الأحد , 22 ديسمبر 2024
الرئيسية / بقلم د حسام بدراوي / «مصر التى نحلم بها».. حوار الأصدقاء‏ – حسام بدراوي

«مصر التى نحلم بها».. حوار الأصدقاء‏ – حسام بدراوي

«مصر التى نحلم بها».. حوار الأصدقاء
حسام بدراوي
د. أسامة حمدى، الأستاذ بجامعة هارفارد، هو العالم المشهود له عالميًا فى بحوث وعلاج مرض السكر، ويدير واحدًا من أفضل مراكز البحث والتطوير فى علاج هذا المرض العضال فى العالم بالولايات المتحدة، ونشترك معًا بالميلاد فى المنصورة والذوبان حبًا فى بلادنا، حالمين بالغد وعاملين له.
دارت بيننا مناقشة حول مصر التى نحلم بها وتاريخها المرتبط بقادتها.. ولأننا نرى فى الناس أفضل ما فيهم، ونقدر بإيجابية ما نراه حسنًا، وننقد ما نراه خطأ، فقد كانت المناقشة حول زعماء مصر فى العصر الحديث وكأنها حوار للمستقبل، بدأها د. أسامة قائلًا:
مرَّ على مصر سبعة حكام فى الثمانين عامًا الماضية، كل منهم حاول قدر الإمكان خدمة هذا البلد من موقع القيادة، فأجاد وأخطأ.. وقد تتحمس لواحد منهم فترى فقط إنجازاته و«تقرقش الزلط» لإخفاقاته، فتراه ملاكًا، ولكنك ربما تنسى أن الحاكم ما هو إلا خادم للشعب وليس سيده، ونجاحه وإخفاقه يكونان بمقياس رضاء الناس عنه وقت حكمه وكلمة التاريخ بعد رحيله. وللأسف، لقد انتهى عصر معظمهم بغير ما تمنوه.
قلت: لو كان تداول السلطة يحدث مدنيًا، لكُنّا نرى بناءً فوق بناء، وتراكمًا لإيجابية كل عهد، وإصلاحًا لأخطائه، وما كنّا نرى كل رئيس يهدم فِعل مَن قبله أو أحيانا يزيل اسمه من التاريخ.
قال: معك حق، بنظرة حيادية على هذه العصور لزعمائنا، فإن لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، فهم بشر يصيبون ويخطئون، وكل منهم عاش فى عصره بمناخه الذى يختلف عما نعيش فيه الآن.
قلت: تعالَ نأخذهم واحدًا بعد الآخر ونرى وجهات النظر فيما أنجزوا وأخفقوا فيه.
قال: سأبدأ بالملك فاروق، عصر الباشاوات والحفاة، كان وطنيًا يحب بلاده ويحترم النظام الدستورى الديمقراطى والانتخابات الحرة ويكره الاستعمار الإنجليزى.
قلت: وماذا عليه؟
قال: الاستهتار الشخصى، وهوس القمار، والعبث فى السياسة بتغيير الوزارات، وإهمال الريف وتركه فريسة للجهل والفقر والمرض، ودخوله حرب ٤٨ بدون استعداد، ما أدى لهزيمة كل العرب.
قلت: ونهاية عصره كانت بالخلع من السلطة بثورة الجيش وتشويه حكمه، بل النيل من الزعماء الذين عاشوا فى كل عهود الملكية، وكأن مصر ولدت بعد ثورة الجيش فى يوليو 52.
وأضفت: وماذا عن محمد نجيب الذى تم محو وجوده من التاريخ طوال حياة عبدالناصر وانتهى زمنه بالخلع والإقامة الجبرية.
قال: انتهت فى عهده الملكية والاستعمار وتم إعلان الجمهورية، ولكنه كان قد ارتمى فى أحضان الإخوان المسلمين والأحزاب المنحلة ولم يكن القائد الحقيقى للثورة.
قلت: عهد عبدالناصر سيشهد خلافًا بينى وبينك بحكم معرفتى بك وحبك له.
قال د. أسامة: عبدالناصر كان عصره هو عصر النهضة الصناعية والعدالة الاجتماعية، آمال الوحدة والانفتاح على إفريقيا، تأميم القناة، بناء السد العالى، النهضة الثقافية والأدبية والفنية، تنامى البعد الاشتراكى ومحاولة تحقيق مجتمع الكفاية، قوانين اجتماعية لحماية الطبقة المتوسطة والعمال والفلاحين، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، ثم حرب الاستنزاف بعد الهزيمة.
وأكمل: أما ما عليه، فكان الاعتماد على أهل الثقة، إخفاق مشروع الوحدة، التورط فى حرب اليمن، القضاء على القطاع الخاص، نكسة ٦٧ التى مازلنا نعانى من آثارها، النظام الشمولى وغياب الديمقراطية، السيطرة على الإعلام، والقمع الأمنى.
قلت: لقد كنت محايدًا فى وصفك.. ولكن ما آخذه أنا على عهد ناصر هو ضياع الفرصة، فقد كان بما له من شعبية فى العالم العربى قادرًا على أن ينقل البلاد إلى عهد ديمقراطى مستدام، ولكنه ارتضى الديكتاتورية، واستسهل الاستفتاءات، وضيّعَ فرصة قد لا تعاد فى تاريخ العالم العربى.
قال: وماذا عن أنور السادات؟
قلت: عصر الانتصار وبداية السلام واستعادة سيناء والتحول الديمقراطى، وبناء المدن الصناعية، والخروج من فلك المعسكر الشيوعى الروسى برؤية مسبقة لاحتمالات سقوطه.
قال: وما عليه كان كثيرًا أيضًا، الانفتاح الاقتصادى المتهور، واتساع الفوارق بين الطبقات، إعادة الإسلام السياسى إلى الساحة وتقويته، والارتماء فى فلك المعسكر الغربى الأمريكى، وهدم كل ما كان يمثله عهد ناصر من عدالة اجتماعية.. وانتهى عصره نهاية مأساوية.
قلت: ما لا أغفره له هو تعديل الدستور لفتح مدد الحكم، وهو ما لم يستفد منه، بل من أتى بعده.
وأضفت قائلا: عصر حسنى مبارك تميز بالاستقرار، واستكمال تحرير الأرض، وعودة العلاقات العربية، وعدم التورط فى صراعات فى المنطقة، واتساع الاستثمار الخارجى، وارتفاع الدخل العام للبلاد.
وزدتُ قائلًا: ولكن ذلك لم ينعكس على المواطن من الطبقة المتوسطة والفقيرة، مع تجريف اجتماعى وركود سياسى، وإخفاق فى التعليم والصحة، واتساع الفوارق بين الطبقات، والانفجار السكانى الرهيب وظهور العشوائيات، والانهيار الأخلاقى للمجتمع.
وأضفت: الحقيقة أنه أيضا كانت لديه الفرصة لتأكيد الديمقراطية وتداول السلطة كما كان يقول فى بداية حكمه، ولكنه لم يفعل، وانتهى حكمه بالتنحى مجبرًا عن السلطة.
قال د. أسامة: ومثل من سبقوه يتم محو كل ما فعله ورفع اسمه حتى من محطات المترو، ومحاكمته وكل من كانوا معه ظالمين ومظلومين.
قلت: أما محمد مرسى، فكان عصر صعود الإسلام السياسى، والسقوط السريع والمريع، نتيجة الغرور والغباء والتعصب والاستحواذ على كل السلطات وتلوين المجتمع بلون الإخوان.. ولكن علينا تذكُّر حقيقة حرية الإعلام فى عهده، والتى كانت أحد أسباب سقوط حكمه.
وأضفت: آخذ عليه كذلك تمكين الإخوان من كل مفاصل الدولة، تدمير مؤسساتها وإنشاء مؤسسات موازية كالميلشيات المسلحة، وفتح الباب للمتطرفين وحمايتهم، وفتح الباب للتدخل الخارجى فى شؤون البلاد ومستقبلها والانهيار الاقتصادى، وانتهى عصره بالعزل من السلطة بثورة شعبية.
قال، وأنا أبتسم: هل نكمل الحديث عن عبدالفتاح السيسى (حتى الآن)، أم أن ذلك غير مناسب؟!.
قلت: أعتقد أن التخويف من صراحة الحديث السياسى ليس مصدره مؤسسة الرئاسة، ولكنه انطباع يزداد يومًا بعد يوم. وفى الأغلب أن هذا غير حقيقى، ولكن فى السياسة الانطباع يصبح حقيقة فى الوجدان حتى لو لم يكن له برهان.. لكن عمومًا قد يصعب الحكم على فترة زمنية أثناء حدوثها، ويصبح إدراك آثارها أكثر دقة بعد مرور زمنها.
قال د. أسامة: لو كانت مصر أخذت بأفضل ما فى حكامها، وبَنَت على إنجازاتهم، وأصلحت أخطاء كل عصر بدلًا من هدم كل شىء والبداية من جديد كل فترة، لكنا فى مكانة أخرى.
قلت: لو جمعنا معًا مزايا كل عصر، لتحققت لنا الدولة المصرية المدنية العصرية الحديثة التى نحلم جميعًا بها «دولة مدنية حديثة ذات نظام دستورى ديمقراطى مستقر وانتخابات حرة، وتداول سلمى للسلطة، وعدم استخدام الدين فى الحصول على مكاسب سياسية، ونهضة صناعية كبرى بدور أساسى للقطاع الخاص ودور محدد للدولة موثق، وتعليم عالى المستوى كحق وليس كخدمة مدفوعة الأجر، ورعاية صحية بمعايير عالمية لا تعتمد على قدرة المواطن المادية، ومواصلات عامة تحترم آدمية المواطنين، وعدالة ناجزة مبنية على فلسفة واضحة مستقلة عن السلطة التنفيذية، وتكافؤ للفرص، ونهضة ثقافية وأدبية وفنية ليست مكبلة بالفكر السلفى».. ولكُنا حققنا «دولة تحمى وتنمى الطبقة المتوسطة، وتتوسع فى الاستثمار الخارجى داخل البلاد لخلق فرص عمل مع حرية الإعلام، واستكمال المشاريع الكبرى والبنية التحتية واستدامة الإصلاح الاقتصادى مع تحسن ورفع كفاءة الأداء الأمنى علميًا وليس بالشكل.. علاقات عربية ودولية متوازنة، والقضاء على العشوائيات وإعادة التخطيط العمرانى، وتحجيم الانفجار السكانى، وتنمية السياحة كنز مصر غير المستغل».
أليست هذه مصر التى نحلم جميعًا بها؟!.
وأضفت: التنمية الإنسانية المستدامة يا صديقى والتداول السلمى للسلطة هما أساس البناء التراكمى، والتعلم من أخطائنا، وألا نعيد فعل نفس الشىء فى انتظار نتائج مختلفة.
قال: بعيدًا عن معسول الكلام، وبمنتهى الصدق والإخلاص.. أقولها لزعماء مصر الحاليين والقادمين.. هذا هو كل ما نتمناه منكم لمصرنا الحبيبة ليتذكركم التاريخ بالخير

التعليقات

التعليقات