علي مقهي “الحالمون بالغد”
عالم يتجدد في عام جديد
بعد عودتي من رحلة معاناة سألني الشاب المتحمس عن أمنياتي للعام الجديد :
قلت :
أمنيتي أن أري تغييرا حقيقياً في نمط الحياة والتنمية في مصر وان أري الابتسامة تعلو الوجوه، ،وأن أري الأمل يملأ القلوب ، وأن أري قاده المستقبل الموجودين في منازلنا و مدارسنا الآن يقتنصون الفرص التي تسنح لهم، وهم قادرين علي الخوض فيها واستخدامها.
قال الشاب : ما هي الفرص التي تعنيها؟ الكل يعاني ، والظلام يزحف علي النفوس ولا أحد يعرف حقيقة موقف البلاد.
قلت : لا تصدقوا كل ما يكتب سلبياً في السوشيال ميديا ولا كل ما يقال ، وأنصحكم أولاً بالتأكد من المعلومات قبل إعادة نشرها والبحث عن البراهين قبل تصديق البوستات والفيديوهات ، فأغلبها مركب بقصد ، ومنشور بهدف نشر الإحباط والإيعاز بالخطر الداهم الذي يجعل المواطنين في حالة خوف و غضب و فقدان أمل واستعداد للفوضى ، التي تعود بنا الي نقطة الصفر..
نعم هناك إخفاقات ، نعم هناك أخطاء ولكن هناك أيضا إنجازات حتي لو لم نوافق علي أولوياتها و حتي لو شككنا في كيفية الإنفاق عليها ، ولكنها تظل ملكنا وعلينا أن نبني عليها لا أن نهدمها كما يود البعض.
صحيح أن إدارة التنمية وضمانات الحقوق الرئيسية كالتعليم والرعاية الصحية والمواصلات العامة قد تدنت اولوياتها في الانفاق والجودة بفعل فاعل ولكن البنية التحتية للنهضة متاحة. وأمام شباب الوطن الذين يمثلون أغلبية المجتمع فرص هائلة أهمها الانتشار الهائل لتقنية المعلومات والاتصالات ،وهي القوة التي لا يمكن الوقوف في وجهها. القوه التي تمس كل مجال من مجالات الحياة العصرية. فمنذ اللحظة الأولى التي تتفتح فيها عيون مئات الملايين من الأطفال في مصر والعالم ، وهم يغرقون في تدفق مستمر من المعارف والتواصل وحياه لم يعرفها آباءهم ولا مدرسيهم.إنه عالم جديد ويتجدد كل يوم. ،هذه هي الفرصة التي لم تتح لأجيالنا.
حاضر البشرية يتغير ، و ثبت للجميع أن كل حلم وخيال أصبح ممكن الحدوث.
قال الشاب:إذن تقصد أن المدرسه والاسرة هما مربط الفرس.؟
قلت : بالقطع نعم ولكن علينا أن نخرج خارج الفكر التقليدي قليلا ولا نغرق في الهوامش، و أذكركم أن أرسطو وأفلاطون لم يدخلا مدرسة ، وأن لا الرازى و لا الفرابى ولا ليوناردو دافينشي وأمثالهم من المبدعين والعلماء دخلوا مدارس، فلم يكن هناك شئ أسمه مدرسة في زمانهم. إن المدرسة اختراع بشري اجتماعي بدأ في القرن التاسع عشر لتنميط التعليم لخدمه الجيوش والأديان في البداية ، ثم في خدمه التوظيف والصناعة بعد ذلك . والغريب انه منذ ذلك التاريخ كل شئ أصابه التقدم إلا المدرسة ،لم تتغير صورتها (معلم واقف يشرح و أمامه طلبة ومنهج تضعه الدولة للتأكد من زرع افكار محددة في أذهان الأطفال) مع ان التعليم و شكله من المفترض أن يقود حركة التقدم . حقيقة الأمر أن حركة التقدم سبقت التعليم فأصبحنا فى التعليم نركض وراء ما حدث فى الصناعة و التكنولوجيا. لقد سبقت الصناعه والتكنولوجيا نظم التعليم في كل مكان في العالم، و هذا يدفعنا لسؤال حول ما الذى يجب ان يتغير !!.
هل ندافع عن الشكل التقليدي ونلهث وراء ما حققه غيرنا ولا يكون لنا مبادرات خارج نطاق التقليديه التي لم ننجح في إطارها في تطوير مجتمعنا بالشكل الذي تستحقه مصر . مع نمو الأطفال، تنمو معهم قدرات التقنية الرقمية ، وتقدم لهم فرصاً لا حصر لها للتعلم وزيادة قدرتهم علي التأثير علي مستقبل الإنسانية، وخلق فرص جديدة .
السؤال هو وما الذي يمنع اطفالنا من اقتناص هذه الفرص والصعود بمصر والبشريه الي مستوي أفضل.؟ إنهم ينجحون ، ويبرعون خارج مصر في مناخ يسمح لهم بذلك، ألا يعطي ذلك إشارة .
. نحن الأجيال التي سبقتهم الذين ندير حياتهم و ننمطهم علي أشكالنا وعادتنا وننقل لهم قصورنا فيزداد فقرهم وأميتهم. .
لقد حولت التقنية الرقمية العالم الذي نعيش فيه وتغير المشهد الاجتماعي ، واحد من كل ثلاثة مستخدمين للإنترنت في جميع أنحاء العالم هو طفل، والشباب هم الآن الأكثر وصولا للمعرفة من بين كل الفئات العمرية.
يمكن للتقنية الرقمية أن تغير قواعد اللعبة للأطفال المحرومين، وأن تتيح لهم فرصاً جديدة للتعلم، والتواصل الاجتماعي، وإسماع أصواتهم، أو يمكن كذلك أن تكون حاجزاً فاصلاً آخر إذا استبعدوا من عالم التواصل.
التقنية الرقمية” هي أحدث ما أنتجته القريحة البشرية، ونتجه الآن نحو الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المذهلة
فهل نسير ( كأجيال حاكمة( في طريق مقاومتها وشجبها أم نكون طرفا فعالا في إتاحتها حتي نشارك في صناعه المستقبل.
هذا هو السؤال!!!\.
وأزيد كذلك إن العالم الرقمي يزيل الفجوات بين الطبقات الاجتماعيه ويغير معالم السياسه المحلية والدولية ويزيد من قوه الأفراد بشكل غير مسبوق لتوفر المعلومات والشفافية التي نفتقدها..
التوجه نحو الرقمية كلام جميل ولكن علينا أن نستعد ليس باستيراد الأجهزة أو حتي صناعتها ، ولكن بالمحتوى والأسلوب الذي ننتهجه في الدعوه الي استخدامها.
إن تحدي الرقمية ليس في تعلم استخدامها ، لأن أطفالنا يولدوا رقميين ولا في تكرار قولنا أننا ندعو اليها.
التحدي هو تناقص التواصل الإنساني عندما يغوص الشباب في استخدام الأجهزة ويتدني تأثير القيم الإيجابية في المحتويات التي يتشربونها وتصيغ وجدانهم. التحدي هو كيف نملأ فراغ أوقات أطفالنا برقمية او بدونها.
وما هي القيم الإيجابية التي نتكلم عنها والتي يجب أن تندمج في إنتاج الألعاب الرقمية والدراما الرقمية، ومناخ يسمح بممارسة الرياضة وتعلم الموسيقي وممارسة الفنون، لخلق الشباب السوي المسلح بالعلم في أشكال وسائله المتجددة و بالتلاقي الاجتماعي والثقافي في إطار المدرسة والجامعة.
أمور علينا ان نحلها نحن بيننا أولا ولا نستسلم ولا ننهزم أمام موازنات مطلوبة وإيجاد حلول إبتكارية للتغلب علي التحديات .
قالت الشابة الأولي :عندي إقتراح
قلت:هاتي ما عندك
قالت : بما أن في المرحلة الثانوية المدارس شبه فارغة وأغلب الطلبة في دروس خصوصية، فلماذا لا نقسم الأسبوع في التعليم الثانوي الي ثلاث أيام تعليم عن بعد بكل تقنياته التي اصبحت متاحة ويومان في المدرسة لممارسة النشاط والرياضة والفنون، والتقسيم سيتيح تعليم أفضل من الدروس الخصوصية وبنفس مدرسي هذه الدروس وبحسبة بسيطة سيحقق المدرس دخلا أكبر وستسدد الأسر مبالغ أقل جدا. ويمكن اجراء التجربة في محافظة ونري النتيجة فالكل هنا فائز تعليماً ونشاطاً ويمكن أن يكون للمشاركة في النشاط درجات موازية للحضور التعليمي. ألم تعلمنا أن لا نخاف من الجديد ومحاوله منعه، بغباء
فاقتناص الفرص يحتاج مبادرات ، وتقنين الخطأ هو الهزيمة والوقوف بلا فعل هو هروب من مواجهة المستقبل.
قال زميلها : أو نمنع استخدام التقنيات التي تدعو للتطرف وتعلي التوجه نحو العنف والجنس والانحراف ونسمح بالباقي.
قلت: الحلول ليست في المنع بل في المبادرات، و
علينا أن نفهم أنه لا يجب أن لا نترك فراغا في حياة أطفالنا وشبابنا ، والا سيملأه شيئا ما أردنا أو لا نريد. . سيملأه التطرف أو الانحراف ، وباستخدام نفس التقنيات.
هل نستطيع منع تأثير الرقمية أم نملأ فراغا بالفن والرياضه كفعل إنساني تواصلي بجانب الإنجذاب الطاغي نحو الأجهزة بل وقياده الرقمية الي ملء الوجدان بالقيم الإيجابية وهو ما يستدعي أساسا تحديدها ، وتعريفها لذلك أرحب بفكرة زميلتك وسأدرسها.
.
إننا لم ننجح في الدعوه للثقافه والقراءة وزيادة المعارف عقودا من الزمن وها قد جائتنا فرصه بقفزة معرفيه ووسائل تجعلنا علي قدم المساواة مع من سبقونا في التحضر وإنتاج المعرفة، فإذا قررنا إعاده فعل نفس الشئ بنفس الطريقة فلن نصل الا لنفس النتيجة.
التحدي الرئيسي هو كيف نفعل أمرين فى نفس الوقت، أن نطلق لأطفالنا عنان الخيال والإبداع والابتكار والتواصل والحريه و أن نضع في نفس الوقت بداخلهم منهجية التفكير والإحتكام للمراجع والبراهين قبل تصديق أي شئ ، بدون فرض أفكارنا وربطهم بعادتنا وتقاليدنا وما نصدقه نحن. أنا مؤمن بقدرات شبابنا ولا اراهم سوي نعمه نهدرها نحن، (الأجيال الأكبر) بمحاوله تنميطهم بأشباه الماضي و بدون صياغة للمستقبل فنضيع طاقتهم وإمكاناتهم. إن المسئولية تقع علي اداره الوطن وعلي المجتمع .،
قال الشاب الأول: ماذا تنصح؟
قلت :أنا رجل چيناتي متفائله وأري في الناس أفضل ما فيهم وانا أري الفرصة ، فتعالوا نفكر سويا في مبادرات وأفكار غير تقليدية كما فعلت زميلتكم لنغير حاضرا لا يعجبنا ونشرك أطفالنا فقد أصبحوا أقدر مما نتصور.