علي مقهي الحالمون
أبي ليس له مثيل
بقلم حسام بدراوي
أثار شباب “الحالمون بالغد” وجداني عندما سألوني لماذا لا نحتفل بعيد الأب كما نحتفل بعيد الأم في مصر، فقالت الشابه الرقيقه: والدي هو مثلي الأعلي ، ولولاه ما كنت انا من أنا. ما قصه عيد الأب يا دكتور ؟
قلت: تاريخيا أول من جاءته فكرة تخصيص يوم لتكريم الأب هي السيده سونورا لويس من ولاية ميتشيجان في عام 1909 . أرادت سونورا أن تكرم أباها الذي قام بمفرده بتربية أطفاله الستة بعد وفاة| والدتها و قدمت عريضة تُوصي بتخصيص يوم للاحتفال بالأب، وأيد هذه العريضة عدد كبير من الفئات وتم تخصيص يوم ١٩يونيو للإحتفال بالآباء في مدينتها وانتشرت هذه العادة فيما بعد في الولايات المتحده و في دول أخرى.
وتحتفل كل دول العالم بيوم الأب في أيام مختلفة
وأغلب الدول العربية ومنها مصر، تحتفل بهذا اليوم ، في ٢١ يونيه.
في سورة الإسراء يقول القرآن:
وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾
أي أن الله عز وجل جاء بالوالدين تاليا لعبادته. فالعنايه بهم و الإحتفال ، واجب علينا ليس في يوم بعينه ولكن في كل الأيام.
قالت الشابه : لٍقد كلمتنا كثيرا عن والدتك ولكننا لم نسمعك تتكلم عن والدك، فماذا كان لك وكيف أثر فيك؟
قلت:
بماذا نقيس قيمة الإنسان في الحياه ، سؤال تردد علي ذهني وأنا أتذكر والدي في عيد الأب بعد سؤالك، فهل أحزن أم أفرح…
عند ذكره بعد فقدانه!
هل أحزن لغيابه عن ناظري وعقلي وقلبي،هل أحزن لغياب حكمته وعدالته وحبه، هل أحزن لوحشتي لإبتسامته وحنانه ورعايته، هل أحزن لفقداني لصوته وقبلته المميزة، هل أحزن لرؤيتي أمي ( رحمة الله عليها) بعينيها الزائغتين وخوفها الداخلي و جمالها المتوتر عندما كنا نذكره أمامها.
هل احزن لكل ذلك، أم أفرح وأسعد لهذا الوالد والجد والجد الأكبر والعم والخال، أسعد له وأتمني أن أكون لأولادي مثلما كان لي . أسعد لانسان أثري كل فرد في عائلته كبيراَ وصغيراَ ولداَ وبنتاَ، أثرانا بعقله وعدالته وحكمته ، أعطانا بلا حدود وبلا قيود ، جمعنا حوله وجمعنا مع أنفسنا ،و جعل لكلمة عائلة معني وشكلاَ وهويه.
أسعد له ولنا ، لرجل كانت حياته كلها وبلا إستثناء عطاءاَ مستمراَ وفكراَ حراَ مبتكراَ ، رجل حمل مسئولية لكل من حوله ، بلا تردد ولا شكوي منذ كان طفلاَ في العاشرة من عمره.
أسعد له ولنا ، إنه كان والداَ لنا نفخر بما أرساه فينا من حب واحترام للعمل ، من قرب من الله بلا ضجيج أو مظاهر، من عدالة ونزاهة وكأنهما نسيج حياة بلا مجهود يُبذل، من قدرة علي التسامح والسماحة مع الأخرين ، ويا ليتني أستطيع أن أكون مثله أو جزءاَ مما مثله لنا طوال حياته.
هل أسعد وأفرح وأنا أري حول ذكراه كل هذا الحب والاحترام من كل من عمل معه وكل من لاقاه..
والدي يا إبنتي كان مثلاَ نراه في حبه لزوجته ، والدتي ، وعيناه تنظر إليها دائما بالود والحنان، وهو يوصينا واحداَ واحداَ برعايتها والقرب منها واحترام رغبتها، وكل واحد منا يردد في نفسه ، ويقول كل رجل فينا لأخيه كيف يحبها كل هذا الحب ، وتقول كل واحدة من الاسرة لزوجها ، أملي أن تكون مثله او حتي جزءاَ منه. رب أسرة جعل كل صغير وكبير ، رجلاً و إمرأة يروه أملاَ لهم ومثلاَ وقدوة حتي في أبسط أمور الحياة.
أتصفح حياة هذه الأسرة في رحابه، فتح الآفاق أمامنا وحقق لها كل ما كان يحلم به ونحن صغار وجعل لنا مكانة في المجتمع تسمح لكل واحد فينا بالإنطلاق لآماله الشخصية من هذه المكانة ، جمع هذه الاسرة في المتعة والترفيه والسفر ورؤية العالم والانفتاح عليه ، فكم من المرات كان لكل صغير وكبير مكاناَ معه ، في مكان ما في العالم كله.
رجل جعل طلب العلم في هذه الأسرة والجدية في تحصيله وأولويته جزءاَ لا يتجزأ من حياتنا بل ودفعنا ، وأولادنا بالتأييد والمساندة. رجل جعل عمل الخير وصدقته الجارية ، جزءاَ خفياَ في حياة كل واحد منا ، نؤمن به … منه ، ونعمل له ..معه .
رجل جعل ليوم السبت من كل أسبوع عيداَ نسعي إليه بكمٍ من الحب غير مسبوق ، ربط به كل صغير وكبير في الأسرة سوياً برباط عبقري، جميل ، ظاهرُ وخفي … فمكانه بيننا وجلسته امامنا ورؤيته لنا ، كانت و ستكون دائماَ ذكري لا مثيل لها في حياتنا
أبقي الله ذكراه حيه بيننا…
وأعطانا القدرة لنكون مثل
فليس له يا إبنتي مثيل.
قالت : والدموع في عينيها ، ليت كل إبن وإبنه يرون والديهم بنظرتك الشاملة وحبك .
قلت: كل أب وكل أم لأولادهم ليس لهم مثيل. فتعالوا نحتفل بهم في حياتهم ، ونرد لهم الجميل ليس في يوم عيد الأم وعيد الأب فقط بل في كل يوم من حياتنا.