القضاء على الشعب ‏الفلسطيني، وما فعلته المخابرات الأمريكية والبريطانية في إحداث الفوضى في المجتمعات العربية، وتدمير ‏العراق، وسوريا، والسودان، وليبيا، ولبنان ولكنني لا أكره المواطن الإنجليزي، أو الأمريكي، أو الأوروبي، ‏وموقفي منهم ليس كموقفي من المواطن الإسرائيلي..‏
‏ أليس هذا تناقضًا سيكولوجيًّا؟!‏
إلا يحتاج ذلك دراسة؟
قال زميلها : أنا مثلك ، لا أريد أن أظلم الأفراد ولكني لا أستطيع التعامل معهم. ما حدث أخيراً في أمستردام من ‏مواجهة بين مشجعي كرة القدم لنادي إسرائيلي مع المغاربة الذين يعيشون في هولاندا كان دليلا آخر علي ‏صعوبة خلق سلام بيننا وبينهم ، بين غطرسة وتكبر وشر متطرف ملأ وجدان الاسرائيليين كما هو الحال ‏الحادث عندنا..‏
قال شاب يدرس سياسة : التحدي الذي أجده أمامي هو إيماني بحق الشعب الفلسطيني، ومأساة عموم أفراده من ‏ناحية، وما أجد نفسي فيه من رفض طريقة زعمائهم ، وتوجههم لإيذاء الدولة التي وقفت عبر التاريخ معهم؛ ‏مصر!‏
ينتابني شعور متضارب من الأسى على انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، ورفض تكرار عداء حماس في كل ‏مناسبة للشعب المصري.‏
‏ ‏
وأحيانًا أتساءل: كيف استطاعوا أن يوجهوا سهامهم وطعناتهم إلى مؤيديهم بدلًا من أعدائهم؟ ‏
أبكي من الظلم الذي يعانيه شعب فلسطين الذي تُهدر حقوقه على أرضه، ولكنني لا أستطيع تأييد حماس التي ‏أراها تتكسب من آلام شعب فلسطين.‏
بل بالعلم ، والتجربة أري أن دولة عربية فلسطينية متطرفة قد تكون أقسي علي مصر من عدو مباشر ‏كإسرائيل. ‏
لا أعرف كيف أشعر من هذا التناقض بين حقي وشعوري ورغبتي في الدفاع عن بلدي ؟!بين رغبتي في مساندة ‏شعب فلسطين المنتهكة حقوقه بين مطرقة إسرائيل العنصرية وسندان قيادات حماس، الذين كلما حانت فرصة ‏ضربوا في مصر، وتاريخها، وشعبها، وجيشها، ولم يضربوا في إسرائيل إلا شكلًا ليعطوها مبررًا لإيذاء شعبهم.‏
لكن في النهاية علينا أن نقف مع حق شعب فلسطين المظلوم، ولا نأخذهم بجريرة قادتهم، ولا القادة العرب ‏المتقاعسين عبر التاريخ. ‏
قال شاب آخر موجهاً كلامه الى : هل ترى علاقة بين سد إثيوبيا وما يحدث في فلسطين المحتلة يا دكتور ؟
قلت: لا أستطيع أن أمنع تفكيري من الربط بين البدء ببناء السد في أثناء ثورة يناير ٢٠١١ والفوضى التي تلتها، ‏والتي ساعد وأنجز فيها الإخوان مخططًا مرسومًا، بتدخل حماس، وغزوهم السجون، وحرق كل أقسام الشرطة ‏المصرية في وقت واحد. لا أستطيع أن أمنع ربط الأحداث بعضها ببعض، وأنا أعلم وجود المخابرات الإسرائيلية ‏المؤثر في إثيوبيا، وأشاهد الرئيس الإثيوبي يحصل على جائزة نوبل قبل تولي الحكم وبدء العداء مع مصر، ‏وبعدها بأربع عشرة سنة، بعد الملء الأخير لبحيرة السد، الذي لا رجعة بعده في التأثير السلبي على مصر ‏والسودان، وبين أحداث العنف الإسرائيلي في غزة، المبني شكلًا على عملية “طوفان الأقصى”، ثم هجومً٧ ‏اكتوبر ويتحقق من ورائه أهداف نتنياهو في البقاء في السلطة، ويتحقق لقادة حماس تأييد عاطفي، والكل كسبان ‏على حساب الشعب الفلسطيني، الذي تُهدم مبانيه فوق رأسه، ويُقتل أبناؤه بلا رحمة، ويُباد أمام نظر العالم. ‏
الخيوط تتشابك، ولكن تلاقي الاهداف قد لا يكون مصادفة! ‏
‏ ولا ننسي أن مصر ستظل هي الخوف الحقيقي لإسرائيل، ولم يوجد،، ولن يوجد سوى مصر أملًا للفلسطينيين، ‏وسندًا للشعب المقهور. ‏
ثورة، وفوضى، وتخطيط، وإخوان في يناير ٢٠١١، بدأ في أثنائها بناء سد إثيوبيا، وثورة، وفوضى، وإخوان ‏حماس، وعنف ضد الشعب الفلسطيني عام ٢٠٢١، ثم غزو وإبادة كاملة عام ٢٠٢٢ و2023 إلى الآن، ويتم ‏التحكم في ينبوع الحياة لمصر؛ نهر النيل. ‏
في السياسة، تعلمت أنه لا توجد مصادفات؛ ولكن مخططات، واحتمالات، وحسابات، وأهداف تتحقق.. ‏
الهدف النهائي -كما تعلمنا دروس التاريخ- هو فوز الصهيونية، وتحكمها في المنطقة وإضعاف -إن لم يكن قتل- ‏القوة الوحيدة التي تقف أمامها حضاريًّا؛ وهي مصر.

التعليقات

التعليقات