أنا من جيل القراءة.. اعتدنا قضاء يوم الجمعة بعد الصلاة على سور الأزبكية.. هناك تفتحت مداركنا على عالم آخر فيه من المتعة والثقافة بقدر ما يحمله من الإثارة والتشويق.. الكتاب بقرشين أو ثلاثة.. وأتذكر أننى حصلت على أول مجموعة من سلسلة «اقرأ» بـ25 قرشا.. قرأت ألف ليلة وليلة والمازنى والمنفلوطى والعقاد وتوفيق الحكيم بدراهم معدودات.. مازالت متعتى بالكتاب تفوق ملذات العصر من سوشيال ميديا وإنترنت وفضائيات.. بصراحة الكتاب يعطيك فرصة أن تتآمل وترفض وتنقد وتبحث وتستفسر، أما الإنترنت فساندوتيش تأكله «طعما» وتنساه مذاقا.. المهم أننى قبل أسبوعين صادفت كتابين الأول «رجل العاصفة» للشاب أحمد مبارك والثانى «فاروق حسنى ومعركة اليونسكو» للزميلة القديرة فتحية الدخاخنى مديرة تحرير الموقع الإلكترونى لـ«المصرى اليوم»..
وأبدأ بكتاب «رجل العاصفة» وهو عن د. حسام بدراوى أستاذ أمراض النساء والتوليد بجامعة القاهرة وعضو أمانة السياسات بالحزب الوطنى المنحل.. والحقيقة أن عنوان الكتاب لم يعجبنى لأنه يوحى بأنه هو الذى صنع العاصفة.. الحقيقة أنه رجل الإصلاح.. زاملته طويلا فى الحزب الوطنى ورأيت الضرب تحت الحزام الذى يكيله البعض له وثباته على مواقفه وشجاعته فى طرح رؤيتة الإصلاحية فى وجه عتاة وسدنة حزب الأغلبية……
ولأننا أعضاء فى النادى الأهلى منذ زمن فقد تابعت نجاحه فى ثانى انتخابات يخوضها صالح سليم ورغم أنه على قائمته لاحظت أن دعايته لا تعتمد على اسم «صالح» الجذاب بقدر ما تعتمد على شخصيته وعلاقته بالأعضاء.. عضويته فى مجلس إدارة الأهلى كانت أول «طلقة» فى مشواره الإصلاحى.. لم يكن معارضا لصالح سليم الأسطورى ولكن مصلحا.. لم يكن طاهر أبوزيد ولكن شخص له رؤية وهدف….
المشهد الآخر جاء بعد انضمامى للحزب الوطنى حيث أجرى حسام بدراوى عملية جراحية.. كان يشغل الدور الأخير من مستشفاه. ذهبت لزيارته وفوجئت بأن معظم باقات الورود فى البهو من رموز المعارضة السياسية.. وقتها أدركت لماذا سقط هذا الإصلاحى فى انتخابات 2005 فى نفس الدائرة التى نجح فيها مستقلا عام 2000 باكتساح.. هناك أشياء لم ترد فى هذا الكتاب الوثائقى وتضيف له رغم أن الجهد الذى بذله مؤلفه الشاب يستحق كل تحية وتقدير.. مثلا سألت قيادة كبيرة بالحزب الوطنى عن سبب سقوط حسام بدراوى فى الدائرة، خصوصا أنه تردد ظلما أن الرئيس الأسبق مبارك أراد مجاملة اسم السياسى الراحل الكبير رئيس وزراء مصر د. مصطفى خليل فى هشام ابنه الذى نجح مستقلا بعيدا عن الحزب، لكن القيادى الكبير أجابنى بكلام ليس للنشر «أمانة السياسات لم يمر عليها سوى عامين ونصف.. مازالت فى مرحلة التكوين وحسام له آراء معارضة كثيرة وقد يؤثر على مكانة الحزب فى الشارع».. ثم ظهر التعبير الجديد الحرس القديم والجديد وصنفوا حسام بدراوى باعتباره صديقا لجمال.. الحقيقة أنه كان إصلاحيا وشجاعا ورغم صداقته لابن الرئيس كان يجاهر برأيه وأشهد أنه لم يتملقه..
باختصار بدراوى كان صديقا مخلصا لابن الرئيس فى النصيحة، ولم يكن طامعا فى بلاط المستقبل.. شجاعته تلحظها فى مواقف متعددة أهمها حديثه لـ«المصرى اليوم» فى 15 مايو 2013 فى ذروة حكم الإخوان عندما قال «التغول على القضاء أسوأ من أيام مبارك.. والوضع كخيوط العنكبوت.. وتقييمى للرئيس مرسى سلبى»..
(1)
كثير من الحقائق الواردة فى الكتاب معروفة لمن شاهد حوارات بدراوى مع الصحافة والتليفزيون ولكن أهمها فى رأيى أنه حذر بعد اجتماعه يوم 8 فبراير مع قوى المعارضة ونائب الرئيس الراحل عمر سليمان من قيام محاكم تفتيش بعد الثورة يساق فيها الجميع للمشانق سواء متهما أو مذنبا وهو ما عانيت منه شخصيا.. هو يرى أن مفهوم «الإصلاحى» غير «الثورجى».. الأول يؤمن بأن التغيير سمة الشعوب ولكن فى إطار من الشرعية لا تتحكم فيه الفوضى أو إصلاح من الداخل أما الثانى فلا يرى بأسا من الفوضى إذا كانت تحقق له الخلاص من النظام.. غير أن خلاص الفوضى يقود لكوارث..
الكتاب يكشف أن مبارك كان مستعدا بعد تولى بدراوى أمانة الحزب بعد 25 يناير للجلوس مع الشباب لسماع طلباتهم ووعد بتحقيقها شرط التزام أدب الحوار.. لكن الاجتماع لم يتم.. والسبب لم يتطرق إليه الكتاب وهو أن مبارك لم يكن هو الذى يحكم مصر بمفرده، وكانت هناك أولويات عليه مراعاتها أهمها دور القوات المسلحة مستقبلا.. وهذا كان يتطلب فصلا من الكتاب يرويه بدراوى بنفسه.. من كان صاحب القرار فى الاتحادية؟ ومن المسؤول تحديدا الذى نقل صورة كاذبة عن الشارع لمبارك..
أهم تصريح لبدراوى فى عام 2007 هو أن الإصلاح لو فشل داخل النظام سنحصل على دولة عسكرية أو فاشية دينية، وقد حصلنا على الاثنتين.. أما لماذا قال هذا التصريح فى هذا التوقيت فتصورى أنه كان بعد انضمام حبيب العادلى لمعسكر جمال مبارك وبالتالى حدث شرخ قوى بين الداخلية والقوات المسلحة التى رأت أن ما يسمى بالوريث أصبح معه قوة عسكرية وسياسية..
غير أن أهم ما ورد فى الكتاب هو ما جاء فى (ص211) على لسان حسام حيث قال «إن ما حدث فى11 فبراير كان كسراً للشرعية فلا يوجد نص دستورى عن تسليم السلطة للقوات المسلحة، مما استدعى من الجيش فى بيانه رقم (2) تحديد موقفه من خطاب التنحى.. لكن للأسف المسار السياسى الذى رسمه المجلس العسكرى (ص242) وضع مصر فى قبضة الإخوان المسلمين.. وكانت الخطوة الأول الإعلان الدستورى المؤقت ثم انتخابات البرلمان التى سبقت الرئاسة.. وهذا يحتاج كتابا آخر ربما أقدمه عن نتائج يناير..