الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / علي مقهي الحالمون بالغد “اللوبى الجديد والهوية الجنسية” حسام بدراوي

علي مقهي الحالمون بالغد “اللوبى الجديد والهوية الجنسية” حسام بدراوي

اللوبى الجديد والهوية الجنسية
الأربعاء 12 يوليو
كنت أتحاور مع شباب الحالمين بالغد ، حول الهوية الثقافية والوطنية فقاطعت الحوار واحدة من الشباب بعد تردد ، وقالت : ما رأيك يا دكتور في الجدل الدائر في الأوساط السياسية في الغرب ، حول الهوية الجنسية للأطفال …ما نقرأه ونسمعه هذه الأيام غريب حتي علي جيلنا.
قلت: إن كان ذلك غريباً علي جيلكم فهو مرعب لجيلنا ..
قالت : هناك ضغط إعلامي رهيب لإعطاء حق للأطفال أن يغيروا جنسهم من ذكور لإناث والعكس قبل بلوغهم حتي سن السماح بقيادة السيارات وقبل سن التصويت في الانتخابات ، وهناك ضغط رهيب للإعتراف بالجنس الثالث أو اللاجنس ، ونحن لا نفهم القوة التي يتمتع بها هذا اللوبي في الميديا الغربية وبين بعض الأوساط السياسية ، و أخشي أكثر ما أخشي أن ذلك قادم الينا لا محالة حسب خبرة السنين وما حدث ويحدث حول المثلية التي أصبحت لها مؤسسات تدافع عنها.
قلت: يا أولادي أعترف لكم بأنني أيضا في حيرة ، فأصحاب هذه الصيحات ،التي تدّعي أنها نابعة من الإيمان بحرية الاختيار، ليسوا حتي أغلبية في مجتمعاتهم الغربية. إنني أراهم بتعمد يخلطون بين الحرية الشخصية في الاختيار والدعوة والضغط بل والإرهاب الفكري لنشر اختياراتهم وجعلها عادية و شرعية وقانونية .
النظرية التي يعتمدون عليها أن الانسان يولد محايدا في نوعه الاجتماعي وأن اسلوب التعامل معه في السنوات الأولي من حياته هي التي تحدد هويته ذكراً كان أو أنثي . في رأيي هي نظرية خطيرة جدا لانها تعمم نوع واحد من التأثير علي جزء من تكوين الهوية ، وتتجاهل حقيقة أن الإنسان في بداية خلقة من خليتين تتحدد هويته الجنسية لا إرادياً منه ولكن بإرادة ما من خالقه ، وان ذلك مرتبط بوجود ال “Y ” كروموزوم الذكوري من عدمه مع كروموزوم
” X” الأنثوي ، والا ما ولد الأطفال بأعضاء تناسلية مختلفة تميز الذكر عن الأنثي وتتوافق مع الأدوار المؤهلين لها لإستمرار الحياة الطبيعية.
ومن غير المنطقي وضع قوانين تحمي حرية اختيارات الأفراد ضد الطبيعة السوية (بدون أسباب طبية ) وتحمي الخروج غير السوي عليها فنكون كمن يضع قوانين تحمي انتحار الجنس البشري والدعوة لذلك بدعوي أنها حرية شخصية لكل فرد.
إن تخريب العلاقات الإجتماعية من الداخل وهدم فكرة الأسرة من الآباء والأمهات والأخوة الطبيعيين ، هو ما قامت عليه البشرية عبر التاريخ و سيكون له مردود إجتماعي غير مقدر سلبيته ، ليس فقط علي إختيار الهوية الجنسية ، بل والهوية المجمعة للإنسانية بمحتوياتها اللغوية والثقافية والمكانية والتاريخية…إنه توجه لإيقاف التطور الطبيعي للبشر غير محسوب أثره المستقبلي إذا تَحول هذا الأمر ليصبح هو الطبيعي ، ويصبح الطبيعي الذي تطورت به البشرية هو الواجب حمايته بقوانين .
.
افتراض جد خطير وتَدُخل في تطور البشرية والارادة الكلية للخلق. إن التوازن بين الجنسين موجود منذ بدء التاريخ بدون تدخل البشر ، وهو ما يحاول بعض البشر التحكم فيه الآن وأراه أخطر ما ويواجه مجتمعاتنا .
قال آخر: هذا عن الهوية الجنسية وماذا عن التلاعب في الهويات الأخري.؟ وهل يتعارض الحفاظ علي الهوية الوطنية مثلاً مع حقيقة وجود هويات ثقافية ودينية مختلفة داخل نفس الوطن وهل يتلاعب فيها الآن آخرين؟.
فنحن مثلاً في مصر لدينا بعض الإختلاف في طبائع وطريقة كلام النوبيين في جنوب مصر ، عن الساحليين في شمالها ، وساكني الواحات ، بل بين بعض المحافظات وبعضها ، ولكن تضمهم هوية وطنيه مصرية واحدة.
قلت:سؤال وجيه ، ونعم يوجد من يريدون طمس هويات موجودة رغبة في توحيد الجميع ثقافياً وهو قِصر نظر وعدم قدرة علي الرؤية المتكاملة ، لجمال التنوع داخل الكيان والواحد . ويوجد أيضاً علي مستوي أوسع و بشكل أكثر عنفاً من يريدون طمس هويات شعوب بأكملها بكل ما فيها كما تفعل الصهيونية بالفلسطينيين، ومثلما يحدث معا والأكراد وغيرهم ، ولكنها حالات ، علي أهميتها ، تدخل في الإطار الاستعماري والاستيطاني والرغبة في فرض السلطة والخلاص ممن يعتبرونه عدواً.
وعبر التاريخ حاول قيادات كل دين نشر دينهم واعتبار الأديان الأخري واجبة الاختفاء بحكم أنهم الحق المطلق وغيرهم الخطأ المطلق ، وتسببوا في الحروب والقتل بدون مقدرة علي التعايش والتسامح و الإعتراف بأن الله خلقنا شعوباً وقبائل لنتعارف ولو شاء لآمن من في الأرض جميعاً.
أن جمال البشرية هو تعدد الهويات الثقافية لمجموعات الناس الذي يعطي البشرية ثراءاً وحيوية ، ولا يزال واجبنا ، بنضوج المعرفة أن نتعلم كيف نعيش سويا بل نتمتع ونتعلم من بعض ..
قالت شابة فيلسوفة: يحيرني أننا نسعى إلى خلق مواطن عالمى من ناحية، وحصره فى حدود بلده من ناحية أخرى، أليس هذا تناقضاً؟.
قلت: إن تطور الإنسان الطبيعي ليس فيه تناقضاً، بل هو الاختلاف والتعدد الذي يعبر عن الإبداع والتنوع ولا يتناقض، لأن كل البشرية تشترك في كيفية خَلْقها وأسلوب انتقال چينات الأفراد الوراثية من جيل الي جيل ، وتوافق الاأمم في العديد من القيم الإنسانية التي باختلاف أماكن وجودنا تظل هي هي القيم التي نسعي الي ارساءها في الأطفال غرباً وشرقاً ، شمالاً وجنوباً ، مثل الصدق والنزاهة والأمانة والمحبة وغيرها..
قال رابع: أساساً ما هو تعريف الهوية حتي يكون لحوارنا معني ؟.
قلت : الهوية هى مصطلح يستخدم لوصف مفهوم الشخص وتعبيره عن فرديته وعلاقته مع الجماعة المحيطة به .
الهوية هى مجمل السمات التى تُميز شيئًا عن غيره، أو شخصاً عن غيره، أو مجموعة عن غيرها ، و كل منهم يحمل عدة عناصر فى هويته.
عناصر الهوية هى شىء ديناميكي يمكن أن يبرز أحدها أو بعضها فى مرحلة معينة، وبعضها الآخر فى مرحلة أخرى.
الهوية الشخصية تُعّرف شخصًاً بشكله واسمه وصفاته وجنسه وجنسيته وعمره وتاريخ ميلاده ومكانها. أما الهوية الجَمْعية فتدل على ميزات مشتركة أساسية لمجموعة من البشر، تميزهم عن مجموعات أخرى. أفراد المجموعة يتشابهون بالميزات الأساسية التى كونتهم كمجموعة، وربما يختلفون فى عناصر أخرى لكنها لا تؤثر على كونهم مجموعة متناسقة.
العناصر التى يمكنها بلورة هوية جَمْعية كثيرة، والمهم فيها هو التناسق والقبول بدرجات إختلاف بدون عداء.
ولكن الهوية الجنسية تتحدد اساساً بالمكون الچيني الوراثي ساعة وجودها ، مع اعتبار التأثير السيكولوچي الذي قد يحدد تجبر جنس علي الآخر بتأثيرات اجتماعية فيما بعد.
عدد من الهويات القومية أو الوطنية تطور بشكل طبيعى عبر التاريخ، وعدد منها نشأ بسبب أحداث أو صراعات أو تغيرات تاريخية سرّعت فى تبلور كل مجموعة بسمات متناسقة.
قال الشاب الأول: أعتقد يا دكتور أن للغة دورًا فى تأكيد الهوية..
قلت: معك حق ، ستظل اللغة مكوناً هاماً للهوية من مكونات متعددة.
إن الهدف من تعليم أي لغة مثلاً ليس فقط محو الأمية شكلاً، ولكن المضمون هو الإيمان بأن تعلم اللغة عظيم الأثر على كل مناحى الحياة فى أى أمة، إنها الوسيلة التى تنقل إلينا تاريخنا، وتوثق حاضرنا، وتنقل إلى الأجيال القادمة حضارتنا، وليس الهدف كما قلت هو القراءة والكتابة فقط، فهو هدف ضيق قصير المدى، لكن علينا أن نفهم أن هذه اللغة هى وسيلة فهمنا لبعضنا البعض، إننا لا نستطيع أن نفهم أنفسنا ولا بعضنا البعض بدون التفكير، ونحن لا نفكر فى فراغ، بل يفكر العقل بلغة ما، ويصور أفكاره لديه وللآخرين، مستخدمًا الألفاظ والجمل والصور التى ترسمها اللغة وتنقلها من فرد إلى آخر، أو الاحتفاظ بها فى الذاكرة.. ومن كل هذا تتكون الهوية.
إن اللغة لحياة الفرد ليست فقط أداة للتعامل فى المجتمع، بل هى وسيلته للتفكير والحس، وهى وسيلته لنقل أفكاره والاستفادة من أفكار الآخرين.. وهى وسيلته فى الفهم والتقدير والتقييم ثم الاختيار من البدائل.
قال الشاب: وهل معنى ذلك أن تعلم لغة ثانية وثالثة يصبح تهديدا للهوية؟
قلت : أن درجة إتقان و إنصهار أي لغة في عقل الإنسان تجعله قادراً علي التعبير بتعددية عن هويته المتناسقه. إن تعلم لغة ثانية أو استخدام المراجع الأجنبية لا يهدد الهوية، ولا يهدد معرفة اللغة الأم أساساً إلا لو كان تعليم اللغة الأم ناقصاً وضعيفاً من الأساس. إن الطفل يستطيع استيعاب لغات متعددة أكثر من البالغين، ويجب ألا نتمسح فى أن تعليم لغة ثانية سيتغلب على لغته الأولي ويجعل تفكيره وهويته مرتبطة بأمة أخرى. .
إن الهوية كما قلت مرتبطة باللغة، ولكنها أيضا مرتبطة بالمعايشة في الوسط المحيط، وبما يدرسه الطفل من معارف و تاريخ وجغرافية، و بوجدان يتكون داخل المدرسة وفِى البيت مع الأسرة وبتكرار التعبير الثقافي المتناسق من خالقي وجدان المجتمعات .
قالت شابة لمّاحة: وما علاقة كل ذلك بالانتماء؟
قلت : الإنسان من طبيعته يحب الانتماء لشئ ، فهو ينتمى إلى أسرة وإلى قرية أو مدينة وإلى مدرسة وجامعة وإلى شعب وأرض . أعتقد أن الانتماء لشىء ، طبيعة إنسانية وقد يخلق شحنة داخله تدفعه إلى الانفعال والفخر لنجاح من ينتمى إليه وكأنه امتداد لشخصه، ويدافع عنه وقد يموت من أجله ، ولا شك أن الثقافة والتعليم والإعلام لها دور كبير فى تراكم هذا الحب بمرور الزمن ليصبح جزءاً مكونا لكل واحد منا.
وتختلف درجات الانتماء لكل إنسان من الجزء إلى الكل، والكل للجميع قد يكون هو الوطن.
قال الشاب: ألسنا نرسم أوطاناً بعيدة عن الجغرافيا لبلد بعينه عندما نقول العالم العربي، والعالم الإسلامي، والعالم المسيحي ، والغرب ، والشرق، ونقصد بها ربط الهوية الثقافية والدينية لمجموعات من البشر بهويتنا الشخصية..ألا نحتاج لفصل الهوية عن الوطن؟؟
قلت: الانتماء للوطن لا يعتمد على مفاهيم مجردة، وإنما على خبرة معاشة بين المواطن والوطن ، فعندما يستشعر المواطن من خلال معايشته أن وطنه يحميه، ويمده باحتياجاته الأساسية، ويحقق له فرص النمو والمشاركة مع التقدير والعدل، تترسخ لديه قيم الانتماء له ويعبر عنها بالعمل البناء لرفعته.
قالت الشابة الذكية: اذن ما التحدي الذي يواجهنا يا دكتور في مسألة الهوية ؟؟، قد كنا نعتقد ان هناك تحدي أمام جيلنا في الهوية الثقافية والوطنية فإذا بنا أمام تحدي جديد حول الهوية الجنسية ، المسائل اصبحت معقدة .ما الذي علينا الحفاظ عليه وما الذي علينا مواجهته؟
قلت: معكِ حق ، إن هناك تحدي أمام البشرية جمعاء وليس أمام مصر وحدها…تحدي في نقلة الإنسانية الحضارية التالية ، التي أنشأت التكنولوچيا والذكاء الإصطناعي لها مسرحاً جديداً ، بل وكُتّاب سيناريو ومخرجين بأفكار غير معتادة ، فيها الصالح وفيها المُرعب ، ،هم يجدون في أجيالنا الجديدة من يؤدون أدواراً محددة لهم . إنه تطور يجب أن يتفهمه قادة المجتمعات بجدية ، مع ادراك أن هناك لوبياً عالمياً جديداً يتكون و يستخدم وسائل تأثير مختلفة ليخلق شكل جديد لإنسان المستقبل ، لا أستطيع إدراكه مكتملاً حتي الآن وفي الحقيقة أخشاه.
(اللوحةبريشةدأسامةحمدي)
May be an image of 1 person and text

التعليقات

التعليقات