الأربعاء , 18 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ – ‏”أكتوبر…. درس الماضي لبناء المستقبل”‏‎

علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ – ‏”أكتوبر…. درس الماضي لبناء المستقبل”‏‎

علي مقهي “الحالمون بالغد “‏
‏”أكتوبر…. درس الماضي لبناء المستقبل “‏‎
‏ بقلم ‏حسام بدراوي في ٢٠٢٣/١٠/٤
‏(صورة المقالة لأخي حمدي بدراوي الذي عاد من بعثته في اوكسفورد للحصول علي الدكتوراه وانضم كغيرة ‏من حملة المؤهلات العليا من المجتمع المدني الي الجيش عام 1971‏‎ ‎ليرفع علم بلاده بالعلم)‏
كعادتي في شهر أكتوبر أتواصل مع شباب الحالمين بالغد ومنهم شباب أسرتي والعاملين معي في جمعياتي ‏الأهلية ، وبالذات جمعية تكاتف والتعليم أولا ،وجمعية نشر الثقافة والمعرفة، بالإضافة الي طلبتي في الجامعه . ‏
‏ في حواري الأخير معهم تكلمنا فيه عن نصر أكتوبر العظيم قلت لهم :أن يوم السادس من أكتوبر هو أعظم ‏أيام حياتي، لأن من لم يعيش مهانة هزيمة ‏‎)‎‏٦٧‏‎ (‎لا يستطيع تذوق جمال وأثر وقيمة (٧٣).‏
كنت في بكالوريوس طب القصر العيني، وكل واحد فينا كان له أخ او أب او صديق أو قريب في الجيش يحارب ‏من أجل كرامة البلاد. كنا نتجمع حول الراديو تقشعر منا الأبدان ونحن نسمع البيانات العسكرية الرزينة ‏الحقيقية ، علي عكس ما كان يحدث في ‏‎)‎‏٦٧‏‎(‎‏. تعلم الإعلام من أخطاء الماضي وكان صادقاً مع الشعب ، وتعلم ‏قادة البلاد من الشعب المصري العظيم وكانوا علي مستوي المسئولية.. ‏
‏ قال لي واحد من الشباب اللذين ولدوا بعد هذا اليوم بأكثر من ثلاثين عاماً :‏
مش قوي كده يا دكتور حسام، هناك‎ ‎كتب ومقالات تقول أن مصر لم تنتصر في هذه المعركة أساسا. نُصدق ‏من؟! ‏
وقال آخر : ما أنتم قلتم كذلك علي حرب ‏‎) ‎‏٥٦‏‎ (‎وظهر في الآخر أنه لم يكن نصراً ، وأن إسرائيل إحتلت سيناء ‏بعدها لولا تدخل الولايات المتحدة ، وإجبارها علي الإنسحاب.‏
قلت : هذا كلام غير صحيح ، لأن المعركة الحربية تُعرف نتائجها بمن فرض إرادته علي الآخر. ‏
‏ في ‏‎)‎‏٥٦‏‎ (‎مصر فرضت إرادتها علي إنجلترا وفرنسا وإسرائيل، وكل بلد تستخدم ما لديها من جيوش ‏ودبلوماسية لتحقيق الغرض. ‏
مصر في نهاية الحرب فرضت سيطرتها علي قناة السويس وإستعادت سيناء ، إذن نتيجة الحرب كانت انتصارً ‏لمصر ، واستقالة لرئيس وزراء بريطانيا العظمي.‏
أما في ‏‎)‎‏٧٣‏‎(‎، فقد كنا نعتقد أساسا ، والعالم كله يؤكد، إستحالة عبور قناه السويس واختراق خط بارليف ، الذي ‏أُعتُبر في وقتها أقوي خطوط الدفاع في تاريخ الحربية العالمية، مع تفوق تكنولوچي و إستراتيچي للطيران ‏الإسرائيلي. لقد كان إيمان العالم أن هذا وضعاً نهائياً لن يتغير .‏
ماذا حدث في النهاية هو عبور قواتنا بتنظيم وقيادة حكيمة ، وتغيير الوضع العسكري المستقر، ثم التفاوض من ‏وضع القوة وليس الهزيمة.. كل ما حدث بعد ذلك هو فتح قناة السويس للملاحة العالمية، وعودة أهالي بورسعيد ‏والإسماعيلية‎ ‎والسويس المهجرين ، وإستعادة سيناء. ‏
حرب أكتوبر كانت جزء من استراتيچية متكاملة لاستعادة الكرامة والأرض ، بتوافق العمل العسكري مع ‏الدبلوماسي والقانوني لإسترجاع آخر نقطة في طابا، وأصبحت سيناء كاملة في حيازة مصر مرة أخري.‏
قالوا: ولكنه تم تحديد عدد قواتنا في سيناء وإستعادة سيناء‎ ‎‏ بهذا الشكل كانت تعتبر منقوصة..‏
قلت: أنا وأنتم نذهب لطابا وشرم الشيخ و سانت كاترين وكل شبر في سيناء، وإلى أن بدأ الإرهاب الإخواني ‏الداعشي بعد ٢٠١١ كنا نذهب للعريش ونجول في سيناء كما نريد.‏
‏ كل مكسب له ثمن ، ولابد أن نفهم ذلك وندرك أن الجولان لا تزال تحت الاحتلال المطلق بعد حوالي ستين ‏سنه ،وأن الضفة الشرقيه كذلك. بل أن إسرائيل بصفاقة أعلنت ضم الجولان إليها‎ ‎وبدأ العالم يعترف لإسرائيل ‏بملكيتها وها هي أمريكا تعلن ذلك أيضا.‏
لا تجعلوا المُحبِطين‎ ‎الذين لا يرون سوي الهزيمة ينقلون إليكم طاقتهم السلبية.. مصر انتصرت ، حرباً ‏وتفاوضاً، وغَيرنا واقع جغرافي وتاريخي كان من الممكن أن يصبح أمرا واقعاً الي الآن. ‏
قالوا : نحن نشك في الحقيقة من كثرة المزايدات حول الأحداث التي نعيشها فكيف بأحداث الماضي !!!!.‏
‎ ‎
قلت: معكم حق، وعليكم واجب…‏
أنا أتفق معكم أن المزايدات الإعلامية والنفخ في الانتصار وتخبئة الأخطاء وكأننا ملائكة وسوبرمان تشكك في ‏الحقائق.‏
بل أن بعض الطرح الذي كَيَف النصر وأرجعه الي ملائكة نزلت لتقف مع الجيش وكأن جلال النصر يعود لغير ‏ضباطاً خططوا وجنوداً نفذوا وشعباً أفرز أفضل ما فية ليحقق نصراً. ‏
‏ واجبنا أن نبحث أيضاً ، ونقرأ مذكرات أبطالنا وأعداءنا ونُعمل عقولنا. الحق أن جيشنا وشعبنا إنتصرا بعد ‏هزيمة، وأننا لم نستسلم، واستعدنا الأرض بعد ‏‎ ‎‏٦ سنوات من الإحتلال الإسرائيلي ، وكرر الشعب موقفه ‏الحضاري برفضه الإحتلال الإخواني للبلاد بعدها بأربعين عاماً في ٣٠ يونيو وكنا نظنه أبدياً لا قدر الله.‏
‏ الحقيقة ، أن الجيش إستعان بالمؤهلات العليا من المجتمع المدني فإرتفع مستوي أدائه، ودخل العلم جنباته ، ‏وأن الشعب بالرغم من قلقه ، ونفاذ صبره، وهجرة ربع سكانه داخلياً ساند جنوده وغالب آلامه وانتصر.‏
‏ ‏
إنني أود أن أذكر لكم مره أخري أن يوم ٦‏‎ ‎أكتوبر هو أعظم يوم في حياتي فعلاً، حيث فوجئنا بأن جيشنا يعبر ‏ويحقق نصراً، وشعوري بالفخر والزهو لا أنساه. الكل تطوع‎ ‎علي قدر قدراته ومصر إنتصرت فعلا.‏
قال شاب آخر: هل تصدق يا دكتور أن كثير من زملاءنا لا يعرفون حتي خريطة الأراضي التي مازالت تحتلها ‏إسرائيل .‏
قلت : ملحوظتك جعلتني اذكركم أنني كلما قرأت بيان بالأراضي العربية التي لا تزال تحت الاحتلال ‏الاسرائيلي أجدها تتناقص في ذاكرة الإعلام اليومي و الدوري ،فلم يعد يُذكر سوى الضفة الغربية أما الجولان و ‏مؤخراً القدس كلها، ومنابع نهر الأردن وقري من جنوب لبنان و باقي قرى ووديان فلسطين التي توسعت و ‏تتوسع عليها المستوطنات الاسرائيلية- أقول تكاد- تسقط من الذاكرة الاعلامية للأسف، بل أن هناك تقسيماً يحدث ‏في سوريا نفسها ما بين تركيا وإسرائيل والتقسيمات العرقية. لقد ابتعدت الجولان من مرمي البصر وكان ممكن ‏أن يحدث ذلك لسيناء أيضاً.‏
إن من عاش ويتذكر اكتوبر ٧٣ لابد ان يكون الآن عمره فوق الخمسين عاما ، ويجب أن يكون تدريس حرب ‏أكتوبر في مناهج التعليم مبني علي رؤية علمية وليس اجتهادات كلامية بمزايدات تجعل الطلبة لا تصدق ‏الحقائق بعد ذلك. ‏
هناك بطولات لا يُحكي عنها كثيرا ،كبطولة الشعب المصري الذي عاد جيشه مهزوماً هزيمة قاسية ومذلة في ‏‏٦٧ ، مما إضطر رئيس البلاد للاستقالة‎ ‎كنتيجة للفشل. لم يقبل الشعب الاستقالة، ليس تأييداً للشخص ، كما ‏رأيتها في ذلك الوقت ، بل كرمز لعدم قبول مصر الهزيمة.‏
وأتذكر ‏‎ ‎نكتاً واستهزاءاً بالجيش المصري في العالم كله، والبلاد العربية ،بل أصبح الزي العسكري‎ ‎المصري ‏مجال الاستهانة بالقول والفعل ، مع مذلة هجرة مواطنين يعيشون علي خط القناة الي داخل البلاد بالملايين. ‏
هنا ظهر معدن حضاري للشعب المصري الذي قاوم الموجة السلبية الموجهة الي الجيش ورفع روحه المعنوية، ‏واشترك كل صاحب شهادة متعلم في الجيش بدون معرفة وقت خروجه للحياة المدنية وتقبل الشعب مهاجري ‏وطنه ، في منازلهم ومدارسهم ، وأعاد هذا الشعب لجيشه هيبته ومقامه. ‏
هذه معركة لا يتكلم أحد عنها ولا توجد لها ذكريات. ‏
شعب مصر أحيا جيشه بعد الهزيمة وجيش مصر أحيا شعبه بانتصاره في أكتوبر.‏
علينا أن نعلم أن هناك دروس مستفادة نتذكرها ونذكرها في أكتوبر. ‏
أولها: أن الجيش والشعب منظومة واحدة ، ولولا مسانده المجتمع المدني لقواته المسلحة ما كان النصر ، وكل ‏محاولات تقسيم البلاد بفصل الجيش عن الشعب وتقسيم الشعب الي فئات أيديولوچية ودينية وجغرافية ستفشل ‏بالوعي الحضاري لهذا الشعب العظيم.. ‏
ثانيها : أننا لو كنا دخلنا حرب أكتوبر بدون تغيير جوهري في مفهوم إدارة المؤسسة العسكرية ، والتنسيق بين ‏المدنية والدبلوماسية والعمل الحربي ، ما كان النصر. لقد تعلمنا وقتها أنه لا يمكن تكرار فعل نفس الشئ بنفس ‏الطريقة وانتظار نتائج مختلفة ، فتغير مفهوم العمل العسكري الذي قاد للهزيمة الي مفهوم جديد قاد للنصر.‏
‏ ثالثهما : أنه لا نصر بدون أخطاء وتضحيات ، وما لا يُوثق فكأنه لم يكن . وكما نحلل الهزيمه علينا أن نحلل ‏النصر. كانت هزيمة ٦٧ قاسية قاسية قاسية، ولكن حدث التغيير وتراكمت الخبرة ليحدث نصر ٧٣.‏
‏ عندما حدثت حرب ٦٧ كنت في الثانويه العامه ، وكنا كشباب تحت إحساس كاذب بالقوة وفي إنتظار دخول تل ‏أبيب في نهاية يوم ٥ يونيو. خَدعنا النفاق للسلطة ، وخَدَعنا الخوف من إبداء الرأي الحر ، وكان الشعب في ‏حالة نشوة كاذبة الي أن أفقنا وجيشنا يعود هرباً ، والعدو في سماء القاهرة. ‏
درسٌ لا أنساه ، خلق في وجداني السياسي رفضاً لأحادية الفكر ، أو تصديق ما ليس له برهان. خلق في ‏تركيبتي العقلية رفضا للنفاق ورغبة في الشفافية والإفصاح.‏
درساً افكر فيه الآن في عام 2023‏‎ ‎بعد خمسين عاماً من حرب اكتوبر ، وبعد 56‏‎ ‎سنة من هزيمة مروعة ‏للجيش المصري ووقفة رائعة لشب مصر في مساندة بناؤه وعودة الكرامة اليه. هزيمة مصر اليوم لن تكون ‏عسكرية بل فكرية واقتصادية وسياسية وأربأ بجيش مصر أن يتسبب فيها بدخوله طرفاً في الحكم المدني وفي ‏الاستثمار والاقتصاد وفي إعاقة تداول السلطة السلمي مما قد يوجه غضب الشعب الي المؤسسة العظيمة التي ‏كانت وستظل حامية الوطن. ‏
يا أولادي درس اكتوبر كبير ويمكن تطبيق نتائجه اليوم بالإصرار علي تعدد الآراء ، وحريه الإعلام ، وإحترام ‏الاختلاف الذي يُظهر الحقيقه ، والبناء لا الهدم ، والإيجابية ، والعمل كفريق يتكامل ، والإستفاده من طاقات كل ‏مؤسسات الشعب.. ومنها القوات المسلحة بلا تخصيص ولا تمييز. ‏
كل أكتوبر وانتم بخير……..‏

التعليقات

التعليقات