علي مقهي الحالمون بالغد
“مصر دولة عظمي وتستحق”
د/حسام بدراوي بجريدة المصري اليوم
بعد إثنتي عشر سنة من يناير ٢٠١١ وبعد عشر سنوات من الثورة علي الحكم الديني للإخوان وقبلهم خمسين عاما من ثورة ٥٢….يطرح السؤال نفسه : هل يمكن تداول السلطة في مصر في إطار دستوري شرعي حسبما نحلم وحسبما أقر الدستور ، بدون وفاة أو إنقلاب أو ثورة ، وبدون التدخل لصالح السلطة الحاكمة ضغطاً أو منعاً مسبقاً لوجود البدائل ، أو الإصرار علي بقاء الأمر كما هو علية حتي لو لم تتحقق النهضة المتكاملة خوفاً من الفوضي ..
والإجابة نعم….ونعم يمكن ذلك..
لأن مصر عظيمة وتحمل جينات حضارة متراكمة ، وشعبها بكل ما يبدو عليه من صبر ، و مظهر خنوع ، قادر علي تغيير المسار في لحظات التاريخ الحرجة.
مصر تملك ثروة بشرية كبيرة في العدد، والقيمة، صغيرة في العمر ، فتية، هذه ثروة جبارة قادرة علي التعلم والتدريب واكتساب المعارف وخلق الفرص. هذه الثروه البشرية نقمة إذا تركناها للنمو العشوائي بلا تنمية مستدامة ، و هبة وفرصة، إذا أحسننا إعدادها ، وهو ما نملك أن نفعله وننفذه.
إن بناء الشخصية المصرية الواثقة من نفسها ، الفخورة بماضيها وحاضرها ، والتي تملك الأمل في مستقبلها في أيدينا، وعقد واحد من الزمان يغير الكثير..
هذه هي قوة مصر الكامنة ، وأمل مصر في مواجهة التحديات كلها واستخدام ما أعطاه لنا الله من فُرص وثروات.
نحن لدينا أكبر مخزون تاريخي من حضارة العالم، ما علينا سوي إظهاره والاستفادة منه سياحياً وثقافياً ليدر ثروة إقتصادية غير مسبوقة، لكننا نعلم انه لن يتأتي بدون الخدمات لزوار مصر وكفائة إدارة الطرق و المطارات والموانئ، ووسائل المواصلات بتدريب الموارد البشرية..
نحن لدينا شمالاً أجمل شواطئ البحر الأبيض وشرقا شواطئ البحر الأحمر التي لا مثيل لها.
نحن نملك أهم ممر مائي علي الكرة الأرضية، “قناه السويس” ،الذي يربط الشمال بالجنوب والشرق بالغرب ، حفرها أجدادنا بدمائهم وهو الممر المائي الذي يساند موقع مصر الجغرافي العبقري و من الممكن أن يكون ممر التنميه الرئيسي في البلاد.
مصر تملك ثروه من الغاز تحت أرضها وفي أعماق بحارها قد تكون من مداخل إقتصادنا المستقبلي بحدود لم تصل اليها من قبل.
مصر تملك ثروات معدنيه في أراضيها ، يتم إكتشافها الآن ولم نعرف بوجودها من قبل.
مصر تملك أكبر سوق تجاري في الشرق الأوسط نعم سوق مصر قوة تجذب الاستثمار وتفتح الآفاق ولكننا بعدم كفائة نادرة لا نجذب هذا الاستثمار ولا ننميه ..
مصر تملك شمساً ساطعة أغلب السنة ومصادر رياح معروفة وتستطيع إصدار طاقة نظيفة تكفيها بل وتكفي أوروبا أيضاً.
مصر تملك قوة ناعمة من الفن والثقافة والمعرفة علينا إعادة فتح الآفاق أمام إنطلاقها وإبداعها مره أخري. إن قوه مصر الناعمة كانت سبباً في تأثيرها الإيجابي علي من حولها وما زالت تملك نفس الإمكانات إذا رفعنا عنها القيود وأزلنا من أمامها المعوقات والرقابة الخانقة لحرية الإبداع.
مصر تملك مخزوناً حضارياً في چينات شعبها ، وقدرات كامنة في شبابها وشيوخها لا تحتاج لانطلاقها سوي للحرية وإحترام القانون، وتحتاج لجلي الصدأ من عليها بالتعليم والثقافة والفنون..
مصر تملك واحداً من أقوي عشره جيوش إعداداً في العالم، وتملك قوات مسلحة مدربة جيداً وأغلب عناصرها متعلمة تعليماً عالياً. مصر قوية عسكرياً ولو لم تكن ، لكانت ستكون مرتعاً لمن يهددها كما حدث حولنا في العراق وسوريا ولبنان و ليبيا و السودان .. طبعا كلنا نعلم أن العتاد والطائرات والصواريخ والأساطيل يجب أن يكون ورائها العقول والخبرات والكفاءة والقدرة علي إدارة المعارك واختيار وقتها ومكانها. العبرة في البشر وراء العتاد وأنا واثق أن قواتنا المسلحة تملك هذه المقومات والمقدرات وتعلم أهميتها وجدواها.
فنعم، نحن أقوياء عسكرياً و لكن لا يجب وضع قواتنا المسلحة في مواجة تحديات التنمية الإقتصادية وتحديات إدارة البلاد سياسياً بكل ما في ذلك من مخاطر ، فنفقد قيمتها في حماية البلاد ومساندة الشعب عندما يحين أوان ذلك..
كلامي ليس شعارات ، ولكنه كلام علمي وله مرجعية ومنهجية وممكن الحدوث. مصر قوية وستزداد قوة، وعلينا التكاتف سوياً لتحقيق ذلك .
إن استدامه تنفيذ المخططات التي يجب أن تكون معلنة، ولها معايير يمكن قياس إنجازها ، والتي تنشأ بالمشاركه بين حكمة الخبرة، وطاقة الشباب والقيادة الواعية يمكنها تحقيق ذلك مع الاستماع الي مختلف الآراء وتقديم البدائل من الخبراء.. علماً
بأن الإبداع والابتكار لا يحدث إلا في إطار من الحرية ويتوه في خضم الفوضي و يزول بالقمع ولإرهاب الفكري و الخوف.
إن أساس كل ذلك هو نظام الحكم السياسي.. فالسياسة هي مدخل تحقيق سعادة الشعوب وتمكينها من إمكاناتها وزيادة قوة الوطن..
ولأن رؤى المستقبل لأي أمة، متداخلة، فلا يمكن النظر إلى مصر المستقبل جزئيًا، بل لابد من أن تحوط رؤيتنا للإصلاح جوانبه كلها فى وقت واحد.
إن وظيفتنا الأولى هى بناء القدرات وتوفير الفرص، ونجاح سلطة إدارة المجتمع هو في ترك الحرية للأفراد للاختيار بين فرص متعددة.. بعدالة ونزاهة ومساواة في الحقوق.
إن القدرة على الاختيار هى موضوع الساعة وموضوع المستقبل، إننا نستطيع أن نجعل من كل فرصة أمامنا مشكلة وأزمة، وأن نرى ونكتشف فى كل أزمة تواجهنا فرصًا جديدة يمكن استثمارها والتنمية من خلالها، وسيعتمد ذلك على معالجتنا للواقع بكفاءة ، (كفاءة إدارة البلاد) .
إن الإصلاح المنشود تظهر قيمته التاريخية والمستقبلية عندما يصبح حقيقة مُفعَّلة، عندما يتم تنفيذه ليظهر أثره على المجتمع، وكما تتجدد الأفكار، يجب أن تتجدد الوسائل، وروح الإصلاح فى المرحلة الجديدة تحتاج إلى آليات جديدة.
ولقد قال أينشتاين، العالِم العبقري الفذ في تاريخ العلم،” إن المشكلات العويصة التي نواجهها لا يتأتى حلها بتطبيق نفس النهج الفكري الذى استخدمناه ساعة إيجاد مثل هذه المشكلات”..
إن ثروة مصر الحقيقية ، عبر التاريخ ، هي في مواطنيها ، ومن صنع الحضارة هم المصريين ، ومن بدأ التنوير في العصر الحديث في كل منطقة الشرق الأوسط هم المصريين، وخوفي وقلقي أن نفقد أهم كنوزنا ، وهي أطفالنا وشبابنا سواء بتطرف الفكر أو رجعية السلوك أو غياب القيم باستمرار الكبت السياسي و الإجتماعي والتدني غير المقبول في مستوي التعليم ، مهما كانت إنجازاتنا المادية .
لا أخفي عليك أيها القارئ أنني أري أحيانا كثيرة روحاً إنهزامية ، وخوفاً من مجرد إبداء الرأي ، وتردداً في طرح الأفكار وغياباً للثقة في مؤسسات الدولة و غيوماً حول الأمل في المستقبل.
أنا مؤمن أن هذا غير صحيح وغير صحي وأن مسئوليتنا هي طرح الأفكار وإعطاء البدائل بلا كلل ولا ملل ولا خوف ..وأن المجتمعات تتغير بدوام الضغط لإحداث التغيير في إطار الاحترام للدستور والقانون.
وعلينا ونحن نرسم طريقنا أن نضع في اعتبارنا إن الوضع السياسي و الإجتماعي والتقني في القرن الواحد وعشرين يبدو وكأنه فوز ساحق للتوجه الغربي نحو الليبرالية، ورأسمالية السوق وحقوق الإنسان في معركة استمرت قرابة أربع عقود بعد الحرب العالمية الثانية ضد الأيديولوجية الفاشية والشيوعية..ولكن ظهر لنا أن الليبرالية الغربية ، تحولت بدون وجود المضاد ، الي وحش كاسر يرسم خريطة إستعمارية جديدة وتعاني داخلياً من أزمات وجود ، وتحولات متقاطعة ، وفقدان للمصداقية.
ويبدو لي أن ثورتي تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية، هما الآن أعظم تحديات الجنس البشري منذ وجودة ، وأعظم فرصة له ولنا في نفس الوقت.
و يبدو لي كذلك أن إحتمالات دمج تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الحيوية، كما قرأت وسمعت ورأيت أخيرا ، قد يؤدي في المستقبل القريب الي خلق إنسان بقدرات فوق بشرية، مع إخراج مليارات الأشخاص من أسواق العمل ، وتقويض مزعج للحرية والمساواة.
بل يمكن لهذا التطور ، باستخدامات الذكاء الاصطناعى وخواريزميات البيانات الضخمة خلق ديكتاتوريات رقمية لم يعرفها البشر من قبل، مع تركيز القوة في أيدي نخب صغيرة عابرة للحدود التقليدية للدول بشكلها التاريخي، بينما سيعاني معظم مواطني العالم ، من الاستغلال أو يتم القاءهم في سلال المهملات.
نحتاج الي كفاءة أكبر في إدارة الدولة، و إختيار للأفضل ، وتجديد الدماء دورياً ، وإحترام العلم والعلماء ، فمصر عظمي و تستحق…..
——————————————
تعليقات علي المقال:
١-كم احسدك واتعجب من جينات التفاؤل التى مازالت تسرى بداخلك وآنا أقرا مقالك !! أتلفت حولى يمينًا وشمالًا لا ارى سوى الوجوه العابسة التى فارقت الفرحة قلوبها من جموع المصريين ،الحزن والخوف من الحاضر والمستقبل والفقر والمعاناة تحيط بهم فى دائرة مظلمة لا يعلم احد مداها ولكنك وبطاقتك الايجابية تبعث الامل داخلنا لنرى ان المستحيل ممكن دون كلمات رنانة لا جدوى منها ..تضع الخطوط العريضة البناءة بمنهج يقوم على اسس علمية متطورة تواكب العصر الحديث وتستنفر بداخلنا روعة وجمال وعظمة مصرناو التى يستحق شعبها الذى يحمل جينات حضارية متراكمة و قادر على تغيير المسار فى لحظات التاريخ الحرجة ،واساس كل ذلك كفاءة ادارة الدولةواختيار الافضل ..فالسياسة هى مدخل تحقيق سعادة الشعوب كما تقول دائما وانا اضيف عليها ان مصر تستحق ان تكون عظيمة طالما لديها رموز وطنية محبة لها مثلك 🌹
—————————————-
٢- كيف تُخرج من الظلام نوراً بهذه البساطة ؟ والعجيب رغم قولك ووصفك الدقيق لعدم كفاءه ادارة البلاد ، ، وكيف أن لدينا أكبر مخزون تاريخي من حضارة العالم، ما علينا سوي إظهاره والاستفادة منه سياحياً وثقافياً ليدر ثروة إقتصادية غير مسبوقة، لكنك أيضا ونعلم انه لن يتأتي بدون الخدمات لزوار مصر وكفائة إدارة الطرق و المطارات والموانئ، ووسائل المواصلات بتدريب الموارد البشرية..
وفي مكان آخر تقول “سوق مصر قوة تجذب الاستثمار وتفتح الآفاق ولكننا بعدم كفائه نادرة لا نجذب هذا الاستثمار ولا ننميه ، فمقالتك صادقة ورغم ذكرك السلبيات المزعجة إلا أنه بعد قراءتها احس بالتفائل والأمل، وهو ما احسست به بعد الاستماع لخطابك الرائع في افتتاح الحوار الوطني.
عندك حاجة مش عند الآخرين يا دكتور واقول قولي هذا وأتمني ان تتراجع عن عدم الترشح وتلبي لنا أملاً وتقود المرحلة الجديدة لتضع مصر علي طريق النهضة ..
——————————_
٣- معاك حق ،مصر دولة عظمي وتستحق
” و لقد جاءهم من الانباء ما فيه مُذدجَر ،
حِكمةُ بالغةً فما تُغني النُذُر “
أنت بسطت فأفهمت،
و لخصت فأحكمت،
وأشرت فوجهت.
و السائس ، مهما كان محنكاً ، قد يستطيع أن يأخذ الحصان الجموح،
طائعاً له ، إلى مياه نبع الحياة الصافي،
و لكنه لا يستطيع أن يجعل
الحصان………..يشرب.
ويبقى الدعاء:
اللهم اسقنا رشفة (من حرية و عدالة)
لا قيود و لا ظمأ ظلم بعدها.