الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ -‏ من أين أبدأ؟‎

علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ -‏ من أين أبدأ؟‎

من أين أبدأ؟
بقلم د. حسام بدراوي
الأربعاء 1 مايو 2024
هذا مقال جامِعٌ، شاملٌ لأفكارٍ تَداولَتها حواراتى مع شباب الحالمين بالغد، ومع نفسى، وأسرتى، وفكرت «من أين أبدأ»، أجيب فيه عن أسئلة من الشباب والأصدقاء حول كينونتى، وبذور نسيج وجدانى؛ فنحن لا نُفكِّر فى الأغلب فى «لماذا نحن من نحن؟»، ولكن تساؤل الشباب جعلنى أعود إلى أيامٍ سبَقَت، وتاريخٍ لم يُكتَب، وأسباب أدَّت إلى وجود هذه اللحظة وهذا الإنسان.
«من أين أبدأ» قد يدفع كلَّ قارئ ليعود إلى نفسه ليعرفها أكثرَ، ويضع نقاطًا فوق حروف؛ فتَّتِضح معانٍ، وترتسم لوحةٌ أكثر تَكامُلًا؛ فلا شىء يأتى من لا شىء، وكلُّ حَدَثٍ فى تاريخنا منذ النشأة له بصمَة على «مَن أنتَ؟»، و«لماذا أنتَ من أنت؟»…
إن الأفكار، ما لم تُوثق، لم تُوجد؛ لذلك أحرص على نَشْر أفكارى، وتوثيق مواقفى؛ لعلَّ فيها فائدة لشباب وطنى وأولادى.
أعتقد أنه على القارئ أن يعرف نبذةً عن تركيبة الكاتب، أى كاتب، النَّفسيَّة والعقلية، وهل يربط الأفكار والمبادئ لديه نسيجٌ واحد؟ ولو كان، فما هى ركائزه التى يُبنى عليها هذا التَّناسُق؟.
قال لى صديقٌ: «ولماذا، ومن أين أتَت فكرة الحوارات مع الحالمين بالغد؟ وكيف تَوهَّج وجدانُكَ بمحبَّة الوطن، وزاد إيمانك بقدرة الشباب على الإبداع والابتكار؟».
كلُّها تساؤلات لم أُفكِّر فى صياغة الإجابة عليها، إلَّا بعد أسئلة الشباب. وجدتُ أن كتابة هذا المقال قد يكون مُناسِبًا لتبرير دوافع وتركيبة وجدان من تقرأون له وتستمعون إليه.
إن الأفكار، وكيفية انتشارها، وربطها بنظرية التطوُّر، أقوى من الجيوش. إن «الفكرة» حين يأتى أوان خروجها للنور، تصبح قوة جبارة، والعقل الواعى هو القادر على احترام الفكرة، حتى ولو لم يؤمن بها؛ لذلك خصَّصتُ بضع صفحات من كتابى الجديد «أنا والميمات» الذى تنشره دار المحروسة هذه الأيام للحوار حول الوعى وأهمِّيَّته، وللأفكار؛ وكيفية انتقالها من إنسانٍ لآخر، ومن جيل إلى جيل، ومن زمنٍ إلى زمن.
«الميم» بالإنجليزية (mem)؛ هو مصطلح يُقصد به فكرة، أو تَصرُّف، أو أسلوب ينتشر من شخص لآخر داخل ثقافةٍ ما، غالبًا بهدف نَقل ظاهرة مُعيَّنة، أو معنى مُتمثِّل فى هذه الفكرة.
يعمل «الميْم» كوحدة لحمل الأفكار الثقافية أو الرموز أو الممارسات، والذى يمكن أن ينتقل من عقل إلى آخر من خلال الكتابة، أو الحديث، أو الإيماءات، أو الطقوس، أو أى ظاهرة أخرى قابلة للتَّقليد يربط بينها صورة عامة. قد تكون الفكرة بسيطة، وقد تكون مُركَّبة. إن «الميم» نظيرٌ ثَقافى للچينات، فى أنها تُضاعِف نفسها وتتحوَّر وتتطوَّر وتستجيب للضغوط الانتقائية.
يقول الأستاذ العقاد إننا عندما نربط الأفكار بالأشخاص نَحرِمُ أنفسنا من الفكرة الجيدة حين تأتى من الضِّدِّ، ونتورَّط فى الفكرة السخيفة طالما جاءت من صديق.
والتَّاريخ يقول إن صاحب الفكرة الجديدة قد يُعتبر مُجرِمًا فى إطار ثقافى مُتزمِّت، حتى يُكتب لفكرته النجاح فيصبح للفكرة ألف أب.
ويقول ابن رشد إن الأفكار لها أجنحة، ولا يمكن كبح جماح انتشارها حتى لو أحرقنا الكُتُب التى احتوتها، أو قَتَلنا الإنسان الذى ابتكرها.
«الميمات» وعلاقتها بـ«الچينات»، وربط نظرية التطوُّر البيولوچية بتطوُّر الأفكار، وربط ذلك بنشر ما لدينا من أفكار، وتوثيقها، لتعيش وتتكاثر، هو موضوع هذا المقال مفصلاً فى الكتاب، أعرض فيه أفكارًا قد يقبلها القارئ أو يختلف عليها، ولكنها تستحقُّ الحوار.
على العموم، فإننى وجدتُ أننى قد لا أقتنع بفكرة، ولكنى لا أخاصم المفكِّر، وأعجبنى قول جاليليو: «من السَّهل أن تفهم أى حقيقة بعد اكتشافها، لكن الفكرة فى اكتشافها»، وقد يموت شخصٌ، وقد تنهض الأُمَم أو تتقوَّض، لكن الفكرة تستمرُّ فى الحياة؛ فالأفكار لا تنتهى صلاحيتها إن كانت تستطيع مواجهة الثوابت التى ترتاح لتصديقها العامَّةُ، وعلينا أن نفهم أنه يصبح للفكرة قوة عندما تستولى على وجدان الجماهير، أو يفرضها البعض بالتكرار فى أذهان الجموع… ولقد أصبحت هناك علوم فى كيفية فِعل ذلك فى العصر الحديث، وخلق حقائق ليس لها برهان، قد تنتشر وليس فيها صفات الصلاحية.
ولقد استوقفتنى مقولةٌ للبابا فرانسيس عندما كنت أبحث فى بداية كتابة هذا الفصل، عن نظرية التطوُّر لداروين، وعلاقتها بتطوُّر الأفكار يقول فيها إن «التطوُّر فى الطبيعة لا يتعارض مع فكرة الخلق؛ لأن التَّطوُّر يتطلَّب خلق كائنات تتطوَّر من الأساس».
مقالاتى وكتبى محاولات لدعوة المجتمع لاستخدام أفضل ما فينا كبَشَر، وما مَيَّزنا به الخالِقُ عن باقى خلقه، وهو «العقل»؛ لنشر أفكارنا.
وأعود إلى البداية ليعرف القارئ نبذة عن المؤثرات والشخصيات التى صنعت وجدانى كإنسان وكاتب وحكيم ومشروع فنان ووجَدتُ الحديث عنهم – ومعهم- يُوثِّق امتنانى لهذه الشخصيات، واعترافى بجَمالِهم، وجَميلهم، وتأثيرهم الإيجابى على حياتى.
أفكارهم وأفعالهم كانت أنوارًا أضاءت عقلى، ولما كتبتُ عنهم ازداد إعجابى بهم، وتقديرى وهم بدون ترتيب: على بن أبى طالب، ومحمد عبده، وخالد محمد خالد، والعقاد، وطه حسين، وزكى نجيب محمود، وإحسان عبدالقدوس، وخليل جبران… ومعهم آخرون، وبلا ترتيب.
هناك – مع هؤلاء- اثنان لا أضعهما فى القائمة؛ لأنهما فوق الوصف: محمد (عليه الصلاة والسلام)، ووالدى (عليه رحمة الله).
أركِّز فى كتاب «أنا والميمات» على ميمات القِيَم، وأفكارٍ تناوَلَتها حواراتى مع الشباب والأسرة، وتلقَّيتُ لومًا حادًّا من بعضهم عن مسؤوليتنا، كجيل أكبر، عن ضَياع الكثير من معانى هذه القيم، بثنائية تصرُّف جيلنا ومَن سبقونا مع قلب وفلسفة هذه القيم التى نتغنَّى بها، ونفاق المجتمع المتديِّن شَكلًا، والمتعصِّب أحيانًا كثيرة، متناقضًا مع قِيَم الأديان التى تحثُّ على السَّماحة والمحبَّة والموَدَّة والغفران.
اشترك فى الحوار بعضُ الآباء والأمهات، وكذلك الأطفال، ودخل فى الحوار أصدقاء يعيشون فى المهجر، والكلُّ قَلِقٌ على مستقبل مصر، وحريصٌ على نَسْج القِيَم الإنسانية فى وجدان أطفالنا وشبابنا، فى الأُسرَة، والمدرسة، والجامعة، ومسؤولية وُلاة الأمور عن ذلك وفيما وصلنا إليه من الخوف من ضَياع «الأَنْسَنَة» فى سعينا وراء «الرَّقمَنة».
أعود تكراراً فى أقوالى وبين أغلفة كتبى ومقالاتى إلى «ميمات» البهجة والسعادة، وأذكِّر القُرَّاء بالاختلاف بين المتعة والسعادة عِلميًّا لأنَّ إيمانى بأهمية الدعوة إلى أخذ سعادتنا بأيدينا، والتفاؤل بالحياة هو ما يجعلها أكثرَ بهجةً، فلا مانِعَ من التكرار لتتكاثر الفكرة وتنتشر، وهو قَلبُ نظرية «الميمات». فكلُّنا نستحقُّ أن نَسعد، ونُسعِد مَن حولنا.
أنا أسبح وأطير أحيانًا فى مقالاتى فى موجات من الحوارات التى تبدو فلسفيَّةً؛ فى كينونة الله ومحاولات تبسيط فهم الزمن، والمسافات، والأكوان المتوازية، وأعود فيها إلى الأرض فى حواراتٍ، وأصعد مع أفكارى لماهيَّة الوعى، وعلاقته بفيزياء الكَمِّ، وتبجيل العِلم والعُلماء.
أنهَى هذا المقال بعنوان ناقشته مع الشباب «هم مُسيَّرون ونحن مُخَيَّرون»، ألمس من خلاله رؤيتى عن قيمة العقل فى رَدْع النَّزعات الحيوانية فى النَّفس البشرية، فى مجتمعٍ طَغَت فيه ديكتاتورية ذكوريَّة لا تريد تَحَضُّرًا لنفسها بالتهذيب والتدريب، بل تريد مَحْوَ وجود الآخر -وهُنَّ نِصفُ المجتمع- بمنعهنَّ وتَسليعِهنَّ (جعلهنَّ سِلعَةً)، وتشييئهنَّ (جَعْلهنَّ شَيئًا)، بديلًا عن احترام لشراكة إنسانية معهن فى الوجود، ومعرفة بفضلهن فى نشأة الحياة

التعليقات

التعليقات