علي مقهي “الحالمون بالغد”
بين قيم التعليم والحوار الوطني
حضرت في جامعة استكهولم عاصمة السويد منذ أيام مؤتمراً هاماً لسفراء الماجنا كارتا للقيم الحية للتعليم في الجامعات Magna Charta ambassadors of living values , وهو مشروع لدمج القيم الستة التي تتبناها عملية بولونيا في التعليم العالي في وجدان إدارة الجامعات ، وأعضاء هيئات التدريس والطلاب والعاملين لخلق مجتمع جامعي أفضل وهي:
١-النزاهة؛ ٢-العدل والإنصاف؛ ٣-الإبداع والابتكار والتميز.٤-المسؤولية الاجتماعية وخدمة المجتمع ؛ ٥-التنوع والتعددية والشمولية ، ٦-الصحة والرفاهة وتكافل المجتمع.
علماً بأن مبادئ إعلان بولونيا الذي تلتزم به الجامعات المشتركة يشمل المبادئ الأساسية التالية:
1. أن الجامعة مؤسسة مستقلة في قلب المجتمعات ؛ إنها تنتج وتفحص وتقيم وتنشر الثقافة عن طريق البحث والتعليم، لتلبية احتياجات العالم من حولها ،و يجب أن يكون تعليمها البحثي مستقلاً أخلاقياً وفكرياً عن كل سلطة سياسية أو قوة إقتصادية.
2. أساس وجود الجامعة هو الحرية في البحث والتدريب هي المبادئ الأساسي للحياة الجامعية ، ويجب أن تضمن الحكومات والجامعات ، كل على حده ، احترام هذا المطلب الأساسي، مع رفض التعصب والانفتاح دائمًا على الحوار .
وتعد الجامعة مكانًا مثاليًا للقاء المعلمين القادرين على نقل المعرفة وإنتاجها وأن تكون معارفهم مجهزة تجهيزًا جيدًا لتطوير البحث والابتكار وخلق المناخ الذي يتيح تأهيل الطلاب للحياة ، وإعدادهم ليكونوا قادرين على إثراء عقولهم ونفوسهم بهذه المعرفة.
إن هدف الجامعة المستمر هو تحقيق المعرفة العالمية ونقلها ونشرها ؛ ولتحقيق رسالتها ، فهي تتجاوز الحدود الجغرافية والسياسية ، وتؤكد على الحاجة الحيوية لمختلف الثقافات والمعارف والتأثير على بعضها البعض..
وكنت قد نشرت ورقة بحثية هامة مع زميل من سويسرا بعنوان ” الجامعات : صانعة حضارة أم مقدمة خدمة تعليمية” أشرت فيها الي أن علي الجامعة تلبية أربعة أهداف ألا وهي “تحقيق الرفاهة والنظام والمعنى والبحث عن الحقيقة” وأنهيتها بمقولة الدكتور طه حسين حول الجامعات والذي كتبها في كتابه القيم “مستقبل الثقافة في مصر” الذي يقول فيها:
“””إن الجامعة لا يتكون فيها العالم وحده، وإنما يتكون فيها الإنسان المثقف المتحضر الذي لا يكفيه أن يكون مثقفا، بل يعنيه أن يكون مصدرا للثقافة، ولا يكفيه أن يكون متحضرا، بل يعنيه أن يكون منمياً للحضارة “.
وأثار هذا الموضوع حوارات مع شباب الحالمين وشباب من أسرتي، خاصة ونحن في بداية حوار وطني حول مستقبل البلاد وإمكانية خلق جمهورية جديدة ….
ذكرني الشباب بمجموعة حوارتنا حول القيم والتي توصلنا فيها الي مجموعة القيم الواجب دمجها في وجدان مجتمع الشباب والأطفال في الأسرة والمدرسة والجامعة، وكأننا كنا قد سبقنا الماجناكارتا في أولوية جعل هذه القيم حية ومتفاعلة.. كنت قد وصلت معهم علي مجموعات القيم التالية:
اولا: الحريه والعدل والمسئوليه،
ثانيا: الصدق و النزاهه والأمانه،
ثالثا: العلم والدقه والإتقان.
رابعا: الشجاعه و المواطنه والسماحه والرحمه والإحسان ، والغفران،و الرأفه ،و الإمتنان ، والبر والتكافل والصبر الإيجابي.
خامسا: الجمال والسعادة والقناعة
سادسا: الصداقة والمحبة والعطاء،
سابعا: النظافة وتوازن البيئة وإحترام الذات
قال الشاب الذكي: هل هناك مشروع علينا أن نتبناه لدمج هذه القيم في المناهج التعليمية علي حسب المراحل العمرية ، وفي السلوك المدرسي والجامعي، وداخل الأسرة..
قلت: هذا عمل كبير يجب أن تشارك فيه الدولة ثقافياً وفنياً وإعلامياً ، مع وزارتي التعليم والشباب.. هذه أمور أصبح عدم الاهتمام بها في غاية الخطورة …فما نراه من مظاهر الغش الجماعي الذي يشارك فيه بلا حرج أولياء أمور ، ومدرسين، والتدخل السافر في خصوصيات المواطنين المختلفين في الرأي ، أو الدين ، أو طريقة الملبس ، بل والتحريض علي التحرش والايذاء لمن لا ينساق لقطيع الأعلي صوتاً ، والإرهاب الفكري لمن يجرؤ علي التفكير خارج ما يظنه البعض ثوابت دينية وهي في الحقيقة إنسانية ، مع غياب لحرية التعبير واعتبار النقد البناء عداءً للدولة….كلها وغيرها أمور تمس القيم السلوكية التي تتناقض مع جوهر سلام المجتمع وجوهر الأديان كلها وما توصلت اليه الإنسانية من حقوق….
قالت شابة غاضبة: إذا كنت سيادتك تدعونا للمشاركة في صنع جمهورية جديدة ، فعلي من يدير الحوار الاستماع الي مثل كلامنا، وجعل الدستور منهاجاً لإدارة البلاد، وتعديل ما يجب تعديله بعد تحديده ، وتطبيق ما لم يطبق منه رغم مرور ٨ سنوات علي إقراره…
قال زميلها: أخشي يا دكتور أن مجرد الدعوة للحوار أصبح وحده مثار الفخر والتفاخر ، و كأننا أنجزنا خلاص…و أخشي أيضاً يا سيدي من قوافل المنافقين الذين يملؤون الفراغ السياسي بالمديح ، وقوافل كهنة الدين الذين يهددون الجميع وبالذات المرأة المصرية بالتعدي بل والقتل إذا لم تتوافق مع كتالوجهم العقلي، ومجموعات الهدم التي تتبني رفض كل شئ في كل وقت ، وتعود بنا الي نقطة الصفر دائما بلا استراتيجية بناء ..
قلت : لذلك لا بد من محددات سابقة للحوار، وأراها واضحة المعالم أمامي…..
كما جاء في ديباجة الدستور:
نحن الآن نكتب دستوراً يستكمل بناء دولة ديمقراطية حديثة، حكومتها مدنيه”
.”يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الإٍنسان وحرياته، على الوجه المبين فى الدستور”.
هذه هي مقدمه الدستور والمادة الخامسة منه و الذي وافق عليه الشعب المصري بأغلبية ساحقة عام ٢٠١٤ ولم تلحق بهذه المقدمة ولا المادة الخامسة تعديلات في ٢٠١٩ كما حدث للأسف لغيرها. الدستور هو مرجعيتنا في اداره مصر والحفاظ عليها .
و الدوله المدنيه الحديثة يا شباب لها حكومه تحافظ وتحمي كل أعضاء المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية أو الفكرية ، تحمي الخصوصية ، وهناك عدة مبادئ ينبغي توافرها في الدولة المدنية والتي إن نقص أحدها فلا تتحقق شروط تلك الدولة أهمها أن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث أنها تضمن حقوق جميع المواطنين، ليس كهبه من الحاكم ولكن كحق من واجبه الحفاظ عليه، ولا تسمح أن يملي بعض أفراد المجتمع الذين فرضوا أنفسهم مُطَوعين ، الذين لا يقبلون الاختلاف والتعدد بفرض ثقافتهم علي الآخرين تحت عباءة دينية ..
إذا لم نتفق علي المظلة الحامية للمجتمع التي جاءت في الدستور ، فسيكون الحوار عشوائي وفوضوي يفرض فيه الأعلي صوتاً والأكثر تنظيماً ومن تحميه أجهزة السلطة التنفيذية رأيه علي الآخرين..
ودعوني أذكركم أن أعمدة الدولة الحديثة تقوم علي العدالة ، والتنمية الإنسانية ( التعليم والثقافة والرعاية الصحية ) وأن نسيج نجاحها هو إحترام حقوق المواطنين وحريتهم وخصوصيتهم ، وأن هدفها يجب أن يكون القضاء علي الفقر تماما ورفع قدرات المواطنين ، وخلق الفرص أمام الشباب وإحترام إختياراتهم.
اذا كان ذلك مدخلنا للحوار فأهلا به، إما إن كنا سندور ونلف بهدف الفوز في جدال أو تحقيق أهداف تمكين فئة أو مؤسسة علي أخري أو بقاء الوضع كما هو عليه……فلن ينجح الحوار.
قال الشاب النابه: إذن البداية سياسية يا دكتور!
قلت : نظام الحكم يحدد كل شئ يا بني…..وإدارة الدولة هو وظيفة حكومتها ، التحدي أمامنا يتحمل مسئوليته الإدارة التنفيذية للبلاد عبر سبعين سنة متتالية…
ولو فكرنا فيما رسخته الحضارة من خلال التعليم ، والتجربة ،فهو تداول السلطة بشكل سلمي وقبول المحاسبية من ممثلي الشعب، الذين يتم إختيارهم في غرفتين…واحدة تمثل المجموع ، وواحدة حاكمة لا تتكون الا من المتعلمين ذوي الخبرات ، وكنت أتمني أن يكون مجلس الشيوخ هو المنوط بمسئولية الحوار الوطني ، ولكن مجرد عدم إعتباره للقيام بذلك حتي من ممثليه يدلي بحقيقة أنه لا يمثل الخبرات التي كنا نرنو اليها لأن انتخاباته كانت تحت سيطرة مطلقة من السلطة التنفيذية وهو ما ينافي أساس وجوده … الأمل في الشباب الذي لا يجب أن يتنازل عن حقوقه ، في إطار الشرعية والدستور.