علي مقهي ” الحالمون بالغد”
” رمضان..ومشروع إنسان أفضل”
بقلم حسام بدراوي
بدأ شهر رمضان الكريم ، وتساءلت: كيف لنا ونحن في القرن الواحد وعشرين ننتظر رؤية العين لهلال القمر لنحدد بداية الشهر ، وقد أصبح العلم يتيح لنا تحديده لآلاف السنين القادمة، بالدقيقة والثانية. كيف يمكن لإنسان اليوم ان لا يعرف متي يبدأ الشهر ومتي ينتهي ، وينظم أوقات عمله وسفره و أجازاته في انتظار رؤية العين للهلال؟؟؟؟
أما آن لنا أن نُعمل عقولنا ونعي أن ما كان من ١٤٠٠ سنه من إجراءات ، كان مرتبطاً بزمنه ، وأنه آن أوان احترام الدقة واستيعاب العلم .
ولماذا لا يعمل كثير من المسلمين في رمضان، ويتكاسلون بحجة الصيام ؟! ، أو ينزلون العمل متأخرين ويغادرون مبكرين ، ويتجادلون في الزحام ، ولماذا يتكالبون علي الأكل والحلويات ،في هذا الشهر بالذات وما علاقة الصيام والعبادة بكل ذلك ؟!!!!
سألني شاب من الحالمين : ألا تري معي يا دكتور أن الصيام أصبح أحياناً حجة لعدم أداء الواجب.
قلت : أوافقك.
قال : إذا كان الصيام سيعطل موظف عن أداء عمله في خدمة المواطنين ، ألا يصح للدولة أن تؤاخذه لأن وظيفته هي تيسير قضاء حوائجهم .
قلت: أوافقك.
قال : وما هذه الترهات عن أسئلة عجيبة وتافهة وإجابات أعجب ، و ترندات في السوشيال ميديا تدل علي السطحية ، مثل هل يفطر دخول الماء الي الشرج عند التشطيف ، أليس هذا عبثاً يُقَزم الدين ويشوه الافتاء.
قلت : أوافقك وأتعجب .
قالت فتاة مثقفة وقارئة: لقد قرأت آيات الصيام ، و أتسائل عمن كُتب عليهم الصيام قبل الاسلام. وهل كان العرب في الجزيرة يصومون وفي نفس الشهر.
قلت :، نعم كان العرب قبل الاسلام يصومون ويحجون الي الكعبة. .لأن الصيام ليس عادة إسلامية فقط ، ولكن أغلب الأمم كانت تصوم لأسباب مختلفة وطرق مختلفة . وفي الجزيرة العربية كان الصابئة ، بحسب مصادر التاريخ العربى، يصومون ثلاثين يوما مبتدئين الشهر بظهور الهلال، و منهين إياه بظهور هلال الشهر الجديد، وكانوا يُعَيدون بعد انتهاء الشهر بعيد يسمى أيضا بعيد الفطر وفى هذا الأمر الكثير من المطابقة مع الصوم الذي فُرض بعد نزول الإسلام.
كذلك كان ومازال اليهود يصومون عدة أيام من السنة و الأيام التي كانوا يصومون فيها تعتبر حداداً، و تكفيراً عن الذنوب فضلا عن أنهم كانوا يعتقدون أن الصيام يحميهم من وقوع المصائب .
والنصارى كذلك كانت لهم أياماً محددة ومتفرقة في السنة يحرصون على صيامها، والمسيحيين اليوم لهم صيامهم كما هو الشأن عند المصريين القدامى الذين كانوا يصومون و حددوا أياماً معينة لذلك.
قالت الشابة: ومن هم الصابئة، لم أسمع عنهم من قبل؟؟
قلت : لأنكم لا تركزون في القراءة فقد ورد ذكر الصابئة وبصورة مستقلة في القران الكريم في سورة البقرة وفي سورة المائدة..أما من هم ؟، فهم مجموعة ممن تركوا عبادة الأصنام و يدّعون أنهم علي دين نوح و إبراهيم وآدم ولهم عاداتهم القريبة من الاسلام ومازال لهم وجودا حتي الآن .
المهم ان الصيام وُجد باشكالٍ مختلفة قبل ظهور الإسلام ويقول الله في كتابه في سورة البقرة: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” .
قال الشاب الأول : أخاف ان أقول يا دكتور أن استكمال آيات الصيام حسب فهمي قد يعطي الانسان حق الافطار اذا أراد علي ان يطعم مسكيناً إذ تقول الآية”
﴿أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾
قلت : أنا ايضاً يحيرني تفسير هذه الآية لأنها تعطي الإنسان الحق في الاختيار إلا أنها تحفزه بأن خيراً له أن يصوم، ولكني أميل الي عدم الجدل حول التفسير لأن الصيام خيرٌ علي كل الأحوال .
وبيني وبين نفسي فكرت فيما أقرأه من فلسفة وعلوم الفيزياء ،ثم فكرت في قضايا خلافية حول موعد رمضان فلكياً، حيث أن السنة القمرية بدقة الحساب ٣٥٤ يوماً و ٨ ساعات و ٤٨ دقيقة و ٣٤ ثانية ، أي أن هناك فرقاً بين السنة الشمسية و السنة القمرية قدره ١٠ أيام و ١٦ ساعة و ١٠ دقائق و ١٢ ثانية ، ومن المعروف ان التضاريس وتغير المناخ الذي علي أساسه سُميت الشهور ، مرتبط بحركة الأرض حول الشمس..وقد أجري العلماء تعديلات في التقويم الشمسي “correction”
بزيادة يوم في شهر فبراير كل ٤ سنوات للتتوافق الشهور مع المناخ ، وأجراه المصريين قبلهم في شهور السنة القبطية لنفس السبب، حيث لا قيمة لأسماء الشهور إن لم تتناسب مع الطقس ، وكان العرب يفعلون نفس الشئ مع السنة القمرية حتي يتم ضبط السنة فيظل شهر ربيع في الربيع ورمضان في سبتمبر والحج في ديسمبر ، ولكن أسلافنا العرب بعد وفاة الرسول تراجعوا عن إحداث التعديلات الحسابية الواجبة فيها مما جعل الشهور القمرية غير متوافقة مع حركة الفصول ، فأصبح شهر ربيع يأتي في الشتاء أحياناً و في الصيف أحياناً أخري ، و موعد شهر رمضان ومواعيد الحج وغيرها يتغير كل عام بدون إعتبار لمكانه الأساسي من الفصول ، ولهذا تفصيل دقيق وواضح إرتضي المسلمون أن يهملوا حسابه فاختلت الشهور القمرية وأصبح التقويم الهجري لا تتلازم فيه الطقوس الدينية بحقيقة دورة زمانها وانتفت منفعته الحياتية للإنسان.
قالت صديقتي التي تحضر حواراتي مع الشباب:
عندك حق كان يجب مراعاة حالة الطقس الحار نوعا ما
مع تثبيت الشهور العربية القمرية لتتوافق مع حالة الطقس و خصوصاً ( رمضان ) و معناه شدة الحرارة
ولكن يمكن الرد على ذلك بأن الطقس متغير بين بلاد نصف الكرة الأرضية شمالي خط الاستواء و جنوبه
كما يمكن القول بأن النظام الحالي يجعل رمضان يأتي في كل شهور السنة الميلادية الشمسية على التوالي تيسيراً على الصائمين فلا يصومون ( رمضان ) كل سنة في( الرمضاء ) و كذلك قد يقال ان النظام الحالي زيادة في بركة كل تلك الشهور حين
تتناوب بركة رمضان و افضاله عليها و الله اعلم
ثم قلت لنفسي ، ليس هذا وقت مناقشات جدلية ولا هز عادات استقرت في الأذهان ، الأفضل أن أنصح الشباب من القرآن ببعض الحِكَم الحياتية ، و نتكلم عن القيم والمهارات الواجب تطبيقها ليكون كل منا إنساناً أفضل في هذا الشهر ، فعدت الي بحوثي وقلت لهم::
إن رمضان شهر كريم بغض النظر عن دراسات الفلك وهو فرصة لنا جميعا ، فهو شهر استعدت النفوس فيه للتقرب من الله ونجتمع فيه مع الأحبة والأقارب والأصدقاء ، فلنأخذ من القرآن نصائحه لنا في ممارسة الحياة ونجعل هذا الشهر بداية لمشروع إنسان أفضل لكل واحد منا.
قالوا كيف وماذا تقصد ؟
قلت ، بمنطق التعليم في الشرح والتبسيط ، سأجعلها وصايا عشر، تجعل كل واحد منا إنساناً أفضل، وكلها مأخوذة من آيات القرآن الكريم:
أولاً : الاعتدال في الأكل والشرب فهو شهر صيام
“وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ “
ثانياً: الاعتدال في الإنفاق و الحياة عموماً
“وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ” .
ثالثاً : طريقه كلامنا والجهر بأصواتنا،
“وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ”.
بل ان القرآن الكريم قد ضبط لنا طريقة هذا المشي سواء كان شكلاً أو مجازاً فقال ” وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا”.
رابعاً: رعاية الوالدين .
“وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا.
خامساً : ضبط الظنون والسعي للحقيقة
فقال “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ”
سادساً : الصدق واجتناب الكذب
” إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب “
“وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ”
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ “
سابعاً : ان نقول أفضل الكلام للآخرين
” وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا “
“فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا”
ثامناً : يعلمنا القرآن ضبط مجالسنا سويا أو معاملاتنا في السوشيال ميديا التي جاءت بعده بأكثر من الف سنة قائلا، فيقول عز وجل:
“وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ “
تاسعاً: فلنستخدم عقولنا وما أعطانا الله من حكمة
“وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ “
” قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون”
” إنما يخشى الله من عباده العلماء”
عاشراً: فلنقرأ ونتثقف ونتعلم
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ . الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
وأضفت قائلاً أن صيام رمضان فرصة لجهاد النفس
الذي يعلوا قدراً و يعظم أجراً عن أي جهاد آخر لو تعلمون.
هذه نصائحي إليكم من مدخل القرآن الكريم وكلام الله عز وجل . فلنأخذ المبادرة في رمضان لنبدأ أو نُؤكد ما نحن عليه من مكارم الأخلاق.