عن حسام بدراوي أقول…..
بقلم د خالد فتحي
من المغرب
أستطيع أن أقول، ودون كبير مجازفة، أنني لأول مرة أصادف سياسيا عربيا يطرق مواضيع غير تقليدية وغير نمطية من التي يطرقها عادة السياسيون، مواضيع علمية شائكة يعرضها للرأي العام لتحيينه وجعله يتعرف ويناقش مشاكل العصر التي تختلف اختلافا جذريا عما ألفه من مواضيع المتكلمة في الزمن الغابر التي يطرحها عليه الأصوليون.
ولقد ساعده في هذا أنه قد اجتمع فيه العالم بالطبيب بالأستاذ، بالتقنوقراطي، بالسياسي، بالمثقف، والفيلسوف، وهو التركيب والتعقيد في سمات الشخصية التي نحتاج إليها في العصر الحالي لأجل مقارعة التحديات والمخاطر التي تطوق من كل جانب الإنسان الحالي. وكنت قد استمعت للدكتور بدراوي في أحد حواراته التلفزية، وهو يشتكي من تعدد اهتماماته التي منعته من التركيز والإبداع إلى أقصى مدى في مجال واحد، إلا أنني، وإن كنت أحس بما يعانيه، لأني أيضا جربت نزرا من هذا الشعور، إذ المؤكد أن السياسي ظلم الطبيب فيه، وأن الطبيب أعاق السياسي لديه، بل وأن كل جانب من جوانب شخصيته قد ظلم بقية الجوانب، إلا أني أرى مع ذلك ان الموسوعية والشمولية في الفكر، هي ما ينقصنا اليوم في عالم شديد التداخل والارتباط بين المجالات والاختصاصات.
لذلك نراه لا يحجم عن خوض أشد المواضيع إثارة للجدل والخلاف كنظرية التطور بين العلم والأديان، فهو يملك العدة الفكرية والشرعية العلمية لذلك، ولكن بمنهج توفيقي ومنطق صلب معتبرا أن العقل الجمعي يتطور ومعرفته تتراكم، وبالتالي لابد من قراءة اجتهادية للنصوص على ضوء معطيات العلم الحالية، فالحق لا يضاد الحق كما قد صدح بذلك ابن رشد، هكذا يعمل حسام البدراوي مبضعه التحليلي في كل شيء، ينطلق من العلم أولا، ثم يعرض استنتاجه على النص، ولا يعدم تفسيرا نقليا لما توصل إليه العلم. وهو ينبه إلى أن بعض التأويلات التي قد تكون أعلنت في الماضي من طرف رجال الدين إنما تم اعتمادها بناء على التحليل اللغوي الذي لا يرقى في نظره إلى التفسير العلمي الناجم عن إعمال العقل. لا ينفي ضرورة الإيمان بالنصوص ولا يتنكر قدسيتها، وإنما يريد أن يسدل عليها غطاء علميا، قد تتفق معه أو قد لا تتفق، ولكنك تحس وتعترف له بوجاهته وصرامته العلمية والتفسيرية. وهو في كل هذا يعرض فكرته فقط، ولا يجبرك على اعتناقها، بل يريد أن يدفعك دفعا إلى التأمل بدورك داعيا إياك إلى التفكير. يا لها من روعة وهو يشرح بأسلوبه السهل الممتنع البسيط أعقد نظريات انشتاين عن علاقة الحجم بالسرعة، وكيف أن الجسم إذا تحرك بسرعة الضوء ينعدم وجوده الكمي، أو وهو يشرح ما صار يسمى بالنانومتر وهو الجزء من مليون جزء من الميلمتر والبيكومتر الذي هو أصغر ألف مرة من هذا النانومتر، وكيف أن هذه الوحدة المكانية المتناهية الصغر أدت إلى استكشاف الفيمتوثانية التي تمثل مليون مليار جزء من الثانية. يبحر بك حسام البدراوي في يم أشد النظريات الحديثة تعقيدا وجدة وغرابة، والتي من المفروض أن تقلب رؤيتنا للعالم. يشرح ويلخص بشكل سلس ميكانيكا الكم التي أوضخت أن الخاصية الجسدية والخاصية الموجية شيء واحد فالجسم مادة وموجة أحيانا. ثم يلفت نظرك إلى أن هذه الاكتشافات العلمية لها مضمون فكري وفلسفي بحيث تحيلنا مباشرة على مفهوم ازدواجية الوجود، وهو ما يحيل بدوره على الحقيقة المزدوجة لابن رشد.
ليس هناك كون واحد، وإنما أكوان متعددة متداخلة، ولكل كون قوانينه، بمعنى أن الحيز الواحد قد يكون مشغولا بأكثر من جسم، ولكن من عوالم مختلفة. وبلغة علمية هي أقرب إلى الشاعرية أو إلى الصوفية يظهر لنا حسام بدراوي كيف أن الكون ليس سوى عزف موسيقي وأنه يتصرف على نمط العزف على الأوتار، ثم يربط كل هذه الفتوحات العلمية بكلمة كن فيكون باعتبار أن الله سبحانه قادر على تغيير الكون بتغيير النغمة فقط فيتغير كل شيء بما في ذلك الخلق.
بلا شك رجل استثنائي فريد في عالمنا.