الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / د. حسام بدراوي في عام 2024 / عن حسام بدراوي أقول .. بقلم د خالد فتحي من المغرب

عن حسام بدراوي أقول .. بقلم د خالد فتحي من المغرب

عن حسام بدراوي أقول…..‏
بقلم د خالد فتحي
من المغرب
أستطيع أن أقول، ودون كبير مجازفة، أنني لأول مرة أصادف سياسيا عربيا يطرق مواضيع غير تقليدية ‏وغير نمطية من التي يطرقها عادة السياسيون، مواضيع علمية شائكة يعرضها للرأي العام لتحيينه وجعله يتعرف ‏ويناقش مشاكل العصر التي تختلف اختلافا جذريا عما ألفه من مواضيع المتكلمة في الزمن الغابر التي يطرحها ‏عليه الأصوليون. ‏
ولقد ساعده في هذا أنه قد اجتمع فيه العالم بالطبيب بالأستاذ، بالتقنوقراطي، بالسياسي، بالمثقف، ‏والفيلسوف، وهو التركيب والتعقيد في سمات الشخصية التي نحتاج إليها في العصر الحالي لأجل مقارعة ‏التحديات والمخاطر التي تطوق من كل جانب الإنسان الحالي. وكنت قد استمعت للدكتور بدراوي في أحد حواراته ‏التلفزية، وهو يشتكي من تعدد اهتماماته التي منعته من التركيز والإبداع إلى أقصى مدى في مجال واحد، إلا ‏أنني، وإن كنت أحس بما يعانيه، لأني أيضا جربت نزرا من هذا الشعور، إذ المؤكد أن السياسي ظلم الطبيب ‏فيه، وأن الطبيب أعاق السياسي لديه، بل وأن كل جانب من جوانب شخصيته قد ظلم بقية الجوانب، إلا أني أرى ‏مع ذلك ان الموسوعية والشمولية في الفكر، هي ما ينقصنا اليوم في عالم شديد التداخل والارتباط بين المجالات ‏والاختصاصات. ‏
لذلك نراه لا يحجم عن خوض أشد المواضيع إثارة للجدل والخلاف كنظرية التطور بين العلم والأديان، ‏فهو يملك العدة الفكرية والشرعية العلمية لذلك، ولكن بمنهج توفيقي ومنطق صلب معتبرا أن العقل الجمعي ‏يتطور ومعرفته تتراكم، وبالتالي لابد من قراءة اجتهادية للنصوص على ضوء معطيات العلم الحالية، فالحق لا ‏يضاد الحق كما قد صدح بذلك ابن رشد، هكذا يعمل حسام البدراوي مبضعه التحليلي في كل شيء، ينطلق من ‏العلم أولا، ثم يعرض استنتاجه على النص، ولا يعدم تفسيرا نقليا لما توصل إليه العلم. وهو ينبه إلى أن بعض ‏التأويلات التي قد تكون أعلنت في الماضي من طرف رجال الدين إنما تم اعتمادها بناء على التحليل اللغوي الذي ‏لا يرقى في نظره إلى التفسير العلمي الناجم عن إعمال العقل. لا ينفي ضرورة الإيمان بالنصوص ولا يتنكر ‏قدسيتها، وإنما يريد أن يسدل عليها غطاء علميا، قد تتفق معه أو قد لا تتفق، ولكنك تحس وتعترف له بوجاهته ‏وصرامته العلمية والتفسيرية. وهو في كل هذا يعرض فكرته فقط، ولا يجبرك على اعتناقها، بل يريد أن يدفعك ‏دفعا إلى التأمل بدورك داعيا إياك إلى التفكير. يا لها من روعة وهو يشرح بأسلوبه السهل الممتنع البسيط أعقد ‏نظريات انشتاين عن علاقة الحجم بالسرعة، وكيف أن الجسم إذا تحرك بسرعة الضوء ينعدم وجوده الكمي، أو ‏وهو يشرح ما صار يسمى بالنانومتر وهو الجزء من مليون جزء من الميلمتر والبيكومتر الذي هو أصغر ألف مرة ‏من هذا النانومتر، وكيف أن هذه الوحدة المكانية المتناهية الصغر أدت إلى استكشاف الفيمتوثانية التي تمثل ‏مليون مليار جزء من الثانية. يبحر بك حسام البدراوي في يم أشد النظريات الحديثة تعقيدا وجدة وغرابة، والتي من ‏المفروض أن تقلب رؤيتنا للعالم. يشرح ويلخص بشكل سلس ميكانيكا الكم التي أوضخت أن الخاصية الجسدية ‏والخاصية الموجية شيء واحد فالجسم مادة وموجة أحيانا. ثم يلفت نظرك إلى أن هذه الاكتشافات العلمية لها ‏مضمون فكري وفلسفي بحيث تحيلنا مباشرة على مفهوم ازدواجية الوجود، وهو ما يحيل بدوره على الحقيقة ‏المزدوجة لابن رشد. ‏
ليس هناك كون واحد، وإنما أكوان متعددة متداخلة، ولكل كون قوانينه، بمعنى أن الحيز الواحد قد يكون ‏مشغولا بأكثر من جسم، ولكن من عوالم مختلفة. وبلغة علمية هي أقرب إلى الشاعرية أو إلى الصوفية يظهر لنا ‏حسام بدراوي كيف أن الكون ليس سوى عزف موسيقي وأنه يتصرف على نمط العزف على الأوتار، ثم يربط كل ‏هذه الفتوحات العلمية بكلمة كن فيكون باعتبار أن الله سبحانه قادر على تغيير الكون بتغيير النغمة فقط فيتغير ‏كل شيء بما في ذلك الخلق. ‏
بلا شك رجل استثنائي فريد في عالمنا. ‏

التعليقات

التعليقات