شكراً مالطا
بقلم
حسام بدراوي
دعتني مؤسسة البحر المتوسط للسياحة الأسبوع الماضي
الي مؤتمر فريد من نوعه وأسلوب ادارته في جزيرة مالطا.
المنتدي ، ضم 1500 مشترك من 28 دولة علماً بأن تعداد سكان مالطا نصف مليون نسمة ويزورها أربعة ملايين سائح ، أي ثمان أضعاف عدد السكان!!
المنتدي هو منصة لتعزيز السياحة المستدامة في دول المتوسط، يعقد سنويا في هذه الجزيرة الجميلة ،و يجمع أصحاب المصلحة من الحكومات والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية والمجتمعات المحلية.
و في جلسة خاصة تلقيت تكريماً من السيدة مريم سبيريتي ديبونو، رئيسة مالطا، تم التقديم لها بهذه الكلمات :
”تكريمًا لإسهامات د. حسام بدراوي وتأثيره في بيئة التعليم والضيافة العابرة للحدود، نقدم له هذه الجائزة ، فهو قائد يتمتع برؤية وتأثير عابر للحدود ، تركت إسهاماته بصمة لا تُمحى على بلاده والمنطقة.
كطبيب مرموق وسياسي ومفكر، يُجسد الدكتور بدراوي مزيجًا فريدًا من الخبرة والرؤية المستقبلية و على مدار السنوات، أصبح صوتًا رائدًا في إصلاح التعليم، دائمًا ما يسعى إلى مواءمة التعليم مع المتطلبات المتغيرة للمجتمع والاقتصاد.
نحتفي اليوم بأحد مجالات اهتماماته الرئيسية وهي الدور الحيوي للتعليم في تمكين صناعة الضيافة عبر الحدود وفي منطقة البحر المتوسط.”
ما بهرني في هذا اللقاء كان دمج الثقافة والفن لشعوب المتوسط في التقديم والحوار. أما مجال فخري الشخصي والوطني فكان في مكانه أحد أهم الشخصيات في هذا المنتدي ، هشام زعزوع، وزير السياحة المصري الأسبق ، وقدرته علي تشبيك الخبراء ، واحترام الجميع له من كل الجنسيات. لقد أثراني وأبهجني وجوده المؤثر ، و علاقاته الإيجابية التي ترفع رأس مصر عاليا ببساطته واتساع معارفه وعلمه وتمثيله العظيم لبلاده.
هدف اللقاء كان تعزيز السياحة المستدامة و الدعوة إلى سياحة تحافظ على التراث الثقافي وتحمي البيئة وتدعم الاقتصادات المحلية مع تقوية التعاون الإقليمي و تشجيع الشراكات بين دول البحر الأبيض المتوسط لتطوير استراتيجيات موحدة ومبادرات مشتركة. وأبرزت الحوارات التنوع بين الشعوب و تسليط الضوء على التاريخ الغني والجمال الطبيعي والثقافات الفريدة للمنطقة لجذب الاهتمام العالمي.
ركز اللقاء علي التراث الثقافي للبحر الأبيض المتوسط كمهد للحضارات، مع مواقع التراث العالمي لليونسكو والمدن التاريخية والمعالم الأثرية ،وعلي السياحة البيئية و استثمار المناظر الطبيعية للمنطقة – مثل السواحل والجزر والتنوع البيولوجي – في سياحة مستدامة.
كذلك ناقش المؤتمرالتحول الرقمي و استخدام الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والأدوات المستندة إلى البيانات لتحديث وتخصيص تجربة السياحة.
أما مداخلتي فقد ركزت علي التعليم كأساس لمجتمع مضياف، وشملت ، بناء ثقافة الضيافة وتمكين مقدمي الخدمات على جميع المستويات، وتعزيز الاستدامة والمسؤولية البيئية وتقوية مشاركة المجتمع.
إن الضيافة ليست مجرد استقبال السياح في الفنادق أو المنتجعات؛ إنها تتعلق بخلق بيئة يشعر فيها الزائرون بالقيمة، والاحترام، والتقدير للبلاد.
هذا جهد مجتمعي يتطلب تعاون الأفراد، والشركات، والمجتمعات.
التعليم هو المفتاح لتنمية هذا النهج وضمان أن يفهم كل فرد في المجتمع دوره في نجاح جذب السياح .
إن التعليم يساهم في بناء ثقافة الضيافة و تعزيز الفخر الثقافي والوعي. عندما يتعلم المواطنون عن تاريخ بلادهم وتقاليدها وتراثها، يصبحون أكثر فخراً وصدقاً في عرض هذه الجوانب للزوار.
ان تعليم الطلاب قيمة العادات المحلية، واللغات، وأهمية تقبل التنوع مع وضع برامج تشجع السكان على المشاركة في المهرجانات الثقافية، و إرشاد السياح، في غاية الأهمية لمستقبل السياحة في مصر. من خلال غرس هذه القيم من سن مبكرة، يساعد التعليم في بناء مجتمع تكون فيه الضيافة مسؤولية الجميع .
إن قطاع الضيافة لا يقتصر على الفنادق والمطاعم فقط؛ بل يشمل خدمات النقل، والمرشدين السياحيين، وموظفي البيع بالتجزئة، وحتى العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين قد يتعاملون مع السياح.
لذلك فإن تدريب الشباب علي تنمية المهارات الشخصية: كالتواصل الفعّال، وحل المشكلات، والتعاطف هو جزء من بناء استعداد الدولة للتواصل السياحي. أما تعليم اللغات و توفير مستوى أساسي من الكفاءة في اللغات التي يتحدث بها السياح فإنه يجعل التواصل جاذب وفعّال مع الزائرين.
ان المعايير المهنية و ضمان فهم مقدمي الخدمات للمعايير الدولية المتعلقة بالآداب، والنظافة، ورعاية العملاء جزء اساسي من بناء هذه الثقافة في الوجدان.
عندما يتم التركيز على هذه العناصر، تصبح كل تفاعلات المواطنين مع الزوار فرصة لترك انطباع إيجابي وتحويل اللقاءات العابرة إلى تجارب لا تُنسى.
تلعب الاستدامة دوراً حاسماً في الضيافة الحديثة و يساهم التعليم في تدريب الأفراد والمجتمعات لكيفية تحقيق توازن بين السياحة والحفاظ على البيئة في نفس الوقت ، فلابد من إدراج موضوعات عن السياحة البيئية وأهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية مثل الشواطئ والشعاب المرجانية والغابات في المدارس والمعاهد،
ونشر مبادرات لبرامج التدريب المهني و تعليم الممارسات المستدامة في الأعمال السياحية مثل تقليل النفايات، وكفاءة استخدام الطاقة، والبناء الصديق للبيئة.
ولابد من نشر حملات التوعية العامة و تشجيع السكان على المشاركة في مبادرات لحماية البيئة ودعم السياحة.
التعليم يتيح للمواطنين التعرف على الفرص في قطاع الضيافة ويزودهم بالمهارات اللازمة لاقتناصها والأمثلة لذلك متعددة مثل نوعيات التعليم الريادي بهدف تدريب الأفراد على بدء مشاريع سياحية كمتاجر الهدايا التذكارية، وأكشاك الطعام، أو خدمات الجولات السياحية.
يتطلب قطاع الضيافة المزدهر مشاركة جميع شرائح المجتمع، بما في ذلك النساء، والشباب، والفئات المهمشة و يضمن التعليم أن لا يُترك أحد خلف الركب من خلال توفير فرص تدريب وعمل متساوية.
يساهم التعليم في تحسين السمعة العالمية للأمم. حيث يعمل المحترفون المهرة والمدربون كسفراء لبلادهم، يعرضون قيمها وثقافتها وضيافتها ، سواء كان ذلك من خلال مدير فندق يقدم خدمة ويقود مجموعات عمل أو حرفي محلي يعرض مهاراته . علينا ان نتفهم كيف يترك الأفراد المتعلمون انطباعات تدوم طويلاً، مما يعزز السياحة ويجذب الزوار المتكررين.
عندما يتم تنسيق التعليم مع احتياجات قطاع الضيافة، يتحول المجتمع إلى قوة متماسكة تدعم السياحة. من الطلاب الذين يتعلمون أساسيات الفخر الثقافي إلى المحترفين الذين يتفوقون في خدمة العملاء، يصبح كل فرد مساهماً في تقديم صورة مشرقة عن الأمة كوجهة مرحبة وحيوية.
إن الضيافة أكثر من مجرد صناعة؛ إنها أسلوب حياة يمكن للتعليم والإعلام أن يغرسه في وجدان جميع طبقات المجتمع.
ان قطاع الضيافة في مصر ليس فقط مصدر فخر وطني، بل هو شريان حياة لاقتصادنا الوطني، حيث يساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي ويوفر فرص عمل لا حصر لها.
رؤيتي لمصر واضحة لتحقيق مكانتها كقائدة في مجال الضيافة، يجب علينا الاستثمار في رأس المال البشري، وهو قوتنا المستدامة للمستقبل. ولتحقيق ذلك، يجب أن يكون التعليم في قلب جميع السياسات المصرية.
انني أؤمن بأن تجهيز الأفراد بالمهارات والمعرفة وتبني المواقف المتوازنة يمكن أن يجعل من مصر معيارًا عالميًا للتميز في مجال الضيافة والسياحة.
إن رؤيتنا يجب أن تتجاوز التعليم لتشمل المفهوم الأوسع للاستدامة—الاقتصادية، والبيئية، والاجتماعية و أتخيل برامج تدريبية تُعلّم المهنيين المستقبليين ليس فقط كيفية تلبية متطلبات القطاع، ولكن أيضًا كيفية قيادة التحول نحو ممارسات صديقة للبيئة.
من خلال تعزيز السياحة المستدامة، يمكن لمصر أن تعزز مكانتها كقائد عالمي بينما تحمي تراثها الطبيعي والثقافي.
جانب حاسم من عملي هو الدعوة إلى سياسات قوية تربط التعليم بالتنمية الاقتصادية ، و بصفتي مشاركًا في صناعة السياسات، أفهم أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب استراتيجيات واضحة والتزامًا لا يتزعزع سواء من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص أو المبادرات المدعومة من الحكومة،و أؤمن بشدة أن إصلاح التعليم يمكن أن يكون محفزًا للتغيير المستدام.
ما يجعل هذه الرؤية ملهمة بشكل خاص هو إمكانيتها للتوسع إلى ما وراء مصر حيث تواجه الدول المطلة على البحر المتوسط والبحر الأحمر تحديات مماثلة
ويمكن لنجاح مصر أن يكون نموذجًا يدمج التعليم بهذه الصناعة.
هذه ليست مجرد مسألة وطنية—بل فرصة إقليمية للنمو والتعاون.
أذّكر الجميع أن التعليم أكثر من مجرد وسيلة للتوظيف—إنه الأساس لبناء مجتمعات أفضل واقتصادات أقوى ، ومن خلال جهودنا الدؤوبة، يمكننا إضاءة طريق نحو مستقبل يُمَكِن فيه التعليم الأفراد من خلق فرصهم بأنفسهم ويحققون آمالهم وأحلامهم .
لا يفوتني في نهاية مقالي الاشارة إلي رغبة المنظمين لهذا اللقاء الذي ضم 1500 ممثل من كل دول العالم ، أن يكون مؤتمرهم القادم في مصر، وتصورنا أن يكون المتحف الكبير العظيم مكان اللقاء مع زيارة مكتبة الإسكندرية وهو ما أثار خيال الحاضرين وشغفهم .