الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / علي مقهي “الحالمون بالغد” .. مصر دولة ليبرالية ..

علي مقهي “الحالمون بالغد” .. مصر دولة ليبرالية ..

علي مقهي “الحالمون بالغد”
.. مصر دولة ليبرالية ..
حسام بدراوي
تكرر سؤالي في حواراتي في التلفزيون وبين الشباب عن التيار الليبرالي في مصر، وهل له وجود ، ولماذا لا يمثله حزب سياسي….
قالت شابة من الحالمين بالغد :
ما هو حقيقة الواقع الليبرالي المصري السياسي يا دكتور ، كيف تراه ؟
قلت: في الحقيقة أنني أري واقع المجتمع المصري ليبرالياً حسب تعريف الليبرالية علي عكس ما يظن الناس. ولكن تيار الاسلام السياسي السلفي المحافظ استطاع ان يجعل لبعض الأيديولوچيات معاني غير أصل فلسفتها فاصبح الليبرالي والتنويري والعلماني والمدني كلها تعني للانسان البسيط الذي لا يبحث ، موصوماً بأنه ضد الدين مع ان الحقيقة انه يمكن لكل هؤلاء ان يكونوا أكثر تدينا بالممارسة لمكارم الأخلاق وجوهر الدين وليس بالشكل الذي يفرضونه علي المجتمع. في رأيي أن ذلك كان وما زال هدفاً سياسياً وليس دينياً.
قالت : هذا رأي مختلف عن كثيرين يرون أن المجتمع المصري وجدانه يساري اشتراكي ديني النزعة.
قلت : دعيني أشرح وجهة نظري حول هذا الأمر، و ليري كلٌ منكم أين موضعه وفكره ، في التوافق من عدمة من هذا التوجه السياسي الاجتماعي الاقتصادي.
دعونا أولاً نُعَرٍف الليبرالية ثم نُحَكِم العقل .
اللِّيبرالية هي فلسفة سياسية تأسست على أفكار الحرية والمساواة ، فمن في المجتمع ضد الحرية والمساواه؟؟؟؟. يدعم الليبراليون بصفة عامة أفكاراً مثل حرية التعبير، وحرية الصحافة، والحرية الدينية ، والسوق الحر، والحقوق المدنية، والمجتمعات الديمقراطية، فمن من الأحزاب يقول غير ذلك !!!!!.
قال شاب آخر : كيف بدأت فلسفة الليبرالية؟؟
قلت :
برزت الليبرالية كحركة سياسية خلال عصر التنوير في أوروبا و رفضت الليبرالية المفاهيم الشائعة في ذلك الوقت من امتيازات وراثية، وحكم الكنيسة باسم الدين، والملكية المطلقة والحق الإلهي للملوك والحكّام.
غالباً ما يُنسب للفيلسوف جون لوك الفضل في تأسيس هذه الفلسفة باعتبار أن لكل إنسان الحق الطبيعي في الحياة والحرية والإختيار والتملك.
قالت الشابة:
ماذا تعني الليبرالية بعدم قبول حكم الدين للدولة، ألا تري أن ذلك قد يمثل حساسية اجتماعية في الوقت الحالي؟؟
قلت: أساس الليبرالية احترام معتقدات كل مواطنيها ، وأن الدين هو علاقة بين الفرد والله عز وجل ، وله قواعده وممارساته فلا يمكن للدولة ان يكون لها دين ولكن تكون دولة أغلبية مواطنيها لهم دين ، كالدين الإسلامي في مثل حالتنا، ولكن لبعض مواطنيها معتقدات مختلفة ومع ذلك فإن الكل له نفس الحقوق وعليه نفس المسئوليات تجاه المجتمع.
واحترام الدين وحرية العقيدة مبدأ ليبرالي أصيل بل وأؤكد انه مبدأ اسلامي اصيل علي عكس ما يُروج المتشددين. ولا يمكن في الدولة الليبرالية فرض دين علي الأفراد أو اجبار المواطنين علي اعتناقه.
قالت: تقصد ان الدين الاسلامي يحترم الليبرالية ؟
قلت ؛ يكفيني قول القرآن ” وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ”
وقال تعالي ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ”
وقال ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا”
اليس ذلك كله وغيره احترام لحرية المعتقد والتعددية!!
قال شاب آخر : علي ماذا تقوم الليبرالية؟
قلت :
تقوم الليبرالية على الإيمان بالنزعة الفردية القائمة على حرية الفكر والتسامح واحترام كرامة الإنسان وضمان حقه بالحياة وحرية الاعتقاد والضمير وحرية التعبير والمساواة أمام القانون ولا يكون هناك دور للدولة في العلاقات الاجتماعية، فالدولة الليبرالية تقف على الحياد أمام جميع أطياف الشعب ولا تتدخل فيها أو في الأنشطة الاقتصادية إلا في حالة الإخلال بمصالح المجتمع.
قال : اذن هي الديمقراطية!!
قلت : لا… ليست هي الديمقراطية فقط ، فالديمقراطية تؤكد سيادة الشعب عن طريق الاقتراع العام واحترام مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وخضوع هذه السلطات للقانون، مع حرية المعارضة السياسية، الديمقراطية وسيلة لتحقيق الحرية ولكن الليبرالية لا تقتصر في مفهومها على حكم الأغلبية فقط بل هي في الواقع تؤكد على حماية الأقليات ، بخلاف الديمقراطية بدون ليبرالية التي تعطي فقط السلطة للشعب وقد يؤدي ذلك الي الإخلال بحقوق الأقليات..
ويرى بعض الفلاسفة أنه من الممكن وجود ليبرالية بدون ديمقراطية كاملة أو حتى بوجود السلطة بيد حاكم فرد وهو النظام الذي يعرف بالأوتوقراطية الليبرالية.
قالت واحدة من الحالمات : قد تكون طبيعة المجتمع المصري كما تقول مؤمنة بالحرية والمساواة ولكن هناك عدم إتفاق في مسألة السوق الحرة، فما هي السياسة الاقتصادية في الليبرالية:
قلت: الاقتصاد الحر أو اقتصاد السوق هو النظام الاقتصادي لليبرالية الكلاسيكية ، وفكرة الاقتصاد الحر هو عدم تدخل الدولة في الأنشطة الاقتصادية وترك السوق يضبط نفسه بنفسه.
أما الليبرالية الاجتماعية وهي المفهوم الذي أعتنقه ، فهي تؤيد تدخل الدولة في الاقتصاد جزئياً، وتتخذ موقفا وسطا بين الرأسمالية المطلقة والاشتراكية حيث تسعى لتحقيق موازنة بين الحرية والمساواة و لكنها تحرص على تأهيل الناس للعمل، كما تؤمن بدور الدولة في توفير الحقوق الاجتماعية مثل التعليم والرعاية الصحية، وتتفهم دور الدولة المنسق والضامن للعدالة والمنظم .
قال الشاب : أفهمنا اكثر مفهوم الليبرالية الاجتماعية…
قلت: تسمى هذه الفلسفة أيضا ليبرالية العدالة الاجتماعية، أو الليبرالية الجديدة أو المعاصرة، أو الليبرالية الإصلاحية،أو ليبرالية دولة الرفاة ، وتعني شمولها لمفهوم العدالة الاجتماعية ، وهذا هو منهجي وما أؤمن به ، و هي تطور في الأيديولوجيا الكلاسيكية. وتقع الأحزاب الليبرالية الاجتماعية عادة في الوسط أو يسار الوسط في الطيف السياسي.
تشدد الليبرالية الاجتماعية على الحرية الإيجابية وتُلزم الدولة بخلق مناخ بناء قدرات الأفراد وتتيح لهم الفرص المتكافئة وتعتبر أن حق العمل وحق أجر مناسب على العمل لا يقل أهمية عن حق الملكية.
إنني أدعم الليبرالية الإصلاحية و اقتصاد السوق الذي يؤيد الملكية الفردية لوسائل الإنتاج لكني مع تنظيم الدولة للسوق بما يحقق التنافس الاقتصادي العادل وتقليل نسب التضخم وتقليل البطالة وتوفير الحق في التعليم والضمان الصحي وتوفير متطلبات حقوق الإنسان.
أي أن الليبرالية الاجتماعية الإصلاحية مرة أخري تقع بين الليبرالية الكلاسيكية والاشتراكية فهي ترفض الاقتصاد الرأسمالي المطلق الذي لا يحق فيه بتاتًا للدولة التدخل في الملكية الخاصة وتترك كل شئ يمس الإقتصاد الي ذاتية حركة السوق ، ولكن الليبرالية الاجتماعية ، بينما تؤكد حق الملكية الخاصة واحترامها بل وتدعو لتنميتها لوسائل الإنتاج خلافًا للاشتراكية ، إلا أنها تدعم حق الدولة في التدخل لتحقيق مصلحة الأقل انتفاعًا من الحرية الاقتصادية.
في نفس الوقت فإن هذا التدخل لابد له حدود و يحتاج فهما عميقا وايمانا بالدور الرئيسي للقطاع الخاص في التنمية والاستثمار وخلق فرص العمل، ليس كهبة من الحكومة تعطيه عندما تريد وتسحبه وتمنعه عندما تريد ،إنه حق فلسفي لحرية المواطن في الحركة الاقتصادية وليس إختياراً تفرضه الظروف. عندما يكون الإيمان بهذا المفهوم ناقصاً ، تزيد وتتضخم ملكية الدولة لوسائل الإنتاج بلا محاسبة وينتهي الأمر مثلما انتهت اكبر ايديولوجية يسارية في التاريخ في الاتحاد السوفيتي ،فقد سحبت الشيوعية حقوق الأفراد وقتلت المبادرة الفردية وتملكت كل وسائل الإنتاج ولم تحقق سوي المساواة في الفقر والفساد فسقطت وانتهت.
قالت الشابة : اذن ما هو خلافك مع الناصريين الذين يظهرون مرة أخري بصوت عالي في الحوار الوطني؟
قلت: أغلب الناصريين أصدقائي ، والعديد من أسرة عبد الناصر أحبائي ، ونظرا لأني لم اري وثيقة تؤكد توجههم الأيديولوجي في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين ، من حيث ملكية الدولة لكل ادوات الانتاج كأساس للإقتصاد ، فلا أستطيع أن أضع خطا فاصلا بينهم وبين الليبرالية الإجتماعية سوي دفاعهم عن القطاع العام بشكلٍ مطلق حتي لو أدي الي الخسارة وتدني مستوي المنتج .
قال الشاب : إذن بماذا تؤمن سياسيا وإجتماعيا يا دكتور ؟
قلت : انا مؤمن بالليبرالية الاجتماعية التي تضعني مسانداً للحرية الفردية في اطار القانون الذي ينظمها فلا تتحول الي فوضي ، والي كل ما تمثله الليبرالية الكلاسيكية من مدنية الدولة ، وتداول السلطة في إطار الشرعية الدستورية ، والمساواة وتكافؤ الفرص ، ولكني اعتقد في دور الدولة التنظيمي الضامن للعدالة الاجتماعية وفي ضمان حقوق الجميع في التعليم والرعاية الصحية .
انا ليبرالي إصلاحي بهذا المفهوم ، ووطني وعشقي هو مصر ، وأنتمي للبشرية عابراً للحدود ، وإيماني بالله عميق و يخصني ، وديني هو دين الحرية والعقل والحكمة والتسامح ومكارم الأخلاق ، وأحترم معتقدات الآخرين بل وأدافع عن حريتهم وحقوقهم.
أنا مازلت أحلم بغدٍ أكثر إشراقا، وما زلت أعمل له.

التعليقات

التعليقات