في الجمال أقول
بقلم
حسام بدراوي
تاريخ النشر ١٩/٤/٢٠٢٣
التقت بي مجموعةٌ من الشباب، مُتعجِّبين من دوام تفاؤلي، ونظرتي الإيجابية إلى الأمور.
قال واحد منهم: “يا دكتور، حيَّرتَنا؛ كيف ترى كل شيء جميلًا بهذا الشكل؟ وكيف تحتفظ بابتسامتك في أحلك الأوقات؟”.
قلت لهم: سأركِّز إجابتي على مدخل الجمال، وتأثيره على سعادة الإنسان.
إذا فهمتم فلسفة الجَمال و تعلَّمتُم كيف تستخرجونه من كل شيء حولكم؛ ستكونون أكثر سعادة وبهجةً. وكل إنسان سعيد، سيطلق طاقة إيجابيَّةً حوله، والطاقة تتحوَّل إلى فِعلٍ وإنجاز.
علم الجمال هو فرع من فروع الفلسفة يتناول الدراسة والتحليل للجمال والفن وإبداعات الإنسان، فضلا عن تحديد خصائص الجمال ومعايير قياسه وتقييمه. ، ففلسفة الجمال، موضوعها الأساسي، هو معاينة العوامل والمؤثرات المساهمة في تشكيل الوعي الجمالي لدى الإنسان. هذا الوعي الذي لا يمكن اعتباره،، وعيا تلقائيا أو حدساً مباشراً و فطرياً، ،بل يحتاج الوعي الجمالي إلى تربية وتنشئة لأنه ليس ثمرة لإدراكاتنا الطبيعية والمباشرة التي تتشكل في احتكاكنا التلقائي والعفوي مع العالم.
صحيح أن لدينا القدرة على الانبهار ببعض المشاهد الطبيعية، مثل جمالية وردة أو شجرة أو غيرها. لكن هذه المشاهد الطبيعية، لا تتحول إلى قيم جمالية إلا حينما يتم تحويلها إلى أعمال فنية، وإلى روائع تخرجها من موجودات الطبيعة الخام، وتضفي عليها الحياة، و تضفي عليها قيمة من رؤية فنان.
ولقد إستخدمت منصات الذكاء الاصطناعى وأنا أعيد كتابة هذا المقال وأشارككم بعض التعريفات التي أرسلها لي الGPT ، بهدف زيادة المعرفة من ناحية وبهدف تحفيزكم لاستخدام هذا الذكاء عند تحضير بحوثكم وكتاباتكم.
قال لي الذكاء الإصطناعي عند سؤاله عن الجمال أن الفن هو التعبير الإنساني الذي يستخدم العديد من الوسائل والأساليب الإبداعية للتعبير عن الجمال.
وأن الاهتمام بالجمال هو الاهتمام بالجمال لأجل الجمال دون أي موضوعية ،أما الذوق فهو القدرة على تقييم وتمييز الجمال. ،وأن الوظيفة الجمالية هي القدرة على إنتاج الجمال من خلال الفن بأشكاله المختلفة أو العمارة أو التصميم أو الديكور.
ومن جهة أخري فإن الإبداع هو القدرة على إنتاج الأعمال الفنية والجمالية الأصلية، وأضاف أن الجمال الطبيعي وهو الجمال الذي يتجسد في الطبيعة والمناظر الطبيعية أما الجمال الاصطناعي فهو الجمال الذي ينتجه الإنسان من خلال الفن والتقنية.
ألكسندر جوتليب بومجارتن هو الفيلسوف الألماني ، الذي أدخل مصطلح «علم الجمال» ليصف به الدراسات الإنسانية لتعريف الجميل في الفلسفة الحديثة.
الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط، انتهى إلى القول إن الخبرة الجمالية لا ترجع إلى النشاط النظري الذي يقوم به الذهن، الذي يحدد شروط المعرفة في علوم الرياضة والفيزياء، أو النشاط العقلاني الذي يحدد السلوك الأخلاقي المعتمد على الإرادة، لكنه يرجع إلى الشعور باللذة الذي يستند على اللعب الحر بين الخيال والذهن».
وببساطة يا أولادي، إن الجمال سِمةٌ مُميَّزة من سِمات هذا الوجود، يتجلَّى في كل مكان، وهو نوع من النظام والتَّناغُم والانسجام ذو مظاهر وتجلِّيات لا حصر لها، فالدِّقة والرقة والتناسق والتوازن والترابط، ومظاهر أخرى كثيرة يشعر بها الوجدان، وإن لم يستطع التعبير عنها في أغلب الأحيان، وهذا يمثِّل درجتين مختلفتين من القدرات لدى الإنسان: قدرة الإحساس بالجمال، وقدرة التعبير عنه.
ولأن الإحساس بالجمال الخارجي والداخلي هو إدراك معرفي؛ فإنه يمكن تعلُّمه. أمَّا القدرة الأخرى للإنسان، والتي تعبِّر عن الجَمال وتُظهِره وتُبيِّنه، فهي القدرة التي يتمتع بها الفنان؛ مُصوِّرًا كان أو أديبًا، أو غيرهما من أصحاب القدرات الفنية المختلفة. وحيث أن العلم والتجربة قد أثبتا أيضاً أن هناك الكثير من المعارف والمهارات التي يمكن للإنسان تعلُّمها، خصوصًا في السِّنِّ الصغيرة، تُمكِّنه من زيادة قدراته في التعبير عن الجمال، فإن كل إنسان فنان بدرجة من الدرجات، ويبقى التفرُّد في الفنِّ للمواهب الخاصة التي ينفرد فيها إنسان عن الآخر.
كذلك فإن الشعور العام بالجمال ومظاهره، قد يتأثَّر بثقافة مجموعات البشر في مكان ما، ويؤثِّر على وجدان الفرد، فلطالما وجدنا هناك مقاييس نسبية لكل أُمَّةٍ بخصائص الجَمال وسِماته، والتي قد تتغيَّر في الأزمنة المختلفة لنفس الشعوب، وقد يشبُّ بعض الناس -بحكم ثقافتهم- على معايير مختلفة للجمال، فقد كان الإغريق يرون الجَمال في الشباب، وكان الرومان يرون الجَمال في الفخامة والنِّظام والقُوَّة، وافترض الفنَّانُ الإغريقيُّ أن الذَّكاء والعقل يكمنان في تناسُق الأبعاد، أمَّا فيثاغورس فقد عَرّف الجمال بأنه جوهر آليَّة التَّناسُق العددي التي تنطبق على أبسط الظواهر وأعقَدِها. وفسَّر العَقَّاد الجَمالَ بأنه حرية الحركة.
و في أفكار كونفوشيوس، كلما تحقق الانسجام بين الداخل والخارج، صار الشيء جميلا. وكأن تصوره للجمال، لا يخرج على تصوره لوحدة الوجود القائمة على إلغاء التناقضات بين الخير والشر، بين الألم والفرح وغير ذلك، التي تعكسها كل الفلسفات الروحية لبلاد الصين القديمة
وجَمالُ الموسيقى مثلاً -كجمال الوجود- يكمن في النِّسَب والعلاقات الرياضية، كما يكمن جَمال الكون في الانسجام الدقيق بين حركة الكواكب والنجوم. والفن في الحضارة الإسلامية قد عبَّر عن قيمة جمالية مُستمَدَّة من الأشكال الهندسية والألوان، فكان تعبيرًا عن روح جديدة وعقلية فلسفية لها طابعها الخاص.
إن الجمال هو نوع من الحرية في الوجدان، وأي مُفكِّر عاقل في تطوير التعليم عليه أن يضع مفهوم الجمال، كشيء يمكن إدراكه، ضمن اهتمامات المدرسة والمعهد التعليمي؛ لأن وظيفتنا -كما قلت- دائمًا هي بناء قدرات الإنسان، ويجب أن توضع له قواعد في النظام التعليمي الذي يُربِّي ويُعدُّ شباب مصر للمستقبل.
أيُّها السادة، عندما تتمزَّق الروح، وينفصل العمل عن المتعة، ويغيب الشغف والإلهام؛ تتفكَّك الوحدة والتَّناغُم، تكون الحاجة شديدةً إلى الجَمال وإدراكه أكبر وأكثر أهمية، ولا أعني بذلك دراسةَ الفن لذاته،رغم سمو هدفه، بل إنني آخذ ذلك إلى مَرامٍ أوسع، ليكون الجمال وسيلةً لاستعادة الوحدة المفقودة في المجتمع.
ودعني أيُّها القارئ الكريم آخذ الموسيقى كمَثَل؛ فالموسيقى هي أكبر الفنون تجرُّدًا عن الأهداف العملية؛ لأن وسيلتها في التأثير على النفس الإنسانية لا تخدم أغراضًا خارجة عن نطاق الفن، فليس شأنها -مَثلًا- شأن العمارة التي تُستخدَم في البناء، وتفيد في تحقيق أغراض أخرى ، غير مجرَّد إحداث البهجة الجمالية، إلَّا أنها في دراستها البسيطة تتبنَّى الإحساس والمعرفة بالتَّناسُق والتَّناغُم، وتصل إلى عِلم الرياضيات من مدخل الجمال والمتعة، وتكون مهارات ممارستها الدِّقَّة والإجادة والمثابرة والالتزام، فأنا لا أنظر هنا للموسيقى بشكل مجرَّد، بل كأساسٍ من أُسُس التعليم. كذلك الحال بالنسبة للكلمة، والتصوير، وأنواع الفن الأخرى، فلكل مدخل فائدة عامَّة وأخرى خاصَّة بنوعه.
إن النَّفس البشرية الذَّوَّاقة للجمال هي النفس القادرة على الإبداع والابتكار، ورؤية ما هو جميل، والبناء عليه.
إن طبيعة الإنسان، بدون التحريف الذي نفعله به في التربية الأُسَريَّة أو القبح الذي يحيط به أحياناً ، أو المناخ التعليمي، أو الإعلامي الذي يركِّز على السلبيات والأخطاء ، طبيعة هذا الإنسان ، تنجذب وحدها إلى كل ما هو جميل، وقد ورد عن رسول الله عليه الصلاة والسلام
“إِنَّ اللهَ جَميلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ” ، وقد شاءت قدرة المبدع الخالق سبحانه وتعالى أن يجعل من الجمال -في شتَّى صوره- مناطَ رضا وسعادة لدى الإنسان. إن استساغة الجمال حقٌّ مشاع، حقٌّ للجميع، لا يحتاج الإنسان فيه أن يكون ذا مركز أو صاحب سطوة أو مال ليتمتع به.
ويقول الدكتور زكي نجيب محمود: “الإنسان العادي من جمهور الناس، إذا عرف في حياته الجارية كيف يفرِّق بين ما هو جميل وما هو قبيح فيما يحيط به من أشياء؛ فإن معرفته تلك تجعل منه إنسانًا أفضل، يفرق أيضًا بين الخير والشر؛ فالخير دائمًا جميل”.
الجَمال، مثله مثل السعادة، ، ينبع من قوة مُبدِعة قادرة، تثير الفكر والتأمُّل، وتفتح أبواب الإيمان واليقين. وإذا كان الاستمتاع بالجمال مُباحًا، فإنه أيضاً، مدخل إلى ارتقاء الروح والذوق، وسُموِّ النفس، وخلاصها من التردِّي والسقوط، ومحرِّك للفِكر كي يجول إلى ما هو أبعد من المظاهر الحِسِّيَّة فقط؛ فالجَمال -في الحقيقة ليس فقط سببٌ من أسباب الإيمان السَّويِّ، وعنصر من عناصره، بل هو أحد وسائله ، والقيم الجمالية الفنية في الكلمة كانت ، أو في التعبير ، أو السلوك، تحمل على جناحيها ما يُعمِّق هذا الإيمان ويقوِّيه، ويجعله وسيلةً للسعادة والخير في هذه الحياة.