الأربعاء , 27 نوفمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / فلنغير ما بأنفسنا لنستحق الحياة بقلم حسام بدراوي

فلنغير ما بأنفسنا لنستحق الحياة بقلم حسام بدراوي

فلنغير ما بأنفسنا لنستحق الحياة
بقلم
حسام بدراوي
هذا حوار جديد ليس علي مقهي الحالمين بالغد ولكن في مقهي آخر .
دار تساؤل في ذهن طالب مجتهد في كلية الشريعة جامعة الأزهر وهو جالس علي قهوة” إحنا والعالم ” في حي الحسين مع زملاء وأصدقاء من الطلبة الوافدين من السودان وفلسطين وماليزيا والأقصر وباكستان وصديق عمرة المصري المتمرد دائماً
القهوة يرتادها شباب وكبار ، شيوخ وحكماء ومتمردين ومتشددين
كان الشاب الفلسطيني غاضباً و حزيناً لفقدانه كل أسرته في آخر هجوم إسرائيلي علي دير البلح في غزة وراح ضحيته أكثر من ألف من أطفال وشباب أهل قريته وقال لأصدقائه: أنا أشاهد إزدواج المعايير وتنكيس مبادئ الإنسانية ، وغض بصر الكثير من دول العالم الغربي للقسوة والقتل والعنف والظلم الذي يقع علي الشعب الفلسطيني لأكثر من نصف قرن من الزمان ، شئ لا يصدقه العقل، مش ممكن ربنا هايسكت علي الظلم ده
قال الشاب السوداني المبتسم دائماً : والله يا يا أخي ، ما نشهده في السودان علي أيدي السودانيين لا يقل قسوة عن ما يفعله اليهود في فلسطين
علق الطالب الباكستاني وقال : علي رأي المصريين كلنا في الهوا سوا
قال زميلهم الماليزي أنا متأكد إن ربنا سيتدخل ويمنع الظلم و يعيد الحق للمسلمين وينصرنا علي القوم الكافرين.
رد الجميع سوياً …آمين
نظر اليهم الصديق المصري المتمرد وعلق قائلا : أنا مش مصدق الهجص اللي بتقولوه ده… ربنا لا يتدخل ولا يعاقب ظالماً ولا يكافئ مظلوماً في الدنيا
صحيح العنف يولد عنفاً والقتل والإرهاب يخلق قتلاً وإرهاباً وتختلط الأمور فيصبح الجاني مجنياً عليه والقتيل مجرماً تستحق أسرته العقاب
وغياب الأمل يزيد من النزعة التي تدعو الناس الي الدعاء الي الله ليخلصهم من البلاء والغريب أن هناك من الجانب المعتدي من يظن أنه علي حق ويدعو نفس الاله لينصره علي الآخر
بمرور الزمن وتجدد الأجيال تختلط الأمور وتتداخل الأحداث ويُخلق واقع جديد تراه أجيال جديدة من المعتدين وكأنه حياتهم التي ولدوا فيها ويصبح المظلوم إرهابياً والمنهوب مجرماً
أراقب الدعوات و الإبتهالات العربية والإسلامية بإنتقام الرب و أخشي ادخال الله عز وجل في معادلة المكافآت الدنيوية بل الدعوة بالكوارث البيئية علي الظالم وتفسيرها تفسيرات عقابية الَهية.
قال الشاب النوبي بحماس: نعم يا أخي ، فالله يُمهل ولا يُهمل.
وأنا أثق أن الله لن يتركهم. ، ونعم قد تكون الكوارث البيئية عقاب من الله.
أنظر التاريخ البعيد والقريب ومدينة سدوم و عاموره وكل الملوك و الرؤساء الذى تكبروا وظلموا فى الارض وافتروا ، نالوا عقاباً ارضياً والشعب الذى استمال لهم خربت أراضيهم وضاعوا فى بقاع الأرض مطرودين….
قال المصري :
ولكن هناك نماذج عكسية أيضاً، فليس كل من ظَلم في الحياة أخذ عقوبة دنيوية و التاريخ ملئ بهم.
والقضية يجب أن تفكروا فيها بفلسفة معاكسة ، أي أن الانتصار في حرب لأن الله ينصر من هم علي حق ، أو أن يكون الفوز في رياضة مكافأة من الله هي نظرة إتكالية .
الفوز والهزيمة يا أصحابي مرتبط بالجهد والإعداد والعمل والتدريب ولا يجب أن نٌنسب لله في رأيي أى شر يقع في الدنيا فقد يكون خيراً ولا نعلم.
فلسفتي أن الله لا يخلق سوي خيراً.. وتساؤلي يمتد، هل الأوبئة والأمراض ظلم للإنسان أم توازن للخليقة، وهل الحرائق والفيضانات وسيلة للعقاب أم هي أيضا توازن تحتاجه الكرة الارضية…!!
قال احد الشباب بحدة وبعض الغضب:
أول مرة أسمع تعبير أن الكوارث لازمة لتوازن الطبيعة.!!
رد الشاب المتمرد قائلاً: إنّ الزلازل والبراكين والتسوناميات هي ظواهر طبيعية، تحدث بفعل تحرك القشرة الأرضية وما تحتها من صفائح أرضية، بسبب ضغط من تفاعلات الكتلة الملتهبة أسفل القشرة الأرضية، أو تمدّد وانكماش هذه القشرة نفسها، مما يُحدث هزات وكسوراً وانشقاقات. نعم ……هي توازن للكره الأرضية وهي نعمة من الخالق لبقاء الأرض حية وإلا انفجرت بما فيها.
فكرة أن ذلك مرتبط بعقاب البشر تحتاج إعادة نظر.
قال شاب آخر: إن الله يسمع ويستجيب ويُسرع لإنقاذ المظلوم لانه إله عادل .
فما تصنعه إسرائيل وأمريكا سيأتيهم بنقمة و ويلات العقاب كما إنني أرى أيضا أن الذى يود منع خيرات الله من الماء في أثيوبيا ليستحوذ عليها لشعبه سيلاقي ضربة غير متوقعة، ليست عسكرية ولكنها فوق توقعاتنا وفهمنا. و فكرة التحكم فى مصادر المعيشة التى خلقها الله ورسمها هو أمر يُظهر إستهانة بالخالق ،لذلك أيضا ننتظر عدالة السماء .
تدخل رجل يبدو رصينا وعرف نفسه انه أستاذ فيزياء وقال : إسمحوا لي بالتدخل في النقاش ، هل فكرتم لماذا عندما يحدث زلزال في اليابان بقوة تتعدَّى 6 درجات مثلًا، فإنه يجرح بضعة يابانيِّين، في حين يموت آلاف الباكستانيِّين عندما يحدث زلزال بنفس تلك الدرجة عندهم؟ إنه العلم والاستعداد والتنبؤ وليس التمني.
لا تستخفوا بالمنجَزات العلمية الإنسانية، ولا تستغلوا حدوث الكوارث، كمَدخل إلى استقطابات شعبوية تخاطب نزعات اتكالية .
يا أولادي، إن الدنيا ليست دار عقاب فالله يقول في القرآن وانتم كما هو واضح دارسين في الأزهر : {ولو يؤاخذُ اللَّهُ النَّاس بما كسبُوا مَا تركَ على ظَهرهَا مِن دابَّةٍ ولكن يُؤخّرهُم إِلى أجلٍ مُّسمًّى{ سورة فاطر الأية 45 }
إن علاقة الأعاصير والعواصف بغضب الله، هي كعلاقة نسمات الهواء العليلة برضا الله. فكلٌّ من الأعاصير والنسمات العليلة يُصيب الأخيار والأشرار والحيوانات والنبات ،فهل القحط الذي أصاب المسلمين عامَ (الرمادة) في عهد عمر بن الخطاب، كان غضبًا من الله على الصحابة والتابعين؟ وهل يصيب هذا القحط مجتمعات بعينها دون غيرها؟
هل النصر في الحروب إرادة ربانية أم جهد علمي وتنظيم إنساني؟
هل عدم إستغلال موارد أغني منطقة في العالم في الشرق الأوسط وأفريقيا ،أو حوكمة إدارة بلادها بالرغم من ثرائها ، و هل بقاءها في ذيل الحضارة الحديثة ،عمل انساني أم أمر الهي…
لقد أعطانا الله خيراته وبحارنا مملوءة بالطعام ، وأرضناً تعوم علي مصادر الطاقة والثروة ، ومناخناً يسمح باستغلال طاقة الشمس والرياح ، و، و ، و، ومع ذلك فإننا الشعوب المقهورة والمُستغلة والفقيرة ، أهذه إرادة الله أم إرادتنا ؟؟ !!!!
أيصح أن نبكي علي الظلم وعلي الهزيمة بدون جهد علمي نبذله وتفوق حضاري نسعي اليه!
قد يستشعر الإنسان في تأمُّله للكوارث الإنسانية و الطبيعية شيئًا من المعاني الروحية، التي تساعده على بناء نظرة أعمق للحياة، تستوعب آلامها ومعاناتها كما تستوعب جمالها وروعتها. ولكن النظام الكوني والخلق الإنساني الذي أبدعه الخالق، وحركة التطور الحضاري لا تَخضع للعواطف والمفاهيم الدينية . فالجميع خاضعون لقانون واحد ويقول عز وجل : “إن تكونُوا تألمُونَ فإنَّهُم يأْلمُون كما تألمُونَ وتَرجُونَ من اللَّهِ ما لا يرجُونَ{ سورة النساء الأية 105}
– يبدو أن النقاش جذب انتباه أغلب الجالسين في القهوة ،
فعلق واحد عرف نفسه كدارس للتاريخ وقال: أثناء بلاء مرض الطاعون الأسود (الموت العظيم)، الذي اجتاح أنحاء أوروبا 1347، وتَسبَّب في موت ما لا يقلُّ عن ثُلث سكان القارة ، كان خطاب الكنيسة يتجه إلى تفسير الكارثة، بأنها عقاب إلهي بسبب الذنوب والخطايا ،وهو استغلال للحدث لتحقيق هدف بيع صكوك الغفران.
إبتسم رجل آخر كان يراقب ويستمع للحوار في الطاولة التي بجانبهم بعدما علا صوتهم ، ويبدوا أنه سياسي محنك وقال: ولا ننسى أيضًا ما تخلّفه الأنظمة الدكتاتورية التي يمثلها بوضوح النظم السلطوية السياسية و الدينية والدنيوية من الضحايا والدمار، الذي قد يفُوق ما تُحْدثه العواصف والزلازل والبراكين، وغيرها ممّا نسمِّيه كوارث طبيعية مع أن الإحتلال والقهر للشعوب يحدث من ذوينا وليس من أعدائنا.
إنضم للحوار أستاذ جامعي آخر كان يستمع ويستمتع وقال: إن قوانين الطبيعة التي لا تفرق بين ظالم ومظلوم، فقد خلفها الله وجعلها تعمل تلقائيا لذلك هي لا تفرق بين عقيدة وأخرى ومؤمن وكافر …
أن الفيزياء الإلهية الطبيعية و منها تكوين العقل البشري و تنوع نشاطاته، و التي تُمكّنه من تأمل قوانين الكون و البحث والاختراع وتوقع الطفرات و المفاجآت و تعديل المعادلات، والاستعداد بالعلم والمعرفة هو من ينقذنا من الظلم وليس الدعاء والبكاء.
من ينقذنا من ظلم غيرنا هو تطبيق العدالة بيننا ، هو عدم ظلم مواطنينا بحسن إدارة شعوبنا وأؤمن ” إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ “
سكت الجميع ونظروا الي بعض وكلٍ منهم يفكر في هذا الحوار ويتعلم منه…

التعليقات

التعليقات