السبت , 21 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / علي مقهي “الحالمون بالغد” – ثقافة التفاؤل وسط المحن

علي مقهي “الحالمون بالغد” – ثقافة التفاؤل وسط المحن

علي مقهي “الحالمون بالغد”
ثقافة التفاؤل وسط المحن
حسام بدراوي
قرأت للأستاذة فاطمه المزروعي وهي استاذة جامعية وكاتبة قصص وشاعرة إماراتية مرموقة تقول :
عندما يقع أحدنا في مشكلة أو تعترض مسيرة حياته عقبة، فإن خير وسيلة للتغلب عليها هو شحن النفس بطاقة من التفاؤل والأمل وملء الروح بهذه المشاعر، لكن الذي يحدث في حياتنا اليوم مختلف تماماً عن هذا الجانب، فبنظرة سريعة لمواقع التواصل الاجتماعي أو ما يصلنا عبر التطبيقات الذكية في الهواتف، نجد أنها كلمات وأقوال تنم وتدل على حالة من البؤس والقنوط، وتأنيب النفس، كم هائل من الكلمات السوداوية تحيط بالكثير من الناس فتتلبس يومهم وتغذي أوقاتهم والسبب أنهم أخفقوا أو تعثروا.
ونبهني صديقي محمد عبد القدوس أنني في مقالتي الأسبوع الماضي ركّزت علي الجمال الذي أحسست به في محنتي المرضية ودخلت منه الي مفهوم الجمال في الحياة ، وكان يجب عليّ أن أتكلم عن التفاؤل وسط المحنة لأن ما يحتاجه المجتمع الآن هو جرعات تفاؤل وأمل.
وسألني واحد من شباب الحالمين بالغد قائلاً:
نسمعك تقول أن چيناتك متفائلة ، وتبدو مبتسما في أحلك الأوقات ،فهل هي صفة موروثة ، وإن كان كذلك ،فلا ذنب إذن علي التعساء والمتشائمين ، فقد ولدوا هكذا!!!
قلت : أدعوكم لقراءة كتابي الجديد ” أنا و الميمات” ، والميم هي وحدة حمل الأفكار عبر الزمن لكل البشر ، وتعمل بنفس منطق الچينات. لقد تعمَّقتُ، ووجَدتُ أن الأفكار تشبه فعلًا الچينات؛ فالچينات تحمل معلومةً وراثيَّةً بداخلها، تتناقل، وتتكاثر، كما تحمل الأفكار معلومات ومعرفة تتناقل وتتكاثر، ولكن بوسائل مختلفة. في حالة المادة الوراثية؛ فإن الحمض النووي يحمل المعلومة، التي هي عبارة عن تعليمات كيميائية تُرشِد الخليَّة، وتُملي عليها كيفية بناء البروتينات اللازمة، التي يحتاجها جسم الكائن الحي للبقاء على قيد الحياة، والتكاثُر، فهناك دافِعٌ داخل تركيبة چينات الخلق للتَّكاثُر؛ لتصنع نُسخًا أكثر من نفس المخلوق، باستخدام مادتها الوراثية. من دون هذا الدافع تموت المادة الوراثية، ويندثر المخلوق.مادَّتنا الوراثية تتشارك في سِماتٍ مثيرة ومُميَّزة، مع الأفكار، والأساطير، ودروس الحياة القاسية؛ فجميعها تتضمَّن رسائلَ، ودافِعًا للتَّكاثُر والتَّضاعُف والانتشار.ومع أن هناك فارقًا كبيرًا ما بين الحياة البيولوچية والأفكار، إلَّا أن هناك رابطًا بين الاثنين فالأفكار المتضاعِفَة والمنقسمة ذاتيًّا تشبه كثيرًا الچينات؛ ، و مصطلح “الميمات” تساوي “الچينات” “gene=mem”.
والتفاؤل فكرة واسلوب حياة من الممكن بتكرار تطبيقه يصبح ” ميم” ويستقر في وجدان المجتمع مثله مثل الچينات. فنعم أنا چيناتي متفائلة وكذلك ميماتي.
إن العقل الجمعي للأسرة وللمجتمع، يخلق طاقة إيجابية والعكس. هذا العقل الجمعي تحركه ثقافة المجتمع وقادته وإعلامه وفنونه. والاستعداد الوجداني له يبدأ من الصغر، في المنزل والمدرسة والجامعة في النادي والساحة، في بيوت الصلاة. جوامع وكنائس ومعابد..
الحياة نعمة من الخالق، والبهجة بها، شكر لله، وعلينا أن نتوق إليها و نتذوقها، فهي حق من حقوق الإنسان.
أما التفاؤل في الحياة فهو شعور داخلي رائع ، هو حالة من الارتياح التي يشعر بها الفرد لإيمانه بأنه دوماً هناك طريقة للخروج من المشكلات في حال حدوثها.
أن نكون متفائلين يعني أن نرى النور وسط الظلام، ان نشعر أنه رغم جميع التحديات والمصاعب والآلام ، لا زال هناك الكثير نحبه في الحياة وهو جميل ويستحق أن نعيش ونناضل ونكافح لتحقيقه والوصول إليه.
المتفائل يري في الأزمات فرصاً ، وتفاؤله يُنَشط أجهزة المناعة النفسية والجسدية لديه ، في حين يستنفذ التشاؤم طاقة الإنسان ويقلل من نشاطه، ويضعف من دوافعه.
أن أسلوب التفسير التشاؤمي، هو أحد الأسباب المؤدية للإصابة بالأمراض الجسدية المختلفة، وانخفاض مستوى الأداء الأكاديمي والمهني. أن الإنسان هو الذي يستطيع أن يقرر مصيره أو مستقبله، التفاؤل ليس هبة أو خصلة في شخصية الإنسان إنما مهارة يتعلمها الفرد حتى يتقنها ويفكر إيجابياً لتصبح أسلوب حياة.
وأذكركم أن التفاؤل والتشاؤم مُعديان.. بمعنى آخر يمكن اكتسابهما من الاحتكاك بالآخرين.. فملازمة المتشائمين تجعلك مثلهم ذو نظرة سوداوية ومتردد وغير مقدام.. ولكن صحبتك للمتفائلين تجعل الحياة بنظرك أبسط وأكثر إثارة ويمكنك مواجهة العثرات بشكل إيجابي، انظر حولك جيداً وأحسن اختيار الرفقة والأصدقاء أولاً، ثم غذي عقلك وروحك بالأفكار الجميلة، واغمر وجدانك بالتفاؤل، وستجد النتائج الإيجابية تنهال عليك تباعاً.
إن هناك عقل جمعي للمجتمع ، يُخلق بمجموع الطاقة الإيجابية فيه، ويحفزه جوهر الأديان و التعليم والإعلام والفنون وهو ما يضع علي كاهل قيادات المجتمع مسئولية كبيرة لأنهم هم صانعي هذا المناخ و الميسرين لوجوده وأنا أحملهم مسئولية لتحقيق ذلك.
لقد أدركت وأنا وسط محنة المرض بين الوعي واللاوعي لمدة 52 يوم في المانيا قيمة التفاؤل ، فلولا ثقتي في الفريق الطبي المعالج ، ورؤيتي للنور وسط الظلام ، والذي كان يضيئه لي ولداي وحفيداتي وزوجتي وأختي بوجودهم حولي ، يمسكون يدي ويحتضنون ذراعي ويمسحون علي رأسي، ثم ما ينقلونه لي من رسائل باقي أسرتي وأصدقائي من مصر والعالم العربي وهم لا يعلمون إن كنت أسمعهم أم لا ، لوجودي في برزخ بين الوعي واللاوعي، ولكني كنت أحس بهم واسمعهم ، فقد كانوا مصدر طاقتي للتفاؤل وعدم الإنزلاق الي الثقب الأسود الذي كان يجذبني بطاقة جاذبية متشائمة وسلبية.
التفاؤل كان سلاحي ، بل ما منحني قدرة المقاومة ، وإيماني بالله الذي تعمق وقت المحنة .
فيا كل صاحب مرض ، وياكل مظلوم ، وياكل مُعاني و مُشتكي ، تسلح بطاقة تفاؤل ، و إبحث عنها مع من تحب ، و ثق أن قَدَرك يرتبط بإرادة ربك ولكنه مرتبط أيضا بقدرتك الإيجابية لتحدي عوائق المعاناة و إبحث عن نور التفاؤل فقد يكون ما أنت فيه اختباراً وليس نهاية..
قالت الشابة المتفائلة: ولكن لابد أن نحترم الجانب الوراثي يا دكتور، فأنا في أسرتي ومعي والدي ننظر دائما للأمور بتفاؤل وأخي ووالدتي يميلون الي التشاؤم مع أننا نعيش في نفس المنزل تحت نفس الظروف .
قلت لها: هناك جزء من الحقيقة في ذلك ، ولكن الإرادة الإيجابية ، هامة جدا وأنصح كل واحد فيكم أن يفكر فيما يسعده في إطار القيم السوية ، ويبحث عنه. وكما قلت لكم ان التفاؤل مهارة نستطيع اكتسابها.وأذكركم أن الله عز وجل قال : “لا يكلف الله نفسا الا وسعها ، لها ما كسبت وعليها ما إكتسبت” أي اننا كلنا لدي نفوسنا مساحة نكتسب فيها الجديد بإرادتنا الحرة ،وليكن التفاؤل ورؤية أفضل ما في الحياة ، ورؤية النور وسط الظلام مكتسب نسعي اليه .
قال شاب آخر : وماذا عن مناخ التشاؤم حولنا ، ماذا نفعل فيه.!!. تهديد من الإرهاب ، ووجدان سلفي يريد العودة بنا الي الماضي وكآبة في التفكير ، والعالم كله يقفز لمستقبل فوضوي ، وحروب عالمية ليس لها معني ، وخوف من أزمة في المياه جنوبا ، وتحدي سكاني و إقتصادي هائل ، وفرص توظيف تتلاشي وغلاء في المعيشة…كيف تنتظر منا التفاؤل في هذا المناخ؟
قلت له : هل تتصور أن الحياة ستسير بلا تحديات….. كأنك تريد لعب مباراه ضامنا المكسب لغياب الخصم.. إن أجمل ما في الحياة هو مواجهة التحديات وتحقيق الفوز لنفسك ولغيرك.. التهديد في كل مكان ، وكان من الممكن ان تكون مصر في موقف العراق أو سوريا أو اليمن أو ليبيا .الا إن شعبنا إستطاع الصمود .. نعم نحتاج الي أكثر وأكثر، فهذا حقنا ، نحتاج الي عدالة ناجزة ، وإحترام حقيقي للحريات وضمانات لتداول السلطة وإحترام الدستور ، ونحتاج لحقنا في تعليم عالي الجودة ورعاية صحية محترمة ومواصلات تحترم إنسانيتنا ، وحد أدني من الأجور يناسب إرتفاع الأسعار ، فهل يمكننا تجنب القلق والخوف ؟ ، لا
ولكن يمكننا ، وفي إطار الشرعية ، أن نطالب ونعمل ونبادر ونعترض أحياناً ونبحث عن الحلول ، فليس الفخر أن لا نسقط ولكن الفخر أن ننهض كلما سقطتنا،فلا تكونوا من الذين يتذمرون أن للورد شوكاً بل من الذين يتفائلون من أن فوق الشوك وروداً.
وتذكروا قول العظيم اليا ابو ماضي:
أيهذا الشاكي وما بك داء…..
كيف تغدو إذا غدوت عليلا
إن شر الجناة في الأرض نفس…
. تتوقّى قبل الرحيل رحيلاً
أيا هذا الشاكي وما بك داء
كن جميلاً ترى الوجود جميلاً.

التعليقات

التعليقات