الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / علي مقهي الحالمون بالغد “نظرة متجددة لأركان الإسلام” حسام بدراوي

علي مقهي الحالمون بالغد “نظرة متجددة لأركان الإسلام” حسام بدراوي

نظرة متجددة لأركان الإسلام
بقلم د.حسام بدراوي
سألنى واحد من شباب الحالمين بالغد عن أركان الإسلام الخمسة، ومن أين أتت؟
قُلت له: إن ما اصطُلح عليه بـ(أركان الإسلام) لم يرِد فى النص القرآنى المُدوَّن بين ‏دفّتى المصحف، وهو أمرٌ كان غريبًا علىَّ.‏
لقد وَرد فى (لسان العرب) أن رُكن الشىء هو جانبه الأقوى.‏
السؤال هو: لماذا لم ترد أركان الإسلام واضحة منصوصًا عليها فى القرآن الكريم، ‏على الرغم من كونها أركانًا أساسية للدين؟! إذا كان القرآن الكريم يتألّف من نحو ‏ستة آلاف ومائتى آية، أفلا تستحق أركان الإسلام عرضها، أو تخصيص آية واحدة ‏لها أو أكثر من آى القرآن الكريم؟
إذا كان العمود الفقرى للإسلام ومصدر التشريع الأوّل هو القرآن الكريم، وهو الأكثر ‏موثوقية مقارنة بنصوص الأحاديث النبوية، فلماذا لم ترِد أركان الإسلام فيه ببيان ‏واضح، وهى مصادر قوة الدين؟
جاءت هذه التسمية- أركان الإسلام الخمسة- استنادًا إلى حديث شهير منسوب إلى ‏سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، عن طريق ابن عمر: (بُنِى الإسلامُ عَلَى خَمْسٍ: ‏شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، ‏وَصَوْمِ رَمَضَانَ) أخرجه البُخارى فى صحيحه، وكذلك مُسلِمٌ. وكما نفهم فإنه فيما عدا ‏التوحيد فباقى الأركان شعائر وليست مضمون فهم الدين.‏
بالمقابل، يوجد عشرات الأحاديث المنسوبة إليه، عليه الصلاة والسلام، ومنسوبة ‏لنفس المراجع، والتى لا تذكر البنود الخمسة كاملة، وتكتفى باثنين أو ثلاثة أو أربعة ‏منها فقط.‏
على الجانب الآخر، يعتقد عموم المسلمين الشيعة بأركان الإسلام الخمسة، لكنّ ‏الشيعة يُضيفون إليها ركن الولاية كأساسٍ لابُدّ منه لصحّة الدين، ومرة أخرى هى ‏إضافة سياسية للشعائر ولا تمس مضمون الإسلام.‏
فى قول منسوب لأبى جعفر فى كتاب الكافى: «بُنى الإسلام على خمس: على الصلاة ‏والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم ينادَ بشىء كما نُودى بالولاية، فأخذ الناس ‏بأربع، وتركوا هذه». يعنى الولاية (يعنى سياسة وحكم وسلطة).‏
كذلك ترد صيغة أخرى عن أركان ثلاثة للإسلام، صيغة تُسقط الحج والصيام من ‏الأركان الخمسة.‏
وعند بعض المسلمين الشيعة الإسماعيلية الدين يقوم على سبعة أركان، أو ما يُسمى ‏الأعمدة السبعة، التى هى: الولاية- الطهارة- الصلاة- الزكاة- الصيام- الحج- الجهاد.‏
نستنتج من ذلك أن إشكالية تحديد عدد أركان الإسلام، وتحديد ماهية هذه الأركان هى ‏إشكالية سُنية وشيعية أيضًا، ولا تقتصر فقط على مذهب بعينه.‏
أما المعتزلة فقد اتفقوا على أصول خمسة للإسلام هى: التوحيد، والعدل، والمنزلة ‏بين المنزلتين، والوعد والوعيد، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. وقد عمد ‏القاضى عبدالجبار، وهو أحد أعلام المعتزلة، فى كتابه (المُغنى) إلى اعتماد أصلين، ‏هما العدل والتوحيد، حيث أدخل ما عداهما فيهما.‏
وبالمنطق والعقل فإننى أرى الصلاة، على أهميتها، هدفها الإنسان وليس الله عز ‏وجل. الله لا يحتاج صلاتنا بل نحن الذين نحتاج الصلة به، قمنا بها بأى شكل من ‏الأشكال فى كل الأديان، فهى لحظات تواصل مع الله عز وجل، تبعدنا عن الماديات ‏وتثرى أرواحنا وتهذب نفوسنا.‏
يتّضح مما سبق أنّ ما يُوصف بأركان الإسلام الخمسة هو اجتهاد فقهى تمّ اعتماده ‏من ضمن عدّة آراء واجتهادات، لها ما يبررها فى نصوص القرآن الكريم.‏
الآن يأتى الاجتهاد والتطوير والنظر لكل الإنسانية وما تطورت إليه. فما الذى يمنع ‏وجود صياغات أخرى لأركان الإيمان الإسلامى، تلتزم بأولويات الحياة الحديثة مثل ‏العدل والحرية وحقوق الإنسان. الإنسانية والفطرة السليمة هما القاسم المشترك ‏الأكبر بين البشر بما يشمل المسلمين. لماذا لا نبحث عن المُشتركات الإنسانية ونلاقى ‏كل البشرية فيم اتفقت عليه وينادى به ديننا فى نفس الوقت؟ ولن نحتاج فى ذلك إلى ‏إلغاء البعد العربى الإسلامى.‏
المطلوب هو فهمٌ جديد يحررنا، نحن المسلمين، من قصور مزمن نعيشه، وعطالة ‏حضارية ألِفناها. ما الذى يمنع تأسيس الإيمان الإسلامى على أركان وأسس تتناسب ‏مع التطور، وتناسب حال العصر وطموح الإنسان والمجتمعات التى يعيش فيها ‏المسلمون وهى موجودة فى أصل وكلمات القرآن الكريم.‏
إن النصوص المقدّسة جاءت لتذكير الإنسان بفطرة الحياة والعدل والحرية، وهى ‏فطرة موجودة وسارية فى الناس، سابقة لزمن النصوص والديانات، ومفهوم التذكرة ‏والتذكير شائع فى القرآن الكريم: «فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ» ‏الغاشية.‏
وجاء فى حديث منسوب للنبى محمد: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق».‏
إنّ النصوص المقدّسة متفاوتة الصلاح والحُسن بنصّ القرآن الكريم نفسه: «وَاتَّبِعُوا ‏أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ» ‏الزمر.‏
واختيار الأنسب بدلالة مصالح الناس واجب وخير.‏
لماذا لا تكون أولوية الحياة من أركان الإسلام؟ وقد جاء فى نص القرآن: «أَنَّهُ مَنْ ‏قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا ‏أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِى الْأَرْضِ ‏لَمُسْرِفُونَ» المائدة.‏
لماذا لا يكون العدل من أركان الإسلام؟ والله تعالى يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا ‏قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ ‏لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» النساء.‏
ونلاحظ صيغة الأمر الإلهى فى «إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِى الْقُرْبَى ‏وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ».‏
لماذا لا تكون الحرية، بما يشمل حرية الاعتقاد وصولًا لحرية الإيمان والكفر، من ‏أركان الإيمان الإسلامى؟ وقد جاء فى القرآن: «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ ‏الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا ‏وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» البقرة.‏
إنّ إكراه الإنسان على الإيمان بعقيدة مخصوصة جاء فى مقام الذمّ قرآنيًا: «وَلَوْ شَاءَ ‏رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ» ‏يونس.‏
إذن بالمنطق والعقل أركان الإسلام ليست جملًا وبعض الأفعال التى اختارها الفقهاء ‏فقط، بل إننا نستطيع أن نضيف إليها من قلب القرآن ما يتوافق مع صحيح الدين ‏ويتفق مع البشرية وما تطورت إليه. فلا ننقص من الإسلام شيئًا مما فهمه السابقون ‏ونضيف إليه ما يوحد البشرية وكل الأديان فى مضمون متفق عليه وموجود لدينا فى ‏القرآن بوضوح.‏
لذلك فإنه بعد بحثى عن مرجعية أركان الإسلام الخمسة، فإننى بالعقل لا أرفضها بل ‏أزيد عليها: الحرية فى الاختيار، العدل، الصدق، المساواة، فعل الخير.‏
وبالمنطق العكسى فإن الإسلام يرفض: الكذب والخيانة، عدم المساواة والاستعباد، ‏فعل الشر والأذى.‏
ومن يفعلها لا يدين بالإسلام الذى أعتقده، مثله مثل من لا يصوم ومن لا يحج ومن لا ‏يستشهد أو يصلى أو يزكى.‏
وكلنا نعلم أن هناك من يصلى ويسرق ويسب، ومن يزكى بيد ويرتشى بيد، ومن ‏يصوم شكلًا ولا يصدق فى قول ويغتاب غيره، وكلهم مسلمون أمامنا، وقد نعتبرهم ‏مستمسكين بأركان الإسلام الخمسة، ولكننا نعلم أيضًا أن حسابهم عند ربهم.‏
فلماذا لا نزيد من الأركان ما ذكره القرآن مرارًا وتكرارًا من أهمية الصدق والأمانة ‏والمحبة والعدل والمساواة؟
وأضيف أن الإحصاءات العددية فى القرآن الكريم تؤكد أن ذكر الله عز وجل قد جاء ‏‏٢٦٩٩ مرة، وأن أكثر الأعداد ذكرًا فى القرآن هو رقم واحد.‏
ورغم أن شهادة أن لا إله الا الله قد ذُكرت ٣٧ مرة، واسم محمد، عليه الصلاة ‏والسلام، ٥ مرات، فإن الصلاة قد ذُكرت ٦٧ مرة،
والزكاة ٣٢ مرة، والصيام ١٤ مرة، والحج ١٣ مرة. ولبيان وجهة نظرى فإن العدل ‏قد ذُكر ٢٨ مرة، والصدق ١٥٣ مرة، والحياة ١٤٥ مرة، والجزاء ومشتقاته ١١٧ ‏مرة، والمغفرة ومشتقاتها ٢٣٤ مرة، كذلك فقد نبذ الله الظلم ٢٠٠ مرة فى قرآنه ‏الكريم.‏
وقد لاحظت أن أكثر القيم الأخلاقية ذكرًا فى القرآن هى: الصدق، الأمانة، الشجاعة، ‏التواضع، الوفاء، الحياء، العفة، الحلم، الصبر، العدل، الإحسان، الرحمة، بر ‏الوالدين، صلة الأرحام، إكرام الجار، التسامح، الإيثار، التعاون على البر والتقوى.‏
ولعل ما ذكرته وبحثت عنه يجعل القارئ يوافقنى أن أركان الإسلام تتوافق مع نمو ‏حضارة الإنسان، ولا تتوقف على ما استخلصه السابقون فقط، وأنه من الممكن أن ‏تتشارك البشرية كلها، بل كل الأديان، فيها بلا حساسية ولا تعصب.‏
No photo description available.

التعليقات

التعليقات