الجمعة , 21 فبراير 2025
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / علي مقهي “الحالمون بالغد” هذا ما أريده من الحوار الوطني حسام بدراوي

علي مقهي “الحالمون بالغد” هذا ما أريده من الحوار الوطني حسام بدراوي

علي مقهي “الحالمون بالغد” هذا ما أريده من الحوار الوطني حسام بدراوي
لابد لنجاح أي حوار من الاتفاق علي محددات سابقة لھ، ووضع إطار نتحدث داخلة . وأقترح أن یكون ذلك ھو الدستور ورؤیة مصر 2030 التي أعلنھا رئیس الجمھوریة في 2015..

ولنبدأ بمبادئ الدستور الذي جاء في دیباجتھ التالي:
“نحن الآن نكتب دستوراً یستكمل بناء دولة دیمقراطیة حدیثة، حكومتھا مدنیھ”
“یقوم النظام السیاسي على أساس 1 -التعددیة السیاسیة والحزبیة 2- والتداول السلمى للسلطة ، 3ـ الفصل بین السلطات والتوازن بینھا ، 4ـ تلازم المسئولیة مع السلطة،
5ـ احترام حقوق الإٍنسان وحریاتھ، على الوجھ المبین فى الدستور”.
ھذه ھي مقدمھ الدستور والمادة الخامسة منھ و الذي وافق علیھ الشعب المصري بأغلبیة ساحقة عام 2014 ولم تلحق بھذه المقدمة ولا المادة الخامسة تعدیلات في 2019 . إذن الدستور ھو مرجعیتنا في اداره مصر والحفاظ علیھا . یوجد في الدستور مواد علینا الحفاظ علیھا، ومواد لم تطبق علینا وضعھا في إطار التطبیق مثل الشكل السیاسي لإدارة البلاد لا مركزیا، وأغلب ما یخص الفصل بین السلطات والتوازن بینھا ، وطریقة تطبیق العدالة وإحترام الحریات.
إذن الأساس ھو بناء الدولھ المدنیھ الدیمقراطیة الحدیثة ، والتي بتعریفھا ، لھا حكومھ تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتھم القومیة أو الدینیة أو الفكریة ، و تحمي الخصوصیة ، وحریة التعبیر. وھناك عدة مبادئ ینبغي توافرھا في الدولة المدنیة والتي إن نقص أحدھا فلا تتحقق شروط تلك الدولة أھمھا أن تقوم تلك الدولة على
السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، وإحترام التعاقدات ، بحیث تضمن حقوق جمیع المواطنین، لیس كھبة من الحاكم ولكن كحق من واجبھ الحفاظ علیھ، ولا تسمح لبعض أفراد المجتمع أن یفرضوا أنفسھم ُم َطوعین ، ولا یقبلون الاختلاف والتعدد ویفرضون ثقافتھم علي الآخرین تحت عباءة دینیة.
وتعالوا نفكر فیما ُذكر في دیباجة الدستور ونجعلھ أساساً للحوار ونسأل أنفسنا بصراحة كیف یمكننا أن نحقق ذلك. ولماذا لم تتحقق مواد من الدستور حتي الآن؟ وھل نحتاج إعادة مناقشة ، أم محاسبة للحكومة؟؟
إذا لم نتفق علي المظلة الحامیة للمجتمع التي جاءت في الدستور ، فسیكون الحوار عشوائي وفوضوي یفرض الرأي فیھ الأعلي صوتاً والأكثر تنظیماً. وعلینا الحذر من حمایة الحوار من البعض الذین یرون ، وقد یكون بحسن نیة ، ولكن بخطأ ، أن الإستقرار وسلامة المجتمع تأتي بالسكون وعدم التغییر وتجنب فتح أبواب التعددیة. الأسھل لمن لا یملك القدرة علي إقناع الآخرین أن یسعي للفكر الواحد ًوفرض الطاعة ، وتضییق الإختیارت.
حوارا بھذا التوجة سیكون ھدفھ دعم بقاء الحال كما ھو علیھ وكأن التغییر معناه انھم كانوا علي خطأ.
الحقیقة أنني أتفھم فلسفة تدخل الدولة في المرحلة الانتقالیة التي تلت مأساة الحكم الدیني، لملء الفراغ السیاسي خشیة
الفوضي . وأتفھم آیضاً بحكم الخبرة السیاسیة أن سلب سلطة بعض من ًتمتعوا بسلطات واسعة في المرحلة الإنتقالیة ، لن یكون سھلا، وسیتمسك الكثیرین منھم بما كان لدیھم من سلطات ، وھي طبیعة البشر لأنھم مستفیدین من الواقع .
نفس المنطق والفلسفة ستحكم رجال الدین عندما نطلب منھم أن یغیروا منھج الخطاب الدیني وھم المستفیدین من وجوده…
التغییر لن یأتي من ھؤلاء وھؤلاء ، أو برضاھم وھو دور قیادة البلاد السیاسیة التي كما استجابت لنداء الشعب في ٣٠ یونیة ، فعلیھا أن تستجیب لحق المواطنین في ترسیخ إرساء قواعد الجمھوریة الجدیدة المدنیة الحدیثة وھو ما أراه في موقف الرئیس بدعوتھ للحوار .
إن أعمدة الدولة الحدیثة تقوم علي مبدأین ، أولھما العدالة والتطبیق غیر الانتقائي للقانون ، وثانیھما ھو التنمیة الإنسانیة المستدامة.
اذا كان ذلك مدخلنا للحوار فأھلا بھ، إما إن كنا سندور ونلف بھدف الفوز في جدال أو تحقیق أھداف تمكین فئة أو مؤسسة علي أخري أو بقاء الوضع كما ھو علیھ ، فلن ینجح الحوار.
قال لي شاب نابھ : إذن أنت تعتبر أن جوھر الحوار سیاسي یا دكتور! قلت : نعم نظام الحكم یحدد كل شئ یا بني…..وإدارة
الدولة ھي وظیفة حكومتھا ، ولو فكرنا فیما رسختھ الحضارة من خلال التعلیم ، والتجربة ،فھو أن تداول السلطة بشكل سلمي وقبول المحاسبیة من ممثلي الشعب، ھو ما یجب ان نتحاور حول كیفیة تطبیقھ .
وقد علمتني الخبرة أنھ لابد من تحدید التحدیات التي تقف أمام قدرتنا علي بناء ھذا المستقبل ، و أعتقد أن من سیقوض مسار الدولة المدنیة الحدیثة التي نسعي الیھا ھو التسلل السلفي الرجعي الذي سمحنا لھ أن یحاسب أفراد المجتمع علي خصوصیاتھم وعلاقتھم بربھم ویفرض علیھم ثقافتھ بدون تدخل من ادارة البلاد بشكل حاسم وقاطع لحمایة أفراده. إنني أرصد فئتین في المجتمع یعلوا صوتھم بضجیج ویجعلوننا نظن أنھم أغلبیة وھم لیسوا كذلك. الإخوان والسلفیین الذین ثار علیھم المجتمع بعد عام واحد من الحكم الدیني، والناصریین )رغم محبتي واحترامي لأشخاصھم ( والیساریین الذین مازالوا ینادون بمبادئ أُغلق مصنعھا في الإتحاد السوفیتي وما زالوا وكلاء لھ في مصر.. ویریدون العودة بالمجتمع الي ملكیة الدولة لأدوات الإنتاج ونفي القطاع الخاص من المعادلة الاقتصادیة واتھامھ وتجریمھ بصفة دائمة.
لماذا أذكر ذلك في إطار مقال حول الحوار الوطني ، لسببین: أولھما تصدر الناصریین للمشھد فجأة، وجلبھم الي منصة الحوار بشكل واضح لا یخفي علي العین ، وثانیھما عدم ذكر الحقیقة الأساسیة في فحوي الدعوة للحوار ، أن الإسلام
السیاسي ھو المناھض الرئیسي للدولة المدنیة الدیمقراطیة الحدیثة.. إن المعاكس للحكم المدني ھو الحكم الدیني الذي یستخدم الدین والعقیدة لتحقیق سلطات سیاسیة ولا یعترف بالمواطنة الا لمن یدین بدینھ فھو حكم دیكتاتوري متسلح بالدین.. والمعاكس الآخر ھو الحكم الدیكتاتوري الذي یتسلح بأیدیولوچیة إنسانیھ تفرض علي الشعب كما كان الحكم الشیوعي الذي فشل فانھار وسقط. والمعاكس الثالث ھو أي نظام حكم دیكتاتوري یتسلح بتخویف الشعب لفرض اراده فئة منھ بالحكم ،ویشترك الثلاثة في شئ واحد ھو عدم تداول السلطة سلمیاً إلا بثورات وانقلابات وھدم و اغتیالات وھزائم.
كلھا نظم حكم تمنع المدنیین بشكل مباشر أو غیر مباشر من المشاركة السیاسیة ، وتجھض العمل الحزبي والسیاسي حتي لا تكون للقوي المدنیھ قیمھ في أي إنتخابات ، ویختل التوازن بین السلطات، و ُتھمش كافھ مؤسسات الدولة .
والخطیر أنھ بمرور الوقت تصبح حجھ البقاء في الحكم وإیقاف تداول السلطة مرتبطة بغیاب البدیل أو عدم كفاءتھ وھو النتیجة الطبیعیة لتھمیش مؤسسات الدولة المدنیة .
قد یحدث كل ذلك في دولھ ما أو بعضھ وقد تؤدي الأحداث إلیھ ولكن التاریخ یقول أن جمیع النظم الدكتاتوریة، مھما انجزت في لحظات، فھي كمن یبني قصراً من رمال على
الشاطئ، تنتھي في الأغلب إلى انتھاكات لحقوق المواطنین وتھدم ما تم انجازه وتعود بالبلاد الي نقطة الصفر مرة أخري في كل حلقة تطور، وھو ما یجب أن نتجنبھ بل نمنعھ في الجمھوریة الجدیدة.
تكلمت عن الدستور والسیاسة ، وأعود الي رؤیة مصر 2030 التي أري أنھا یجب أن تكون محور الحوار وإطاره في التنمیة المستدامة. إنني أؤكد أن المعرفة ھي عماد ھذه التنمیة وھي بوابة العبور الى مستویات التقدم التي ننشدھا . فالمعرفة تنعكس على تطور الاقتصاد والسیاسة والمجتمع بأسره وعلى كافة جوانب النشاط الانساني ولقد لعبت المعرفة على مر العصور دوراً حاسماً في صعود الامم وھبوطھا وصیاغة توجھات الحاضر والمستقبل .
محور رؤیة البلاد یجب أن یكون إتاحة أفضل الفرص الممكنة لاستغلال الطاقات البشریة من أجل تحقیق مستوى رفاھیة أفضل للأفراد.
الإنسان المصري ھو الھدف ، وھو أیضاً الأداة الأساسیة لتحقیق ھذه التنمیة .إنني أؤكد أن التنمیة بھذا المعنى لا تعنى فقط زیادة الثروة أو الدخل للمجتمع أو حتى الأفراد وأنما النھوض بأوضاعھم الثقافیة والاجتماعیة والصحیة والتعلیمیة وتمكینھم رجال ونساء ، شباب وكبار ، وتفعیل
مشاركتھم فى المجتمع وحسن توظیف طاقاتھم وقدراتھم لخدمة أنفسھم ووطنھم..
ولا ننسي المواءمة بین التوازنات البیئیة والسكانیة والطبیعیة، و الاستخدام الامثل وبشكل منصف للموارد بحیث تعیش الأجیال الحالیة دون إلحاق الضرر بالأجیال المستقبلیة.
قلب ما أقول ھو أن التعلیم ھو بوابة المعرفة، والمعرفة ھي أساس التنمیة وبناء القدرات وتوفیر الفرص.
الحوار الوطني سیاسي من الدرجة الأولي،ونظام الحكم ھو ما یجعل التنمیة ،إذا وضعناھا أساساً ، ممكنة ومستدامة ..

التعليقات

التعليقات

عن د. حسام بدراوي

د. حسام بدراوي
عن دكتور حسام سياسي ومفكر وطبيب بارز فهو رئيس قسم أمراض النساء والتوليد الأسبق في كلية الطب جامعة القاهرة، تلقي الدراسات العليا أعوام 1979 إلى 1981 في الولايات المتحدة الأمريكية، انتخب عضو في البرلمان المصري ورئيساً للجنة التعليم والبحث العلمي في بالبرلمان منذ عام 2000 حتى 2005، السياسي حسام بدراوي عرف بمواقفه المستقلة ومن القلائل الذين اتفق على نزاهته الجميع من كافة التيارات السياسية، ففي عصر الرئيس الأسبق مبارك كان يلقب بالعاقل داخل صفوف الحزب الوطني، حيث كانت نداءاته وطلباته السياسية تتفق بقدر كبير مع النداءات الداعية للانفتاح السياسي والديمقراطي في مصر، فكان ضد تمديد حالة الطواري، واعترض على انفراد الحزب الوطني بالتعديلات الدستورية، خلال ثورة 25 يناير 2011 ، لعب دوراً سياسياً هاما، حيث عبر منذ اللحظة الأولى على حق المتظاهرين في مطالبهم، ودعا الحكومة إلى الاستماع والاستجابة لهم، ما جعل مبارك مع تصاعد الاحداث لما له من شعبية بتعيينه أمينا عاما للحزب خلفا لأعضاء هيئة المكتب وخلال تلك الفترة عبر عن رأيه السياسي لمبارك بضرورة التنحي، وهو ما دفعه للاستقالة من الحزب بعد 5 أيام من تعيينه يوم 10 فبراير معلنا اختلافه السياسي مع القيادة السياسية في طريقة التعامل مع المتظاهرين ومطالبهم في حكم الإخوان فظلت مواقفه واضحة منذ اللحظة الأولى برفضه الدولة الدينية التي اعتبرها تريد تلويين الشعب بلون واحد، واعتبر قرار الرئيس المعزول مرسي بعودة مجلس الشعب ترسيخ للديكتاتورية المؤيدة من الولايات المتحدة، وكان من أوائل المنددين بتوغل سلطة مرسي على سلطة القضاء، مستنكرا محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل مليشيات الإخوان أيد د حسام بدراوي حركة تمرد مع بدايتها، وأعلن أن إسقاط حكم الإخوان أصبح ضرورة ومخاطرة لابد منها قبل أشهر من ثورة 30 يونيو، مؤكدا أن الجيش سيقف بجانب الشرعية المستمدة من الشعب.. في ٢٠١٦ تم اختياره رئيسا للجنة الاستشارية لمشروع التعليم أولا ورئيسا للجنة وضع رؤية مصر ٢٠٣٠ في التعليم وفي ٢٠٢٢ تم اختياره مستشارا للحوار الوطني لرؤية مصر ٢٠٣٠