الخميس , 13 مارس 2025
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / ما هي الحقيقة ؟ بقلم حسام بدراوي

ما هي الحقيقة ؟ بقلم حسام بدراوي

ما هي الحقيقة ؟
بقلم
حسام بدراوي
تُعرف تجربة ممارسة الحياة في ظلام دامس بعدة أسماء، ولكن من أبرزها “Dark Retreat” (الانعزال في الظلام) – وهي ممارسة روحية وتأملية تُستخدم في بعض التقاليد البوذية والطاوية، حيث يعيش الشخص في غرفة مظلمة تمامًا لعدة أيام بهدف تعميق الإدراك الداخلي واستكشاف وعيه بعيدًا عن المؤثرات الخارجية.
“Sensory Deprivatio و (الحرمان الحسي) – وهي تجربة علمية ونفسية حيث يتم عزل الشخص عن المؤثرات الحسية مثل الضوء والصوت، وأحيانًا حتى اللمس، لاختبار كيفية تفاعل الدماغ في غياب المدخلات الحسية.
وتستخدم بعض الثقافات العلاج بالظلام كطريقة للتخلص من التوتر وتحفيز التأمل العميق، ويُقال إنه يساعد في إعادة التوازن العصبي والعاطفي.
دخلت شخصياً مرّة في تجربة مثيرة حيث التقيت مع خمسةأشخاص لم أعرفهم من قبل ولم يسمح لنا بأن نتعرف علي بعض قبل التجربة.
التجربة هي دخولنا في مكان مظلم تماما ( أي تختفي حاسة البصر ) نلتقي ونتعرف ونحن لم نري بعض ونسير من غرفة الي غرفة في المكان وكل غرفة بها محتويات مختلفة نتحسسها وتتلامس أيدينا وتتداخل الأصوات في وجداننا ونصبح معارف في اطار جديد وتنتهي النصف ساعة في مكان نطلب فيه المشروبات ونتحدث وتنتهي الرحلة بإعادة حاسة البصر ونري بعض و نتفاجأ ، وغصب عن كل واحد، يجد صورة الآخر بشكل مختلف .
فهل الحقيقة مرتبطة بحواسنا المخلوقة فينا مما يعني أنه حتي الكون كله مرتبط بحواسنا وفي غيابها لا يكون الكون كما هو لا شكلاً ولا موضوعاً،
ما هي الحقيقة؟؟
الحقيقة، كما تبدو، ليست مجرد فكرة ثابتة أو متغيرة بالكامل، بل مزيج معقد بين المطلق والنسبي. ربما الحقيقة المطلقة موجودة، لكن وعينا بها نسبي دائمًا، وهذا هو التحدي الفلسفي والوجودي للإنسان.
ما يبدو كحقيقة مطلقة في لحظة تاريخية معينة يمكن أن يتحول إلى مجرد نموذج تقريبي عند ظهور نظريات جديدة.
الجاذبية مثلاً التي كانت تعتبر “حقيقة مطلقة” في زمن نيوتن، ثم تغيرت مع أينشتاين، تواجه الآن تحديات جديدة في إطار ميكانيكا الكم، مما يثبت أن حت الحقيقة الفيزيائية نسبية، وليست مطلقة، لكنها تقترب من المطلق مع تقدم المعرفة العلمية..
أتصور أن الإدراك الذاتي بالعقل هي قدرة الإنسان وأعظم ما يميزه بها عن باقي خلقه فالعقل والتفكير هي معجزة الخلق فينا .
منذ فجر الفلسفة، تساءل البشر عن طبيعة الوجود وما إذا كان العالم من حولنا حقيقيًا أم مجرد وهم ناتج عن حواسنا وإدراكاتنا الذهنية. إذا كانت كل معارفنا مبنية على حواسنا، فهل هذا يعني أن ما نراه هو الواقع المطلق؟ أم أن هناك حقيقة خفية تتجاوز إدراكنا؟
الحواس الخمس (البصر، السمع، اللمس، التذوق، الشم) هي الأدوات التي يستخدمها الإنسان لفهم العالم. لكن هذه الحواس محدودة، فهي لا تستطيع التقاط جميع جوانب الواقع.
حتي عندما نري ، فالبصر قاصر لا يرى سوى نطاق معين من الطيف الضوئي (مثلاً، لا نرى الأشعة تحت الحمراء أو فوق البنفسجية).
كذلك السمع فنحن لا نسمع إلا ترددات معينة، بينما تستطيع بعض الحيوانات سماع أصوات لا ندركها.
يرى أفلاطون أن العالم الحسي الذي نراه مجرد انعكاس مشوه لعالم مثالي من “المثل” (Ideas).
ديكارت ، شك في كل شيء حتى توصل إلى يقينه الوحيد: “أنا أفكر، إذن أنا موجود”، أي أن العقل هو وسيلة الوصول للحقيقة.
• كانط ميّز بين “الشيء في ذاته” (الحقيقة كما هي) و”الشيء كما ندركه” (ما يصل إلينا عبر الحواس والعقل). بالتالي، ربما الواقع الحقيقي يختلف عن تصورنا له، لكن عقولنا تشكّله بطريقة تجعلنا قادرين على التعامل معه.
هناك نظريات تشير إلى أن الكون ربما يكون مجرد “إسقاط” لمعلومات من بعد آخر أعلى، ما يعني أن حواسنا لا تدرك سوى جزء من الحقيقة.
السؤال هو :هل يمكن للعقل تجاوز الحواس؟
إذا كانت الحواس محدودة، فهل يمكن للعقل أن يستوعب الحقيقة المطلقة؟ اليوم، نستطيع خلق “عوالم افتراضية” لا تختلف عن الواقع الحسي، مما يجعلنا نتساءل: هل عالمنا الحالي هو أيضًا نوع من المحاكاة؟
كل ما نعرفه عن الوجود يمر عبر فلاتر الإدراك الحسي والعقلي وقد يكون الواقع الحقيقي أعمق مما نتصور، لكننا لا نملك وسيلة مباشرة للوصول إليه سوى بالاعتماد على أدواتنا الفكرية والتجريبية.
السؤال الذي يبقى مفتوحًا: هل يمكننا يومًا ما تجاوز حدود حواسنا ورؤية الواقع كما هو، أم أننا محكومون بالبقاء سجناء لإدراكنا المحدود؟
وما دمنا نتكلم عن الحقيقة والوجود ، فما هي حقيقة الخلق ؟؟
عندما اطلق ” دارون” فرضيته بتطور المخلوقات عبر بلايين السنين ، ارتطمت النظرية العلمية بمعتقدات رجال الدين المسيحي واليهودي بفهمهم الذي ارتبط بتفسيراتهم لمحتوي كتبهم الدينية ، وكذلك المسلمين الذين ساروا علي نفس المنهج. نفس حائط تكذيب أن الأرض ليست مركز الكون ، أو أننا كوكب يدور حول الشمس، وغيره من الإثباتات العلمية ..
التفسيرات إنسانية وليست مقدسة ، ولابد للبشرية أن تنضج وتعتبر تراكم المعارف في فهمها ولا تقف عند مرحلة طفولة العقل الجمعي للبشر وهو تفسير أجداد أجدادنا لمحتوي الكتب الإلهية. .
السؤال الديني الفلسفي العلمي هل بداية الخلق الذي ترمز له الأديان باسم العَلَم ” آدم “* خُلق كما نراه الآن خلقاً كاملا ، يعني أمسك الخالق قطعة طين ثم عجنها في يده ونفخ فيها فإذا بها آدم!! هذا ما يقولة المتشددون المتمسكون بتفسير القدماء ، ” إن آدم خلق علي هيئته”،ويؤكدون أن نظرية التطور تخالف الكتب السماوية قولاً واحداً ، فلا مجال للنقاش، ولا يمكن تصديق أن الإنسان نتاج لتطور من مخلوق أدني مرتبة.
الحقيقة أن كثيرٌ من النّاس اليوم لا يرى في رواية التّكوين عن آدم وحوّاء أكثر من قصّةٍ رمزيّةٍ، ويوافق حتي بعضاً من علماء الكاثوليك والبروتستانت واليهود والمسلمين على هذا الرّأي.
أنّ معظم تفسيرات المفسرين حسب زمانهم للأديان لبدء البشريّة يتعارض مع التّاريخ والعلم وهذا ما خلق صراعاً بين الفلسفة والعلم والدين عبر العصور لذلك فإن زيادة المعرفة قد يفسر الكثير.
بالعلم والإثبات، فإنّ التّحوّلات، أو تغييرات النّقاط، في الكروموسوم الذّكوريّ لا يمكن أن تتّبع خطّ الذّكور إلى أب جميع البشر. وعلى النّقيض من ذلك، فإنّ الحمض النّوويّ من الميتوكوندريا، “قوّة الطّاقة في الخليّة”، يُحمل داخل البويضة، لذا لا يمرّ سوى من النّساء إلى أطفالهنّ. لذلك، فإنّ الحمض النّوويّ المخفى داخل الميتوكوندريا (الموجودة في كلّ خليّةٍ) يمكن أن يكشف نسبيّة الأمومة إلى الأصل.
هذه الدّراسات تثبت أنّ التّنوّع الجينيّ الموجود في الإنسان الحديث قد يكون أكبر من أن يزوّده شخصان فقط. وجديرٌ بالملاحظة أيضًا أنّ الدّراسات أثبتت أنّ الحمض النّوويّ للميتوكوندريا لدى جميع البشر اليوم ينحدر من امرأةٍ عاشت في شرق أفريقيا قبل 250 الف سنة وهي تسمّى “حوّاء الميتوكًوندريا،
هذا قد يعني أنّ البشريّة الحديثة قد لا تكون منحدرة من شخصين فقط كآدم وحوّاء.
و لكي تتنوع صفات أفراد أي جماعة Genetic Diversity يجب أن يكون عدد أفرادها الفاعلين على الأقل 50.
ولكي لا تختفي بعض هذه الصفات بفعل الانحراف الجيني (Genetic Drift) يجب ألا يقل عدد الأفراد الفاعلين عن 500.
ولما كان ليس كل الأفراد قادرين على الانجاب وتمرير جيناتهم للأجيال اللاحقة فقد قدر ان العدد المطلوب من الجماعة الأولى حتى لا ينقرض البشر الأوائل هو ما لا يقل عن 2500 فرد ،اذن ما للتطور أن يحدث إلا في “جماعة” من البشر الأوائل عددهم تقريبا 2500 زوج من (آدم وحواء).
هذا المفهوم يتفق مع النظريات العلمية حول التطور والسجل الأحفوري والحمض النووي للبشر، ولكنه يتعارض مع التفسير الحرفي لقصة خلق آدم وحواء في التقاليد الدينية.
وأضيف أيضاً أن 300 الف سنة تمثل ثانية واحده أو أقل في عمر الكون البالغ حوالي 14 مليار سنه والأرض التي وجدت من حوالي 4 مليار سنه ونحن البشر بأنواعة وجدنا في آخر جزء من الثانية لهذه الحياة.
نحنً حتي لسنا حتي لقطة في الفيلم ونظن أن الفيلم يدور حول قصتنا.
الحقيقة أن غرور البشر يجعلنا نظن ان كل شئ يدور حولنا وما نحن في الحقيقة إلا لقطة في جزء من ثانية في تاريخ الكون ، هذا إن كان وجودنا حقيقي ولسنا موجودات في محاكاة افتراضية.
السؤال يظل في النهاية كما كان في البداية ….أين الحقيقة؟؟

التعليقات

التعليقات

عن د. حسام بدراوي

د. حسام بدراوي
عن دكتور حسام سياسي ومفكر وطبيب بارز فهو رئيس قسم أمراض النساء والتوليد الأسبق في كلية الطب جامعة القاهرة، تلقي الدراسات العليا أعوام 1979 إلى 1981 في الولايات المتحدة الأمريكية، انتخب عضو في البرلمان المصري ورئيساً للجنة التعليم والبحث العلمي في بالبرلمان منذ عام 2000 حتى 2005، السياسي حسام بدراوي عرف بمواقفه المستقلة ومن القلائل الذين اتفق على نزاهته الجميع من كافة التيارات السياسية، ففي عصر الرئيس الأسبق مبارك كان يلقب بالعاقل داخل صفوف الحزب الوطني، حيث كانت نداءاته وطلباته السياسية تتفق بقدر كبير مع النداءات الداعية للانفتاح السياسي والديمقراطي في مصر، فكان ضد تمديد حالة الطواري، واعترض على انفراد الحزب الوطني بالتعديلات الدستورية، خلال ثورة 25 يناير 2011 ، لعب دوراً سياسياً هاما، حيث عبر منذ اللحظة الأولى على حق المتظاهرين في مطالبهم، ودعا الحكومة إلى الاستماع والاستجابة لهم، ما جعل مبارك مع تصاعد الاحداث لما له من شعبية بتعيينه أمينا عاما للحزب خلفا لأعضاء هيئة المكتب وخلال تلك الفترة عبر عن رأيه السياسي لمبارك بضرورة التنحي، وهو ما دفعه للاستقالة من الحزب بعد 5 أيام من تعيينه يوم 10 فبراير معلنا اختلافه السياسي مع القيادة السياسية في طريقة التعامل مع المتظاهرين ومطالبهم في حكم الإخوان فظلت مواقفه واضحة منذ اللحظة الأولى برفضه الدولة الدينية التي اعتبرها تريد تلويين الشعب بلون واحد، واعتبر قرار الرئيس المعزول مرسي بعودة مجلس الشعب ترسيخ للديكتاتورية المؤيدة من الولايات المتحدة، وكان من أوائل المنددين بتوغل سلطة مرسي على سلطة القضاء، مستنكرا محاصرة المحكمة الدستورية العليا من قبل مليشيات الإخوان أيد د حسام بدراوي حركة تمرد مع بدايتها، وأعلن أن إسقاط حكم الإخوان أصبح ضرورة ومخاطرة لابد منها قبل أشهر من ثورة 30 يونيو، مؤكدا أن الجيش سيقف بجانب الشرعية المستمدة من الشعب.. في ٢٠١٦ تم اختياره رئيسا للجنة الاستشارية لمشروع التعليم أولا ورئيسا للجنة وضع رؤية مصر ٢٠٣٠ في التعليم وفي ٢٠٢٢ تم اختياره مستشارا للحوار الوطني لرؤية مصر ٢٠٣٠