الخميس , 21 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / بعد 25 يناير / لا توجد فى السياسة صُدف..

لا توجد فى السياسة صُدف..

لا توجد فى السياسة صُدف..
حسام بدراوي
كنا نشاهد أنا ومجموعة من شباب الحالمين بالغد ومجموعة من أصدقائى، ومنهم دبلوماسيون وخبراء، ثلاثة فيديوهات ترد على مزاعم إسرائيل بحقوقها التاريخية المزعومة، وعنصريتها وانتهاكها حقوق الإنسان، ليس فيها ولا منها للأسف مسلم أو عربى. (ومرفق بار كودز بهذه الفيديوهات).
وسأل شاب قائلًا: لماذا عندما يدافع المسلمون عن قضيتهم فى القدس يبدأون غالبًا بالهجوم على بعضهم ثم اتهام مصر، وعندما يدافع قادة الفلسطينيين عن قضيتهم يركزون ويتأولون ويتأوهون على غياب مصر بإبرام اتفاق سلام منفرد مع إسرائيل؟
قلت: ولا يكملون أن الكل كان مدعوًا لاتفاق شامل ولم يحضروا، وما كان ممكنًا بعد انتصار أكتوبر أصبح حلمًا بعيدًا اليوم. هذا الاتفاق أعاد سيناء إلى مصر بالكامل، وكان حل الدولتين فى متناول اليد، ورفضه قادة العرب وفلسطين.
قالت شابة: نحن فى النهارده، ألا يجب أن نقف مع حماس فى حربها ضد إسرائيل؟
قلت: التحدى الذى أجده أمامى يا بنيتى هو إيمانى بحق الشعب الفلسطينى ومأساة عموم أفراده من ناحية، وما أجد نفسى فيه من رفض طريقة مقاومة زعمائهم، وتوجههم لإيذاء الدولة التى وقفت عبر التاريخ معهم، مصر.
ينتابنى شعور متضارب من الأسى على انتهاك حقوق الشعب الفلسطينى ورفض تكرار عداء حماس فى كل مناسبة للشعب المصرى.
وساعات أتساءل: كيف استطاعوا أن يوجهوا سهامهم وطعناتهم إلى مؤيديهم بدلًا من أعدائهم؟
أنظر إلى النماذج الثلاثة التى أعرضها عليكم وأؤيد مضمونها، وأبكى على الظلم الذى يعانيه شعب فلسطين الذى تهدر حقوقه على أرضه. ولكنى لا أستطيع تأييد حماس التى أراها تتكسب من آلام شعب فلسطين.
لا أعرف كيف أشعر من هذا التناقض بين حقى وشعورى ورغبتى فى الدفاع عن بلدى من إرهاب وفوضى تريدها حماس وإخوانهم لمصر وبين رغبتى فى مساندة شعب فلسطين المنتهكة حقوقه بين مطرقة إسرائيل العنصرية وسندان قيادات حماس، الذين كلما حانت فرصة ضربوا فى مصر وتاريخها وشعبها وجيشها ولم يضربوا فى إسرائيل إلا شكلًا ليعطوها مبررًا لإيذاء شعبهم.
لكن فى النهاية علينا أن نقف مع حق شعب فلسطين المظلوم، ولا نأخذهم بجريرة قادتهم ولا القادة العرب عبر التاريخ.
وسأل شاب آخر: هل ترى علاقة بين الملء الثانى لبحيرة سد إثيوبيا وما يحدث فى فلسطين المحتلة فى نفس التوقيت؟
قلت: الحقيقة أن موعد الملء الثانى لبحيرة السد قد اقترب، ولا أستطيع أن أمنع تفكيرى من الربط بين البدء فى بناء السد أثناء ثورة يناير ٢٠١١ والفوضى التى تلتها، والتى ساعد وأنجز فيها الإخوان مخططًا مرسومًا، بتدخل حماس وغزوهم السجون. لا أستطيع أن أمنع ربط الأحداث ببعضها، وبعدها بعشر سنوات يبدأ الملء الثانى لبحيرة السد والذى لا رجعة بعده فى التأثير السلبى على مصر والسودان، وبين أحداث العنف الإسرائيلى فى غزة المبنى شكلًا على إلقاء عشوائى لصواريخ من حماس وتتحقق من ورائه أهداف نتنياهو فى البقاء فى السلطة ويتحقق لقادة حماس فوز فى انتخابات محلية، والكل كسبان على حساب الشعب الفلسطينى الذى تُهدم مبانيه فوق رأسه ويُقتل أبناؤه بلا رحمة.
هذا موقف يشغل مصر وجيشها والعالم وحكوماته فى أيام قد يبدأ الملء الثانى لبحيرة السد الذى كان ومازال لإسرائيل مصلحة كبرى فى إتمامه.
الخيوط تتشابك ولكن تلاقى الأهداف قد لا يكون صدفة.
ولا ننسى أن مصر ستظل هى الخوف الحقيقى لإسرائيل، ولم يوجد ولن يوجد سوى مصر أملاً للفلسطينيين، وسندًا للشعب المقهور.
فى السياسة، تعلمت أنه لا توجد صدف ولكن مخططات واحتمالات وحسابات وأهداف تتحقق..
الهدف النهائى، كما تعلمنا دروس التاريخ، هو فوز إسرائيل وتحكمها فى المنطقة، وإضعاف، إن لم يكن قتل، القوة الوحيدة التى تقف أمامها حضاريًا وهى مصر.
تدخلت صديقتى المحامية المثقفة قائلة: يومًا ما سيُكتب التاريخ الحقيقى لتطور الوجود الصهيونى فى فلسطين، وتأمين توسعات هذا الوجود وضمان سيطرته على منطقة الشرق الأوسط ومنابع النيل ودجلة والفرات.
ولعله تظهر أمام الأجيال القادمة مواقف قيادات وطنية عظيمة كانت لها رؤى أُلقيت عليها ستائر كثيفة من التضليل، مثل محمد على، والى مصر، الذى أمَّن حدودها ومنابع النيل وعقد الاتفاقات واشترى الأراضى وأرسل الحاميات العسكرية ومهندسى الرى المصريين وأحكم قبضة التصرف فى شريان حياة مصر فى إفريقيا، بل امتد التواجد المصرى الحاكم المسيطر إلى بلاد الشام والحجاز واليمن.
أما ضياع السودان، التى قال عنها النحاس باشا، رئيس حزب الوفد ورئيس وزراء مصر: «تُقطع يمينى ولا تقتطع السودان»، فهو قصة علينا فك رموزها، ولعل التنازل عن وحدة مصر والسودان كان ثمنًا لخروج الملك وتنازله عن العرش للثوار بضغط أمريكى، وهو أمر يستحق التحليل.
وفى عام ٦٧ ضاعت سيناء والجولان والضفة، وضاع قبلها الغطاء الذهبى للجنيه المصرى فى حرب اليمن. وبهذا اكتمل جزء مهم من المخطط الصهيونى فى المنطقة.
قصدت من هذا الكلام أن أمد الخيط التاريخى الذى تربط به، محقًا فى ذلك، بين أحداث يناير ٢٠١١ وانتفاضة ٢٠٢١ الحالية لكى نربطهما أيضًا بحقيقة الخيوط القديمة المتحكمة فى صنع واقع المنطقة منذ ثورة يوليو ١٩٥٢ وقراراتها المصيرية.
يا سيدى، المخطط الصهيونى واضح فى أذهان قيادات إسرائيل على مدى رؤيتهم للمائة سنة المقبلة، أما نحن فرهائن المحبسين: اللحظة الراهنة، وردود الأفعال المؤقتة.
وإلا أين هى، بربك، رؤيتنا الموحدة لمستقبل القضية الفلسطينية والشرق الأوسط ومنابع النيل ودجلة والفرات للمائة سنة المقبلة؟!.
قلت: قد يكون فى تحليلك جزء من الحقيقة ولكننا لا نعلم كل الحقيقة.. ومازلت أحب أن أتصور حسن نية قادتنا، مع أخذ الدروس من أخطائهم بحيادية.
وأضفت: أما من ناحية سؤالك عن غياب رؤيتنا أمام رؤية معلنة لبنى صهيون، واستدامتهم فى تنفيذ مخططهم، فمعك كل الحق.
كيف يمكن الوقوف أمام هذا التخطيط المترابط الذى لا يحيد عن الهدف؟
هذا موقف سياسى يا سيدتى يستدعى وجود سياسيين لهم فكر مستدام واقتناع، وصبر لا يحيد عن الهدف أيضًا، وهو الأمر الصعب هذه الأيام.
قالت: نعم عندك حق، هذا أمر يحتاج سياسيين مثل غاندى ونهرو ونيلسون مانديلا ومجموعة الوطنيين والاقتصاديين الذين كانوا حولهم.
إن أرحام الشعوب ولّادة للقادة يا دكتور، ولا يوجد شعب عقيم، ومصر بالذات جينات الحضارة فيها تظهر عند اللزوم، وهذا قولك فى كل مناقشاتنا.
عادت الشابة التى بدأت الحديث وقالت: نحن أبناء اليوم ونريد أن نعرف الموقف… هل سيبدأ الملء الثانى لبحيرة سد الخراب، وماذا نحن فاعلون؟
رد عليها واحد من أصدقائى الخبراء، وقال: ليس من المتوقع إنجاز العمل المطلوب حتى بداية موسم الفيضان فى نهاية شهر يونيو القادم.
قلت: هذا لا يغير كثيرًا من الوضع ولكن يؤجله لأسابيع.
يا شباب، نهر النيل هو روح مصر، والجفاف هو كابوسها. النيل هو القلب والدم والعمود الفقرى وشريان الحياة، وعندى الثقة فى قادة بلادى الذين يعلمون ما لا نعلم، وتقع عليهم مسؤولية رهيبة فى اتخاذ قرارات مصيرية فى هذا الوقت العصيب.

التعليقات

التعليقات