علي مقهي “الحالمون بالغد”
فضول الأبناء وحيرة الآباء
حوار مع حفيدتي حول الضمير
كنت أفكر في بحث أجريه علي 500 طفل مصري ، لأتعرف علي أكثر تساؤلاتهم لذويهم ومدرسيهم ، وهم ونحن نتهرب من الإجابة عليها أحيانا ،لعدم معرفه الرد، أو لتجنب الكلام فيما نظنه لا يتوافق مع عمرهم ، أو لخجل أو لجهل أو لحرج أو لأننا ما زلنا نحاول إيجاد اجابه لأنفسنا.
ثم وجدت عشرات البحوث والكتب التي تسأل سؤالي ، وتجمع تساؤلات الأطفال ، وجدت غيري قد فكر وسبقني .. الفكره لا تعيش الا اذا وُثِقت أو طُبِقت ، و تحولت الي “ميم ” كما شرحت في كتابي الجديد ” أنا والميمات” الذي نَشَرته دار المحروسة منذ أسابيع .
كوللمعلومة “الميمات” هي وحدة حمل الأفكار التي يتناقلها الناس وتستقر في الوجدان وتنتقل من جيل لجيل وهو تعبير مشابه “للچينات” التي تحمل المعلومات البيولوجية وتنتقل من كل كائن الي أبنائه وتتكاثر ويحدث فيها طفرات ويتبقي الأفضل.
هكذا هي الأفكار ، تنتقل من جيل الي جيل وتتكاثر ويحدث فيها طفرات يستقر الأفضل في وجدان الشعوب ، المثل القريب الي الذهن هو القيم الإنسانية السابقة حتي لوجود الأديان .. الإجابات علي أسئلة الأطفال قد تكون ميمات ولكن لا نصرح بها.
سألتني حفيدتي ذات الإثني عشر عاما سؤلاً يستحق النقاش ، ماهو الضمير ؟
ويعني ايه واحد عنده ضمير يا جدو؟.
تلته بسؤال ثاني وثالث ورابع ….وعاشر
أجبتها قائلا :
انه احساس بتقييم الانسان لنفسه بنفسه حسب مجموعه من القيم الأخلاقية التي ترسبت في وجدانه عبر التجربة والحياة عما هو صح وما هو خطأ.
وهو في هذه الحاله نسبي لكل واحد من البشر. والضمير يقوم بمعاتبة الشخص لنفسه إذا تبين هذا الخطأ نتيجة تقييمه لذاته أو أحيانا نتيجه تقييم الآخرين له اذا كان بالغ الحساسيه لتقييم الآخرين له، بغض النظر عن قِيَمه الشخصيه ، والضمير قد يبالغ في القسوة علي النفس احيانا بالمبالغة في تقدير الأخطاء.
لكن في الحقيقه…بعد ما قلت ، ما قلت ، اعتقد اني عقدّت الأمور عليها.
وبيني وبين نفسي قلت: من الجائز ان جوهر فلسفه الأديان تاريخياً كانت بهدف خلق ضمير جمعي للصواب والخطأ المطلق، حسب معايير الهيه حتي لا يكون نسبياً من شخص الي آخر. يعني بناء قاعدة اخلاقيه للمجتمعات. ولكننا حَولنا الدين الي تقديس وسائله وليس قلبه وفحواه.
ولقد سمعت واحد حكيم يقول :. الضمير هو ذلك الجزء من الذهن، المسؤول عن المسار الأخلاقي للإنسان، انه الذي ينقل إلينا التعليمات والتحذيرات لنقـــوّم ونتحكَّم في نوعية الأفكار التي نفكِّر بها، والتصرفات التي نتصرفها، بحيث يجعلنا نتألم ونشعر بالذنب عندما نقوم بأمور لا تنسجم ومبادئنا الأخلاقية. الضمير يحثنا على تفضيل الصواب والصلاح والخير، على الخطأ و الطلاح والشر. الضمير يوجِّهنا عبر إعطاء حُكْمه، في ما قد فكَّرنا به، وتصرَّفنا بموجبه، وفيما ننوي أنْ نفكر به، ونتصرف بموجبه.
قال المفكر الفرنسي، فيكتور هوجو، “الضمير هو صوت الله في الانسان”
.ويقول أيضا في كتابه العبقري البؤساء:
-«الضمير هو حلبة تتبارى فيها الشهوات والتجارب وكهف الأفكار التي تثير فينا كوامن الخجل أو القبح»
ويقول الفيلسوف اليوناني “سقراط: “كما أنَّ القانون يمنع الإنسان من التعديات، هكذا فإنَّ الضمير يمنع الإنسان من القيام بأعمال الشر”.
هناك نسبيه عبر الزمن بتغير المفاهيم والثقافات، ولكن يبقي هناك بعض القيم الإنسانية التي تَعْبر الأزمنة وتحرك الضمير الإنساني السوي للرضي علي النفس أو لومها..
قالت لي ابنتي عندما قصصت عليها سؤال ابنتها وتأنيب ضميري لنفسي ، في أنني لم أبسط الأمور لها ولم أشرح بيسر:
أنا أيضا عند سؤال،
قلت : هاتي ما عندك..
قالت :و هل لكل الكائنات ضمير ؟ أم هو شئ خاص بالإنسان فقط؟
قلت لها سؤال لا أستطيع الإجابة عليه. فحتي الآن فإن كل ما قرأته حول الوعي والضمير يختلف الفلاسفه أساساً حوله، بل هناك إختلاف حول هل للحيوانات روحاً ونفساً واعيه أم لا ؟.. وإذا كان ، وهو ما أعتقده ، فهل لهم آخره وحساب، أم هم مسيرون حسب تركيباتهم الچينيه التي تجعلهم يفعلون ما يفعلون بدون إدراك.
سؤال حفيدتي، وسؤال إبنتي وتساؤلات نفسي ورؤيتي لمن حولي، هو ما حفزني لأكتب هذا المقال ..
لقد ميز علم النفس الضمير بأنه يتصف بشمولية الأنحاء فهو لا يقتصر بتقييم جانب واحد من الشخصية ولكن بل يتناول الشخصية ككل، وه يتناول الماضي والحاضر والمستقبل: فهو لا يعاتب صاحبه على ما صدر منه في الماضي فقط، بل ويحاسبه عما يفعل في الوقت الحاضر، عما سوف يفعله في المستقبل قد يبالغ في التراخي وقد يبالغ في القسوة فالضمير قد يكون سويا أو قد يتعرض للانحراف إما إلى البلادة والخمول و إما إلى المبالغة في تقدير الأخطاء
والضمير قد يكون فرديا وقد يكون جماعيا، فالمرء في حياته الشخصية وعلاقاته بغيره وبنفسه يكون صاحب ضمير فردي، ولكن الضمير قد يتسع ليشمل مجموعة من الناس قد تكون محدودة أو قد يمتد ليشمل شعب بأكمله .
وفي ثقافة المجتمع أقوال مأثورة تمس الضمير مثل ، “استفت قلبك” ، “البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب.
إن الفضول هو إحدى السمات الدائمة لدي العقل البشري، وهو ما يجب أن ننميه في عقول أطفالنا وشبابنا. ويتأثر الأطفال بهذا الدافع الذي يوجّههم دوما نحو معرفة المزيد حول العالم من حولهم، إنه لا يمدهم بالمعرفة فحسب، بل يحفز أدمغتهم، ويعزز مهاراتهم في بناء العلاقات مع من حولهم، ويزيد قدرتهم على تعلم الأشياء الجديدة، وينمي فيهم حب القراءة والاستطلاع..
لقد وضع المختصون قائمة بأكثر الأسئلة تكرارا على ألسنة الأطفال، ومنها علي سبيل المثال:
– كيف تعمل الكهرباء؟ لماذا السماء زرقاء؟ كيف تطير الطيور؟ من أين تأتي الرياح؟ لماذا البحر المالح؟ لماذا لا نستطع شرب ماء البحر؟ ما هو حجم العالم؟يعني ايه أكوان متوازية ؟ماذا يحدث لنا عندما نموت؟ أين الله ؟ من أين يأتي الأطفال؟ كيف تطير الطائرات؟ من أين يأتي المطر؟ لماذا يخلق الله أشخاصا مرضى أو ذوي احتياجات خاصة؟ أين سنذهب بعد الموت؟ لماذا أخذ الله قطتي؟ كيف خرجت من بطن أمي؟ وغيرها وغيرها …..
و تشير نتائج الدراسات إلى أن الكبار يجيبون عن أسئلة الأطفال من خلال مجموعة مستويات من الأسوأ إلى الأفضل، هي:
– رفض الإجابة عن السؤال: حيث يقول الأب أو الأم:”لا تسألني أي أسئلة أخرى”، أو “عندما تكبر ستعرف”، أو تجاهل السؤال تماما.
– تكرار السؤال أو إعادة صياغته: كأن يسأل الطفل: “لماذا يجب أن آكل خضروات؟” فيرد الأب: “لأنك يجب أن تأكل خضروات”، أو “لماذا الجو بارد؟” فترد الأم: “لأننا في الشتاء”.
– الاعتراف بعدم معرفة الإجابة: كأن نقول: “هذا سؤال ذكي ولكني لا أعرف الإجابة”.
– تقديم إجابة واقعية عن السؤال، وذلك بتقديم معلومة صحيحة للطفل عن الشيء الذي يسأل عنه.
– تشجيع الطفل على الحصول على الاستجابة من خلال المعلم أو أي شخص يعرف الإجابة كأصدقاء الوالدين، أو أحد الأقارب، أو الرجوع برفقة الطفل إلى أحد مصادر المعرفة، مثل: “دعنا نحاول البحث عن الجواب في الانترنت، أو في الموسوعة”.
– تشجيع الطفل على البحث عن إجابات أو طرح تصوره للإجابة الصحيحة، كالقول: “ما رأيك أنت؟ لماذا قد يحدث هذا؟” وتشجيع محاولاته لإيجاد الإجابة وتحفيزه.
الحقيقة الثابتة أن الأطفال سيواصلون بحثهم عن مصادر أخرى للحصول على المعلومة مما قد يعرضهم لمعلومات مشوهة أو أخطار مختلفة، خصوصا حين تتعلق الأسئلة بالموضوعات الدينية أو الجنسية. وكذلك يؤدي تجاهل أسئلة الأطفال أو نهيهم عنها أو الاستخفاف بها إلى تطويرهم علاقات منغلقة مع الوالدين أو المعلمين، حيث يشعر الأطفال أن التواصل غير مرحب به، أو أنه سيجعلهم عرضة للسخرية أو الرفض.
الفضول والخيال هو أصل الإبداع والابتكار ، وهو بذرة التطور والحضارة ، فلنشجع أطفالنا علي السؤال ولنُعد أنفسنا للإجابة بالبحث والعلم فكل سؤال له إجابة ولا نتلاعب بعقول أطفالنا ..