علي مقهي “الحالمون بالغد”
القهر والإستبداد،
و نحن ، وابن رشد ..
بقلم
حسام بدراوي
هناك مقولة تقول “سَقطت الأندلس يوم أُحرِقت كتب ابن رشد، (مواليد 14 إبريل 1126م، قرطبة – توفي 10 ديسمبر 1198م، مراكش)(٥٢٥-٥٩٥ هجرية) و بدأت نهضة أوروبا يوم وصلتهم أفكاره!”
من أوائل ما حوّل الأسبان والأوربيون صوبَ النّور، كان مقولة ابن رشد التى حَسَمت° العلاقه مع الدين: (الله لا يُمكن أن يُعطينا عقولاً، ثم يُعطينا شرائع مُخالفه لها)،
وأضاف ابن رشد مقولتهُ الثانية التي حَسَمت° التّجارة بالأديان:
(التجارة بالأديان هي التجارة الرائجة في المُجتمعات التي ينتشر فيها الجهل، فإن أردتَ التحكم في جاهل، لا عليك إلا أن تُغلّف كلّ باطل بغلافٍ ديني)..
وفى ضوء ذلك أصدرَ رجالُ السلطة و الدّين فتاواهم بحرق جميع كتبه، خوفاً من تدريسها لما تحتويه من مفاسد وكُفر وفجور وهرطقة (على حدّ قولهم)، وبالفعل زحف الناس إلى بيته بعد تضليل وجدانهم ، وحرقوا كتبهُ حتى أصبحت رماداً.
حينها بكى أحد تلامذتهُ بحرقة شديدة.. فقالَ ابن رشد جملته الشهيرة:
(يا بُني، لو كنتَ تبكي على الكُتب المُحترقة فاعلم أنّ للأفكار أجنحة، وهي تطير بها إلى أصحابها، لكن لو كنتَ تبكي على حال العرب والمُسلمين، فأعلم أنّك لو حوّلت بحار العالم لدموع لن تكفيك).
ومعني هذا أن أحوال المسلمين ًكانت (فى القرن الثاني عشر الميلادي ” الرابع هجرياً” الذى عاش فيه ابن رشد ) تستدعي البكاء عليها .ومن مآسي الدهر ، أننا نستطيع أن نكرر كلمات ابن رشد وكأنها قيلت الْيَوْمَ رغم أن صاحبها مات من مئات السنين ! ويهذي البعض فى واقعنا ويقولون أن أحوالنا سيئة بسبب الآخرين ، المجرمين ، المتآمرين . وها هو ابن رشد يتكلم عن أحوال سيئة تستحق أن نبكي عليها قبل أي إستعمار وتآمر.
بل أنظر لحالنا كتجمع إسلامي في دول متعددة ، فأجد أننا الذين نقتل بعض، ونُكذب بعض ، ونُكفر بعض، وليس أحداً من خارجنا. وحتي عندما أصدرنا قانوناً يحمي جزء من المجتمع يدين بديانة المسيحية ،عندما اشتد الأمر عليهم
من المتطرفين ، في نهاية السبعينيات، وسميناه قانون ازدراء الأديان، وجدنا أنه لم يُستخدم مرة واحدة لتجريم مسلم ضد مسيحي أو بالعكس بل أن كل من حوكموا وأدينوا ودخلوا السجون كانوا بشكاوى مسلمين متطرفين ضد كل من يقول رأياً مخالفاً أو يبدي رغبة في التفكير من المسلمين ضد المسلمين!!!!!!!!!!
ولو عاش ابن رشد وعلم بظهور القاعدة وداعش وبوكو حرام و مذهب الوهابية والسلفية والعلاج ببول الإبل وارضاع الكبير والفتوي بعدم علاج الزوجة ، او وغيره وغيرها من طقوس وتعاملات ليس فيها من الإسلام ولا العقل شئ ، لحمد ربه لمجرد حرق كتبه حيث تتطور الأمر بعدة الي أكثر من ذلك للأسف.
وكان قد دارت في ذهني هذة الافكار وأنا أستمتع بمشاهدة أفلام من الأوليمبياد ، والمسابقات الرياضية المختلفة ، وأراقب مباريات كرة القدم في المسابقة الأوروبية الكبري ، ونهائيات بطولات التنس والسباحة والتنافس الرياضي الجميل، وأقارن بين اللاعبين وادائهم الرائع ، فوجدت أننا عندما ننظر الي أجسام لاعبي الرياضات المختلفة نتعجب من اختلاف تكوينهم الجسماني تبعا لنوع الرياضة التي يمارسونها. فأبطال الماراثون يتميزون بالنحافة الشديدة وصغر الحجم والوزن، وأبطال الجري مائة متر وهم الأسرع ،عندهم بناء جسماني مملوء بالعضلات بتشكيلاتها التشريحية الواضحة، أما أبطال رمي القرص فيختلفون عن أبطال السباحة الذين لهم شكل مغاير عن لاعبي كرة القدم وهكذا . فكل ممارسة تنعكس علي شكل لاعبيها . وكذلك فكل ثقافة تنعكس علي مضمون وطريقة حياة شعوبها.
وحيث أن التكوين الثقافي للشعوب ، قد يحدث نتيجة تراكم عادات و طفرات تتغير من جيل أو أكثر وتؤثر علي أجيال تالية في القيم والتصرفات والعادات وخلافة فإن تأثير الدين كشكل من أشكال الثقافة الطاغية فأمرها محير ، فإذا اختلفت الشعوب الممارسة لنفس الديانة في الشكل ، وبالرغم من ذلك اشتركت في خصائص وقيم وعادات بعينها فلابد أن يكون هذا الدين أو ذاك هو المحدث لهذا الأثر.
فإذا اشتركت شعوبنا الإسلامية عبر الزمن و إختلاف البلاد علي التطرف في الفكر ، والحدة والعنف في فرض إيماناتها ، وقتل قادتها العادلين ، وكذلك في تخلفها الاقتصادي والسياسي فلابد أن يكون هناك عاملا مشتركا يجمعها . وهنا يطل عليً الإسلام تاريخياً وحاضراً والمسيحيه قبل فصل الدين عن الدولة بكل مآسيها ضد العلم والعلماء في العصور المظلمه لأوروبا .
،إنني أري في الاسلام دعوة لإحترام العقل وتسامحاً وحباً وعلماً وشغفاً بجمال الحياة والإنسان وتقدير لكل خلق الله وتعدديتهم ، ولكن يظهر أنني أقلية في المجموع لأن الشعوب الاسلامية كجمع تراكمي وتاريخي لا يتصرفون وفقا لهذة القيم ، ويعكسون جانبا في الدين يختارونه بتفاسير إنسانية ، يعطونها صفات الهية، تمثل حدة وعنف وأحادية في الرأي واستخدام لمفردات الدين للتسلط علي الشعوب والزامهم بطاعة أولياء أمورهم من الساسة أو رجال الدين .
إذا توافقت كل هذا الأمم علي شكل حياة بعينها، وتأخرت وازداد فقرها وجهلها وعنفها ، وخنعت وقبلت ديكتاتورية حكمها ، والدعوة لطاعة ولي أمرها بلا تداول للسلطة الا بالقتل أو الموت ، يزداد إيماني بأهمية فصل الدين عن الدولة والسياسة ، فإن التاريخ يقول لنا بوضوح أن متطرفي اليهودية والمسيحية والإسلام لا يختلفون عن بعض ، والشعوب التي نجت هي من فصلت الدين، وهو علاقه بين الإنسان والله ، وبين السياسة وسلطة الحكم.
إنني أعتقد أن متطرفي الديانات السماوية ينتمون الي دين واحد وهم أقرب لبعض مما هم لأصحاب دياناتهم المعتدلين ، لا يرون إلا طريقاً واحداً ، ويؤمنون أنهم علي الحق المطلق دائماً.
وأعود لإبن رشد ومقولته التي لخصت كل ذلك
“إن أردتَ التحكم في جاهل، لا عليك سوي أن تغلف له كل باطل بغلاف ديني” وأزيد عليه “أو تجهيله تخويفة وإرهابة وقمع حريته”..
و يبقي السؤال الأهم، ما هي القيود التي تعوق انتقالنا للعلم والعقل والمنطق والتنوير ؟
القيود كثيرة، وأهمها راحة الإنسان لبقاء الأمر كما هو عليه. التغيير يستلزم جهداً ، وتنازلات مشتركه وانتقال من زمن إلي زمن جديد تتغير فيه المسئوليات ، وتتعدد فيه التوجهات ، وطبيعه البشر أنهم أعداء ما جهلوا. يضاف الي ذلك أنه إذا استتب الحكم لطائفة سياسية أو دينية ، أو عسكرية ، فلماذا يُعّرضون أنفسهم الي هزات قد تسلبهم ملكاً أو تحكماً في الشعوب وفوزاً يحققونه من إستدامة فساد.
نلاحظ فى بداية صفحات القرآن الكريم وأول سورة البقرة حوارية بين الملائكة والخالق عز وجل عندما استفهموا استفهاماً استنكارياً عن سبب خلق البشر “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ”، الملاحظ هنا أن الملائكة لم يتحدثوا عن إلحاد أو كفر إنما استنكروا الفساد والقتل فالملحد والكافر إلحاده و كفره على نفسه لكن المجتمعات تنهار والدول تفشل إذا انتشر فيها الفساد والجريمة.
النبى الكريم عليه الصلاة والسلام لم يهاجر من مكة بسبب كفر أهلها لكنه هاجر بسبب ظلمهم وفسادهم ولم يأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة لإيمان حاكمها وإنما لعدله إذ قال “فيها ملك عادل لا يظلم عنده أحد”، وأولادنا اليوم يهاجرون إلى بلاد لا فساد ولا استبداد فيها ليعيشوا كالبشر.
عندما وصل النبى عليه الصلاة والسلام إلى يثرب حول إسمها إلى المدينة إقراراً منه بالتعددية والمدنية وسطر هذه التعددية فى صحيفة المدينة، وكأنه يكتب دستوراً يحمي التعددية والحرية . الملائكة تخوفت من الفساد وسفك الدماء لأنهم هما ما يولدان الظلم ..
تظل هذه هي مسئوليتنا أمام المجتمع الذي نعيش فيه، مهمة تربوية للتحرر من الجهل والظلامية، ومن طغيان النظم الديكتاتورية المطلقة، دينية كانت أو عسكرية أو أيديولوچية، الي حرية ينظمها القانون، وعقل يتسع لقبول الاختلاف علي تنوع مسمياته بل واحترامه.
إن الطبيعة قد وهبت كل إنسان قدرة غريزية على الفهم، مما يجعله مساوياً للجميع ومع الآخرين، بشرط أن يتحرر من فساد الخرافات والجهل ، والخوف . والإنسان المتحرر من الخنوع للسلطة وظلام الجهل، سوف يستخدم عقله بشكل صحيح وتلقائي، ويقوم بإختيارت رشيدة لمن يحكمه ، لأنه إختياره هو وليس إختيار الله كما يدّعي بعض رجال الدين والحكام، ويكون قادراً علي محاسبتهم في الدنيا وليس انتظاراً لعدالة السماء .