الجمعة , 15 نوفمبر 2024
Home / بقلم د حسام بدراوي / مستقبل مصر بين النصفين بقلم حسام بدراوي

مستقبل مصر بين النصفين بقلم حسام بدراوي

مستقبل مصر بين النصفين
بقلم حسام بدراوي
لأني أودّ التعلم طول الوقت، ولأني أحلل الماضي والحاضر لأري المستقبل ، فإنني أشارككم فلسفة النصف في ‏حكم البلاد.‏
كل نظام حاكم له مميزات وعيوب نراها ونعرفها، فالديكتاتورية في الحكم بالرغم من عدم تأييدنا لها ، لها فوائد ‏أحياناً. والديمقراطية، بالرغم من دعوتنا اليها ، لها مضار أحياناً. الديكتاتورية قد تأخذ البلاد عبر مضيق ‏التخلف بطريق مختصر، والديمقراطية قد تجعل أغلبية الجهل تختار أسوأ ما المجتمع ولا تتيح إتخاذ إجراءات ‏هامة قد تتوافق مع أغلبية اللحظة ولكنها لا تخدم مستقبل البلاد. ‏
إننا نري في المجتمع الغربي الآن ، وبالذات في النموذج الأمريكي أن سلطة المال ، والنفوذ الصهيوني ، ‏والمؤسسات العسكرية والمخابراتية والمصالح المؤسسية للشركات الكبري يتحكمون بشكل كبير في إختيارات ‏الشعب الأمريكي، ويصل الأمر الي إختيارات بين السئ والأسوأ وليس الأفضل للشعب الأمريكي. ‏
أعود لنموذج الديكتاتورية ولنأخذ نموزج مهاتير محمد في ماليزيا ،و لي كوان فو في سنغافورة وحكام الصين ‏في نهضتها الإقتصادية الجبارة وكمال أتاتورك في تركيا وأ تجرأ وأقول نموزج أودلف هتلر في ألمانيا بعد ‏الحرب العالمية الأولي قبل جنون الحرب العالميه الثانية. ‏
ولو أخذنا نمازج من منطقتنا ، فعبد الناصر كان ديكتاتوراً ، وهو بكل اخطاءه أعطي أملا للشعب ، وكان يستطيع ‏نقل البلاد نقلة حضارية ولكن المجد الشخصي كان أولويته ، والحبيب بورقيبة كان ديكتاتوراً ولكنه نقل بلاده ‏نقلة حضارية كبيرة أيضا في حقوق المرأه والتعليم وغيرهم .‏
أغلب الديكتاتوريين إنتهت فترات حكمهم إما بمصائب أو خلل ما ، أو بانهيار بلادهم وقليل منهم ، من استدامت ‏إصلاحاته .‏
ما الذي يحمي الشعب والحاكم من نشوة السلطة والنفوذ والنفاق الذي ينشأ حولها ، إنه تداول السلطة ، حيث ‏يعرف كل المحيطين بالحاكم أن الأمر غير مستدام. ‏
‏ سآخذ سنغافورة مثلاً ، بلد ظهرت في الوجود كبلد مستقل عام ١٩٦٥ فقط، فهل كانت تستطيع أن تصل الي ما ‏هي عليه الآن بدون مؤسسها لي كوان فو. الذي قال: نهضة الدول تبدأ بالتعليم، وهذا ما بدأت فيه عندما استلمت ‏الحُكم في دولة فقيرة جداً، اهتممت بالاقتصاد أكثر من السياسة، و بالتعليم أكثر من نظام الحكم؛ فبنيت المدراس، ‏والجامعات، و أرسلت الشباب إلى الخارج للتعلم، ومن ثم الاستفادة من دراساتهم لتطوير الداخل السنغافوري
إستمرت سنغافورة بتحقيق نموها الاقتصادي المتميز؛ فمنذ بداية عام ١٩٨٠، إستطاعت أن تخفض معدل البطالة ‏في البلاد إلى ٣%، و ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من ٧ مليار دولار في عام ١٩٦٥إلى ٨٧ مليار دولار عام ‏‏٢٠٠٠، وبلغ عام ٢٠٢٣ ،٤٠٠ مليار دولار ،و ارتفع دخل الفرد من ٤٣٥ دولار سنويا ، إلى ٣٠ الف دولار ‏سنوياً في نفس الفترة الزمنية وبلغ اليوم ٨٠ الف دولار. ‏
هل كان للصين التي يتعدي دخلها القومي اليوم دخل الولايات المتحده وان تنمو وتستثمر في إطار مساواة شكلية ‏تجعل كل البلد فقيرة وتقف أمام قرارات اتخذها الحزب الحاكم ما كان يستطيع أن يأخذها في مناخ ديمقراطي ‏غربي. ‏
بالقطع لا….‏
أنا طبعا لا أدعو للديكتاتورية وأبعد ما يكون عن ذلك ، ولكني أرصد الأحداث. ‏
هناك فوائد للديكتاتورية أحياناً ؟ ،خصوصاً في الدول الذي يعم فيها الفساد والفقر والعشوائيات والتخلف العلمي، ‏لانه ببساطه يمثل الأغلبية التي ستصوت ضد التغيير و ستريد بقاء الأوضاع علي ما هي عليه رغم شكوتها منه ‏لأنها لا تملك الرؤية للمستقبل..نعم.‏
‏ هناك مضار للديمقراطية خاصة عندما تغيب سلطة القانون ويعم الجدل ، وتنتهي كل مناقشة الي لا قرار ولا ‏توجه وتعمل السلطة الحاكمة علي إقصاء كل البدائل أمام الشعوب وتهدد باندلاع الفوضي لولا وجودها ؟ .. ‏نعم.‏
‏ ‏
فبدون تطبيق حازم للقانون ، فلا أري مجلساً لعمارة أو حي سكني أو مجلس محلي أو مجلس قسم في جامعة ‏قادرًا أن يأخذ قراراً ويفرضه علي الآخرين، بل انقساماً ، وفِي الأرجح إلا قليلاً، الكل يتأرجح في النصف . ‏
لقد رأينا زياده في عدد العاملين العاطلين بالدولة بعد ثورة يناير تحت ضغط الشارع ضد مصالح الأمة ونفاقاً أو ‏خوفاً من أقليات تثور أو تهدد بإسم الديمقراطية .‏
‏ ‏
لقد انحزنا إلي بقاء القطاع العام الخاسر بالمليارات ورفضنا الإستثمار الداخلي والخارجي وخلق فرص العمل ‏تحت شعار حماية الفقراء ورقصنا في النصف باسم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي تتحقق بتوفير حقوق ‏المواطنين وليس بمنافسة الدولة للقطاع الخاص ونعيد الكرة بأسماء جديدة .‏
‏ ‏
الدولة تقول نحن نشجع القطاع الخاص وكل من يعمل في القطاع الخاص يعاني من تعطيل أعماله أو أخذ حقوقه ‏واستنزاف موارده بضرائب تعسفية واعتبار أرباحه سرقة يستحق العقاب عليها . ‏
إستبدلنا القطاع العام بمؤسسات لها مسميات أخري، خارج موازنة الدولة ولكنها ما زالت نفس الفلسفة.‏
إننا لم نقدر ولم نستطيع تغيير منظومة التعليم لصالح مستقبلنا أو نمنع فساد إدارتها بدون حجج سوي صعوبة ‏المساس بمصالح البعض أو الخوف من مواجهة المرتعشين ممن يهابون التغيير رغم شكواهم من الأمر الواقع. ‏نحن في النصف، نقول ولا ننفذ، ننادي بأولوية التعليم و نعوق تطويره . ‏
إننا إخترنا نصف الديمقراطية التي تجعل اتخاذ أي قرار مستحيلاً في محاولة ارضاء الجميع فحصلنا علي ‏غضب الكل..‏
لقد ارتضينا نصف الديموقراطية ونصف الديكتاتورية فلم يصيبنا لا خير هذه ولا ميزه تلك
وكما قال جبران خليل جبران ببعض التصرف مني
‏”“لا تجالس أنصاف العشاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين،لا تعش نصف حياة، ‏ولا تمت نصف موت،لا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف ‏أمل.‏
إذا رضيت فعبّر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا، وإذا رفضت.. فعبّر عن رفضك.‏
لأن نصف الرفض قبول.. النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها،وهو ابتسامة أجّلتها، وهو حب لم تصل ‏إليه، وهو صداقة لم تعرفها.. النصف هو ما يجعلك غريباً .‏
النصف هو أن تصل وأن لاتصل، أن تعمل وأن لا تعمل،أن تغيب وأن تحضر.. النصف هو أنت، عندما لا تكون ‏أنت.. لأنك لم تعرف من أنت.‏
نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان، ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة، النصف هو لحظة عجزك وأنت لست ‏بعاجز.. لأنك لست نصف إنسان.‏
أنت إنسان وجدت كي تعيش الحياة، وليس كي تعيش نصف حياة.”‏
فهل نحن مستعدون للاختيار ، وهل نحن مستعدون للحسم السياسى الذى يخدم الاقتصاد؟ أم نريد نصف انفتاح ‏ونصف انغلاق.. هل نريد قطاعاً خاصاً قوياً خالقا لفرص العمل ، أم نريد قطاعا إقتصادياً تتحكم فيه الدولة و ‏أجهزتها أم النصف من ذلك والنصف من هذا. ‏
هل نريد التخلص من الفقر وأن نكون أغنياء أم نريد المساواة في الفقر لأننا في النصف.؟
هل نريد مجتمعاً مدنياً قوياً وجمعيات أهلية مستدامة ، يساند وينمو أم نتفذلك في قوانين تقتله في مهده وتمنعه ‏بحجه الإستقرار الأمني ؟؟
‏ نحن في النصف نريد ولا نريد..‏
هل نحن دولة مدنية أم دولة دينية ؟ كل ما يحدث أمامي يقول أننا في النصف فلا نحن دولة دينية بمعناها الكامل ‏ولا نحن دولة مدنية بمعناها الكامل، نحن في النصف نحصل علي تحكم الدين في المجتمع بدون إعلان ذلك ، ‏وننادي بالمواطنة وأفعالنا فيها تمييز سخيف بين المواطنين المختلفين في الدين ولا نقبل من يتجرأ أن يقول غير ‏ذلك. نحن في النصف .‏
هل نريد سياحة فعلا أم نريد سُياحاً نختارهم بمزاجنا ويتقبلون معاملتنا السيئة لهم حتي لو كانت بغرض حمايتهم ‏لأننا نريدهم ولا نريدهم في نفس الوقت..‏
البلد الذي يملك كنوز الأرض ويَدرس تاريخه كل أطفال العالم ، لا يترك نفسه في قبضه المتسولين ‏والمتحكمين في أماكنه السياحية ، ولا تكون المعاملة في مطاراته و مخارج جماركه بهذا التعقيد والتعالي ، ‏بل يختار ولا يقف في النصف.‏
‏ ‏
النصف هو الرخاوة والسيولة وعدم السير في اتجاه ، وهو يدمر كل شئ مهما حسنت النية ومهما كانت الوطنية. ‏
‏. ‏
إذا وقفنا في النصف فلن نحصل علي ميزة الديكتاتورية بل كل خطاياها ، ولا ميزة الديمقراطية، بل كل ‏أعطالها في إتخاذ القرارات التي يمكن أن يعبر بِنَا نفق الجهل والفقر والمرض .‏
‏ النصف لا ينفع البلاد الآن.‏
مصر تحتاج حكم قوي ولكن في ظل تداول للسلطة يسمح باستدامة التنمية.‏

التعليقات

التعليقات