علي مقهي “الحالمون بالغد”
الزواج والحب والصداقة
بقلم
حسام بدراوي
في رأيي أنه يجب أن يكون الحب متوازن بلا تطرف وأن تكون حتى الكراهية والعداء بغير مبالغة وظلم واعتداء. ففي جميع الاحوال، المطلوب التمهل والصبر والتحمل، فليس الناس دوماً يتحدثون ويفعلون كما نريد ونحب، فهناك اهتمامات مختلفة للبشر ، ومصالح قد تتوافق وقد تتعارض احيانا. وهناك اولويات في حياه كل انسان قد لا يعرف أنها أولوياته إلا حين تتعرض للمخاطر حتي من أحب الناس إليه.
لذا يجب أن لا يكون العداء مطلقاً وحتمياً ودائماً، بل علينا أن نجعل دوماً طريقاً للعودة والتراجع، وإذا أغلقت بابا ، إفتح شباكاً. وبالمثل في مجال المحبة والصداقة لا تستنزف مشاعرك بشكل عبثي وإنما إجعل خط التوازن ماثلاً وموجوداً بشكل دائم
ولكن هناك فكرة معاكسة تقول أن التوازن يأتي من حكمة الخبرة ومن طول معايشه الناس، ولكنه أيضاً يأخذ من فورة الشعور الذي يؤتي أعلي درجات متعته من بعض التطرف في القرب والمحبة والغرام والغيرة الذي يميز الشباب وصغار السن.
الحكمة تجعل المشاعر المتوازنة طويلة المدي وتأخذ قليلاً من النشوة ، وتطرف المشاعر يعطي نشوة قد لا تطول وتعيش العمر مع الانسان.
قالت الشابه الرقيقه:
اغلب صديقاتي وأصدقائي اللذين كانوا يحبون بعض أثناء الجامعه وتزوجوا لم يوفقوا وحدث بينهم الطلاق.
قلت لها: يا بنيتي الظروف المحيطة بالشباب أثناء الدراسه بلا مسئوليه سوي الاستذكار والتمتع بالحياه بدون مسئوليات تختلف عن واقع الحياه العمليه بعد التخرج.
ولابد للعلاقات الإنسانية ان تتوافق مع واقع جديد نعيشه ومسئوليات تستجد ، ونجاحات وإخفاقات تحدث لكل واحد وتتغير التوازنات المحيطة وتتغير المشاعر. لذلك لابد من التريث في قرار الزواج بعد التخرج والعمل.
قال شاب آخر :
يعني حضرتك تنصح بالزواج المتأخر في سن أكبر:
قلت ، لكل علاقه ظروفها ولا يمكنني تحديد سن معين ولكني أنصحكم بالتريث وعدم الاندفاع وراء المشاعر فقط في ظروف معينه فقد تتغير الظروف فتتغير المشاعر.
قالت فتاه فيلسوفه من الحالمات: مثل أصدقاء المصيف وأصدقاء الرحلات التي بانتهاء المصيف والرحله قد لا تستمر الصداقة بنفس الشكل لتغير ظروف الحياه.
قلت : فعلا
قالت أخري وماذا تنصحنا في الزواج:
قلت:
يقول جبران خليل جبران في الزواج كلاما أردده منذ قرأت كتابه العظيم “النبي”
يقول بتصرف مني:
في الزواج أنتما معا لبناء حياة.
ومع ذلك ، فليكن بينكما فسحات.
وليعطي كل منكم الآخر من رغيفه ولكن لا تشتركا في رغيف واحد.
فإن أعمده المعبد تقوم علي إنفصال
وأوتار القيثاره تشدو ، وان شدت علي افتراق.
ويقول العلم و فيزياء الكم : ان البنيه الاساسيه لكل الكون شئ اصغر من كل شئ اسمه الكوارك، وهي تتكون من شعيرات تتراقص وتتذبذب بطرق مختلفه فتتكون الماده . وان الله في ذهني هو المايسترو الذي يجعل كل مجموعه كواركات تتذبذب بشكل مختلف فتتكون الماده التي هي تعبير من الطاقه حسب نوع الذبذبات. وكأن الحياه كلها قطعه موسيقي والكون هو نغم الهي.
كذلك حياتنا وإرتباطنا بشركاء العمر ، زوجاً كان او صديقاً ، هي منظومة تحتاج للتوافق والتناغم كقطعة الموسيقي او سيمفونية الحياة. يكتبها اثنان، ويعزفانها سويا. يتجنبان النشاز و يسعيان للرقي بها لبناء حياة سعيدة سوية.
قال الشاب الواقعي:
أليس الزواج صفقه مثل كل الصفقات نحقق من وراءها هدفاً.
قلت :
الزواج ليس صفقة.
الزواج التزام اخلاقي بين رجل وامرأة يسعيان لإسعاد بعضهما وبناء أسرة.
الزواج هو اعلان بين الناس بالتزام بين اثنين بينهما حب و صداقة واحترام والتزام .
والصداقة بين الزوجين تزداد أهميتها بمرور الزمن ،
اذا دخل إنسانا الي الزواج بهدف الربح وتحقيق أهداف فهو زواج نهايته محتومة .
قالت شابه أخري:
وماذا عن الانفصال والطلاق:
قلت:
اذا سعي احد الطرفين للطلاق بدون محاولة جادة للصلاح فهو مخطئ.
لا تُقدما علي زواج الا وبينكما محبة وصداقة ومودة واحترام.
أركان أربعه اذا تداعي احدهم يسقط الالتزام ويختفي.
واذا قررتما عدم إكمال الالتزام ، لفشلكما في خلق حياة مشتركة فلتنفصلا بدون ضغينة وبدون كره.
مره أخري الزواج ليس مجرد عقد وصفقة نحقق منها ربحا.
فلنلتقي بحب وننفصل بمودة واحترام.
قالت شابة تسافر كثيراً:
انا لما اتزوج سأعقد قراني في انجلترا أو امريكا حيث يعطيني القانون الحق في نصف ثروه زوجي عند الطلاق.
قلت : إذن أنتي لم تسمعيني ، اذا كان هدف الزواج هو الحصول علي المنفعة فسيكون نهايته هو إلحاق الضرر بكل منكما.
لأن في طلب المنفعة الأنانية عند الانفصال فأنتي تعطي الطرف الآخر حق إلحاق الضرر بكي ، وحتي في العالم الغربي المادي فالمنافع تعود علي مكاتب المحاماة وليس علي الزوجين.
فلتتزوجا بالمعروف وتنفصلا بالمعروف.
قال شاب مثقف: عند الاختلاف تصبح الأمور معقدة يا دكتور وتختفي هذه القيم.
قلت: تأكدوا يا أولادي أن الحق ليس في قانون غربي ولا محلي، الحق يظل حقا في كل الأحوال . ومعادن الناس تظهر ساعه الاختلاف فلا تندفعوا لإلحاق الضرر بل اسعوا الي تحقيق الانفصال برقي أخلاق وسعه صدر وتسامح..
قالت شابه حديثه الطلاق:
لقد عزبني طليقي وجعلني أتنازل عن كل حقوقي ومعي طفل منه لكي أحصل علي الطلاق فهل هذا يرضي الله ام لأني فقط أعيش في مصر.
قلت لها: لا ، اذا تزوجتما علي سنه الله ورسوله فلا يرضي الله عدم حصولك علي نفقه اولادك ورعايتهم في مصر او في غيرها ، ولا يرضي الله أيضا سلب الزوجه نصف أملاك طليقها اذا كنتي في بلاد الغرب كما تقول زميلتك.
قال شاب آخر :ليس كل الصعاب هي ما يواجه المرأة فهناك زوجات متطلباتهن هي عائق استكمال الحياة. لا يجب أن نلقي اللوم فقط علي الرجال.
قلت : كل موقف له ظروفه و دعوني أشارككم حكمة تعلمتها: في مرحلة الزواج غير الواعي تتمسك باعتقادك أن شريكك يدرك بالحدس احتياجاتك، ويفهمها من تلقاء نفسه، أما في مرحلة الزواج الواعي فحتى تتفاهم مع شريك حياتك لا بد لك من أن تفتح قنوات تواصل معه.
قالت شابة غاضبة: هل يمكن للرجل حب اكثر من واحده في نفس الوقت؟؟؟؟ يا دكتور زوجي يقسم أنه يحبني وفي الحقيقة هو شريك حياة مثالي ، رقيق ، يتحمل مسئولياته ويبدي مظاهر حبه في كل موقف ولكني علمت بالصدفة انه علي علاقة بامرأة أخري ولو لم أعلم ما شككت أبداً ، اليس هذا مبرراً لطلب الطلاق رغم ان بيننا طفلة جميلة يعطيها حبه ورعايته.
قلت: سؤال صعب الإجابة عليه يا بنيتي… ولكن ما استطيع قوله انك انتي التي في الموقف الأقوي ، فأنتي الزوجة والأم الآن فلا تحولي الموقف الي غير صالحك وتتخلي عن أعمدة حياتك بل حاولي بذكاء الاحتفاظ به لأنه كما تقولين أب وزوج مثالي ، ولا تدفعيه لأخذ موقف اختيار ، فقد تكون هذه لقطة في حياته ولكنك انتي الفيلم كله.
أعلم صعوبة ذلك ولكن كل ما شاهدته من تجارب في الحياة تقول أن الزوجة أو الزوج العاقل هو من يستوعب الآخر ويُظهر ويعمق أولوياته لا أن يختار الهروب بالانفصال.
طبعا كل موقف له ظروفه ولكني تعلمت أن لا أحول لقطه في الحياة الي فيلم ، ولا أن أختصر الفيلم الي لقطة قد تكون ظروفها غير مستدامة .
قال شاب عاقل: نصيحه أخيره يا دكتور حول السعاده في الحياه لننهي حديثنا بشكل ايجابي كما عودتنا:
قلت:
السعادة قرار إيجابي، ولها مقومات، إن لم نسعي إليها قد لا نجدها. صحيح أن بعض الناس، وأنا منهم، چيناتهم مستعدة للبهجة، ويرون في الناس أفضل ما فيهم، وفِي الأحداث حولهم، أجمل ما فيها. ولكن إن لم يكن الإنسان ساعيا للبهجة، وطالبا للسعادة، فقد تمر الأيام ، ولا يراها لأنه لا يبحث عنها.
والعقل الجمعي للأسرة وللمجتمع، قد يخلق طاقة إيجابية والعكس. هذا العقل الجمعي تحركه ثقافة المجتمع وقادة المجتمع وإعلامه وفنونه. والاستعداد الوجداني له يبدأ من الصغر، في المنزل والمدرسة والجامعة،في النادي والساحة، في بيوت الصلاة..جوامع وكنائس ومعابد..
الحياة نعمة من الخالق، والبهجة بها شكر لله، وعلينا أن نتوق إليها ونتذوقها، فهي حق من حقوق كل واحد فيكم ، فلتسعوا اليها واجعلوها هدفاً في ارتباطكم وانقلوا طاقتها الإيجابية لأولادكم.