الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ -‏ نظام ذكي ويتعلم ‎

علي مقهي “الحالمون بالغد”‏ -‏ نظام ذكي ويتعلم ‎

نظام ذكي ويتعلم
بقلم دكتور حسام بدراوي
أول ملامح للدولة في التراث الإسلامي بدأ بعد وصول النبي محمد عليه الصلاة والسلام الي المدينة، وتولي فيها السلطة الدينية والمدنية. كان يسكن المدينة قبائل مختلفه متحاربة ومتضامة ، ويسكنها أيضا قبائل يهودية وبعض المسيحيين وغيرهم.
وقد وضع محمد (ص) دستوراً مدنياً للدولة وكتبه ووثقه ووَقعت عليه القبائل المختلفة، و آخي فيه بين المهاجرين والأنصار كفئه موحدة من المسلمين ، وأعطي حقوقاً مدنية للجميع في الحرب والسلم، بغض النظر عن الديانة.
بوفاة الرسول، وامتداد المد الإسلامي الي الشام والعراق وفارس ومصر ظهر نموزج جديد للحكم حيث لم تتواجد بعد النبي زعامة ‏دينية، وأما الذي حدث بعد ذلك فإنما هو نوع من الزعامة ليس متصلا بالرسالة ‏ولا قائما على الدين. ولعل الدليل علي ذلك تولي معاوية بن أبي سفيان الحكم وقتله للمنافس له علي بن ابي طالب وأسرته رغم اعترافه بأنه أعلم منه دينياً، وأقرب الناس الي الرسول. ثم تولي يزيد إبنه، بعده حكم بلاداً امتدت من آسيا الي أفريقيا ، وقد كان معروفاً كشخصية بعيدة عن الدين شكلاً وموضوعاً، أي أنها كانت زعامة دنيوية تأكيداً،
و إنتقل الحكم الي شكل لا ديني، ولكنه يلبس لباس الدين ليؤكد سطوته.‏
لقد إنتقل الحكم في البلاد المفتوحة بالجيوش العربية الي ديكتاتورية باسم الدين، تنتقل السلطة فيها بالوراثة، ولا يُسمح فيها بالمعارضة، ولا يمكن فيها تداول السلطة الا بالثورات أو الإغتيالات للحكام حتي بين أفراد الأسرة الواحدة .
قد نظن أننا تخلصنا من الحكم الديني في مصر ، بثورة 30 يونيو ، وهذا وهم لأنه يمكن العودة اليه في أي لحظة ضعف مدني عسكري.
وبكل الاحترام لمؤسستنا العسكرية العظيمة فإنه يبدو من التجربة التاريخية أن التحول من سلطة الجيش العسكرية التي تحظي بمميزات القوه والنظام والطاعة والالتزام، وتأتي في لحظات إحتياج البلاد ، إلى المجتمع المدني مرة أخري، قد يكون صعباً جداً، إذا طالت الفترة الإنتقالية …
فالتحول من نظام الي الآخر يحتاج قيادة تتسم بالحكمة وهو ما ننتظره من الرئيس السيسي ولا يستطيعه غيره في الفترة القادمة وهو ما وعد الشعب به في بداية حكمة وصدقناه وما زلنا نصدقه..
أما نموزج الدولة الدينية العسكرية المشترك الصارخ والمعلن بفجاجة والمستمر هو إسرائيل وهي نموذج لا مثيل له في العالم الآن لانها تجمع كل شرور النظامين ويعلنون ذلك . .
أما لماذا نري أن مصر تحتاج حكماً مدنياً ، ديمقراطياً ، فذلك لأن تداول السلطة، والرقابة علي مؤسسات الدولة والتوازن بين السلطات هو الحامي للأفراد ولحقوقهم المذكورة في الدستور. إن إمكانية تداول السلطة تضع كل حاكم أمام لحظة تركه الحكم وحساب الجماهير، والقانون ، فيتعظ ولا يتغول علي الحقوق ولا يتسلط في الحكم ، وهو ما أعلنه الرئيس في بداية حكمه، في كل تصريحاته ، بعد إنقاذ البلاد من الحكم الإخواني الذي إذا تمكن من سلطة لا يتركها وقد يستخدم ادوات الديمقراطية كما حدث في حالة مصر للوصول للسلطة ثم الانفراد بها..
إن مصر تحتاج حكماً قوياً ليتمكن من وضع قواعد تحقيق النهضة في اطار زمني محدد قبل أن تُسكره السلطة المطلقة ويبدأ في الاعتقاد أنه الوحيد الذي يملك كل الحلول ، ويغني حوله نفاقاً كل المستفيدين من بقاؤه، علماً بأنه في لحظة التغيير ينقلبون عليه ، و يتبرأون منه وهو مشهد عاصرته وشاهدته عدة مرات.
نعم، هناك نظماً ديكتاتورية حققت طفرات تنموية، ولكنها الاستثناء، و يوتوبيا الديكتاتور العادل الذي برغم دوام حكمه لا تأخذه سكرة السلطة ويظن أنه فوق القانون غير حقيقية وغير ثابته.
من يقرأ التاريخ لا يتوه، ، والتاريخ يقول أن جميع النظم الديكتاتورية أو الفئوية مهما أنجزت في لحظات، فهي كمن يبني قصراً من رمال على الشاطئ، تنتهي في الأغلب إلى انتهاكات للحريات أو إنقلابات أو حروب أو ثورات أو إغتيالات تهدم ما تم إنجازه وتعود بالبلاد الي نقطة الصفر مرة أخري.
التاريخ يقول أنه لم يتحقق لدولة إنجازات حسابية كما فعل هتلر بألمانيا، فهو صاحب أكبر نهضة صناعية واقتصادية وعسكرية خلال النصف الأول من القرن الماضي إلا أن الوضع انتهي به وبدولته إلى الدمار.
وحتى بعد الحرب العالمية الثانية، المواطن الألمانى فى الشطر الغربى بعد الحرب هو نفس المواطن فى الشطر الشرقى، والمواطن الكورى فى الطرف الجنوبى هو نفسه فى الطرف الشمالى، إلا أنه تفوق بنسبة ١٠٠٪ فى الحالتين الغربية والجنوبية، وفشل بنسبة ١٠٠٪ فى الحالتين الشرقية والشمالية، رغم أن الچينات والعقلية واحدة هنا وهناك، عوامل النجاح والفشل واحدة، الموارد الطبيعية والثروة البشرية، إلا أن أسلوب الإدارة كان مختلفاً من كل الوجوه.
الأمثلة متعددة بين ما كان يظهر من قوة الاتحاد السوفيتي ثم انهياره، في أوروبا الشرقية والغربية، وبين كل ما كنا تقرأه عن حكم الرئيس تيتو وتقسيم بلاده وحروبها الأهلية غير الإنسانية، ونهرو الذي انتهي بالهند إلي أن تكون من القوى الكبرى في ظل ديموقراطية اختارها نهرو وديكتاتورية اختارتها الباكستان.
والأمثلة متعددة في أفريقيا التي استقلت بلادها وتحت حكم عسكري لأغلب أقطارها، انهارت اقتصاديا وانهزمت حضاريا، وانتشرت المجاعات والحروب الأهلية والفساد.
إننا لا نعتقد أن الشعب المصري، صاحب أول دولة في تاريخ الإنسانية، يرتضي الآن حكماً ديكتاتورياً ، فأجيال الحكام بعد ثوره ١٩٥٢ بلا استثناء إدعت الديمقراطية ومشاركة الشعب في الحكم رغم أن في قلب نظامها كانت فلسفة الحزب الواحد والنظام الذي لا يقبل تداول السلطة.
المقصود بدلالته أن حكم مصر يجب أن يتجه الي النموذج الديمقراطي بنظام رئاسي قوي يضبطه إمكانية تداول السلطةً. إنني أري الآن أن مصر تقف في مفترق طرق، و أن أهم ما في الدستور المصري
هو إقرار تداول السلطة وعدم السماح لأي رئيس منتخب بالحكم أكثر من مدتين فقط. هذا الدستور يجب أن يُحترم، وعلي الحكومة والشعب السعي لتطبيقه وتهيئة المناخ له، كما ورد في نص مادته الخامسة التي تقول : “يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الإٍنسان وحرياته، على الوجه المبين فى الدستور”.
هناك تراجع فى أهمية الأيديولوجية كإطار لتجميع المواطنين فى عمل سياسى أو حزبى. وربما يكون الاهتمام الأكبر للمواطن الان يتركز على فاعلية الحكم أى قدر الإنجاز و الاستجابة لمطالب المواطن بعض النظر عن الفكرة الأيديولوجية التى يتبناها النظام. ولكن من ناحية أكبر فإن تحقيق فاعلية للحكم ترتبط بوصول الأكفأ لمقاعد الحكم من خلال نظام يتيح ذلك، و يرتبط أيضا بأهمية وجود نظام الرقابة و المسائلة الجادة للحكومة، و تحديد فترات الحكم لضمان التجديد فى الفكر و حيوية الأداء. باختصار نرى أن الجيل الجديد للديمقراطية في الفترة الرئاسية القادمة يجب أن يركز على العناصر التالية:
– فاعلية الحكم
– كفاء الحكام
– الرقابة و المسائلة المستقلة عن السلطة التنفيذية
.نظام عدالة مستقل وفعال
-نظام تعليم وثقافة يتيح للمواطنين إختيار الأفضل.
ـ تطبيق كل مواد الدستور التي لم تطبق حتي الآن.
إننا في المرحلة السياسية القادمةً لابد لنا من البحث عن مبادرة جديدة للحكم ، بالإتفاق بين ما نحلم به من دولة مدنية حديثة وبين واقع القوة الحقيقية علي أرض الواقع حتي لا تُحرم البلاد من إمكاناتها الإنسانية ولا من مؤسساتها الفاعلة الوطنية، مبادرة تعطي للحرية مكانها و إحترامها بضبط العدالة الناجزة التي لا تسمح للحرية بالتحول الي فوضي، ولا بالتلاعب الإنتقائي للقانون. مبادرة تسمح لعموم الشعب بالإختيار الحر ، وتوازن حسن الإختيار بنظام برلماني متوازن له غرفتين ، يعطي المتعلمين والخبراء مكانة في مجلس الشيوخ تضبط مسار التنمية ، وتتلقي نبض الشارع من المجالس المحلية والبرلمان الواجب أن يكون أعضاءه ممثلين عن الشعب مباشرة في دوائره.
إن القوات المسلحة المصرية العظيمة تملك زمام الأمور الآن ، ولا يجب أن توضع سياسياً أمام مسئولية تحدي التنمية ، وتفقد قيمتها المرجعية في حالة الخروج عن الدستور والشرعية، أو الثورات الهدامة ، اذا استدعاها الشعب . لا يجب أن تصبح القوات المسلحه هي المسئولة أمام الشعب عن الأوضاع السياسية، وعلينا الحفاظ علي دورها في حماية مصر ضد أي عدوان ، وعلي حماية الشعب والدستور عند الإحتياج وتجديد وتنويع مصادر أسلحتها، والتدريب ورفع كفاءة أعضاءها باستمرار .
لذلك فلابد من إيجاد صيغة جديدة تحترم توازن القوي ولكن لا تهدر قواعد الدولة المدنية وهذا مايجب أن نسعي الي صياغته بمشاركة كل أصحاب المصلحة في المجتمع.
May be an image of 1 person and text

التعليقات

التعليقات