علي مقهي ” الحالمون بالغد”
مازال الحلم ممكناً
بقلم حسام بدراوي
علينا أن نبني علي أكتاف ما يتحقق من إنجاز ، وليس علي رفات ما نهدم بعد كل مرحلة سياسية أو تغيير وزاري.
ليس معني ذلك أن لا نصلح المسار ، ونعدل التوجهات إن قَصّرت الوزارات أو حادت عن فلسفة رؤية التعليم 2030 التي يحب أن تتطور الي 2050بعدما لم تتحقق اهدافها مع دراسة لماذا لم يتم تطبيقها؟؟.
إنني أعلم أن الانتقال من الرؤية والسياسة إلى التطبيق يواجه دائماً تحديات ، وأننا يجب أن نواجهها، ونناقشها بالعقل والموضوعية، ونُفرق بين عدم القدرة علي تخطيها لعدم الكفاءة أو عدم الإيمان بفلسفتها ، أو عدم توفير الموازنة اللازمة أو *لسيطرة أصحاب مصالح إستقر الأمر لصالحهم في ظل نظام يتطلب الهدف الجديد ، تغييره وتغييرهم..
لقد أوضحت سابقاً وعلى مدى خمسة و عشرين عاماً، رؤية تكاملت بالدراسات المقارنة لتطوير التعليم فى مصر، وسياسات متعددة تحدد كيفية الوصول إلى تحقيق هذه الرؤية مبنية على خبرات مصرية وعالمية تراكمت عبر السنين، وإنجازات تحققت عبر عقود متعددة، ودروس مستفادة من نتائج سياسات مختلفة ناجحة أحياناً و مخفقة أحيانا أخرى، وأخذاً فى الاعتبار كل ما يحدث فى العالم حولنا، غرباً وشرقاً، وخبرات البلاد المختلفة التى نجحت فى تحقيق قفزات واسعة فى التنمية الإنسانية لشعوبها، والتى انعكست على قدرات هذه البلاد التنافسية، ونموها الاقتصادى، ورفاهة أفرادها.
إن رؤيتي لعبور التحديات اكاديمياً وسياسياً ، قد تكون أحيانا حالمة، ولكني مؤمن أنه بدون حلم ودراسة تموت الانسانية ومتأكد أيضا أنه إذا لم تتم استدامة تطبيق أى من السياسات التى اتُفق عليها عبر السنين فإننا سنكون قد أهدرنا فرصتنا لإنقاذ مستقبل البلاد، كما نحلم ونريد.
فى عام 2014 وبتكليف من الحكومة طلب منى وزير التخطيط قيادة مجموعة من أكثر من سبعين خبيرا لوضع رؤية مصر 2030 فى التعليم، وخلال 18 شهراً من العمل الجاد والمراجعة المدققة وإشراك خمسمائة ألف مواطن على صفحة مخصصة فى السوشيال ميديا لتبادل الرأي، تم وضع رؤية، تعبر كل كلمة فيها عن معان وأهداف واضحة. وحتى لا نكرر أخطاء الماضى انتقلنا فى هذه الرؤية ، إلى تحديد أهداف أساسية وفرعية لكل كلمة ومعنى، والمدة الزمنية لتحقيقها، والمسؤولية عن تطبيقها، ومؤشرات قياس نجاح التطبيق. وكنت آمل أن نعوض بهذه الرؤية الواضحة عدم استدامة الاستراتيجيات السابقة وتغيرها بتغير الوزراء.
وحيث إن الرؤية أُعلنت من رئيس الجمهورية فأظن أنها أصبحت تكليف للوزارات عليها أن تقدم وسائل تطبيقها وتُحاسب على إنجازها.
إن رؤية مصر 2030 فى التعليم تتكلم عن الجودة والإتاحة وعدم التمييز، وحوكمة نظام وإدارة للتعليم بشكل مؤسسى كفء مستدام عادل ومرن ، وعن التمكين الرقمي التكنولوجى للطلبة والمعلمين والأساتذة، والأهم أن الإستراتيچية واضحة في أهمية صياغة الوجدان وبناء الشخصية السوية، لمواطن يعتز بذاته، مبدع، مستنير، يقبل التعددية، ويحترم الاختلاف، يفخر بتاريخ بلاده وشغوف ببناء مستقبلها وقادر على المنافسة العالمية والتكيف فى كل المجالات..
إن ما حاولته الحكومة السابقة من توفير آليات الرقمية ودعم البيئة التكنولوجية، فى إطار التعميم التدريجى لهو توجه محمود ومطلوب، وعلينا أن نسانده وندعمه ونكمل مسارة الا أنه توقف لأنه لم يرتبط بفلسفة مستدامة بل بتوفير أجهزة ومعدات ينتهي وجودها بانتهاء صلاحياتها.
وما زال رأئي في أن الإستثمار في توفير الإنترنت في كل قرية ونجع ، هو إستثمار في التعليم..
وأضيف أنه بانتفاء الآثار السلبية لتجربة التقويم التراكمى لكل مرحلة تعليمية، فإنه من الممكن رفع عبء نفسى كبير من تعليق مستقبل الطلاب على امتحان الفرصة الواحدة، ويتيح لهم تكرار الاختبار من تعدد، ويتيح بعدالة تقويم تحصيل الطالب عبر فترة زمنية لمرحلة تعليميه شاملاً نشاطه وأبحاثه.
إننى راجعت مناهج رياض الأطفال و الصف الأول الي الرابع الابتدائى، القائم على المهارات الحياتية والتعليم من أجل المواطنة والذى أعده مركز تطوير المناهج و أراه مناسباً ومتجدداً ويستحق المساندة ولكنه يفتقد جدية تأهيل المعلمين ليتوافقوا مع مضمونه .
أننى أعلم أن الانتقال من الرؤية والسياسة إلى التطبيق يواجه دائماً تحديات جديدة، وأننا يجب أن نقف أمام هذه التحديات، نواجهها ونناقشها بالعقل والموضوعية، ساعين إلى تخطيها وصولاً إلى النتائج المرجوة منها،
وعلينا أن نتشارك مع المجتمع فى فهم هذه التحديات، والثبات على هذه السياسات حتى يمكن الانتقال من المكان الذى نقف فيه إلى المكان الذى نقصده بتطوير التعليم.
إنني أعلم إستعداد الوزارة للمشاركة في وضع خطط التنفيذ وبرامج العمل لتطبيق الإستراتيچية المعلنة بأطر زمنية محددة، وخطط واضحة للتمويل، ونظم صارمة للمتابعة والتقييم وتحديد المسؤوليات والمحاسبة ولكن الطريق الي جهنم مملوء بالنيات الحسنه كما يقال فلا زلت أري بيروقراطية تعوق مشاركة المجتمع رغم حسن النيات.
إننى أرى عدة أولويات لتخطى تحدى التطبيق ، أولها إعادة النظر في حوكمة وإدارة الوزارة المركزية نفسها و هيئة ضمان الجودة والإعتماد ، وأكاديمية المعلم ، وكليات التربية ، لتقوم بعملها كما كان مقررا لها في فلسفة إيجادها لتخدم حقيقة التطوير المنتظر…
إن الاختيار هو إرادة إيجابية، تعنى التنازل عن أولويات أخرى لصالح أولوية يراها المجتمع حاكمة، وهى أولوية التعليم وبناء الإنسان.
وأرجو أن نعى أن التوقف فى منتصف الطريق قاتل للفكرة وهادم للاستدامة وعلينا الحذر من ذلك.
إن الحكومة عليها تبنى حلفاء لها فى هذا التوجه والتسويق الإيجابى المحترف للاستراتيجية.
و الأخذ بمبدأ تحقيق حجم حرج فعال من التطوير والنجاح فيه، لإعادة الثقة بين المجتمع ومؤسسة التعليم مرة أخرى ، مما يستلزم الإعلان والتمسك بمؤشرات النجاح الواجب علينا الالتزام بتحقيقها وإشراك المجتمع من خلالها فى المحاسبة والتقويم للتجربة على المستوى
اللامركزى، والعام ، وكذلك تحديد هذا الحجم الحرج الفعال.
إنني أضع برامج تدريب المعلمين والارتقاء بمستواهم على كافة المستويات من الأولويات، والإستعانة بمقدمى خدمة التدريب من المجتمع المدنى، والقطاع الخاص ، مع الاعتراف بالحاجة إلى تنمية مؤسسات للتدريب، وإعداد شريحة واسعة من المدربين للقيام بهذا العمل، وهو الأمر الأكثر صعوبة، لأنه التحدى الإنسانى الأساسى فى عملية التطوير هو مهمة التربويين والخبراء .
إن كليات التربية، هى مصنع تفريخ المدرسين ومكان الإعداد الأول لهم، وهي مسئولية مشتركة بين الجامعات ووزارة التربية والتعليم، وهو ما يجب التركيز عليها بين التعليم والجامعات.. ولعلي هنا أذكر بأهمية الحماية التشريعية لكل أطر التطوير، خاصة فى حال تطبيق التطوير مرحلياً، أو وضع نظم تقويم تربوىة مختلفة ، أو التطبيق الرأسي في بعض المحافظات قبل الأخري.
لا أستطيع أن أنهى هذه المقالة دون العودة إلى دور المدرسة فى بناء الشخصية السوية للمواطن المصرى.. إنه بتوفر المعرفة وانتشار وسائل الحصول عليها بحرية فإن وجود الطلاب داخل إطار المدرسة سيكون هدفه الأول هو التربية من خلال المعايشة. إن كل ما سيكتسبه الطالب من مهارات القرن الواحد والعشرين، والقيم الأساسية للمواطن السوى الذى يرى الجمال ويحس به، هى مهمة المدرسة الأساسية فى المرحلة القادمة. إنها مهمة إدارة المدرسة ومعلميها، وهو الأمر الذى أسمع عنه الكثير ولا أراه تنفيذا إلا فى القليل.
إن ممارسة الرياضة والفنون والأنشطة، هى الجزء الأهم فى بناء الإنسان. وأود أن أرى وأقرأ كيف ستقوم الوزارة بتهيئة مدارسها لذلك، ونحن معها مجتمعا مدنيا إيجابيا.
لذلك أعود وأكرر أن ملف التعليم والثقافة والشباب هو ملف واحد ولابد له من رؤية مشتركة للاستفادة من ثروة البلاد من قصور الثقافة ومراكز الشباب، دمجا مع نشاط المدارس.
يبقى أربعة أولويات سأتكلم عنهم في المقالات القادمة ، وهم التعليم الأزهرى، الذى يضم ملايين الطلاب، والتعليم الفنى الذى يستوعب أكثر من خمسين بالمائة من أطفالنا إبتداءاً من سن الرابعة عشرة، ويمثل ضعفه أحد أسباب تأخر مصر فى تقرير التنافسية الدولية.. والتأخر غير المبرر فى التشريع الخاص بالإطار الوطنى للمؤهلات فى مصر والتعليم العالي الذي يستحق إهتماماً يتعدي الإنجازات المادية البنائية الي فلسفته القائمة علي الحرية الأكاديمية والإدارة الذاتية التي تعطي لكل جامعة مذاقها الخاص وإستقلالها عن السلطة السياسية و سأعطى هذا الملف شرحاً وافياً فى مقالة تالية.