الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / علي مقهي الحالمون بالغد “لا لأنصاف الحلول” حسام بدراوي

علي مقهي الحالمون بالغد “لا لأنصاف الحلول” حسام بدراوي

علي مقهي “الحالمون بالغد”
“لا لأنصاف الحلول”
حسام بدراوي
٣ مايو ٢٠٢٣ 
كتبت فى هذا المكان، جريدة «المصرى اليوم» بتاريخ يناير ٢٠١٧ مقالًا بعنوان «نصف الديكتاتورية.. ونصف الديمقراطية»، متأثرًا بقصيدة لجبران خليل جبران عن فلسفة النصف، ولم أدر أن ذلك ما زال فى ذاكرة الشباب بهذا الوضوح عندما حاورونى حول إمكانية خروج مصر من المأزق الحضارى التى تنجذب إليه!!.
قالت إحدى الشابات، قلت فى المقال منذ ٧ سنوات:
«هل نحن مستعدون للاختيار؟!، وهل نحن مستعدون للحسم الثقافى والاجتماعى والسياسى الذى لا يخدم فقط تنوير العقول ويغير شكل مستقبل البلاد ويلائم تطور البشرية، بل يكون صانعها؟، أم نريد نصف انفتاح ونصف انغلاق؟!.
هل نريد فعلًا قطاعًا خاصًا قويًا خالقًا لفرص العمل، أم نريد قطاعًا تملكه وتتحكم فيه الدولة وأجهزتها، أم النصف من ذلك والنصف من هذا انتقائيًا حسب الظروف والضغوط؟!.
هل نريد التخلص من الفقر وأن نكون أغنياء أم نريد المساواة فى الفقر لأننا فى النصف؟!.
هل نريد مجتمعًا مدنيًا قويًا وجمعيات أهلية فاعلة، يساند وينمى، أم نتفذلك فى قوانين تقتله فى مهده، وتمنعه بحجة البيروقراطية أحيانًا والأمن أحيانًا أخرى.
نحن فى النصف نريد ولا نريد.. وللأسف يتغير ما نريده حسب الأحداث كردود فعل وليس كمبادرات.
هل نحن دولة مدنية حديثة أم دولة دينية رجعية؟، كل ما يحدث أمامى يقول إننا فى النصف، فلا نحن دولة دينية بمعناها الكامل ولا نحن دولة مدنية بمعناها الكامل، فنحن لا نمنع تدخل الدين فى السياسة بوضوح بل نستخدم مفردات لغته فى الحكم، ونسمح بقوانين تمنع مناقشة ما هو إنسانى بحجة أنه إلهى، مع الدفاع والإيمان بأحاديث يرتكز على فلسفتها الدواعش وطالبان وأمثالهما فى بعض كتبنا التعليمية وفى الكثير من برامجنا التليفزيونية.
ننادى بالمواطنة وأفعالنا فيها تمييز سخيف بين المواطنين المختلفين فى الدين، ولا نقبل من يتجرأ أن يقول غير ذلك، نحن فى النصف.
نعمل الأيام والليالى، ونُكون اللجان، عبر الأزمنة لنخرج للعالم باستراتيجيات تحفظ حقوق الإنسان، ونُكلم العالم بشكل ونتعامل مع بعضنا بشكلٍ آخر، فلا نحمى المرأة من انتهاك حقوقها.
ندّعى الحفاظ على حقوق الإنسان ونتمسك بالمواطنة فى الدستور، ولا نتجرأ على رفع خانة الديانة من بطاقة الهوية تأكيدًا لأن هوية المواطن مرتبطة بالدين وليس الوطن.
ندّعى حماية الحريات، ونسمح بالحبس الاحتياطى بالسنين وبدون إجراء تحقيقات تستحق التحفظ على المتهم.
كلها أمثلة لواقع يمكن تعديله بجرة قلم، وبسرعة.
هل نحن دولة أمنية أم دولة مدنية حديثة كما يقول الدستور؟! نحن فى النصف.
فى السياسة يصبح الانطباع حقيقة حتى لو لم يكن لها برهان.. وكم من انهيارات حدثت فى الدول، جراء تقليل حجم انطباعات المجتمع السلبية على أمور قد تكون غير حقيقية ولكنها ثبتت فى الوجدان وكأنها الحقيقة (فلسفة حروب الجيل الرابع).
هل حقا نحترم حرية التعبير أم فقط نحترم حرية التعبير إذا أيدت النظام ولا نحترمها إذا عارضت بل نمنعها؟.. نحن فى النصف».
واستطردت الشابة السياسية قائلة: أليس ذلك ما كتبته وقلته لنا، بل نشرته بلا رقيب وقتها منذ ٧ سنوات!! وفى المصرى اليوم!!، هل تستطيع نشره الآن؟!.
قلت: سأجرب النشر مرة أخرى ونرى مساحة الحرية المتاحة، لكن إجابة سؤالك هى.. نعم يا ابنتى، أستطيع النشر، بناءً على مصداقية اكتسبتها عبر السنين، قبل وبعد يناير.. فى زمن مبارك وعهد السيسى وحتى فى سنوات حكم المجلس العسكرى ومن بعده الإخوان.
أنا أبنى ولا أهدم، وأنصح ولا أنتظر شيئا، وعليكم أنتم، صناع المستقبل، أن تُبحروا فى عواصف المتغيرات المحلية والدولية بالعقل ومراجعة الحقائق قبل الاندفاع إلى أخذ المواقف.
وعلى أجهزة عديدة فى الدولة، خاصة التى تتعامل مع المواطنين، الحذر فى التزيد فيما يظنونه حماية من الفوضى، لأنه أحيانًا ما يصبح سببًا فيها.
إن هناك عشر دعامات رئيسيًة يجب أن نسعى إليها لتحقيق رفاهة المجتمع، أفرادًا وأسرًا، ونرنو ونعمل على سعادة الناس، ونقضى تماما على الفقر والجهل والمرض والفوضى والظلم والفساد ولا نقف فى النصف، هذه التوجهات هى:
أولًا: الاستقرار على النظام السياسى لحكم البلاد، بما يسمح باختيار الأكفأ، والأكثر فاعلية بشفافية وقدرة على المحاسبية. وبشرط أن يتم ذلك بشكل تدريجى مخطط يتيح بناء قدرات المواطنين، وصنع مناخ سياسى حر يسمح بتوالد قيادات جديدة، وضمان مؤسسية الحكم وتداول السلطة بدون فوضى، وقطعية عدم السماح لفئة أو جماعة أو مؤسسة بإهدار الحريات أو الاستبداد بالسلطة.
إن البقاء فى السلطة السياسية بدون تداول يخلق الاستبداد مهما خَلُصت النيات، ويخلق النفاق والخوف مهما كانت شجاعة الأفراد.
ولا بد فى هذا الإطار تحديد هوية الدولة المدنية الحديثة وترسيخ مفهومها لدى الأجيال الجديدة بلا تراجع، وعلينا أن نغلق أوكار الرجعية والسلفية والتخلف، بعدما أُغلقت مصانعها فى المملكة السعودية بشجاعة.
ثانيًا: إحداث تغيير ثقافى وسلوكى فى وجدان المجتمع من بوابة التعليم والثقافة والإعلام ووضع سياسات واضحة للتعامل مع الشباب فى الفئات العمرية المختلفة، لبناء قاعدة واسعة من المواطنين تستطيع المشاركة الفعالة فى التنمية فيما بعد.
ويعنى ذلك وضع محور التنمية الإنسانية، شاملًا التعليم بكل أقسامه، والثقافة والإعلام والشباب والرعاية الصحية، فى ملف يمكن التعامل معه، وفيه، فى إطار متناسق لتحقيق ما نصبو إليه من خلق المواطن المصرى صحيح البدن والعقل، المتعلم، المُمَكَّن تكنولوجيًا، المستنير، المبدع، المسؤول، الفخور بتاريخ بلاده وهويته الثقافية، الشغوف ببناء مستقبلها، والمدرك لأهمية التواصل الإقليمى والعالمى، والقادر على المنافسة فى كل المجالات.
ثالثًا: إجراء تغيير هيكلى فى الاقتصاد المصرى بصحيح، بهدف تحفيز النمو واستدامته وتوازنه، مع خلق فرص التشغيل ورفع العوائق (فعلًا وليس كلامًا) من أمام الاستثمار الخارجى والوطنى لينمو الاقتصاد ويزدهر، وذلك للإسراع بتحقيق معدل اقتصادى يبلغ من 8 % إلى 10% فى المتوسط سنويًّا على مدى خمسة عشر عاما متتالية. وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا باستدامة السياسات، وإقناع الشعب بها، واحترام فلسفتها، دون تراجع أو خروج عنها بهدف جماهيرى سياسى قصير المدى ودون التوقف فى النصف.
رابعًا: الإصلاح الإدارى وتغيير نمط الحوكمة والرقمية فى كافة المؤسسات، مع تطبيق تدريجى للامركزية.
خامسًا: الحفاظ على البيئة من أجل الأجيال القادمة مع استدامة توفير الطاقة النظيفة والمياه لاحتياجات الشعب المصرى المتزايدة.
سادسًا: تطوير مؤسسى وفكرى لمؤسسات القضاء ومؤسسات إنفاذ القانون «الشرطة».
سابعًا: تحديد الدور المصرى فى صناعة مستقبل إفريقيا والشرق الأوسط والعالم واستراتيجيات تطبيقه.
ثامنًا: زيادة قدرات جيش مصر، عتادًا وتدريبًا وتصنيعًا للعتاد، وحمايته من الانخراط فى العمل السياسى والاقتصادى، حتى لا يوضع فى مواجهة الجماهير عند الإخفاق بدلا من أن يكون منقذها عند طلبها.
تاسعًا: تنمية دور المجتمع المدنى الفعّال وتنشيطه ودعمه واحترام حقوق المواطنين.
عاشرًا: التحكم فى نمو ونوعية وتوزيع السكان.
والسؤال هو: هل لدينا سياسات واضحة وتطبيقات ممكنة لكل ما ذكرت؟
والإجابة هى: نعم.. ولكن النقطة الفارقة هى فى التطبيق الناجز، والمحاسبية، وأن لا نعلق فى النصف. النصف هو أن نصل وأن لا نصل، أن نعمل وأن لا نعمل، أن نغيب وأن نحضر.. نصف طريق لن يوصلنا إلى أى مكان، ونصف فكرة لن يعطينا نتيجة، النصف هو لحظة عجز وليس إنجازا.
إن تراكم الخبرات وتداول السلطة سلميًا، بدون هدم ولا فوضى، هو الطريق الوحيد لاستدامة أى سياسة أو تطبيق.
إننى أستطيع أن أجزم أن مصر تملك من الإمكانات البشرية والكفاءات المهنية، والقوة الضاربة من شبابها المستعدين للتعلم والتدريب، ما يضمن لها فى عقد واحد أن تتبوأ مركزها فى طلائع الدول المتقدمة.
ولكن التحدى يكمن فى التطبيق، وهو ما يحتاج إلى الالتزام بالرؤية، والإدارة الكفء على كافة المستويات بدون تنازل عن تحقيق مؤشرات قياس للأداء معلنة بتوقيتات زمنية للمواطنين، ويحتاج إلى جرعة تفاؤل وإيجابية يصنعها بعض القرارات التى يراها ويحسها الشعب فيستعيد الأمل، وهو موضوع مقالى القادم.

التعليقات

التعليقات