أ. د. حسام بدراوي يكتب لجريدة الأزهر:
كيف ينجح التعليم فى محاربة ثقافة العنف وخطابات الكراهية؟
اخترت مدخل قد يكون مختلفا بعض الشيئ عن ما تعودنا عليه فى الكلام عما يجب أن نضعه فى مناهج التعليم أزهرية أو عامة، وكيف يمكن أن نطرح أسس مفاهيم حقوق الإنسان كما وردت فى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وكذلك وثائق الأزهر وأهمها تلك الصادرة فى 2011 ،وما ترتب عليها من إجراءات اتخذها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب لتطوير خطاب التعايش عامة وترويجه فى مصر والخارج، وتعزيز مناهج الأزهر بأفكار عن المواطنة والعيش المشترك. لكن الأمر مازال يحتاج إلى مزيد من الجهد والتركيز خاصة أن المؤسسات التعليمية عامة وأزهرية يقضي فيها الطفل والشاب من عمر 4 سنوات إلى 22 أو 23 سنة تقريبا وهو زمن ليس بالقصير من عمره، يتشكل فيها وجدانه وعقله. لكن للأسف بعد تخرج أولادنا من هذه المؤسسات التعليمية عامة وأزهرية تجد فيهم المتطرفين وغير القابلين لقبول التعددية التي هى واقع الحياة فى دنيانا، وغير المؤمنين بالمواطنة، التي هى أساس دستورنا، ما يجعل الكثير من وسائل التعليم ومناهجه تحتاج إلى تصحيح.
فى كتاب د.طه حسين الشهير »مستقبل الثقافة فى مصر« تحدث ،ً عن الأمية بجملتين اذكرهما جيدا حيث قال إن محو الأمية ليس محو أمية القراءة والكتابة ولكنها أمية القراءة والكتابة والفهم، لأننا لو محونا أمية القراءة والكتابة بدون فهم أصبح هناك من يقرأ وال يفهم، وأصبح عرضة لأن يتحكم فيه من يفكر. فالمسألة ليست قراءة وكتابة لكنها مسألة تتضمن عمق فهم، وقدرة على الاختيار، واتخاذ القرار، والتمييز بين الخطأ والصواب.. وهى الفكرة التي أعتقد أن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب انطلق منها ليبىن استراتيجيته فى تطوير تعليم أزهرى قابل للتعددية ومناهج معترفة بالتنوع، وهو ما لمسته بنفسي فى منهج الثقافة الإسلامية الذى قرره على طالب المرحلتين الإعدادية والثانوية وأشرف ًعلى تأليفه بنفسه ليتضمن دروسا واضحة عن المواطنة وحقوق المرأة ومناهضة أفكار المتطرفين، غير تنقية ما يتم تدريسه للطالب من محتوى الكتب التراثية المشروط للتعاطى معها الفهم وليس فقط القراءة والكتابة.
التعليم والعالم مسألة التعليم هى مسألة عابرة للحدود، فأسس التعليم واحدة فى جميع أنواعه، ولا يوجد شيئ اسمه تعليم مصرى أو عربى أو أجنبي، إلا فى إدراك أعمدة بناء الوجدان فالتعليم واحد لأنه يقوم على أسس واحدة والتطور يسير فيه على نفس النهج، لكن فى آخر 10 سنوات حدث شيئ لم يكن موجودا من قبل، وأصبحت التكنولوجيا فرضا رئيسيا فى التعليم فى العالم كله لأن التعليم يتغير تغيرات كاملة فى وسائله ووسائل توصيل المعرفة للطالب.
فقد أصبحت المعرفة متاحة للجميع وبدون تكلفة، فتغير دور التعليم من مجرد نقل المعرفة لأذهان الطالب إلى معايشة الطالب فى المدرسة والجامعة فالقضية لم تعد منهجا أن يتعلمه الفرد أو الطفل فى الكل يتكلم لأن على ما يجب إطار مؤسسة التعليم عامة أو دينية. للتعليم، ولكن نموذج للمعايشة داخل القرن 21 .مؤسسات التعليم، وهى مهارات لماذا قصدت هذا المدخل؟ لأنه يقول إنه من الممكن أن نطور التعليم ونستخدم وسائل التطور وننجح بشكل فائق، فيتخرج المبتكر والعالم والمبدع والعبقرى والشيخ المستنير، ولكنه فى نفس الوقت، قد يخرج المتطرف فى الفكر والعنيف فى الفعل. فألمسالة إذن ليست فى إدخال منهج لمنع العنف، ولكنها طريقة حياة داخل المؤسسة التعليمية الىت يخرج منها هذا ً على التمييز الشاب أو هذه الشابة قادرا بين الحق والباطل، وأن يعيش فى إطار يحترم حقوق اآلخرين من غير منهجية العنف الزائد الموجود فى المجتمعات الحديثة. إن صنع الوجدان يتم فى مؤسسات التعليم، واألسرة، واإلعالم، ومناخ الثقافة العامة والفنون. والتعليم اآلن ،ً ً مكتوبا ً وال منهجا نتفق أنه ليس تلقينا وإنما تتداخل فيه أمور جديدة مثل
اللعب والإلكترونيات واستخدام الإنترنت والوصول للمعارف غير المحدودة، وعلينا استغاللها لتحقيق أهدافنا من التعليم، وأهمها التفكير فى كيفية استخدام أدوات العصر لخلق الوجدان الذى يسمح بالتسامح وقبول الأخر والسلام مع النفس ومع الآخرين كما هو جوهر الدين الحنيف.
لقد أتت لى الفرصة خلال الثلاث سنوات الماضية أن أكون رئيسا للجنة التي قامت بتشكيلها الحكومة لوضع رؤية التعليم 2030 فى مصر، وأحب أن أشارككم معى فيها لأنه إذا لم يكن لدينا رؤية فبالتالى لن تكون هناك أى سياسات للتطبيق، وإن لم يكن لدينا سياسات دولة، تتراكم عبر السنين لتعطى رسالة بعينها، فستتزايد الكراهية ويزداد التطرف لأنه منهجية ثابتة للألسف حولنا وبدون توجه دولة لن يجدى مجهودنا نفعا.
رؤية التعليم فى مصر هذه الرؤية تقول: أن يكون التعليم متاحا للجميع دون تمييز بجودة عالية متاحا فى إطار مؤسىس كفء، وعادل، ومستدام، ومرن، ومرتكز على المتعلم ُمكن تكنولوجيا، ويساهم فى الم بناء الشخصية المتكاملة وإطالق إمكانياتها إلى أقىص مدى لمواطن معتز بذاته ومستنير ومبدع ومسئول، يحترم الاختلاف وفخور بتاريخ بلاده وشغوف ببناء مستقبلها وقادر على التعامل تنافسيا مع الكيانات الإقليمية والعالمية ، فالهدف ليس الحصول على شهادة أو مجرد تلقى العلم أو حتى الحصول على المعرفة لأنها أصبحت متاحة لمن يريد ولكن أصبح الهدف هو بناء شخصية متكاملة للمواطن.
والحكمة والخبرة تقول: إنه لا يوجد نظام تعليم يرتقى فوق مستوى معلميه، فلو أننا نتكلم عن منهج يدرس، وعن إدراك للحقوق يتم تدريسه للأجيال الحديثة، وصناعة مستقبل، وصناعة شخصية فيجب تركيز هدفنا على القائمين على العملية التعليمية من معلمين ومديرين لأنهم الميسرون لحصول الطالب على المعرفة فى المؤسسة التعليمية الدينية والعامة، فيجب أن نحدد هدفنا بالارتقاء بمستوى المعلم ومستوى التعليم معا.
الحكمة الثانية تقول، إنه لتحسين مستوى التعليم يجب تهيئة المناخ للمتعلم فاذا كان مناخ التعليم قبيحا وليس به جمال فال تنتظر من المتعلم ً لو أن يحب الجمال أو أن يصفو وأيضا كان المناخ مليئا بالكذب وانعدام الأمانة فلا يجب أن ننتظر من التعليم أن يرتقى لمستوى أعلى نظنه سيوجد وحده.
الحكمة الثالثة تذكرنا بالذى يفرق الإنسان عن سائر المخلوقات وما الذى أودعه الله فى اإلنسان يميزه عنهم؟ الإجابة هى الخيال والحلم وتراكم المعرفة. فلو سألنا أنفسنا من أكثر الناس الذين يملكون الخيال فى المجتمع نجد أنهم الأطفال، ففى مرحلة الطفولة الأربع سنوات الأولى هى الأهم فى سنوات الدراسة، بل وأقول إن التسعة أشهر الأولى، فى رحم الأم قد يكون لها تأثير، وذلك يدفعنا للتساؤل إلى أين نوجه خيال أطفالنا؟ لو تأملنا فيما نقدمه لأطفالنا لوجدنا أن العنف يملأه فأغلب الألعاب مليئة بالعنف، وأغلب الأفالم السينمائية مليئة بالعنف، حتى أفلام الرسوم المتحركة مليئة بالعنف فمن الصعب جدا تغير هذا الوجدان الذى غرزناه فيهم، وأن ننتزع هذه الرغبة فى الذات الجسدى بمجرد أن أسدى إليه نصيحة بأن يكون متسامحا، بل هى معايشة وتراكم خبرات.. نحن نريد إبداعا أكثر فى إدخال آليات تعمل على تقزيم رغبة العنف والتطرف.
إنها مسئولية الدول والحكومات والمجتمع المدنى، ويجب أن نظهر جدية حقيقية فى التعامل فى هذا الأمر. فبدون أن نفعل هذه المفاهيم الجديدة وندمجهم وطريقة عملها فى وسائل التكنولوجيا الجديدة فمن الصعب جدا أن نتوقع جيال جديدا أكثر إبداعا وأكثر عبقرية وأقل تطرفا.