علي ” مقهي الحالمون بالغد “
الزمان وأحوال الإنسان
بقلم حسام بدراوي
يصلني كما يصل للعديد ، رسائل علي الواتس آب كل يوم جمعة تهنئة أحياناً ودعاءً أحياناً أخري…وعندما يكون لديك عدد كبير من المعارف والأصدقاء والمسجلين علي قائمة تلفونك تصبح هذه الرسائل بالعشرات وأحياناً مئات .. هذه رسائل لم يكتبها باعثها بل هي منقولة ويتم إرسالها كما جائته من غيره ، أي أنها رسائل غير شخصية ، ولا تستدعي الرد ، ولكن تستدعي التوقف أمام فكرة إرسال رسالة لم تكتبها ، لشخص لن يقرأها ، كل يوم جمعة ، وكأن ملابساته تتكرر ، فما دلالة ذلك وفائدته!!
في حواري مع الشباب ، تناقشت معهم في هذه المسألةً ،وتطرقنا لموضوع أهم وهو تكرار “تشيير بوستات” بدون التحقق من مرجعيتها وصدقها فنشارك في نشر أخبار كاذبة أحياناً و قد نكون بلا قصد نساند شبكة تضليل كبيرة يخلقها من يريدون نشر الطاقة السلبية في المجتمع..
كل ما أطلبه هو التحقق قبل نشر أي بوست لكل كل قائمة تلفونك بدون معرفة أصله وفصله.. العلم والذكاء والوعي يقول ذلك..
علينا التأكد من مرجعية البوستات التي أحيانا لا تنشر أخباراً كاذبة فحسب بل و تُحَرف أقوالاً بقصد ، وتضيف صوراً بكذب ، لخلق قصص متكاملة بعيدة عن الحقيقة بهدف ..
قالت شابة من الحالمات : أظن أن “بوستات” يوم الجمعة التي تُرسل بدون تفكير أصبحت جزءاً من سلوكيات المجتمع ودليل تدينه، فهل هناك قيمة روحانية ليوم الجمعة للمسلمين والسبت لليهود والأحد للمسيحيين ؟. وما هو أصل الحكاية؟ وما علاقة الدين بالأيام ؟
قلت : أظن انها علاقة ظرفية تنظيمية وليست إلهية. وأردفت: لقد إنتهيت من قراءه كتاب ” الكَون الخاص بي My Own Universe” لجيمس بيلي، وتلاه كتاب ” فيزياء المستقبل Physics of The Future” لميكيو كاكو ،وكتاب” الكون الأنيق The Elegant Universe” ..لبرايان جرين ، وملخص لكتاب ستيفن هوكينز إجابات مختصرة لأسئلة كبيره ”Brief Answers to the Big Questions ” وإنتابتني الحيرة حول الزمن وما نعتبره علي الأرض مُسلمات وهي نسبية للكون، فعدت أبحث في توسع الزمن وتقلصه وعلاقته بسرعة الضوء والجاذبية وكلها بدأت كنظريات علمية أثبتتها الكشوفات الفلكية والمعادلات الرياضية..
وعندما نظرت الي رسائل الأصدقاء ومن لا أعرفهم بالعشرات ب “البوستات” التي غالبا لا يقرؤوها بل يعيدوا إرسالها لكل من علي تلفونهم كما أوضحت، حول تقديس الدعاء في ساعة بعينها أو يوم بعينه لأن الله يستجيب فيها للداعي أكثر من أوقاتٍ أخري، سألت نفسي عن أهمية اليوم ، أي يوم ، ولماذا يظن الناس أن اليوم النسبي جدا بالنسبه لساكني كوكب الأرض من قطبها الشمالي الي الجنوبي والأكثر نسبية بين يوم الأرض أصلا ويوم المريخ أو زحل ، فما بالك بيوم كوكب في مجره أخري ، وأردت مشاركتكم بالتفكير خارج ما هو محلي ( في هذه الحاله المحلي هو الكره الأرضية ) الي ما هو كوني .
قالت شابه أخري: إشرح لنا أكثر..
قلت : أدعوكم للتفكير ، وصولاً الي تفسيرات تستحق التدبير.. فإذا كانت نظرية النسبية لأينشتاين قد أثبتت إمكان تغير الزمن وعلاقته بالمكان والسرعة ، وأنه بزيادة السرعة الي قرب سرعة الضوء يتقلص الزمن و تتضائل الكتلة وعند الوصول لسرعة الضوء تنعدم المادة ويتوقف الزمن، فإنني أستطيع أن أفهم أشياء كانت تقال ومطلوب مني تصديقها من باب الإيمان وليس من باب تشغيل العقل..
قال شاب آخر : زي إيه يا دكتور؟ وما علاقة ذلك بمئآت التهنئة بيوم الجمعة علي السوشيال ميديا!!
قلت : إنني أري نسبية الزمن و أتفكر في بعض آيات القرآن و استوقفتني الآيات التالية :
(وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ.)
(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ)
(تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ )
و(فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ۖ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ۖ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۖ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ )
وأضفت : كتابي الجديد “الجرأة علي التفكير ” الذي صدر منذ أيام عن دار المعارف ، يناقش الكثير من الموضوعات المشابهة ، لزيادة المعرفة والتفرقة بين ما هو بشري وما هو إلهي..
العلم جميل ، والتسائل هو أصل المعرفة.
أما من أرادوا إعتبار أن العقل أخذ أجازة بعد تفسير الأولين لما أقرأه الآن بعد أكثر من ألف سنة ، وأن الإيمان بتصديق ما ليس له برهان هو الطريق الي الله، أقول لهم إن الله أعطانا العقل لنتدبر ونفكر و نسعي بالعلم الذي بدأ به كتابه، وأن ما يميزنا عن باقي الخلق هو هذا الوعي بنعمة الله علينا..
————
قال الشاب الأول: نرجع لأيام الاسبوع ، ما هو مصدرها؟
قلت : في العديد من الثقافات ، كان يتم اشتقاق الأسماء التي تُطلق على أيام الأسبوع من أسماء الكواكب الكلاسيكية في علم الفلك الهلنستي ، والتي سُميت بدورها على اسم الآلهة المعاصرة لذلك الوقت في أذهان البشر ، وهو نظام أدخله السومريون واعتمده البابليون فيما بعد و أخذت به الإمبراطورية الرومانية خلال العصور القديمة و تم تبني الأسبوع المكون من سبعة أيام في المسيحية المبكرة أخذاً من التقويم العبري ، وبقي السبت اليوم السابع وهو المقدس عند اليهود والأحد عند المسيحيين. وكان البابليون قد أطلقوا على هذه الايام أسماء الكواكب المعروفة لديهم وكان عددها خمسة وخصصوا اليوم السادس للقمر واليوم السابع للشمس.
ديانا كالقمر ليوم الاثنين ، المريخ ليوم الثلاثاء ، عطارد ليوم الأربعاء ، المشتري ليوم الخميس ، كوكب الزهرة ليوم الجمعة ، زحل ليوم السبت ، وأبولو كالشمس ليوم الأحد.
جاءت بعد ذلك مرحلة ثانية عند العرب اتبعو فيها باقى الشعوب وتبنوااستخدام الاسبوع المكون من سبعة أيام وكانو لا يحسبون الاسابيع قبلها .
.
وفى المرحلة الثالثة تم تسمية أيام الاسبوع بأسمائها المعروفة اليوم وهى ( السبت ,الاحد , الاثنين , الثلاثاء , الاربعاء , الخميس , الجمعة ) فالاسماء من الأحد الى الخميس منشقة من العدد نفسه الاول الثانى الى الخامس وكان الأحد أولها ، أما أصل تسمية الجمعة فيعود الى الجمع والاجتماع بقصد الصلاة أو غيرها ثم جاء القرآن مثبتاً يوم للجماعة يلتقون فيه ويصلون سويا..
إذن في اللاتينيه و الإنجليزية فإن أيام الاسبوع سميت نسبة إلى الأجرام السماوية، و في زمن آخر بإسم بعض الشخصيات الأسطورية في التاريخ القديم.
________________
ولأن اللغة الإنجليزية تعتمد على اللغات اليونانية، واللاتينية، والجرمانية القديمة، فتكمن رؤية تلك التأثيرات في تسميتهم لأيام الأسبوع.
ثم قلت: كلها مجرد أسماء عكست ثقافات لأزمنة مختلفة ، فلم يكن الاسبوع موجوداً ثم وُجِد ، وكان خمسة أيام وأصبح سبعة ، وسُمِيت الأيام بأسماء مختلفةً مرتبطة بثقافة زمنها ،ولكنها في النهايه إبداع إنساني له تاريخه و إحترامه..
يظن وأحيانا يؤمن البعض أن تكرار أسماء الأيام أو موعدها في الاسابيع والشهور له مغزي ديني وكأن الزمن يتكرر وكأن الأحداث وموقع اليوم والشهر يعود كما كان في لحظة سابقة ، وهو ليس كذلك ، فباعتبار حركه الأرض حول الشمس ومجموعة الكواكب الشمسية ، ودوران كل المجموعة الشمسية حول شئ آخر ، وحركه الجميع وسفرهم عبر الكون، فإن العودة لنفس الوضع الكوني في نفس اليوم أو الشهر أو السنة الأرضية مستحيل .
وبنفس المنطق فإن الخالق القريب منا ، قرب حبل الوريد ، لا يوجد له جدول زمني للاستماع لدعائنا ، وكل التقسيمات الاسبوعية واليومية هي تنظيمية لحياة البشر وليس لله ، لأن الله عز وجل موجود في كل وقت وفي كل مكان وفي كل زمان .
ولكن من منطق آخر عقلاني أيضاً فالدعاء هو إطلاق طاقة إيجابية نحو خيراً ما نحو من نحب ، وإن حددنا وقتا يكون فيه الدعاء جمعياً لمجموعة من البشر فسيزداد تأثير هذه الطاقة.
هتاف الجماهير في ملعب كرة قدم لفريق يخلق طاقة جمعية تُغير في كيمياء اللاعبين وتجعلهم أكثر قدرة وهذا سر المقولة الشهيرة أن الأرض تلعب مع أصحابها، ولعل توحيد الدعاء في وقت واحد من بعض البشر أو في وقت صلاة جماعة للمسلمين يوم جمعة ولليهود يوم سبت وللمسيحيين يوم أحد هدفة خلق طاقة جمعية نحو الخير من مجموعة من البشر والله أعلم.