لنا الحق فى السعادة.. يا سادة
حسام بدراوي
فكرتُ ونحن مقبلون على أعياد الكريسماس ورأس السنة الميلادية فى البهجة الجمعية فى الأعياد، وعدوى السعادة من بعض الناس إلى الآخرين.. وقلت فى نفسى: تبًا للمتشائمين الذين ينشرون البؤس فى النفوس.
قالت شابة من الحالمات: نسمعك تقول إن چيناتك متفائلة، وتبدو مبتسمًا فى أحلك الأوقات، وكأن السعادة والتفاؤل أمور موروثة، فلا ذنب إذن على التعساء والمتشائمين، فقد وُلِدوا هكذا!!!.
قلت: يا أبنائى السعادة قرار، والتفاؤل ثقافة.
السعادة قرار إيجابى، ولها مقومات، إن لم نسعَ إليها قد لا نجدها. صحيح أن بعض الناس، وأنا منهم، يرون فى الناس أفضل ما فيهم، وفى الأحداث حولهم أجمل ما فيها. ولكن إن لم يكن الإنسان ساعيا للبهجة وطالبا للسعادة، فقد تمر الأيام ولا يراها، لأنه لا يبحث عنها.
والعقل الجمعى للأسرة وللمجتمع قد يخلق طاقة إيجابية، والعكس. هذا العقل الجمعى تحركه ثقافة المجتمع وقادة المجتمع وإعلامه وفنونه.
الحياة نعمة من الخالق، والبهجة بها شكر لله، وعلينا أن نتوق إليها ونتذوقها، فهى حق من حقوق الإنسان.
أما التفاؤل فى الحياة فهو شعور داخلى رائع، هو حالة من الارتياح التى يشعر بها الفرد لإيمانه بأنه دومًا هناك طريقة للخروج من المشكلات فى حال حدوثها.
أن نكون متفائلين يعنى أن نرى النور وسط الظلام، أن نشعر أنه رغم جميع التحديات والمصاعب والآلام لا يزال هناك الكثير مما نحبه فى الحياة، وهو جميل ويستحق أن نعيش ونناضل ونكافح لتحقيقه والوصول إليه.
قال شاب آخر: هل هناك فرق بين المتعة والسعادة؟
قلت: الفرق كبير، فالمتعة مرتبطة بارتفاع نسبة هرمون الدوبامين، وقصيرة المدى.. أما السعادة فطويلة المدى، ومرتبطة بهرمون السيروتونين.
هما حالتان مختلفتان.
المتعة حسية.. ولكن السعادة وجدانية ونفسية وعقلية.
المتعة، ومنها الجنس ولحظة الفوز أو الحصول على المال، ممكن أن تكون جزءًا من السعادة الأكبر والأعم والأشمل، ولكنها ليست السعادة بذاتها.
ممكن أن نشترى المتعة ولا يمكن شراء السعادة. والمتعة يمكن أن تتحول إلى إدمان، أما السعادة فهى حالة صحية تجعل الإنسان أفضل ويرى فى الآخرين فضلًا.
هناك أناس قد تكون عندهم نسبة السيروتونين عالية ووراثية، وچيناتهم تعطيهم هذا الاستعداد للسعادة، مثلى.. ولكن يمكن لكل واحد أن يعمل على نفسه ليولد هذا الهرمون بالتفكير الإيجابى.
المتعة فى الأغلب أخذٌ فقط، أما السعادة فهى أخذٌ وعطاءٌ، وقد يكون ما تفعله للآخرين مصدر سعادتك الحقيقى.
قال شاب آخر: وماذا عن التفاؤل؟
قلت: إن التفاؤل عملية نفسية إرادية، تُولد أفكار ومشاعر الرضا والتحمل والأمل والثقة، وتُبعد أفكار ومشاعر اليأس والانهزامية والعجز.
المتفائل يرى فى الأزمات فرصًا، وتفاؤله ينشّط أجهزة المناعة النفسية والجسدية لديه، فى حين يستنفد التشاؤم طاقة الإنسان ويقلل من نشاطه ويضعف من دوافعه.
التفاؤل ليس هبة أو خصلة فى شخصية الإنسان فقط، إنما مهارة يتعلمها الفرد حتى يتقنها ويفكر إيجابيًا.
وأُذكّركم بأن التفاؤل والتشاؤم مُعديان.. بمعنى آخر يمكن اكتسابهما من الاحتكاك بالآخرين.. فملازمة المتشائمين تجعلك مثلهم ذا نظرة سوداوية للحياة، ومترددًا، وغير مقدام.. ولكن صحبتك للمتفائلين تجعل الحياة بنظرك أبسط وأكثر إثارة، ويمكنك مواجهة العثرات بشكل إيجابى.
انظروا حولكم جيدًا، وأحسنوا اختيار الرفقة والأصدقاء أولًا، ثم غذوا عقولكم وأرواحكم بالأفكار الجميلة، واغمروا وجدانكم بالتفاؤل، وستجدون النتائج الإيجابية تنهال عليكم تباعًا.
إن هناك عقلًا جمعيًا للمجتمع، يُخلق بمجموع الطاقة الإيجابية أو السلبية فيه، ويحفزه التعليم والإعلام والفنون، وهو ما يضع على كاهل قيادات المجتمع مسؤولية كبيرة، لأنهم هم صانعو هذا المناخ والميسرون لوجوده.
قالت الشابة اللّمّاحة: وهل تستطيع الحكومات إسعاد الشعوب؟!
قلت: هذه هى وظيفة الحكومات الأساسية يا ابنتى.. على قادة المجتمع أن يفكروا إيجابيا فى رفاهة الأفراد وسعادتهم، فلا يمكن أن تكون السياسة مجرد وعود أو مشروعات على أوراق فقط، فى النهاية إذا لم تتحقق الرفاهة، وإذا لم يسعد الشعب فقد فشل الساسة وفشلت السياسة.
علق الشاب الأول بابتسامة: ألا ترى أنه أحيانا بقرارات بسيطة يمكن للحكومة إسعاد المجتمع؟!.
ثم أضاف: دون ما أتعدى حدودى، نحن نعلم مثلًا أنك كنت عضوًا فى المجلس القومى لحقوق الإنسان لمدة ٨ سنوات، واستُدعيت أخيرًا كعضو فى لجنة وزارة الخارجية الاستشارية التى وضعت استراتيچية مصر لحقوق الإنسان هذا العام، وعلمنا أنه تمت دعوتك للمشاركة فى لجنة وزارية استشارية لمتابعة تطبيق ما أعلنته الدولة حول نيتها فى احترام هذه الحقوق. وسؤالنا لك يا دكتور: ألم تيأس من تكرار هذه المشاركات بلا فائدة؟ الحال هى الحال، والقوانين لا تُعدل، والتطبيقات لا تتم، فنحن نقول ونعلن ما لا نفعل.
قلت: هذا ما قصدته فى بداية حديثى معكم من أهمية التفاؤل والإصرار والمثابرة، فلن تتغير بلادنا من تكرار الشكوى، ولكن بتكرار المحاولة مستخدمين وسائل جديدة بنفس الشغف.
قال الشاب: كنت أتصور وأتمنى أن تضغطوا فى هذه اللجنة لخروج المتحفظ عليهم فى السجون الاحتياطية. وكنت أتصور أن تتوافق الأعياد بأخبار الإفراج عن مسجونى الرأى، وإلغاء قانون ازدراء الأديان، وتحديد حد زمنى أقصى للحبس الاحتياطى، ورفع خانة الديانة من بطاقة الهوية.. وغيرها من القرارات التى لابد تسعدنا كشباب وتسعد أسرًا كثيرة، وتعطينا أملا فى أن ما تعلنونه من استراتيجيات ليس وسائل تمويه للعالم، وأننا نتقدم فى مسألة حقوق الإنسان فعلا وليس شكلا، وأن حكومة بلادنا تؤمن بالحق فى العدالة الناجزة، والحق فى السعادة.. وهى تستطيع بجرّة قلم إصلاح هذا الوضع.
قال شاب آخر: هناك مناخ تشاؤم حولنا يا دكتور، ماذا نفعل فيه؟!.. تهديد من الإرهاب شمالا، ووجدان سلفى يريد العودة بنا إلى الماضى فى الداخل، والعالم كله يقفز للمستقبل ونحن محلك سر فى التعليم، وندّعى أننا فى المقدمة والكل يعلم كذب ذلك، وخوف من أزمة فى المياه جنوبا، وخلاف مع إثيوبيا يزداد عمقا، وتحدٍّ سكانى واقتصادى هائل، وفرص توظيف تتلاشى بفعل علوم المستقبل.. كيف تنتظر منا التفاؤل فى هذا المناخ؟!
قلت له: هل تتصور أن الحياة ستسير بلا تحديات، كأنك تريد لعب مباراة ضامنًا المكسب لغياب الخصم؟!.. إن أجمل ما فى الحياة هو مواجهة التحديات وتحقيق الفوز لنفسك ولغيرك.
هل يمكنك تجنب القلق والخوف أحيانا؟
لا، فهذه هى سُنّة الحياة، ولكن يمكنك العمل والتفكير الإبداعى الخلاق لتتلاءم مع معطيات المستقبل واحتياجات وظائف الغد.. وأستطيع وبثقة وأنا أزور المدارس فى أكثر القرى فقرًا أن أقول إن أطفال مصر يملكون من المواهب والقدرات ما لا يتخيله العقل الجمعى السلبى. وإن الشباب المصرى أفضل من الصورة السلبية التى تُرسم له.. إننى أرى حولى قوى بشرية عظيمة تحتاج للتوجيه والرعاية، لأنهم وقود طاقة إيجابية جبارة.
قال شاب آخر: ما الذى علينا أن نحصل عليه مع السعادة والتفاؤل؟ وما الذى يجب أن نحذر منه؟
قلت: طمأنينة الرضا والاستمتاع بما لدينا من نِعم. ولابد أن نحذر من حروب الجيل الرابع والخامس التى تهدف إلى قتل الأمل فى النفوس ونشر الشائعات عن كل ما هو سيئ والتغاضى عن كل ما هو جميل.
يا أولادى.. بلادنا جميلة، وحضارتنا عظيمة، ونستطيع بالأمل والعمل بثقة وتفاؤل أن نحصل على سعادة نستحقها.
السعادة لا تهبط علينا من السماء، بل نحن من نزرعها فى الأرض.
وليس الفخر ألا نسقط.. ولكن الفخر أن ننهض كلما سقطنا ونتعلم من التجربة.
لا تكونوا من الذين يتذمرون من أن للورد شوكا، بل من الذين يتفاءلون من أن فوق الشوك ورودا..
وتذكروا قول العظيم إيليا أبوماضى:
أيا هذا الشاكى وما بك داء
كن جميلًا ترَ الوجود جميلا.
(أعلم أننى لم أقنع الشباب فى هذه المرّة، فمعهم الكثير من الحق فى أن على أعضاء حكومتنا ومؤسساتنا القضائية والأمنية إثبات أنهم خادمو الشعب وليسوا سادته).
لقراءة المقال في المصري اليوم