الخميس , 19 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / على مقهى «الحالمون بالغد»..عن الرعاية الصحية

على مقهى «الحالمون بالغد»..عن الرعاية الصحية

على مقهى «الحالمون بالغد»..عن الرعاية الصحية
حسام بدراوي
 
قالت شابة من الحالمات: لقد كلمتَنا مرارًا عن التعليم والتنمية الإنسانية، فماذا عن الرعاية الصحية؟
 
قلت: لاشك أن حق المواطن فى الحصول على الرعاية الصحية فى وطنه أصبح إحدى أهم دعائم المجتمع الرئيسية، ومظهرًا لحضارته، وأساسًا مهمًا لاستقراره ورضاه، ولقد امتد مفهوم الرعاية الصحية ليشمل، بالإضافة إلى تقديم الخدمات التشخيصية والعلاجية والتأهيلية، مفهوم الحفاظ على الصحة العامة ضمن إطار التنمية البشرية للمجتمع.
 
إن الرعاية الصحية تعتمد على أسس محددة، أهمها توفُّرها للمواطن بالقرب من مكان معيشته وعمله، توفُّرها بجودة معينة، وقدرة المواطن على الحصول عليها وقدرته على تحمل تكاليفها بالنسبة لدخله.
 
وحيث إن تكلفة الرعاية الصحية ترتفع يومًا بعد يوم، نظرًا لارتفاع قيمة الأجهزة الطبية، والاحتياج لتطويرها، وارتفاع أسعار الدواء والإجراءات التشخيصية، فإنه يجب علينا أن نفكر بأساليب اكثر ابتكارًا فى كيفية استنباط طرق مختلفة لاستمرار تقديم الرعاية الصحية للمواطنين بجودة عالية، وتحديد دور جديد لوزارة الصحة فى المجتمع بتغيراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
 
إن حق المواطنين فى الحصول على الرعاية الصحية المناسبة يجب أن يعتمد على احتياجاتهم وليس على قدرتهم على تسديد تكاليف هذه الرعاية، وحيث إن الرعاية الصحية ليست منتجًا كغيره ولا خدمة كغيرها فى المجتمع، فهى بطبيعتها قد تكون غير متوقعة، وقد تكون باهظة التكلفة، لذلك فإن توجهنا يجب أن يكون بتجميع الطاقات المتاحة والعمل ضمن إطار منظومى بدلًا من الجهود المتفرقة، ووضع استراتيجيات مستقبلية، واضعين فى الاعتبار النمو السكانى وقدرات المواطن والدولة لتحقيق أهداف لا يمكن التنازل عنها للمواطن بغض النظر عن قدرته المالية.
 
قال شاب آخر: وهل هناك رؤية للدولة فى ذلك؟
 
قلت: إن رؤيتنا نحو الرعاية الصحية فى مصر يجب أن تركز على احتياجات المواطنين كأفراد، والمجتمع ككتلة، علمًا بأن ذلك لا يحتاج فقط لزيادة الموارد والاستثمار العام فى مجال الصحة، ولكن يحتاج إلى تنمية بشرية فى هذا القطاع للأطباء، وهيئات التمريض والمؤهلين ومتخصصى الخدمات المساعدة للرعاية الصحية، وكذلك تحديد الأولويات، ودمج المجتمع ومشاركته كمقدمى خدمة ومتلقيها وأسرهم فى هذه الرؤية، والفعالية فى استخدام الموارد المتاحة.
 
قالت الشابة: ما تحليل الواقع الحالى من وجهة نظرك؟
 
قلت: لقد حققت مصر نجاحًا ملموسًا فى تحسين أوضاع الصحة العامة لمواطنيها، وقامت باستثمارات متوسعة فى بناء وزيادة عدد الأَسِرّة المتاحة للمواطنين وزيادة عدد الأطباء والعاملين فى مجال تقديم خدمات الرعاية الصحية، وعلاج عدد كبير من المواطنين على نفقة الدولة. وبالرغم من هذا النجاح فإن هناك تفاوتًا كبيرًا فى الحالة الصحية بين فئات الشعب المختلفة والمواطنين فى الشمال والجنوب، والحضر والريف.
 
كما أن هناك تحديات جديدة تظهر وتهدد المجتمع «مثل الالتهاب الكبدى الوبائى ومرض السكر» وأخرى موجودة فى مجتمعات محيطة بنا «مثل الإيدز» وحالات ترتبط بتغير الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على المواطنين «مثل زيادة نسبة الوفيات نتيجة أمراض القلب والجهاز الدورى»، وكلها تؤدى إلى ازدياد الحاجة إلى علاج الأمراض، خصوصًا بتوفُّر أنماط علاج أو جراحات جديدة، وقد تحتاج لتغيير سلوك المجتمع تجاه بعض العادات السيئة «التدخين مثلًا ونوعية الطعام المقدم للأسرة المصرية».
 
ولابد أن نذكر أن برامج الرعاية الصحية فى العقود السابقة قد نجحت فى تطعيم الأطفال، والقضاء على البلهارسيا بشكل كبير وأمراض الإسهال للأطفال، وشلل الأطفال، وكذلك أخيرًا، النجاح الملموس فى علاج الالتهاب الكبدى الوبائى. ولكن وبشكل يقترب من كارثة الفشل فى برامج تنظيم الأسرة.
 
إلا أن برامج تقديم الرعاية الصحية الأولية للمواطنين وأسرهم مازالت تحتاج الكثير من العمل، حيث يتفاوت توفُّر وجود هذه الرعاية بشكل كبير من مكان إلى آخر، ومن مواطن إلى آخر، ومازال قطاع كبير من المواطنين لا يحظى بالقدر الكافى منها، وهى المدخل الأساسى لأى برنامج تأمين صحى فى المستقبل.
 
قال الشاب: وما مسؤولية المجتمع عن الصحة؟
 
قلت: إن تقديم خدمات علاجية للمواطنين، من القطاع العام أو الخاص، لا يعنى على الإطلاق أن صحة المجتمع أفضل.. حيث إن تقديم هذه الخدمات جزء من مكون الصحة العامة للمجتمع، التى هى المسؤولية الأساسية للحكومة، وترتبط الصحة العامة للمواطنين بعوامل مؤثرة كثيرة، أهمها:
 
1- التعليم.
 
2- نسبة الفقر.
 
3- حالة البيئة.
 
4- عادات المجتمع الغالبة.
 
5- النمو السكانى.
 
6- نسبة الجريمة والحوادث.
 
وكل هذه العوامل تتداخل بشكل أو بآخر وتؤثر سلبًا وإيجابًا مع الصحة العامة، ولا يمكن تصور عملية إصلاح للصحة فى مصر بدون التوجه نحو هذه العوامل الأساسية والتدخل فيها ضمن إطار أعم وأشمل. وذلك المجتمع كله شريك فى إصلاحه، ولكن لابد من قيادة صحية تتفهم ذلك وتتيحه.
 
كذلك هناك علاقة قوية بين التعليم، ونسبة الأمية والصحة، كما أن التغذية فى المدارس، خصوصًا فى المراحل الأولى، لها أهمية تعليمية فى الاستيعاب، وكذلك زيادة عدد المتعلمين لها أهمية فى رفع درجة الصحة العامة فى المجتمع.
 
وأضفت قائلًَا إن هناك مبادئ أساسية للسياسة الإصلاحية للرعاية الصحية:
 
– العمومية: أى أن يحصل جميع المصريين على نفس مجموعة الخدمات الصحية الخاصة بالرعاية الأولية.
 
– الجودة: أى أن تتماشى معايير تقديم الخدمة مع المعايير العالمية المتعارف عليها إكلينيكيًا.
 
– العدالة: أن يتوزع العبء المالى لتكلفة الخدمات الصحية بعدالة على كافة المواطنين، وأنه تحت أى ظروف يجب ألا يُحرم منها مَن ليس له قدرة على سداد تكاليفها فى أى وقت.
 
– الفعالية: وهى أن يتم تقديم أعلى جودة من الخدمات بأقل تكلفة.
 
ووظيفة وزارة الصحة ونقابة الأطباء والجمعيات التخصصية العمل معًا لتحقيق ذلك.

التعليقات

التعليقات