من يملأ الفراغ؟
بقلم حسام بدراوي
اعتمدت المرتكزات الأساسية لثورة یولیو ١٩٥٢على قيام أجهزة الدولة بلعب دور الوصى على أفكار الشباب ورؤاهم، وتدخل النظام وتنظيمه الشعبى الحاكم، أیًا كان اسمه، فى تحدید أهداف العمل مع الشباب، وتهمیش دورالشباب المنتمى لأى تیار أو توجه آخر له سیاسة معارضة أو حتى مختلفة. ولقد ارتبطت توجهات الحكم باستخدام الشباب لخدمة أهداف النظام السیاسى فى كل مرحلة، كما حدث فى عهدى الرئیس ناصر واعتماده على التنظیم الطلیعى لمنظمة الشباب، ثم الرئیس السادات وسیاسته فى دفع الإخوان والتیارات الإسلامیة لمواجهة التیار الناصرى داخل الجامعات، والتى انتهت باغتیاله بواسطتهم.
كذلك فقد تمت محاولات لم شمل الشباب، ولم تستمر، فى عهد مبارك أهمها تجربة «حورس» التى تبناها المجلس الأعلى للشباب والریاضة.
وبعد ذلك فى فترة حكم الإخوان عام ٢٠١٣ اعتمد تنظیم الإخوان على شباب الإخوان والسلفیین فى فرض سیطرة النظام الحاكم على الشارع من القریة إلى المدينة، وتبلورت حركتهم فى محاصرة مدینة الإنتاج الإعلامى والتحكم فیها، ثم محاصرة المحكمة الدستوریة ومنع اجتماع أعضائها، وفى استخدامهم حول القصر الجمهورى لمواجهة المظاهرات، وخلق شبه جیش نظامى موازٍ لجهاز الشرطة یفرض الطاعة ویعاقب المختلف عن أیدیولوجیتهم.
إلا أن هذه الرؤیة التى ظن أصحابها أنها كانت صالحة فى فترة الحكم خلال العهود الثلاثة لثورة یولیو، ثم عهد الإخوان، لم تعد صالحة الآن. فما یشهده المجتمع من تنوع حاد فى الأفكار والرؤى یمثل تحديًا خطیرًا فى حد ذاته، وفرصة فى نفس الوقت.
لذلك یصبح من الضرورى بلورة سیاسة عامة جدیدة للشباب تلتزم بها الدولة، وتشارك فى صیاغتها خلاصة عقول الخبراء بمشاركة جادة من الشباب، وبدون بلورة هذه السیاسة یصبح مستقبل تجربة مصر الدیمقراطیة فى خطر يصطدم بمجموعة من العقبات والتحديات:
یكمن التحدى الأول فیمن له الحق فى وضع سیاسة الدولة للشباب. نطرح على أنفسنا هذا السؤال المرتبط بالحق فى تغییر الثقافة القائمة على السیاسات الوطنیة للشباب، وأنه من الواجب استحداث ثقافة جدیدة قائمة على احترام تمثیل دور المجتمع المدنى بجمعیاته الأهلیة التى تستوعب العمل التطوعى، وأحزابه السیاسیة، وقطاعه الخاص بجوانبه الربحیة وغیر الهادفة للربح.
الأصل هو خلق قاعدة طبیعیة من الشباب تحترم اعتبارات الجدارة والكفاءة لتولى المناصب العامة بعيدًا عن تدخل الدولة المباشر فى التوظیف (إلا فى أضیق الحدود).
إن تمكین الشباب له معنى شامل لا یقتصر فقط على إتاحة حصص تمییزیة بل یتعداه إلى مناخ خلق الفرص (وظیفة الدولة خلق الفرص ولیس التوظیف)، وفتح أبواب التنافس الشفاف بین الشباب وعلى الدولة تهیئة هذا المناخ وتعزیز تكافؤ الفرص والمساواة. التحدى هو جمع أصحاب المصلحة سویًا. وقد تكون الدعوة الموجهة من السلطة التنفیذیة بمشاركة البرلمان والمجتمع المدنى بمعناه الواسع لهذا التجمع هى أفضل السبل لتكون سیاسات الشباب فیها حد أدنى من التوافق، ویُترك لكل حزب سیاسى التعبیر عن خصوصیته بالشكل الذى یراه طالما لا یتعارض مع الدستور والقانون.
التحدى الثانى یتمحور حول عدم جاذبیة موضوع وضع رؤیة وسیاسات عامة لكثیر من فئات الشباب التى أصابها الملل من كثرة الحدیث النظرى عن مشاكل الشباب والحلول اللازمة لها، خاصة فى ظل عدم إصدار دلیل مبسط عن العوائد المترتبة من تطبیق هذه السیاسة على جمیع فئات الشباب، وبلغة مبسطة تتلاءم مع احتیاجات كل شریحة منهم.
ویظن البعض أنه لا لزوم لوضع سیاسات دولة للشباب، لأنهم یمثلون ٦٠٪ من الشعب، فكل سیاسات الدولة موجهة لهم على أى حال.
ویتمثل التحدى الثالث فى تأصل ثقافة الاعتماد على الدولة، الأب والأم، التى تنفق وتدعم وتوظف وتضمن، وهو أمر أصبح غیر ممكن فى كل اقتصادات العالم ناهیك عن الدول التى تنفق أكثر مما تنتج.
التحدى الرابع هو تحدٍّ ثنائى، یتمثل فى قلة عدد الجمعیات الأهلیة الشبابیة المنوط بها مناقشة وتطبیق هذه السیاسات، إذا وُضعت، وعدم الثقة فى هذه الجمعیات القلیلة والتوجس من أى نشاط لها یحتوى الشباب، ومن ثم عدم تمویلها بالقدر الذى یسمح لها بالمشاركة.
كذلك یشمل هذا التحدى عدم وجود إطار تشریعى یسمح بمشاركة نشطاء الإنترنت والفاعلین فى المبادرات الشبابیة بصفة مؤسسیة بعیدًا عن ذواتهم الشخصیة.
التحدى الخامس هو عدم استدامة أى سیاسة فى مصر مدة كافیة لتحقیق أهدافها حتى فى إطار نظام حكم واحد، فالحكومات تتغیر فى ظل نظام واحد وتتغیر معها السیاسات.. مما یلزم عند وضع سیاسة للشباب وضع إطار یضمن استدامتها.
التحدى السادس هو مركزیة الدولة المصریة الشدیدة، التى تمنع أطراف الدولة من المنظمات والجمعیات والتشكیلات اللامركزیة من المساهمة الفعالة لخدمة الشباب، ومن ممارسة تطبیق أى سیاسة.
التحدى السابع هو صعوبة جذب والتفاف الشباب حول رؤية تتكلم عن التعددية واحترام الاختلاف وتبادل السلطة أمام الرؤى التى تستخدم الجهل والاحتیاج فى اجتذاب الشباب لأيديولوجیات دينیة أو دنیوية فى توجه أحادى الفكر ينتهى بالطاعة العمیاء وتصلب فى المواجهة.
وتكمن الخطورة أیضًا فى عدم تعود الأطراف المختلفة على وجود الآخر، وعدم تمثیلهم حزبیًا حتى یختار الشعب من بینهم، واعتمادهم على كثیر من الفبركة الإلكترونیة فى تشویه الآخر.
إدارة دفة العمل الشبابى بأنفسهم دون فرضها على القطاعات المختلفة للشباب.
إننا نرى ضرورة وجود رؤية كلية للتعامل مع الشباب، تنهض على أيديولوجية ومحتوى محدد المعالم لكيفية خلق الدولة المدنية الحديثة التى أقر بها دستور البلد، والتى يتمتع فيها الشباب بتكافؤ الفرص والمساواة بغض النظر عن انتماءاتهم السیاسیة أو الدينیة أو الفكرية.
إن تعمیم رؤية البلاد وسیاساتها مهم، ولكن وضع برامج تخدم فئات المجتمع وتتیح عدالة توزيع الإنفاق أمر حیوى.
لذلك علینا تحديد المرحلة العمرية التى نقصدها بالشباب، فمرحلة التعلیم الثانوى والتعلیم العالى، أى الفئة العمرية من ١٤ سنة إلى ٢٣ سنة، مرحلة لها خصوصیة، لأن الشباب موجود فى إطار مؤسسات التعلیم، ومن الممكن الوصول إلیه بشكل میسر. وهى مرحلة عمرية لها خصائصها المرتبطة بالنمو البیولوجى والاندفاع العاطفى والرغبة فى تجربة كل شىء. ولابد لهذه المرحلة من فكر تكون وزارة التعلیم الشريك الأساسى فیه مع الأسرة مباشرة أو عن طريق الإعلام.
أما المرحلة العمرية من ٢٤ سنة إلى ٣٥ سنة فهى مرحلة لها خصائص مختلفة، حیث يبدأ البحث عن العمل والاستقلال عن الأسرة وخلق أسرة جديدة، وترتفع فیها الآمال أو تحبط.
هذه المرحلة العمرية فى غاية الخطورة، فالفراغ فیها سیملؤه قطعًا شىء ما، والوصول إلیهم يصبح أكثر صعوبة لأنه سیعتمد على جذبهم إلى التنظیمات المدنیة، سواء كانت جمعیات أهلیة أو أحزابًا سیاسیة أو تجمعات جاذبة متطرفة الفكر تستخدم إحباطاتهم وكسوف آمالهم فى خلق الفوضى وعدم الإيمان بالشرعية ولا الدولة المدنیة الحديثة التى نسعى إلیها.
ولابد لهذه المرحلة العمرية من سیاسات ومشاريع، وتدريب وتجهیز وخلق فرص عمل وإعدادهم وتمويلهم لبدء أعمال ريادية تحقق لهم معیشة كريمة. هذه المرحلة العمرية تكون المواصلات العامة، والتعامل الكريم مع أجهزة الدولة، والسكن، وإمكانیة الزواج وخلق أسرة جديدة، هى المؤثرة علیهم.
وأخذًا فى الاعتبار كل ما سبق فیجب تحديد المجالات الرئیسیة التى يلزم فیها اتخاذ إجراءات لتمكین هؤلاء الشباب حسب خصائص عمرهم.
الرؤية:
تمكين شباب البلد من الوصول إلى كامل إمكاناتهم الذهنية والجسدية والروحية، ومن خلالهم تمكين مصر من تحقيق رؤيتها التنموية وإيجاد مكانتها التى تستحقها بين شعوب العالم.