الأربعاء , 4 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / شكراً مالطا بقلم ‏ حسام بدراوي

شكراً مالطا بقلم ‏ حسام بدراوي

شكراً مالطا
بقلم ‏
حسام بدراوي
‏ دعتني مؤسسة البحر المتوسط للسياحة الأسبوع الماضي
‏ الي مؤتمر فريد من نوعه وأسلوب ادارته في جزيرة مالطا. ‏
المنتدي ، ضم ‏‎1500 ‎مشترك من ‏‎28 ‎دولة علماً بأن تعداد سكان مالطا نصف مليون نسمة ويزورها أربعة ‏ملايين سائح ، أي ثمان أضعاف عدد السكان!! ‏
‏ ‏
المنتدي هو منصة لتعزيز السياحة المستدامة في دول‎ ‎المتوسط، يعقد سنويا في هذه الجزيرة الجميلة ،و يجمع ‏أصحاب المصلحة من الحكومات والقطاع الخاص والأوساط الأكاديمية والمجتمعات المحلية.‏
و في جلسة خاصة تلقيت تكريماً من السيدة مريم سبيريتي ديبونو، رئيسة مالطا، تم التقديم لها بهذه الكلمات ‏‏:‏
‏”تكريمًا لإسهامات د. حسام بدراوي وتأثيره في بيئة التعليم والضيافة العابرة للحدود، نقدم له هذه الجائزة ، فهو ‏قائد يتمتع برؤية وتأثير عابر للحدود ، تركت إسهاماته بصمة لا تُمحى على بلاده والمنطقة.‏
‏ كطبيب مرموق وسياسي ومفكر، يُجسد الدكتور بدراوي مزيجًا فريدًا من الخبرة والرؤية المستقبلية و على مدار ‏السنوات، أصبح صوتًا رائدًا في إصلاح التعليم، دائمًا ما يسعى إلى مواءمة التعليم مع المتطلبات المتغيرة ‏للمجتمع والاقتصاد.‏
نحتفي اليوم بأحد مجالات اهتماماته الرئيسية وهي الدور الحيوي للتعليم في تمكين صناعة الضيافة عبر الحدود ‏وفي منطقة البحر المتوسط.”‏
ما بهرني في هذا اللقاء كان دمج الثقافة والفن لشعوب المتوسط في التقديم والحوار. أما مجال فخري الشخصي ‏والوطني فكان في مكانه أحد أهم الشخصيات في هذا المنتدي ، هشام زعزوع، وزير السياحة المصري الأسبق ‏، وقدرته علي تشبيك الخبراء ، واحترام الجميع له من كل الجنسيات. لقد أثراني وأبهجني وجوده المؤثر ، و ‏علاقاته الإيجابية التي ترفع رأس مصر عاليا ببساطته واتساع معارفه وعلمه وتمثيله العظيم لبلاده. ‏
هدف اللقاء كان تعزيز السياحة المستدامة و الدعوة إلى سياحة تحافظ على التراث الثقافي وتحمي البيئة وتدعم ‏الاقتصادات المحلية مع تقوية التعاون الإقليمي و تشجيع الشراكات بين دول البحر الأبيض المتوسط لتطوير ‏استراتيجيات موحدة ومبادرات مشتركة. وأبرزت الحوارات التنوع بين الشعوب و تسليط الضوء على التاريخ ‏الغني والجمال الطبيعي والثقافات الفريدة للمنطقة لجذب الاهتمام العالمي.‏
ركز اللقاء علي التراث الثقافي للبحر الأبيض المتوسط كمهد للحضارات، مع مواقع التراث العالمي لليونسكو ‏والمدن التاريخية والمعالم الأثرية ،وعلي‎ ‎السياحة البيئية و استثمار المناظر الطبيعية للمنطقة – مثل السواحل ‏والجزر والتنوع البيولوجي – في سياحة مستدامة.‏
كذلك ناقش المؤتمرالتحول الرقمي و استخدام الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والأدوات المستندة إلى ‏البيانات لتحديث وتخصيص تجربة السياحة.‏
أما مداخلتي فقد ركزت‎ ‎علي التعليم كأساس لمجتمع مضياف، وشملت ، بناء ثقافة الضيافة وتمكين مقدمي ‏الخدمات على جميع المستويات، وتعزيز الاستدامة والمسؤولية البيئية وتقوية مشاركة المجتمع.‏
‏ إن الضيافة ليست مجرد استقبال السياح في الفنادق أو المنتجعات؛ إنها تتعلق بخلق بيئة يشعر فيها الزائرون ‏بالقيمة، والاحترام، والتقدير للبلاد.‏
هذا جهد مجتمعي يتطلب تعاون الأفراد، والشركات، والمجتمعات. ‏
التعليم هو المفتاح لتنمية هذا النهج وضمان أن يفهم كل فرد في المجتمع دوره في نجاح جذب السياح .‏
إن التعليم يساهم في بناء ثقافة الضيافة و تعزيز الفخر الثقافي والوعي. عندما يتعلم المواطنون عن تاريخ ‏بلادهم وتقاليدها وتراثها، يصبحون أكثر فخراً وصدقاً في عرض هذه الجوانب للزوار.‏
ان تعليم الطلاب قيمة العادات المحلية، واللغات، وأهمية تقبل التنوع مع وضع برامج تشجع السكان على ‏المشاركة في المهرجانات الثقافية، و إرشاد السياح، في غاية الأهمية لمستقبل السياحة في مصر. من خلال ‏غرس هذه القيم من سن مبكرة، يساعد التعليم في بناء مجتمع تكون فيه الضيافة مسؤولية الجميع .‏
إن قطاع الضيافة لا يقتصر على الفنادق والمطاعم فقط؛ بل يشمل خدمات النقل، والمرشدين السياحيين، وموظفي ‏البيع بالتجزئة، وحتى العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين قد يتعاملون مع السياح.‏
لذلك فإن تدريب الشباب علي تنمية المهارات الشخصية: كالتواصل الفعّال، وحل المشكلات، والتعاطف هو جزء ‏من بناء استعداد الدولة للتواصل السياحي.‏ أما تعليم اللغات و توفير مستوى أساسي من الكفاءة في اللغات ‏التي يتحدث بها السياح فإنه يجعل التواصل جاذب وفعّال مع الزائرين. ‏
ان المعايير المهنية و ضمان فهم مقدمي الخدمات للمعايير الدولية المتعلقة بالآداب، والنظافة، ورعاية العملاء ‏جزء اساسي من بناء هذه الثقافة في الوجدان.‏
عندما يتم التركيز على هذه العناصر، تصبح كل تفاعلات المواطنين مع الزوار فرصة لترك انطباع إيجابي ‏وتحويل اللقاءات العابرة إلى تجارب لا تُنسى.‏
تلعب الاستدامة دوراً حاسماً في الضيافة الحديثة و يساهم التعليم في تدريب الأفراد والمجتمعات لكيفية تحقيق ‏توازن بين السياحة والحفاظ على البيئة في نفس الوقت ، فلابد من إدراج موضوعات عن السياحة البيئية وأهمية ‏الحفاظ على الموارد الطبيعية مثل الشواطئ والشعاب المرجانية والغابات في المدارس والمعاهد،
ونشر مبادرات ‏ لبرامج التدريب المهني و تعليم الممارسات المستدامة في الأعمال السياحية مثل تقليل النفايات، ‏وكفاءة استخدام الطاقة، والبناء الصديق للبيئة.‏
ولابد من نشر ‏ حملات التوعية العامة و تشجيع السكان على المشاركة في مبادرات لحماية البيئة ودعم ‏السياحة.‏
التعليم يتيح للمواطنين التعرف على الفرص في قطاع الضيافة ويزودهم بالمهارات اللازمة لاقتناصها والأمثلة ‏لذلك متعددة مثل نوعيات التعليم الريادي بهدف تدريب الأفراد على بدء مشاريع سياحية‎ ‎كمتاجر الهدايا ‏التذكارية، وأكشاك الطعام، أو خدمات الجولات السياحية.‏
يتطلب قطاع الضيافة المزدهر مشاركة جميع شرائح المجتمع، بما في ذلك النساء، والشباب، والفئات المهمشة و ‏يضمن التعليم أن لا يُترك أحد خلف الركب من خلال توفير فرص تدريب وعمل متساوية.‏
يساهم التعليم في تحسين السمعة العالمية للأمم. حيث يعمل المحترفون المهرة والمدربون كسفراء لبلادهم، ‏يعرضون قيمها وثقافتها وضيافتها ، سواء كان ذلك من خلال مدير فندق يقدم خدمة ويقود مجموعات عمل أو ‏حرفي محلي يعرض مهاراته . علينا ان نتفهم كيف يترك الأفراد المتعلمون انطباعات تدوم طويلاً، مما يعزز ‏السياحة ويجذب الزوار المتكررين.‏
عندما يتم تنسيق التعليم مع احتياجات قطاع الضيافة، يتحول المجتمع إلى قوة متماسكة تدعم السياحة. من الطلاب ‏الذين يتعلمون أساسيات الفخر الثقافي إلى المحترفين الذين يتفوقون في خدمة العملاء، يصبح كل فرد مساهماً في ‏تقديم صورة مشرقة عن الأمة كوجهة مرحبة وحيوية.‏
‏ إن الضيافة أكثر من مجرد صناعة؛ إنها أسلوب حياة يمكن للتعليم والإعلام أن يغرسه في وجدان جميع طبقات ‏المجتمع.‏
ان قطاع الضيافة في مصر ليس فقط مصدر فخر وطني، بل هو شريان حياة لاقتصادنا الوطني، حيث يساهم ‏بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي ويوفر فرص عمل لا حصر لها.‏
رؤيتي لمصر واضحة لتحقيق مكانتها كقائدة في مجال الضيافة، يجب علينا الاستثمار في رأس المال البشري، ‏وهو قوتنا المستدامة للمستقبل. ولتحقيق ذلك، يجب أن يكون التعليم في قلب جميع السياسات المصرية.‏
انني أؤمن بأن تجهيز الأفراد بالمهارات والمعرفة وتبني المواقف المتوازنة يمكن أن يجعل من مصر معيارًا ‏عالميًا للتميز في مجال الضيافة والسياحة.‏
إن رؤيتنا يجب أن تتجاوز التعليم لتشمل المفهوم الأوسع للاستدامة‎—‎الاقتصادية، والبيئية، والاجتماعية و أتخيل ‏برامج تدريبية تُعلّم المهنيين المستقبليين ليس فقط كيفية تلبية متطلبات القطاع، ولكن أيضًا كيفية قيادة التحول ‏نحو ممارسات صديقة للبيئة.‏
من خلال تعزيز السياحة المستدامة، يمكن لمصر أن تعزز مكانتها كقائد عالمي بينما تحمي تراثها الطبيعي ‏والثقافي.‏
جانب حاسم من عملي هو الدعوة إلى سياسات قوية تربط التعليم بالتنمية الاقتصادية ، و بصفتي مشاركًا في ‏صناعة السياسات، أفهم أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب استراتيجيات واضحة والتزامًا لا يتزعزع ‏ سواء من ‏خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص أو المبادرات المدعومة من الحكومة،و أؤمن بشدة أن إصلاح ‏التعليم يمكن أن يكون محفزًا للتغيير المستدام.‏
ما يجعل هذه الرؤية ملهمة بشكل خاص هو إمكانيتها للتوسع إلى ما وراء مصر حيث ‏ تواجه الدول المطلة ‏على البحر المتوسط والبحر الأحمر تحديات مماثلة
ويمكن لنجاح مصر أن يكون نموذجًا يدمج التعليم بهذه الصناعة.‏
هذه ليست مجرد مسألة وطنية‎—‎بل فرصة إقليمية للنمو والتعاون.‏
أذّكر الجميع أن التعليم أكثر من مجرد وسيلة للتوظيف‎—‎إنه الأساس لبناء مجتمعات أفضل واقتصادات أقوى ، ‏ومن خلال جهودنا الدؤوبة، يمكننا إضاءة طريق نحو مستقبل يُمَكِن فيه التعليم الأفراد من خلق فرصهم بأنفسهم ‏ويحققون آمالهم وأحلامهم .‏
لا يفوتني في نهاية مقالي الاشارة إلي رغبة المنظمين لهذا اللقاء الذي ضم ‏‎1500 ‎ممثل من كل دول العالم ، ‏أن يكون مؤتمرهم القادم في مصر، وتصورنا أن يكون المتحف الكبير العظيم مكان اللقاء مع زيارة مكتبة ‏الإسكندرية وهو ما أثار خيال الحاضرين وشغفهم .‏

التعليقات

التعليقات