مقال الأربعاء في المصري اليوم
“الأتمتة” و “الرقمنة” والذكاء الاصطناعي”
بقلم
حسام بدراوي
أعتقد أن أهم المهارات التي يحتاجها الشباب للعمل الآن وفي المستقبل هي القدره علي العمل الجماعي، ومهارات التواصل والاتصال والمرونة و التكيف مع التغيير ، يضاف اليهم، المهارات الرقمية و استخدام الحاسب الآلي، ومعرفة لغة ثانية بجانب اللغة العربية. ويظن البعض أن هذا خارج نطاق التخصصات مثل الطب والهندسة والمحاماة والكليات العسكرية والكليات العملية كما علق واحد من الشباب
فقلت له : لا يا إبني ، هذه المهارات يحتاجها الطبيب والمهندس والمحامى والضابط والمدرس وكافة التخصصات، فلا مكان في العمل اليوم وقطعاً في المستقبل لمن لا يملكها.
ان عدد كبير من وظائف اليوم ستختفي وتظهر وظائف جديدة، مما سيُصَعِب الأمر علي طالبي العمل أكثر مما هو الآن ؟.
بلغة الأرقام، قد يكون هذا حقيقي، فهناك فعلاً وظائف ستختفي خلال الخمس سنوات المقبلة، وأغلب هذه الوظائف هي التي يغلب عليها النمط التكراري ، إلا أنه في المقابل سوف تُخلق آلاف أكثر من الوظائف الجديدة وهذا يعني توسيع شريحة الوظائف المتاحة وليس نقصانها.
فمن لا يستطع العمل كسائق أجرة في السابق من الممكن أن يعمل الآن كسائق أوبر ومهمة السائق ستتطور ليكون شبه سكرتارية متحركة ، ويصبح أكثر من مجرد سائق وسيحتاج مهارات جديدة، ومن لم يستطع العمل في خدمة العملاء في مكان العمل أصبح بإمكانه أن يعمل بالوظيفة نفسها من منزله. بل أن أطباء اليوم عليهم العمل في فريق ، ويتوجهون الي تخصص الرعاية الصحية الأولية التي بدونها لن ينجح نظام التأمين الصحي الجديد الذي سيخصص كل عدد من السكان لمجموعة من أطباء الرعاية الأولية الذين لابد لهم من مهارات رقمية ، وتواصل ، ليؤدوا وظيفة سيحتاجها المستقبل بشكل جديد.
بعض الوظائف ستختفي مثل وظيفة إدخال المعلومات والبيانات، لأنه بنمو الإدارة الرقمية سيتم ذلك عن طريق “الأتمتة” وجمع المعلومات عبر البيانات الضخمة
(Big Data)
إن التخصصات ستتبدل تماماً كلما تغيَّرت منصات العمل ، وأذكر هنا تخصصات لم نعرفها من قبل مثل مطوّري الواقع الافتراضي ومهندسي السيارة ذات القيادة الذاتية وأخصائي الزراعة الرأسية في المدن ، ووظائف التحول الأخضر ، وغيرهم مثل محللي البيانات،ومحللي نظم الكمبيوتر،وأخصائيوا أمن المعلومات، وصناع ومحللي الأكواد،والتسويق الإلكتروني ومصممي البرمجيات .
للأسف فإن أغلب التخصصات الجديدة لا نجد لها مناهج تعليمية وبرامج تدريبية فى الجامعات بل تقوم بإعداد الشباب لها الشركات الكبري وليس مؤسسات التعليم التقليدي.
إن جوهر فن المهنة في المحاماة والطب قد يستمر إلا أن مواصفات طبيب ومحامي المستقبل تتغير الآن وستتغير غداً بحكم إتاحة المعارف والبدائل والتغير النوعي لطالبي الخدمة والمراجعة الفورية للقرارات المهنية وإمكانية مقارنتها بالمعايير العالمية..
كذلك فقد اصبح التعليم والتدريب عن بعد واقعاً ،من دون الحاجة لشراء أراضي أو استئجار مباني وإنفاق المليارات ، وتظهر وستظهر الشهادات المتناهية الصغر
(Nano degrees) التي لا تُكلف الراغبين موارد كبيرة، ودبلومات مهنية لرفع مستوي أداء الموظفين طالما يتمتع طلابها بالمهارات اللازمة لها.
التعليم الفني والتدريب المهني يتطور ليصبح صاحب هذه المهن مكافئ في حدود متعارف عليها في المهارات التي نتكلم عنها ليرتقي بالمهنة ويزداد إحترامه في المجتمع بل وموارده .
هناك بعض الكلمات التي أصبحت ترددها وقد لا يعرف معناها الكثيرين ، فماذا تقصد مثلاً بالأتمتة و الرقمنة والذكاء الاصطناعي ؟
مصطلح “الأَتْمَتَةٌ ” ا وهو مصطلح مستحدث و مُعَرَّب يعني التَشْغِيلٌ الآلِيٌّ و يطلق على كل شيء يعمل ذاتيًا بدون تدخل بشري. ويمكن وصف “الأتمتة” بأنها استخدام الكمبيوتر والأجهزة المبنية على المعالجات أو المتحكمات والبرمجيات في مختلف القطاعات الصناعية والتجارية والخدمية من أجل تأمين سير الإجراءات والأعمال بشكل آلي دقيق وسليم وبأقل خطأ ممكن. بإختصار “الأتمتة” هي فن جعل الإجراءات والآلات تسير وتعمل بشكل تلقائي بكفاءة أكبر وزمن أقل وبدون تدخل إنساني.
أما “الرقمنة” فهي تحويل الاتصال الكتابي والشفوي و السماعي و المرئي إلى رسائل إلكترونية رقمية يفهمها الجميع ويمكن حفظها و إسترجاعها بسرعة وبيسر . يمكننا القول أن كل شيء في العالم القديم كان يتطلب مستندًا مكتوبًا ليبقي ، وإلا اندثر ولكن نتيجة الرقمنة الآن هي كفاءة أعلى في العمل والفن والبحث والتعليم، بتكاليف أقل وتحكم أفضل وإتاحة غير مسبوقة مما يضع أجيال أطفالنا وشبابنا أمام فرص لم تتاح لآبائنا وجدودنا .
——————
وعلينا ان نعي الإختلاف بين مفهوم الحوسبة العادية مهما بلغت قدرتها الرقمية، والذكاء الاصطناعي .
———
الحوسبة العادية، والمعروفة أيضًا بالحوسبة الكلاسيكية، أخذت زمناً حتي يستوعبها كثير من البشر ، وتعتمد على مجموعة محددة من التعليمات أو الخوارزميات لأداء المهام إلا أن نفس الإدخال سينتج دائمًا نفس المخرجات. الأمثلة تشمل العمليات الحسابية الأساسية، مهام معالجة البيانات، وتطبيقات البرمجيات التي لا تتعلم من البيانات ولكن تعمل ضمن قدراتها المبرمجة.
الذكاء الاصطناعي، من ناحية أخرى، يشير إلى تطوير أنظمة تتمكن من أداء مهام تتطلب عادة ذكاءً بشرياً.
وعلى عكس الحوسبة العادية، يتم تصميم أنظمة الذكاء الاصطناعي لتحسين أدائها بمرور الوقت من خلال التعلم من البيانات التي تعالجها، و يتم تحقيق ذلك من خلال تقنيات مثل التعلم الآلي والتعلم العميق.
الحوسبة التقليدية لا تستطيع التعلم من البيانات؛ وتتطلب برمجة صريحة لكل مهمة أما الذكاء الاصطناعي، فيمكن أن يحسن أداءه بمرور الوقت دون الحاجة إلى برمجة صريحة لكل مهمة.
الذكاء الاصطناعي، خاصة الأنظمة المصممة بشبكات عصبية، يمكنها التعامل مع مشاكل غامضة أو معقدة بدرجة من المرونة تشبه عمليات التفكير البشري ولكنها تفوقه عمقاً وسرعةً وتحليلاً.
باختصار، الذكاء الاصطناعي يتجاوز الحدود الكلاسيكية للحوسبة، بهدف محاكاة الذكاء البشري من خلال التعلم من البيانات والتجارب، مما يجعله أفضل للمهام التي تتطلب التكيف، و التفسير، واتخاذ القرارات الذاتية.
الAI يمثل من وجهة نظري فرصة جبارة للتطور وخدمة البشرية ولا يمكن الوقوف في طريقه إلا أن المتشككين والواقفين ضد التطور ، سيحاولون إعاقة استخدامه كما حاولوا عبر التاريخ الوقوف ضد استخدام العقل والتفكير والوقوف في محطة من سبقونا في مرحلة طفولة البشرية ، ليصبحوا غير قادرين على التكيف مع المتغيرات ويبدأون متأخرين فيصبحوا في ذيل الأحداث أو في صندوق قمامة التطور.
في عهد الـ AI يبدأ الجميع من نفس الخط ، والفرصة متاحة لأن نكون في نفس ركب البشرية في نفس اللحظة ولا يحتاج أطفالنا وشبابنا أن يعبروا فجوة معرفة ستتسع بسرعة رهيبة خلال سنوات و شهور أو أيام قادمة .
التعليم بشكلً التقليدي عليه أن تيغير ، لأن سوق العمل يسبقه في التطوير و الابتكار وإلا ستفقد المؤسسات التعليمية وظيفتها في صنع المستقبل.
أن التعليم لا ينبغي أن نفكر فيه كرد فعل لحالة سوق العمل الحالي، أو نسب البطالة أو حال مهنة من المهن في لحظة زمنية بعينها..إلا أنه سيظل هو الذي يبنى البشر القادرين على صنع التنمية وليس ملء فراغ الاحتياجات فقط.. هو التعليم الذي يبنى الإنسان صانع الفرصة و محققها وليس فقط المستفيد منها ، هو التعليم الذي يبني الشخصية السوية التي تستخدم معطيات العصر لصالح الإنسانية وليس تدميرها.
النظام التعليمي الذي يتجاهل المستجدات والتغييرات التي تشكل الغد ينهي علاقته أو ارتباطه بحياة الطلاب شيئا فشيئا، ولهذا يجب إعادة صياغة مؤسساتنا التعليمية منذ ما قبل المدرسة إلى الجامعة لنعد طلابنا الإعداد المناسب للمستقبل وليس للماضي.
و أنا لا أنسي, هنا, أهمية أَنْسَنة التعليم . حتي لا تضيع إنسانيتنا وسط محاولات الرقمنة والأتمتة. والاعتماد علي الذكاء الاصطناعي.
كل ما يتخيله العقل سيحدث، وإلا ما خطر علي البال بادئ ذي بدء، ودورة الحياة البيولوچية التي كانت تُحسب بآلاف وملايين السنين ، عمرها الآن أقل من سنتين.. المهم كيف نشارك في صنع هذا المستقبل ، و لا نظل جالسين في مقاعد المتفرجين نصفق وننتقد وننقل ونشتري بلا إضافة حضارية ؟! ، و كيف لنا ونحن نشارك أن نحتفظ بمكارم الأخلاق وقيم الصدق والنزاهة والرحمة والتسامح والعدالة وغيرها من القيم الحميدة و نعلنها ونلتزم بها أثناء بناء ذلك المستقبل ، بلا تعالي علي غيرنا بثروة أو تاريخ أو دين ، وبلا عنف ولا تمييز ولا كراهية ، ولا تكفير ، بل بانفتاح عقل ، ومحبة، واحترام للإختلاف وتعددية للأفكار وبواقع جديد .