مصر أمام الديكتاتورية الدولية
حسام بدراوي
يقوم الرئيس ترامب هذه الأيام بتهديد وهدم كل ما بنيناه في وجداننا وصدقناه من قيم الحضارة الغربية من حقوق للإنسان ، والمساواة بين البشر ، وأسس الديمقراطية المبنية علي قواعد مؤسسية .
حتي إحترام المعاهدات والمواثيق الدولية يتم التهرب منها والانسحاب من المؤسسات التي جاهدت الإنسانية في بناءها عبر عشرات السنوات والتي تحافظ علي البيئة والصحة والتبادل الثقافي وتَشارُك العالم في العمل سوياً لمصلحة البشرية.
يمثل الرئيس ترامب ديكتاتورية من نوع جديد تتعدي الحدود السياسية للدولة بلا حرج ولا إحترام للتاريخ ولا الأعراف بفجاجة غير مسبوقة إعتماداً علي قوة عسكرية جبارة و تأثير إقتصادي واسع.
كل نظام حاكم له مميزات وعيوب نراها ونعرفها، فالديكتاتورية المحلية (اقصد في دولة بعينها) بالرغم من عدم تأييدنا لها ، لها فوائد أحياناً ، والديمقراطية، بالرغم من دعوتنا اليها ، لها مضار أحياناً.
الديكتاتورية قد تأخذ بلدٍ ما عبر مضيق التخلف بطريق مختصر، والديمقراطية قد تجعل أغلبية الجهل تختار أسوأ ما في المجتمع ولا تتيح إتخاذ إجراءات هامة قد تتوافق مع أغلبية اللحظة ولكنها لا تخدم مستقبل البلاد.
أما الديكتاتورية الدولية فهذا أمر جديد نراه الآن . النموذج الأمريكي الترامبي الذي يعتمد علي سلطة المال ، والنفوذ الصهيوني ، والمؤسسات العسكرية والمخابراتية والمصالح المؤسسية للشركات الكبري يتحكمون بشكل كبير في إختيارات الشعب الأمريكي، ويصل الأمر الي إختيارات بين السئ والأسوأ وليس الأفضل لهذا الشعب العظيم.
الديكتاتور الدولية لا منافع فيها سوي سلطة دولية ظالمة وفرض إتاوات وقسر وقهر واستغلال لشعوب الأرض بل والإبادة الجماعية بلا ضمير ولا إحترام لقيم إنسانية تراكمت عبر قرون من الزمن.
أعود لواقعنا المحلي علي مستوي دولة دوله، ولنأخذ نموزج مهاتير محمد في ماليزيا ،و لي كوان فو في سنغافورة وحكام الصين في نهضتها الإقتصادية الجبارة وكمال أتاتورك في تركيا وتيتو في يوغسلافيا ، وأ تجرأ وأقول نموزج أودلف هتلر في ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولي قبل جنونه وبدء الحرب العالمية الثانية .
كل الديكتاتوريين إنتهت فترات حكمهم إما بمصائب أو خلل ما ، أو بانهيار بلادهم أو تقسيمها ، ولا أري لديكتاتورية ترامب مصير مختلف سوي أن آثارها أوسع وأعم.
ما الذي يحمي الشعب والحاكم من نشوة السلطة والنفوذ والنفاق الذي ينشأ حولها ،، إنه توازن السلطات ليكون هناك محاسبة برلمانية حقيقية ونظام عدالة ناجز ومستقل وأهم من كل ذلك تداول للسلطة حيث يعرف كل المحيطين بالحاكم أن الأمر غير مستدام لفرد أو مجموعة في حكم البلاد،
وسنري ماذا ستفعل المؤسسات الأمريكية أمام الطوفان الترامبي الديكتاتوري الداخلي و كيف ستوقفه.
النموذج الصيني الذي إعتمد علي ديكتاتورية الحزب الحاكم للحصول علي أعلي فوائد هذا النظام ، كان يمارس ديمقراطية دوران السلطة داخله ، والآن هو الآخر يتهاوي بالتعديلات الأخيرة التي تسمح ببقاء الرئيس طول حياته.
لم يكن للصين التي يتعدي دخلها القومي اليوم دخل الولايات المتحده وان تنمو وتستثمر في إطار مساواة شكلية تجعل كل البلد فقيرة وتقف أمام قرارات اتخذها الحزب الحاكم ما كان يستطيع أن يأخذها في مناخ ديمقراطي غربي ؟!.
أنا طبعا لا أدعو للديكتاتورية وأبعد ما يكون عن ذلك ، ولكني أرصد الأحداث.
هناك فوائد للديكتاتورية أحياناً ؟ ،خصوصاً في الدول الذي يعم فيها الفساد والفقر والعشوائيات والتخلف العلمي، لانه ببساطه يمثل الأغلبية التي ستصوت ضد التغيير و ستريد بقاء الأوضاع علي ما هي عليه خدمة للفساد ، رغم شكوتها منه لأنها لا تملك الرؤية للمستقبل..
هناك مضار للديمقراطية خاصة عندما تغيب سلطة القانون ويعم الجدل ، وتنتهي كل مناقشة الي لا قرار ولا توجه وتعمل السلطة الحاكمة علي إقصاء كل البدائل أمام الشعوب وتهدد باندلاع الفوضي لولا وجودها ؟ …
أعود إلي مصرنا الحبيبة ، وأرصد أننا انحزنا إلي بقاء القطاع العام الخاسر بالمليارات وأعطينا ملكية الدولية أسماء أخري ولكننا لم نغير الفلسفة. ورفضنا الإستثمار الداخلي والخارجي وخلق فرص العمل رغم إعلاننا رغبتنا في ذلك قولاً وليس فعلاً ورقصنا في النصف باسم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية التي تتحقق بتوفير حقوق المواطنين وليس بمنافسة الدولة للقطاع الخاص ونعيد الكرة بأسماء جديدة .
الدولة تقول نحن نشجع القطاع الخاص وكل من يعمل في القطاع الخاص يعاني من تعطيل أعماله أو أخذ حقوقه واستنزاف موارده بضرائب تعسفية واعتبار أرباحه سرقة يستحق العقاب عليها .
إستبدلنا القطاع العام بمؤسسات لها مسميات أخري، خارج موازنة الدولة ولكنها ما زالت نفس الفلسفة.
إننا لم نقدر ولم نستطيع تغيير منظومة التعليم لصالح مستقبلنا أو نمنع فساد إدارتها بدون حجج يقبلها العقل. نحن في النصف، نقول ولا ننفذ، ننادي بأولوية التعليم و نعوق تطويره .
إننا إخترنا نموذج خاص بنا هو نصف الديمقراطية التي تجعل اتخاذ أي قرار مستحيلاً في محاولة ارضاء الجميع فحصلنا علي غضب الكل..
لقد ارتضينا نصف الديموقراطية ونصف الديكتاتورية فلم يصيبنا لا خير هذه ولا ميزه تلك.
وكما قال جبران خليل جبران ببعض التصرف مني
““لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل،
إذا رضيت فعبّر عن رضاك، لا تصطنع نصف رضا (موالاه كما في المنظور المصري الجديد) ، وإذا رفضت.. فعبّر عن رفضك، لأن نصف الرفض قبول.. النصف هو حياة لم تعشها، وهو كلمة لم تقلها،وهو ابتسامة أجّلتها، وهو حب لم تصل إليه، وهو صداقة لم تعرفها.. النصف هو ما يجعلك غريباً .
النصف هو أن تصل وأن لاتصل، أن تعمل وأن لا تعمل،أن تغيب وأن تحضر.. النصف هو أنت، عندما لا تكون أنت.. لأنك لم تعرف من أنت.
نصف طريق لن يوصلك إلى أي مكان، ونصف فكرة لن تعطي لك نتيجة، النصف هو لحظة عجزك وأنت لست بعاجز.. لأنك لست نصف إنسان.
أنت إنسان وجدت كي تعيش الحياة، وليس كي تعيش نصف حياة.”
مصر في لحظة تاريخية وتواجه ضغط دولي وإقليمي رهيب ، ولكن مصر القوية داخليا هي التي تستطيع الوقوف أمام ذلك وأن يكون لديها إختيارات، فلا يجب أن تنسينا الضغوط الخارجية أهمية الإصلاح الداخلي بحجة أن هذا ليس وقته ، وعلينا الإجابة علي هذه التساؤلات الواضحة:
هل نحن مستعدون للاختيار ، وهل نحن مستعدون للحسم السياسى الذى يخدم الاقتصاد؟ أم نريد نصف انفتاح ونصف انغلاق.. هل نريد قطاعاً خاصاً قوياً خالقا لفرص العمل ، أم نريد قطاعا إقتصادياً تتحكم فيه الدولة و أجهزتها أم النصف من ذلك والنصف من هذا.
هل نريد التخلص من الفقر وأن نكون أغنياء أم نريد المساواة في الفقر لأننا في النصف.؟
هل نريد مجتمعاً مدنياً قوياً وجمعيات أهلية مستدامة ، يساند وينمو أم نتفذلك في قوانين تقتله في مهده وتمنعه بحجه الإستقرار الأمني ؟؟
هل نحن دولة مدنية أم دولة دينية ؟ كل ما يحدث أمامي يقول أننا في النصف فلا نحن دولة دينية بمعناها الكامل ولا نحن دولة مدنية بمعناها الكامل، نحن في النصف نحصل علي تحكم الدين في المجتمع بدون إعلان ذلك ، وننادي بالمواطنة وأفعالنا فيها تمييز سخيف بين المواطنين المختلفين في الدين ولا نقبل من يتجرأ أن يقول غير ذلك، نحن في النصف .
هل نريد سياحة فعلا ونجذب السائحين بخدمات ميسرة واحترام في منافذ الدخول والخروج أم نريد سُياحاً يتقبلون معاملتنا السيئة لهم حتي لو كانت بغرض حمايتهم لأننا نريدهم ولا نريدهم في نفس الوقت..
البلد الذي يملك كنوز الأرض ويَدرس تاريخه كل أطفال العالم ، لا يترك نفسه في قبضه المتسولين والمتحكمين في أماكنه السياحية ، ولا تكون المعاملة في مطاراته و مخارج جماركه بهذا التعقيد والتعالي ، بل يختار ولا يقف في النصف.
النصف هو الرخاوة والسيولة وعدم السير في اتجاه ، وهو يدمر كل شئ مهما حسنت النية ومهما كانت الوطنية.
إذا وقفنا في النصف فلن نحصل علي ميزة الديكتاتورية بل كل خطاياها ، ولا ميزة الديمقراطية، بل كل أعطالها في إتخاذ القرارات التي يمكن أن يعبر بِنَا نفق الجهل والفقر والمرض .
كحجج مصر تحتاج التي حكم قوي ولكن في ظل تداول للسلطة يسمح باستدامة التنمية ، والحيرة واليقين بين الاختيارات يرجح الانفتاح والحرية، والمشاركة والتعلم من أخطاء الماضي والسير في طريق معالمه العدالة و العلم والإيمان أن الشعب المصري يملك چينات الحضارة والا ما بقي و استدام،
مصر تستطيع الوقوف أمام الدكتاتورية الدولية عندما تكون فقط قوية بشعبها وجيشها ومؤسساتها الفاعلة واعتمادها علي نفسها .