عشر توجهات و إختيار و وأمل
بقلم حسام بدراوي
أؤكد أن رؤى المستقبل لأي أمة، متداخلة، ولا يمكن النظر إلى مصر المستقبل جزئيًا، بل لابد من أن تحوط رؤيتنا للإصلاح جوانبه كلها فى وقت واحد، سواء كان ذلك سياسيًا أو اجتماعيًا أو اقتصاديًا أو ثقافيًا.
إن تماسك الإصلاح واستدامته يرتبطان بالتنمية فى جميع مجالاتها، وبالرغم من أن صوت الدعوة إلى الإصلاح السياسى مهم وأساسى، فإن ذلك يجب ألا يُلْهِينا عن أن البنية الأساسية لعملية الإصلاح تبدأ وتستمر وتتواصل بالتنمية الإنسانية، وأن التعليم والثقافة هما مدخليها الرئيسيين.
إن الإنسان هو الأساس، والقدرة التنافسية لأى مجتمع تعتمد فى النهاية على مجموع قدرات أفراده، والتى تتضاعف قيمتها بالعمل الجماعى والمشاركة الفعالة. إن وظيفتنا الأولى هى بناء القدرات وتوفير الفرص، ونجاحنا كمجتمع هو أن نترك الحرية للأفراد للاختيار بين فرص متعددة.. بعدالة ونزاهة ومساواة فى الحقوق.
إن القدرة على الاختيار هى موضوع الساعة وموضوع المستقبل، إننا نستطيع أن نجعل من كل فرصة أمامنا مشكلة وأزمة، وأن نرى ونكتشف فى كل أزمة تواجهنا فرصًا جديدة يمكن استثمارها والتنمية من خلالها، وسيعتمد ذلك على طريقة نظرتنا إلى الأمور ومعالجتنا للواقع، الذى يطرح فرصًا متعددة للانتقال إلى عهد جديد..
إن القدرة على الاختيار الأصوب والأفضل، والذى يراعى القيم الأصيلة الواجب إدماجها فى وجدان الفرد والأسرة والمجتمع كله، تنبع من مدخل المعرفة واستخدام العقل والمنهج العلمى فى التفكير.
إن مشروع الإصلاح لتحقيق نهضة مصر ليس مجرد أرقام على ورق ولا جمل صماء ومعانى مجردة.. إن روح الإصلاح يمثلها فى النهاية الإنسان وراء الأفكار، أفرادًا وجماعات وكيانات، يزداد عددها يومًا بعد يوم، لتصبح فى لحظة فارقة حجمًا حرجًا يزيد من سرعة الإنجاز، ويؤتى نتائج أعمق وأوسع وأكثر تأثيرًا.
إن الإصلاح يصبح لا قيمة له إن كان هدفه هو فوز يحققه فرد أو مؤسسة فى نقاش أو جدل سياسى أو صوت يعلو على صوت آخر فى تنافس حول مَن يكسب الجماهير أو يحصل على السلطة أو يستمر فيها.
إن الإصلاح المنشود تظهر قيمته التاريخية والمستقبلية عندما يصبح حقيقة مُفعَّلة، عندما يتم تنفيذه ليظهر أثره على المجتمع وكل أفراده.
وكما تتجدد الأفكار، يجب أن تتجدد الوسائل، وروح الإصلاح فى المرحلة الجديدة تحتاج إلى آليات جديدة. ولقد قال أينشتاين، العالِم العبقرى الفذ فى تاريخ العلم، إن المشكلات العويصة التى نواجهها لا يتأتى حلها بتطبيق نفس النهج الفكرى الذى استخدمناه ساعة إيجاد مثل هذه المشكلات..
إن رؤية المستقبل لابد أن تعتمد على واقع تحكمه قواعد استقرت فى العقول والنفوس، ولابد أن تكون لدينا القدرة على التعامل معها وتغييرها أو تثبيتها لنتمكن من الانتقال من نقطة الواقع إلى مساحة المستقبل.
إن رؤيتي السياسية الواضحة والتي أدعو المجتمع إلى الالتفاف حولها تؤمن بالحرية في إطارها الأعم و الاشمل، وبالدولة المدنية، وبالتعددية السياسية واحترام الرأي الآخر قولاً وفعلاً.
أؤمن بحرية العقيدة، وبالمواطنة التي تحمي كل مصري بغض النظر عن اعتقاداته ودينه وآرائه السياسية أو الاجتماعية. وأؤمن بأن هناك وسائل مختلفة لتحقيق نفس الأهداف وأن الشعب من خلال وسائل الديمقراطية بنزاهة وحيدة هو الذي يختار من يراه مؤهلاً لتحقيق هذه الأهداف.
إنني أؤمن بالمبادرة الفردية و أحفزها و أنميها لأن الفرد هو أساس الأسرة والمجتمع، وأؤمن بحرية وأهمية تداول السلطة في إطار دستوري يبني ولايهدم، يجمع ولا يفرق، ومؤسسات سياسية تترجم دعواها إلى عمل وإنتاج.
أؤمن بانتمائي أولاً لمصر ومنها إلى محيطنا الأوسع وللإنسانية جمعاء، ننفتح عليها، ونتكامل معها، واثقين بأنفسنا، نضيف إلي الحضارة الإنسانية فى الحاضر والمستقبل كما أضفنا عبر التاريخ.
إن الذى يضمن الاستدامة وتراكم الخبرات هو التداول السلمى للسلطة السياسية، محددة المدة ، فى إطار الشرعية الدستورية.
لقد لاحظت أنه في كل أزمة سياسية تمر بها البلاد ، يكون الدستور هو الضحية ، ويتم الغائه وكتابة دستور جديد يعبر عن توازن قوي اللحظة ، سواء كانت ثورة أو إنقلاب . إن دستور البلاد هو المرجعية ساعة إختلاف الفصائل ، فإذا تم الغائه في كل أزمة سياسية أو تعديله علي مزاج القوة الغالبة ، يصبح بلا قيمة ولا معني.
إن هناك عشرة دعامات رئيسيًة يجب أن نسعى اليها لتحقيق رفاهة المجتمع ، أفراداً وأسراً ، ونرنو ونعمل الي سعادتهم، ونقضي تماما علي الفقر والجهل والمرض والفوضى والظلم والفساد. هذه التوجهات هي:
الدعامة الأولي هي : الإستقرار علي النظام السياسي لحكم البلاد، بما يسمح باختيار الاكفأ ، والأكثر فاعلية بشفافية وقدرة علي المحاسبية. وبشرط أن يتم ذلك بشكل تدريجي مخطط يتيح بناء قدرات المواطنين، وصنع مناخ سياسي حر يسمح بتوالد قيادات جديدة، و ضمان مؤسسية الحكم وتداول السلطة بدون فوضي ،وقطعية عدم السماح لفئة أو جماعة أو مؤسسة بإهدار الحريات أو الاستبداد بالسلطة.
إن البقاء في السلطة السياسية بدون تداول يخلق الاستبداد مهما خلصت النيات ، ويخلق النفاق والخوف مهما كانت شجاعة الأفراد.
ولا بد في هذا الإطار تحديد هوية الدولة المدنية الحديثة وترسيخ مفهومها لدى الأجيال الجديدة بلا تراجع ، وعلينا أن نغلق أوكار الرجعية والسلفية والتخلف، بعدما أُغلقت مصانعها في المملكة السعودية بشجاعة.
الدعامة الثانية هي: إحداث تغيير ثقافى وسلوكى فى وجدان المجتمع من بوابة التعليم والثقافة والإعلام و وضع سياسات واضحة للتعامل مع الشباب في الفئات العمرية المختلفة ، لبناء قاعدة واسعة من المواطنين تستطيع المشاركة الفعالة في التنمية فيما بعد.
ويعنى ذلك وضع محور التنمية الإنسانية، شاملًا التعليم بكل أقسامه، والثقافة والإعلام والشباب والرعاية الصحية، فى ملف يمكن التعامل معه، وفيه، فى إطار متناسق لتحقيق ما نصبو إليه خلق المواطن المصرى صحيح البدن والعقل، المتعلم، المُمَكَّن تكنولوجيًا، المستنير، المبدع، المسؤول، الفخور بتاريخ بلاده وهويته الثقافية، الشغوف ببناء مستقبلها، والمدرك لأهمية التواصل الإقليمى والعالمى، والقادر على المنافسة فى كل المجالات.
الدعامة الثالثة هي : إجراء تغيير هيكلى فى الاقتصاد المصرى، بهدف تحفيز النمو واستدامته وتوازنه، مع خلق فرص التشغيل ورفع العوائق من أمام الإستثمار الخارجي والوطني لينمو الإقتصاد ويزدهر .
إن تحقيق النمو المتوازن والمستدام المقترن بزيادة فرص التشغيل يجب أن يقترن بإعطاء بعض الأولوية للفئات المحرومة من السكان دون التأثير على توازن موازنة الدولة، وذلك للإسراع بتحقيق معدل اقتصادى يبلغ من 8 % إلى 10% فى المتوسط سنويًّا على مدى خمسة عشر عاما متتالية. وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا باستدامة السياسات، وإقناع الشعب بها، واحترام فلسفتها، دون تراجع أو خروج عنها بهدف جماهيرى سياسي قصير المدى.
الدعامة الرابعة هي: الإصلاح الإدارى وتغيير نمط الحوكمة والرقمية فى كافة المؤسسات، مع تطبيق تدريجى للامركزية.
الدعامة الخامسة هي : الحفاظ على البيئة من أجل الأجيال القادمة مع استدامة توفير الطاقة النظيفة والمياه لاحتياجات الشعب المصرى المتزايدة.
الدعامة السادسة هي: إصلاح مؤسسى وفكرى لمؤسسات القضاء ومؤسسات إنفاذ القانون «الشرطة».
الدعامة السابعة هي: تحديد الدور المصرى فى صناعة مستقبل أفريقيا والشرق الأوسط و العالم واستراتيجيات تطبيقه.
الدعامة الثامنة هي: زيادة قدرات جيش مصر،عتاداً وتدريباً وحمايته من الانخراط فى العمل السياسى والاقتصادى، وتغيير نمط التسليح بزيادة القدرة على التصنيع العسكرى.
الدعامة التاسعة هي : تنمية دور المجتمع المدنى الفعّال وتنشيطه ودعمه واحترام حقوق المواطنين.
الدعامة العاشرة هي : التحكم فى نمو ونوعية وتوزيع السكان.
والسؤال هو، هل لدينا سياسات واضحة وتطبيقات ممكنة لكل ما ذكرت؟
والإجابة هي أن لا أحد لديه وحده كل الحلول، ولكنى سعيت وأسعي وتواصلت مع الخبراء فى كل مجال، ثم وثّقت الآراء، ويسعدنى أن أشارك الشباب فيها، ونتحاور حول كل واحدة من هذه التوجهات.
والحقيقة أن تراكم الخبرات وتداول السلطة سلميًا، بدون هدم ولا فوضى، هو الطريق الوحيد لاستدامة أى سياسة أو تطبيق.
إننى أستطيع أن أجزم أن مصر تملك من الإمكانات البشرية والكفاءات المهنية، والقوه الضاربة من شبابها المستعدين للتعلم والتدريب، ما يضمن لها فى عقد واحد أن تتبوأ مركزها فى طلائع الدول المتقدمة، ولكن التحدي يكمن في التطبيق ، وهو ما يحتاج الإلتزام بالرؤية، وللإدارة الكفء علي كافة المستويات بدون تنازل عن تحقيق مؤشرات قياس للأداء معلنه بتوقيتات زمنية للمواطنين ، ويحتاج الي جرعة تفاؤل وإيجابية يصنعها بعض القرارات التي يراها ويحسها الشعب فيستعيد الأمل.