الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / كلمة د. حسام بدراوي في إحتفالية التعليم أولاً بعيد اللغة العربية

كلمة د. حسام بدراوي في إحتفالية التعليم أولاً بعيد اللغة العربية

اللغة العربية والهوية
بين الحكمة وجمال الكلمة والنغم
إن الهدف من تعليم اللغة العربية، ليس فقط محو الأمية شكلا، ولكن المضمون هو الإيمان بأن تعلم اللغة عظيم الأثر على كل مناحي الحياة في أي أمة، انها جزء أساسي من هويتنا ، إنها الوسيلة التي تنقل إلينا تاريخنا، وتوثق حاضرنا، وتنقل إلى الأجيال القادمة حضارتنا،
وليس الهدف كما قلت هو القراءة والكتابة فقط، فهو هدف ضيق قصير المدى، لكن علينا أن نفهم أن هذه اللغة هي وسيلة فهمنا لبعضنا البعض، إننا لا نستطيع أن نفهم أنفسنا ولا بعضنا البعض بدون التفكير، ونحن لا نفكر في فراغ، بل يفكر العقل بلغة ما، ويصور أفكاره لديه وللآخرين مستخدما الألفاظ والجمل والصور التي ترسمها اللغة وتنقلها من فرد إلى الآخر أو الاحتفاظ بها في الذاكرة ومن كل هذا تتكون الهويه.
إن تعلم اللغه الأم ،وأي لغة أخري في سن مبكرة يدرب الفرد علي التفكير المتعدد بين اللغات ، والمتعارف عليه أن الأطفال هم الأقدر علي تعلم لغات متعددة عن الكبار.. وحتي تترسخ في وجدان الطفل لغته الأم فمن الواجب أن يتم تعليمها علي أعلي مستوي، وقياس قدرات الأطفال علي الكتابة والقراءة والفهم من سن ثمانيه الي تسعه أعوام بإختبارات قياس علميه.
إن اللغة لحياة الفرد، ليست فقط أداة للتعامل، في المجتمع بل هي وسيلته للتفكير والحس، وهي وسيلته لنقل أفكاره والاستفادة من أفكار الآخرين.. وهي وسيلته في الفهم والتقدير، والتقييم ثم الاختيار من البدائل.
ا
والآن يدور في الأذهان ، وهل معني تعلم لغه ثانيه او استخدام المراجع الأجنبيه يهدد الهويه. وهل الصحيح ان لا يتعلم الطفل لغه أخري في مراحل التعليم الأولي….والإجابة القاطعة هي لا…تعليم لغة أخري لا يهدد الهوية ولا يهدد معرفة اللغة الأم إلا لو كان تعليم اللغة الأم ناقصاً وضعيفاً. إن الطفل يستطيع استيعاب لغات متعددة اكثر من البالغين ، ولا يجب أن نتمسح في أن تعليم لغة ثانية ستتغلب علي لغته العربية وتجعل تفكيره وهويته مرتبطة بأمه أخري. إننا كمن لا يريد دخول ميدان العلم مع الآخرين خوفاً من الهزيمة ونستحسن فوزنا بدون منافسة.
إن الهويه كما قلت مرتبطة باللغة ، ولكنها أيضا مرتبطة بالمعايشة في الفصل وبما يدرسه التلميذ من تاريخ وجغرافيه ، وبوجدان يتكون داخل المدرسة وفِي البيت مع الأسرة، وأمام شاشات التلفزيون ، ومن مخرجات الفن ، والآن من السوشيال ميديا كذلك..
والحقيقة أنني أتفهم تشتت الهوية ، لأن العقل الجمعي لأمتنا مشتت الهوية بين الفكر السلفي الذي يؤكد الهوية الدينية فقط ، والفكر القومي الذي يؤكد الهوية العربية والفكر الوطني الذي يؤكد الهوية المصرية بتعدد مصادرها.
وعلينا أن نكون أكثر واقعية عندما نناقش الهوية، والإنتماء والمواطنة ، لان غرسها في وجدان الطفل مركب ومتعدد المداخل،ولا يجب أن نغلق باب الإنفتاح علي الثقافات الأخري لأننا غير قادرين علي قيادة المداخل المتعددة لهويه الإنسان المصري فالتحدي عندنا ولابد من مواجهته بالعلم وتطوير تدريس اللغة العربية مستخدمين أدوات العصر وليس بالهروب والإنغلاق.
——————————————
تستهويني معرفة أصول وتعريف ما نردده من جُمل ، و تحليل الكلمات التي يتجادل أحياناً كثيرة حولها وفيها المجتمع وكلٌ يقصد معانٍ مختلفة ،أصدقائي في ذلك . وفي واحدة من هذه الحوارات ترددت جُمل وحِكم ، عبقرية تلخص أمور الحياة ، وتوضح في سطور ما قد يكتب عنه الآخرين في صفحات ، و لا يعرف الناس من أين أتت. جمل نقولها ونظن أنها عامية وهي لغة عربية أصيلة
و أشارككم بعضاً من أبيات شعر المتنبي يحفظها الكثير منها الناس ولا يعلمون أنها كلام من أشعر الشعراء ” المتنبي”
.
فالعبارة الخالدة “يا أمةً ضحكت من جهلها الأمم” لا تعدو كونها جزءاً من قصيدة للمتنبي كانت موجهة لحاكم مصر في عهده ، يهجو بها وضع أمة العرب قبل ألف عام ، ولكن وكأنها تقال اليوم…
“أغايةُ الدينِ أن تُحفـوا شواربكم
يـا أمةً ضحكت من جهلهـا الأمـمُ
و فيما يلي بعض الأبيات التي تحوي سطوراً ذهبية نعرفها جميعاً ولا يعلم أغلبنا أنها أقوال المتنبي مثل:
مـا كلُّ مـا يتمنـى المـرءُ يدركهُ تجري الرياحُ بما لا تشتهي السفنُ
و من قصائد أخرى نجد له :
“لا يسلمُ الشرفُ الرفيعُ من الأذى
حتـى يراقَ على جوانبـهِ الدّمُ”
وأبيات من حكمة الحياة مثل:
ـ ” إذا أتتـكَ مـذمتـي مـن نـاقـصٍ فهـي الشهـادةُ لـي بأني كاملُ”
ـ “من لم يمت بالسيفِ ماتَ بغيرهِ تعددتِ الأسبابُ و الموتُ واحدُ”
ـ “ذو العقل يشقى في النعيم بعقلهِ
و أخـو الجهالة في الشقـاوة ينعـمُ”
ـ “بـذا قضتِ الأيامُ ما بين أهلها
مصـائبُ قــومٍ عند قـومٍ فـوائِـدُ”
و من قصيدة يخاطب حاكم البلاد يقول:
ـ “يا أعدل الناس إلا في معاملتي فيـكَ الخصامُ و أنتَ الخصمُ و الحكمُ”
وكأنه يتكلم عن الفصل بين السلطات الذي نطالب به اليوم.
ويعبر عن حكمته قائلا:
“إذا ترحَّلْتَ عن قوم وقد قَدِروا ….
. ألا تفارقَهمْ فالراحلون همُوْ
“يا مـن يعـزُّ علينـا أن نفارقهـم وجـداننـا كــل شــيءٍ بـعـدكــم عــدمُ”
ربما كان المتنبي يعرف أنه سيُذكر بعد أكثر من ألف وخمسين عاماً على وفاته وربما للأبد، حين قال ونردد:
“إذا أنـتَ أكـرمـتَ الكـريـمَ ملكتَــهُ
و إن أنـتَ أكـرمـت اللئيــمَ تمـرّدا”
ويعبر عن كبرياءه وعزة نفسه وثقته عندما يقول :
“و ما الدّهرُ إلا من رواةِ قصائدي إذا قلتُ شعراً أصبح الدهرُ منشدا
أَنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها
وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ”
ويقول بذكاء الخبير بالحياة:
“إِذا رأيتَ نُيوبَ اللَيثِ بارِزَةً
فَلا تَظُنَّنَّ أَنَّ اللَيثَ يبتَسِمُ”
ويقول:
“إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ
فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ
فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ
كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ”
———————————-
وتعليقاً علي الحوار أرسل لي صديقي د. محمود حمزه العليم باللغة ، الشغوف بالأدب والشعر ، وشريكي في العمل مع التلاميذ والشباب في التعليم أولاً ، مشاركاً، قائلاً:
لم يكن المتتبي إلا تعبيراً حياً عن وضع المجتمع العربي فى القرن الرابع الهجري بكل مافيه من تشتت وانقسام وزيف ديني ربما نعاني منه حتى الآن، وبرغم رؤية المتنبي الشعرية التى صدرت فى أغلب الأحيان عن موقف أو مصلحة شخصية إلا أنه عبر بصدق عن حال أمتنا
العربية فى لغة دقيقة معبرة فاستحق شعره أن يملأ الدنيا ويشغل الناس.
أختم كلامي معكم بأن رجل الشارع والأمي غني قصائد لأحمد رامي وأحمد شوقي ، وأبو فراس الحمداني، وأحمد شفيق كامل، ومحمد إقبال ، وعلي الجارم، وابراهيم ناجي ، وبيرم التونسي، وحافظ إبراهيم وغيرهم، عندما غنتها أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحليم حافظ ، فالفن وسيلة رائعة لتعليم اللغة كما هي المدرسة فلا ننسي أن مداخلنا متعددة وعلينا أن نعمل عليها كلها.

التعليقات

التعليقات