الخميس , 20 فبراير 2025
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / شمس الأصيل والحب والنيل بقلم حسام بدراوي

شمس الأصيل والحب والنيل بقلم حسام بدراوي

شمس الأصيل والحب والنيل
بقلم
حسام بدراوي
تشجعت وأنا أستمع أمس الي أغنية شمس الأصيل ، متأثراً بروعة الكلام ، وجمال اللحن ، والأداء المبهر للسيدة أم كلثوم أن أسجل مشاعري وأحاسيسي وأرسلها الي صديقي الموسيقار العبقري راجح داوود للإضافة والحصول علي إنعكاسات شمس الأصيل علي وجدانه.
نهر النيل ، وخصوصاً في المنصورة حيث ولدت وعشت أول عشر سنوات من حياتي له مذاق خاص. كنا نسكن في ڤيلا علي شاطئ النيل ضمن مجموعة من عشر ڤيلات ، أمام حديقة شجرة الدر ، ومنزلنا كانت له حديقة صغيرة تغطيها مياه الفيضان في ذروته لتلتقي مياهه بجدران الڤيلا..
النيل أمامنا كان متسعا ولم أري لسعته مثيلا الا في أسوان. حركة المراكب ، ومنظر القلاع ، وحركة المياه التي تسري بيسر وتسير بهم ، والمراكبية يركزون مجاديفهم الطويلة في جدار منزلنا حتي لا يصطدمون به ، ظلت لاصقة في وجداني حتي الآن وكأنها لوحة فنية.
لابد أن النهر بجماله قد خلق مكانا داخلي ، وتمكن برومانسيتة من عقلي الباطن وظهر بعد سنين في عشقي للكلمات الموحية والبحث عن الجمال وربط نسيج الصفاء ببعضه بشكل ما.
إستمعت الي أغنية شمس الأصيل في هدوء الليل وأغمضت عيناي وكأني أستمع اليها أول مرة… وأسرح في كلمات بيرم التونسي والحان رياض السنباطي .
أعتقد أن أم كلثوم قد تُوِجت “بشمس الأصيل” على قمة الغناء العربي وهي إحدى روائع كلاسيكيات الموسيقى التي حملت روح مصر بكل سحرها وجاذبيتها وإنسانيتها في لحن شرقي أصيل يربط الإنسان بالمكان ، ويدمج الحب بالطبيعة ويخلق نسيجاً عبقرياً يرسم صورة متكامله وكأننا نري بالعين ما تسمعه الأذن من أوصاف متداخلة بين النهر والشمس والنسيم والأحبة..
اختار بيرم مخاطبة النيل كمدخل لموضوعه العاطفي و يعلم أنه رمز الحياة والاستقرار واستغرق في وصفه ووصف مشاعر الأحبة في خَلطه لم أري لها مثيلا في الشعر العربي، و استغرق الملحن في تجسيد هذه الصور الطبيعية والإنسانية لينسج مع الشاعر وإبداع الأداء لوحة متعددة الألوان والأبعاد تمنح المستمع مساحات شاسعة من الخيال وتدعوه للتأمل.
قرأت لمتخصص وسأعود لصديقي راجح داوود الموسيقار العظيم للتأكيد أن النص الشعري لشمس الأصيل يخلو من أي مقطع مكرر وأن الملحن استخدم بيتين من المقطع الأول كمذهب يتكرر بين المقاطع الشعرية وبذلك أنشأ خطا دراميا جعل هذا المذهب هو اللحن المميز للأغنية كلها.
أي أن بناء الأغنية قد كتب بدون مذهب، أي بدون تكرار أية أبيات، ولهذا فالمذهب المسموع من ابتكار الملحن.
أضاف الملحن ابتكارا آخر يدل على الخبرة والحرفية العالية باستدعاء كلمة النداء “يا نيل” وإضافتها إلى آخر أبيات المذهب الذي اختاره، وهي لم ترد في ختام أي بيت في النص المكتوب إلا مرة واحدة في البيت الأول وتقول الروايات أن هذا كان إضافة من الست بحسها الشعري
شمس الأصيل تجربة فريدة فعلا ،فإنك إذا استمعت إلى هذا اللحن وأنت خارج مصر .. سيتولد لديك شعور قوي بأنها ليست مجرد أغنية عابرة، فهي تخاطب مشاعرك وحنينك لوطنك بكل ما يعنيه الوطن من من معان .. المكان والزمان، الناس والذكريات، والأماني والأحلام .. وإن لم تكن مصريا فربما وددت أن تذهب إلى مصر يوما لترى ماذا يحدث عندما تنعكس شمس الأصيل على صفحة النيل ..
تبدأ الأغنية بأبيات ترسم اللوحة ويبدأ بعدها وصف المشاعر وخلط النيل بأحاسيس الحب والأحبة
شمس الأصيل دَهَبت
خوص النخيل يا نيل
تحفة ومتصورة
في صفحتك يا جميل
وينهي الكوبليه باللزمة التي خلقها الملحن:
والناي على الشط غنى
والقدود بتميل على هبوب الهوا (ويكرر علي هبوب الهوا )
لما يمر عليل
يا نيل
ياااااااااااااانيل
تدخل بنا الأغنية في منطقة أخري بكلمات معجزه ولحن فريد وأداء لا مثيل له:
“يا نيل أنا واللي احبه
نشبهك بصفاك
لانت ورقت قلوبنا لما رق هواك
وصفونا في المحبة
هو هو صفاك
ما لناش لا احنا ولا انت
في الحلاوة مثيل يانيل
يا نيل
ياااااااااااااانيل”
إيه الجمال ده والحلاوه دي وهي تشدو: “مالناش ، لا احنا ولا انت ، في الحلاة مثيل يا نيل”
قبل ما ينهي باللازمة التي ابدعها الملحن والمؤدي :
“”
وتستمر أم كلثوم في الأداء الرائع شادية:
انا وحبيبي يا نيل نلنا أمانينا
مطرح ما يرسى الهوى ترسى مراسينا
والليل إذا زاد وطال تقصر ليالينا
واللي ضناه الهوى باكي وليله طويل
والناي على الشط غنى
والقدود بتميل على هبوب الهوا
لما يمر عليل
انا وحبيبي يا نيل نلنا أمانينا…..
ما هذه الروعة
ويبدع الشاعر في قوله واللحن الذي ولابد له من وصف محترف وأم كلثوم تغير التون وهي بتقفل ؛ ؛”مطرح ما يرسي الهوي ….ترسي مراسينا”
واحنا مش عارفين هو الهوي ولا الهوا.
وتنتهي الأغنية ب:
انا وحبيبي يا نيل غايبين عن الوجدان
يطلع علينا القمر ويغيب كأنه ما كان
بايتين حوالينا نسمع ضحكة الكروان
يا نيل يا نيل
والناي على الشط غنى
والقدود بتميل على هبوب الهوا
لما يمر عليل
بدأنا في شمس الأصيل ووصف لحظة ساحرة في نهاية اليوم وانتهينا في الأغنية بالقمر اللي طلع وغاب ومع صوت الكروان في أداء أنصحكم بإعادة الاستماع اليه لان المستمع لن يفرق بين الصوت الحقيقي للكروان وصوت ام كلثوم الكرواني.
بدأنا في نهاية اليوم بأصيله الي انتهاء الليل بغياب قمرة في رحلة حب دمجت الأغنية فيها بين الإنسآن والمشاعر والنيل وصفاه ورقة النسيم وهواه

التعليقات

التعليقات

عن د. حسام بدراوي

د. حسام بدراوي
عن دكتور حسام سياسي ومفكر وطبيب بارز فهو رئيس قسم أمراض النساء والتوليد الأسبق في كلية الطب جامعة القاهرة، تلقي الدراسات العليا أعوام 1979 إلى 1981 في الولايات المتحدة الأمريكية، انتخب عضو في البرلمان المصري ورئيساً للجنة التعليم والبحث العلمي في بالبرلمان منذ عام 2000 حتى 2005، السياسي حسام بدراوي عرف بمواقفه المستقلة ومن القلائل الذين اتفق على نزاهته الجميع من كافة التيارات السياسية، ففي عصر الرئيس الأسبق مبارك كان يلقب بالعاقل داخل صفوف الحزب الوطني، حيث كانت نداءاته وطلباته السياسية تتفق بقدر كبير مع النداءات الداعية للانفتاح السياسي والديمقراطي في مصر، فكان ضد تمديد حالة الطواري، واعترض على انفراد الحزب الوطني بالتعديلات الدستورية، خلال ثورة 25 يناير 2011 ، لعب دوراً سياسياً هاما، حيث عبر منذ اللحظة الأولى على حق المتظاهرين في مطالبهم، ودعا الحكومة إلى الاستماع والاستجابة لهم، ما جعل مبارك مع تصاعد الاحداث لما له من شعبية بتعيينه أمينا عاما للحزب خلفا لأعضاء هيئة المكتب وخلال تلك الفترة عبر عن رأيه السياسي لمبارك بضرورة التنحي، وهو ما دفعه للاستقالة من الحزب بعد 5 أيام من تعيينه يوم 10 فبراير معلنا اختلافه السياسي مع القيادة السياسية في طريقة التعامل مع المتظاهرين ومطالبهم في حكم الإخوان فظلت مواقفه واضحة منذ اللحظة الأولى برفضه الدولة الدينية التي اعتبرها تريد تلويين الشعب بلون واحد، واعتبر قرار الرئيس المعزول مرسي بعودة مجلس الشعب ترسيخ للديكتاتورية المؤيدة من الولايات المتحدة، وكان من أوائل المنددين بتوغل سلطة مرسي على سلطة القضاء، مستنكرا محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل مليشيات الإخوان أيد د حسام بدراوي حركة تمرد مع بدايتها، وأعلن أن إسقاط حكم الإخوان أصبح ضرورة ومخاطرة لابد منها قبل أشهر من ثورة 30 يونيو، مؤكدا أن الجيش سيقف بجانب الشرعية المستمدة من الشعب.. في ٢٠١٦ تم اختياره رئيسا للجنة الاستشارية لمشروع التعليم أولا ورئيسا للجنة وضع رؤية مصر ٢٠٣٠ في التعليم وفي ٢٠٢٢ تم اختياره مستشارا للحوار الوطني لرؤية مصر ٢٠٣٠